مقدمة: عاشت مدن وبلدت الغوطة الشرقية واحدة من أسوأ وأعنف الهجمات العسكرية التي قادتها القوات النظامية السورية بدعم ومساندة مباشرة من الطيران الحربي الروسي جواً والميليشيات الأجنبية والقوات الرديفة المساندة لها براً، وذلك خلال الفترة الممتدة اعتباراً من تاريخ 18 شباط/فبراير 2018، وحتى تاريخ 8 نيسان/أبريل 2018. إذ تمّ خلال هذه الحملة التي استمرّت (49) يوماً، قصف مدن وبلدات الغوطة الشرقية المحاصرة منذ عدّة سنوات بطريقة لم يسبق لها مثيل، ولم يُستثنَ من هذا القصف تجمّعات المدنيين ومنازلهم والأقبية والملاجئ والمرافق الطبية والمدنية الأخرى، بل العكس، فقد كانت أهدافاً في أحايين كثيرة ضمن سياسة ممنهجة متبعة خلال تلك العمليات العسكرية، وذلك بحسب التحقيقات التي أجراها باحثو سوريون من أجل الحقيقة والعدالة على الأرض خلال تواجدهم في المنطقة في تلك الفترة.
وقد أسفرت هذه العملية العسكرية عن مقتل مالا يقل عن (2000) مدني فضلاً عن إصابة الآلاف، وذلك أيضاً بحسب باحثي سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، والذين قاموا بمقاطعة معلومات الضحايا من مصادر عديدة منها النقاط الطبّية وذوي الضحايا والشهادات المباشرة والمصادر العامّة المفتوحة.
وقد انتهت هذه الحملة بسيطرة القوات النظامية السورية وحلفائها على كامل الغوطة الشرقية، وذلك بعد توقيع عدة اتفاقيات مع فصائل المعارضة المسلّحة هناك، حيث كان أولّها مع حركة أحرار الشام الإسلامية[1] في مدينة حرستا، وذلك بتاريخ 21 آذار/مارس 2018، إذ قضى هذا الاتفاق بإخراج مسلحي حركة أحرار الشام الإسلامية مع عائلاتهم إضافة إلى من يرغب من المدنيين إلى شمال سوريا. ثم تبعها اتفاق آخر مع فيلق الرحمن[2] بتاريخ 23 آذار/مارس 2018، وقد قضى هذا الاتفاق بإخراج مسلحي فيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام[3] وعائلاتهم، إضافة إلى من يرغب من المدنيين إلى شمال سوريا، وقد شمل هذا الاتفاق كل من بلدات (عربين وزملكا وعين ترما وجوبر)، أما الاتفاق الأخير فقد كان مع مع جيش الإسلام[4] بتاريخ 8 نيسان/أبريل 2018، وقد قضى هذا الاتفاق بإفراج مسلحي جيش الإسلام عن جميع المخطوفين المحتجزين[5] لديهم، مقابل السماح لهم بالخروج مع أهاليهم غير الراغبين بالتسوية، إلى شمال البلاد.
وسوف تقوم سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بإجراء تحقيقات موّسعة ومفصّلة حول اتفاقيات التسوية تلك، وعمليات التهجير القسرّية بحق سكان المنطقة والتي رافقت "اتفاقيات التسوية" تلك. وسوف يتم نشر هذه التحقيقات تباعاً وفور الانتهاء منها.
وبحسب باحثي سوريون من أجل الحقيقة والعدالة[6]، فلم تتوقف القوات النظامية السورية وحلفائها طوال تلك الحملة، عن قصف مدن وبلدات الغوطة الشرقية بمختلف أنواع السلاح، حتى باتت وكأنها تتبع سياسة الأرض المحروقة كي تتمكن من التقدم العسكري، إذ أنها عمدت إلى تقسيم الغوطة الشرقية إلى ثلاثة قطاعات رئيسية: وهي القطاع الأوسط[7] وقطاع حرستا[8] وقطاع دوما[9]، كي يصبح من السهل السيطرة عليها بعد ذلك، ولفت أحد الباحثين الميدانيين لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ الموت كان قد تحول إلى حدث اعتيادي في الغوطة الشرقية أثناء الحملة، فمع كل يوم تقريباً كان هنالك عشرات الأشخاص يفقدون حياتهم، مشيراً إلى أنّ الحياة كانت تستوي مع الموت في ذلك الوقت.
ومن اللافت الإشارة إلى أنّ مجلس الأمن الدولي كان قد تبنّى القرار رقم (2401) بتاريخ 24 شباط/فبراير 2018، وسط ترحيب من الأمم المتحدة، والذي طالب بوقف الأعمال العدائية في جميع أنحاء سوريا في مدّة لا تقل عن (30) يوماً متتالياً، وذلك للتمكين من إيصال المساعدات الإنسانية وتقديم خدمات الإجلاء الطبّي للمرضى والمصابين. وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة قد وصف الوضع في سوريا ب"القاتم" وذلك على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن الدولي.
