مقدمة: تمّثل الألغام ومخلّفات الحرب خطراً كبيراً على المدنيين ولا سيّما الأطفال منهم، فقد شهد شهر حزيران/يونيو 2018، إصابة ثلاثة أطفال بجروح متفاوتة إثر انفجار عدداً من المخلّفات بهم في مدينة رأس العين/سري كانيه وريفها[1] الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، ففي تاريخ 28 حزيران/يونيو 2018، أصيب أحد الأطفال ويبلغ من العمر (9) أعوام، جّراء انفجار إحدى القنابل اليدوية بالقرب من مدينة رأس العين/سري كانييه، وكان قد سبقها وتحديداً بتاريخ 19 حزيران/يونيو 2018، إصابة طفلين آخرين، إثر انفجار أحد الألغام الأرضية، على أطراف بلدة الراوية[2] الواقعة غربي مدينة رأس العين/سري كانييه.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فلم يكن شهر حزيران/يونيو 2018، هو وحده من شهد إصابة أطفال ومقتل مدنيين، جرّاء انفجار مخلّفات الحرب وخاصة تلك التي زرعها تنظيم "داعش"، حيث تمّ تسجيل إصابة طفل يبلغ من العمر (13 عاماً) بجروح خطيرة، في أواخر شهر نيسان/أبريل 2018، وذلك إثر انفجار إحدى هذه المخلّفات في منطقة جبل عبد العزيز جنوبي مدينة الحسكة، كما تمّ تسجيل مقتل أربعة مدنيين نتيجة انفجار أحد الألغام في مدينة الرقة[3]، وذلك بتاريخ 12 أيار/مايو 2018.
كما أشار الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى أنّ تنظيم داعش وبقايا تنظيم جبهة النصرة والفصائل الأخرى كانوا قدر زرعوا آلاف الآلغام في ريف رأس العين/سري كانييه الغربي قبل الإنسحاب منها بعد معارك عنيفة مع وحدات حماية الشعب YPG. وانتهى بهم الإنسحاب آنذاك إلى بلدة تل حلف (5 كم غربي رأس العين/سري كانيه)، في منتصف العام 2013.
وسبق أن تمّ تسجيل مقتل ثلاثة أطفال وجُرح ستة آخرين، إثر انفجار إحدى مخلّفات تنظيم "داعش" في منطقة "جسر أبيض" الواقعة غربي مدينة الحسكة، وذلك بتاريخ 2 أيار/مايو 2018، حيث كانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدت تقريراً موجزاً حول تلك الحادثة. كما كانت المنظمة قد أعدت تقريراً آخراً في أواخر العام 2017، حول مقتل (12) مدنياً وجُرح (27) آخرين، وذلك إثر انفجار لغمين أرضيين كانا مزروعين على الحدود الإدارية بين محافظتي الحسكة ودير الزور، وذلك أثناء مرور مجموعة من النازحين الفارين من مناطق سيطرة تنظيم "داعش" في محافظة دير الزور إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في محافظة الحسكة.
إصابة ثلاثة أطفال في مدينة رأس العين/سري كانيه وريفها:
بتاريخ 28 حزيران/يونيو 2018، تعرّض أحد الأطفال للإصابة بالقرب من مدينة رأس العين/سري كانيه، وذلك إثر انفجار قنبلة يدوية من مخلفات تنظيم "داعش"، وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ الطفل "محمد حسين الرجب" والذي يبلغ من العمر (9 سنوات)، وينحدر من مدينة الرقة، كانت قد انفجرت به إحدى المخلّفات أثناء قيامه برعي الأغنام على ضفاف نهر الخابور جنوبي المدينة، وهو ما أدى إلى إصابته بشظايا في ساقه اليسرى وركبته اليمنى، إلا أنّه تماثل للشفاء بعد تلقيه العلاج في "مشفى روج" الكائن في مدينة رأس العين/سري كانيه.
وكان قد سبقها بتاريخ 19 حزيران/يونيو 2018، تعرّض طفلين آخرين للإصابة بجروح متفاوتة إثر انفجار لغم أرضي من مخلفات تنظيم "داعش" بهما، وتحديداً في محيط بلدة الراوية غربي المدينة، وفي هذا الخصوص روى "صلاح علي ظاهر"، (17) عاماً، وهو أحد الأطفال الضحايا الذين أصيبوا إثر ذلك الانفجار، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول ما جرى قائلاً:
"في حوالي الساعة (5:00) فجراً، خرجنا أنا وابن عمي "عمار ظاهر" (17 عاماً)، لرعي أغنامنا في أرض زراعية تمّ حصادها، وبقينا نجوب الأرض بينما كانت الأغنام ترعى حتى الساعة (7:30) صباحاً حيث وقعت الحادثة، إثر انفجار لغم أرضي بنا، فسقطنا أرضاً وأغمي علينا لوهلة، ورأيت ابن عمي ملطخاً بالدماء، وأنا أيضاً لم أكن قادراً على الحراك من شدة الوجع، لكني استجمعت قواي والتقطت هاتفي المحمول، الذي كان قد نجا من الشظايا كونه كان في جيبي، واتصلت بوالدي وطلبت نجدته، وخلال أقل من عشرة دقائق قدم والدي وعمي وأبنائه وشباب القرية وسرعان ما قاموا بإسعافنا إلى مشفى "روج" في مدينة رأس العين/سري كانيه".