وقد تزامنت العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية مع عمليات عسكرية أخرى في الشمال السوري، حيث قامت القوات التركية وبمساندة من فصائل المعارضّة السّورية المسلّحة بشنّ حملة عسكرية على مدينة عفرين السورية -ذات الغالبية الكردية- والتي بدأت بتاريخ 20 كانون الثاني/يناير 2018، وانتهت بسيطرة الجيش التركي والقوات المقاتلة لها على كامل منطقة عفرين.
لقراءة وتحميل التقرير كاملاً (84 صفحة) بصيغة ملف PDF يرجى الضّغط هنا.
[1] حركة أحرار الشام الإسلاميّة تم تأسيسها بتاريخ 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، ويقدر عدد مقاتليها بحوالي 25 ألف مقاتل، وهي إحدى الفصائل العسكريّة الإسلاميّة والتي تشكّلت بعد اندماج أربع فصائل إسلاميّة وهي (كتائب أحرار الشام وحركة الفجر الإسلاميّة وجماعة الطليعة الإسلاميّة وكتائب الإيمان المقاتلة) وتنشط الحركة في الكثير من المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السوريّة وخاصّة في محافظات إدلب وحلب وحماه. يترأّس الحركة حاليّاً السجين السابق لمدّة 12 سنة في سجن صيدنايا العسكري (حسن صوفان/أبو البراء) وهو من مواليد محافظة اللاذقيّة 1979، وقد تمّ الإفراج عنه إثر صفقة تبادل أجريت في نهاية عام 2016.
[2] في بداية شهر آب/أغسطس 2012، أعلن عن تشكيل لواء "البراء" بقيادة النقيب المنشق عبد الناصر شمير الذي ينحدر من محافظة حمص، وفي نهاية عام 2013 تطور لواء البراء، فتم الإعلان عن تشكيل فصيل فيلق الرحمن والذي ضم عدة ألوية تابعة للمعارضة السورية المسلحة، منها لواء "أبو موسى الأشعري" ولواء "شهداء الغوطة" وكتائب "أهل الشام" واللواء الأول في القابون وحي تشرين وكتيبة "العاديات" في الغوطة الغربية. ويضم الفيلق بحسب مصادر عديدة حوالي (٩٠٠٠) مقاتل.
وكان يكتسب الفيلق نفوذه من تركزه في أحياء شرقي العاصمة في جوبر وزملكا، كما كان يعد ثاني أكبر فصيل عسكري معارض في الغوطة بعد جيش الإسلام.
[3] بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2017، أعلنت عدّة فصائل جهادية في شمال سوريا الاندماج تحت مسمّى "هيئة تحرير الشام" وكانت الفصائل التي أعلنت عن حلّ نفسها والاندماج تحت المسمّى الجديد هي (جبهة فتح الشام – تنظيم جبهة النصرة سابقاً وحركة نور الدين الزنكي ولواء الحق وجبهة أنصار الدين وجيش السنّة) إلا أنه وعلى خلفية اندلاع المواجهات الأخيرة بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام في الشمال السوري بتاريخ 15 تموز/يوليو 2017، أعلنت حركة نور الدين الزنكي انفصالها عن الهيئة بتاريخ 20 تموز/يوليو 2017.
[4] جيش الإسلام: في أيلول/سبتمبر 2011 أعلن "زهران علّوش" السجين السابق في سجن صيدنايا عن تشكيل "سريّة الإسلام" المعارضة، والتي أصبحت فيما بعد وتحديداً في منتصف عام 2012 إلى "لواء الإسلام". وفي 29 أيلول/سبتمبر 2013 اندمج اللواء مع عدد آخر من الفصائل ليتم الإعلان عن تشكيل "جيش الإسلام"، ثمّ انضمّ لاحقاً في نفس العام إلى "الجبهة الإسلاميّة" وضمّت في صفوفها كتائب إسلامية أخرى منها " ولواء التوحيد وصقور الشام إضافة إلى حركة أحرار الشام الإسلامية ولواء الحق"، وشغل زهران علوش فيها منصب القائد العام. وكان ينشط الجيش وبشكل رئيسي في منطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق، إلاّ أنّ تواجد أيضاً في معظم المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية ما عدا المناطق الخاضعة لتنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية.
[5] يُقصد بالمحتجزين الذين تمّ اعتقالهم بسبب اتهامهم بتأييد النظام السوري.
[6] تجدر الإشارة إلى أنّ معظم الشهود الذين أدلوا بإفاداتهم فضلوا الحديث بأسماء مستعارة لأسباب أمنية، وبعضهم تمّ اللقاء به من قبل الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة داخل الغوطة الشرقية، والبعض الآخر من الشهود تمّ اللقاء بهم خارج الغوطة الشرقية، وذلك عقب تهجيرهم إلى الشمال السوري.
[7] يتضمن القطاع الأوسط عدة مدن وبلدات ومنها عربين وحمورية وكفربطنا وسقبا وجسرين وزملكا، وكان يسيطر عليه فصيل فيلق الرحمن.
[8] كان يسيطر على قطاع حرستا حركة أحرار الشام الإسلامية.
[9] يتضمن قطاع دوما عدة مدن وبلدات أهمها مدينة دوما ومسرابا والشيفونية، وكانت تتبع لسيطرة جيش الإسلام.