صور خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة تظهر "صلاح ظاهر" أحد الأطفال الضحايا الذين أصيبوا إثر انفجار لغم أرضي من مخلفات تنظيم "داعش"، في ريف رأس العين/سري كانيه، وقد التقطت هذه الصورة خلال شهر حزيران/يونيو 2018.
وفي شهادة أخرى أدلى بها "ديلاور محمد علي" وهو أحد الممرضين في مشفى "روج" في مدينة رأس العين/سري كانيه، إذ روى لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ أحد الطفلين المصابين ويدعى "عمار ظاهر"، كان قد تمّ نقله إلى مشافي مدينة القامشلي/قامشلو، وذلك بسبب تعرضه لجروح بليغة، وتابع قائلاً:
"استقبلنا الطفلين المصابين في تمام الساعة (8:30) من صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 19 حزيران/يونيو 2018، وبعد خضوعهما للإسعاف الأولي تبيّن لنا بأنّ الطفل "صلاح علي ظاهر" أصيب بشظايا في طرف بطنه وقدميه فقط، لذا فإنّ حالته الصحية كانت مستقرة، وخضع للعلاج في المشفى، أما ابن عمه "عمار ظاهر" فقد كانت جراحه بليغة، كونه كان قد أصيب بشظايا كثيرة في رأسه وعينيه ويديه وقدميه، بالإضافة لإصابات أخرى، لذا قمنا بتحويله إلى مشافي مدينة القامشلي ليخضع لعمل جراحي ويستكمل العلاج".
وبتاريخ 25 نيسان/أبريل 2018، تعرّض طفل آخر للإصابة بجروح خطيرة، وذلك إثر انفجار لغم أرضي من مخلّفات تنظيم "داعش"، وذلك قرب قرية "جرن" في جبل عبد العزيز جنوبي مدينة الحسكة. حيث انفجر اللغم الذي تركه التنظيم خلفه بالطفل "ماهر الحسن" والبالغ من العمر (13 عاماً)، أثناء قيامه برعي الأغنام بالقرب من القرية، فتمّ إسعافه على إثرها إلى مشفى "روج" في مدينة رأس العين/سري كانيه لتلقي العلاج. وبحسب الممرض "ديلاور محمد علي" فإنّ الجروح الخطيرة التي أُصيب بها الطفل استدعت نقله إلى مشافي مدينة القامشلي/قامشلو لاستكمال العلاج، وفي هذا الخصوص أضاف قائلاً:
"استقبلنا الطفل المصاب في تمام الساعة (2:00) ظهراً من يوم الأربعاء الموافق 25 نيسان/أبريل 2018، أي بعد مرور قرابة ساعتين على إصابته إثر انفجار اللغم، وكان قد أصيب بشظايا في مختلف أنحاء جسمه، لذا سارع الكادر الطبي في المشفى إلى تقديم الإسعافات الأولية له وتضميد جروحه، ولكن لكثرة الشظايا في جسمه كان بحاجة لعمل جراحي فوري، لذا قمنا بتحويله بعد نحو ساعة من وصوله إلى مشافي مدينة القامشلي/قامشلو لاستكمال العلاج."
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ أربعة أشخاص كانوا قد قتلوا بتاريخ 12 أيار/مايو 2018، وذلك نتيجة انفجار لغم من مخلّفات تنظيم "داعش" في مدينة الرقة، حيث وقع الانفجار خلال قيام إحدى الآليات بإزالة الركام من مبنى مهدم في حي "الأماسي" وسط مدينة الرقة، وهو ما أدى إلى مقتل أربعة عمال كانوا يقومون بأعمال الترميم في المبنى.
عمليات إزالة الألغام شمال شرق سوريا:
بحسب إحصائية حصل عليها الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، من منظمة "روج" لمكافحة الألغام[4]، فإنّ المنظمة كانت قد أزالت ودمرت (359) لغماً من مخلّفات تنظيم "داعش" من مساحات تزيد عن (469) ألف متر مربع، وتحديداً في مدينة رأس العين/سري كانيه وريفها الغربي وصولاً إلى بلدة مبروكة، وذلك خلال الفترة الممتدة اعتباراً من تاريخ 29 آب/أغسطس 2016 وحتى تاريخ 17 نيسان/أبريل 2017، ووفقا للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فأن الألغام ومخلّفات الحرب كانت قد خلّفت الكثير من الضحايا ما بين قتيل وجريح في الريف الغربي لرأس العين/سري كانيه منذ مطلع العام 2013، ولكن لا تتوفر أي إحصائيات رسمية توثق عدد الضحايا.
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر عدد الألغام التي تمت إزالتها في مدينة رأس العين/سري كانيه وريفها الغربي، من قبل منظمة "روج " لمكافحة الألغام ما بين عامي 2016 و2017، وقد التقطت هذه الصورة من أرشيف منظمة "روج" خلال شهر حزيران/يونيو 2018.
تنشط منظمة "روج" لمكافحة الألغام في كافة مناطق الشمال السوري، مع إيلاء اهتمام أكبر بالمناطق الأكثر خطراً والقريبة من التجمعات البشرية، وهو الأمر الذي أكده "آلان أوصمان" وهو نائب رئيس المنظمة، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:
"منذ بداية تأسيس المنظمة، ونحن نعمل بشكل تطوعي وبإمكانيات محدودة ومعدّات قليلة وغير متطورة من أجل حماية أرواح المدنيين من مخاطر الألغام ومخلّفات الحرب التي تركها تنظيم "داعش" خلفه في كافة مناطق الشمال السوري، ومع بداية عام 2018 ترّكز عملنا في مدينة الرقة وريفها الشمالي نظراً لكثرة الألغام التي زرعها التنظيم هنالك، وبسبب ازدياد أعداد الضحايا بشكل شبه يومي، لذا قمنا بنزع الألغام من الكثير من محطات المياه والكهرباء وقنوات الري، وفتحنا العديد من الطرقات الملغومة، بالإضافة لتنظيف مساحات كبيرة وواسعة من الألغام ومخلّفات الحرب، وهو ما ساهم بعودة الحياة إلى طبيعتها في العديد من قرى ريف الرقة الشمالي وكذلك العديد من احيائها، عدا عن انخفاض عدد الضحايا".
"فواز محمد" وهو مسؤول قسم التوعية في منظمة "روج" لمكافحة الألغام، روى لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بأنّ المنظمة تسعى لتقليص نسبة ضحايا الألغام ومخلّفات الحرب، عبر توعية أهالي المناطق المتضررة من النزاع بخطرها، وإرشادهم بكيفية التعامل معها، وفي هذا الخصوص تحدّث قائلاً:
"نقوم بتنظيم ندوات توعوية لأهالي القرى والمناطق المتضررة من النزاع، بالإضافة لتوزيع كرّاسات توعوية، بهدف تعزيز السلوك الآمن لدى الأفراد في التعامل مع خطر الألغام ومخلّفات الحرب، والذي يقضي بعدم لمسها أو الاقتراب منها، والإسراع في إبلاغ الجهات المختصة، وإنّ تطبيق هذا السلوك فعلياً سيقلّص من عدد الضحايا المدنيين جرّاء انفجار هذه الألغام، كما أنّ هدفنا الأساسي هو إيصال فحوى هذه الرسالة للجميع، وهنا أود أن أنوه لشيء هام، وهو أنّ المخلفات الحربية سواء أكانت قذائف أو ألغام، يبقى أثرها لعشرات الأعوام، لذا نحاول تغطية أكبر عدد ممكن من الأهالي لتوعيتهم حول مخاطر الألغام و أضرارها، ونرّكز على الأطفال بشكل أكبر لأنهم عفويون في حركاتهم، ولا يدركون معنى الخطر، فهم يلمسون أو يلعبون بأي جسم غريب يرونه، لذلك فإننا نلجأ لاستخدام لوحات مخصصة عليها رسومات كرتونية لتوعيتهم بمخاطر الألغام ومخلفات الحرب."
[1] بتاريخ 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، سيطرت كتائب من المعارضة السوريّة المسلحة وتنظيم جبهة النصرة على مدينة رأس العين/سري كانيه وريفها، لاحقاً، وفي النصف الأول من العام 2013 تمكنت وحدات حماية الشعب YPG من طرد قوات المعارضة المسلحة من المدينة بعد عدة معارك متفرقة، فيما بقي مسلحو تنظيم جبهة النصرة في المدينة، قبل أن تتمكن الوحدات من طردهم أيضاً، بعد معارك استمرت ثلاثة أيام، حيث بايع مسلحو تنظيم جبهة النصرة آنذاك زعيم تنظيم داعش "أبو بكر البغدادي".
[2] بتاريخ 29 أيار/مايو 2015، تمّ طرد مسلحي تنظيم "داعش" من قرية الراوية الواقعة في الريف الغربي لمدينة رأس العين/سري كانيه، على يد وحدات حماية الشعب YPG، وذلك في إطار المرحلة الثانية من الحملة العسكرية التي أطلقتها جنوب غربي المدينة، وتحديداً بتاريخ 27 أيار/مايو 2015، وذلك بعدما كان تنظيم "داعش" قد استولى على القرية إثر معارك مع الوحدات بتاريخ 5 حزيران/يونيو 2014.
[3] تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على مدينة الرقة وطرد مسلحي تنظيم "داعش" منها بتاريخ 20 تشرين الأول/أكتوبر 2017.