مقدمة: ازدادت وتيرة الانتهاكات التي طالت إعلاميين وصحافيين في شمال وجنوب سوريا، وذلك خلال شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو 2018، ففي يوم الخميس الموافق 17 أيار/مايو 2018، قام مجهولون باغتيال الناشط الإعلامي "إبراهيم المنجر" في محافظة درعا، إذ عمدوا إلى إطلاق النار عليه خلال أمام منزله الكائن في بلدة صيدا بريف درعا الشرقي والخاضعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة. وقد رجّح العديد من شهود العيان لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، وقوف تنظيم "داعش" وراء عملية الاغتيال تلك.
وبتاريخ 17 أيار/مايو 2018، تعرّض "علاء العبد الله" وهو مدير معهد الإعلام في جامعة إدلب، للاعتقال على يد عناصر تابعين لهيئة تحرير الشام[1] في إدلب المدينة، وذلك على خلفية انتقاده لمعهد الإعلام التابع لحكومة الإنقاذ[2] وتصريحاته حول افتقار المعهد لمدرّسين أكفاء، وبحسب العديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد تمّ الإفراج عن العبد الله بتاريخ 20 أيار/مايو 2018، وذلك بعدما أمضى (72) ساعة في الاحتجاز.
وكان قد سبق لهيئة تحرير الشام احتجاز الناشط الإعلامي "أحمد الأخرس" بتاريخ 28 نيسان/أبريل 2018، حيث قام عناصر تابعين لها باعتقال الأخرس مع زميله المصّور "رامي رسلان"، وذلك بينما كانا يقومان بتصوير فيلم وثائقي في مدينة دركوش بريف إدلب الغربي، حيث تمتّ عملية الاعتقال بحجة عدم امتلاكهما إذناً بالتصوير، وقد تم الإفراج عن المصور "رامي رسلان" عقب يوم واحد من احتجازه، فيما لا يزال الأخرس محتجزاً لديها حتى تاريخ إعداد هذا التقرير في أواخر شهر أيار/مايو 2018.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في محافظة درعا، فإنّ النشطاء الإعلاميين هم الضحية الأولى نتيجة الصراعات الدائرة ما بين القوى العسكرية المختلفة في درعا، فالمساهمة في نقل الحقيقة كثيراً ما تعرّض حياة الناشط الإعلامي/الصحفي للخطر، ابتداءً من الاعتقال ووصولاً للاغتيال، وقد وثقت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة انتهاكات من كافة الأطراف بحق النشطاء الاعلاميين، حيث تعرض الناشط في الهيئة السورية للإعلام "أسامة الزعبي"، لعميلة اغتيال نتيجة انفجار عبوة ناسفة على إحدى الطرق القريبة من مواقع القوات النظامية السورية، والتي يُعتقد بأنها المسؤولة عن انفجار العديد من العبوات الناسفة والتي أدت لوفاة العشرات في أماكن مختلفة من درعا.
كما أن نقل وقائع بعض التجاوزات التي ارتكبها عناصر في "قوات شباب السنة" التابعة للمعارضة السورية المسلحة، أدى إلى اعتقال مراسل قناة الآن "محمد الغزاوي" وتوجيه الإساءة له في إحدى السجون التابعة لهذا الفصيل المعارض، وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدت تقريراً مفصلاً حول تلك الحادثة. وأخيراً كان لتنظيم الدولة الإسلامية أيضاً بصمة واضحة في عملية اغتيال الناشط الإعلامي "إبراهيم المنجر" بعد مسيرة طويلة في توثيق انتهاكات هذا التنظيم ضد المدنيين في ريف درعا الغربي.
من جهته قال الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في محافظة إدلب، ادلب بأنّ هيئة تحرير الشام مازالت تواصل تضيق الخناق على الصحفيين والناشطين الإعلامين في الشمال السوري، وذلك على الرغم من "تعهدها بتسهيل" مهمة الإعلاميين في المنطقة، مشيراً إلى أنّ اعتقال الناشط الإعلامي "أحمد الأخرس" دفعت بالعديد من الناشطين الإعلاميين في المحافظة لاتخاذ كافة التدابير خوفاً من الاعتقال الذي بدأ يظهر في الفترة الاخيرة وبشكل عشوائي.
أولاً: اغتيال الناشط الإعلامي "ابراهيم المنجر" في محافظة درعا:
ينحدر الإعلامي "إبراهيم المنجر" من بلدة تل شهاب بريف درعا الغربي، وهو من مواليد عام (1992)، متزوج ولديه طفلة في الثالثة من عمرها، عمل منذ العام 2011 في العديد من الوكالات الإعلامية العاملة في الجنوب السوري ومنها "شبكة شام الإخبارية" و"وكالة سمارت للأنباء"، كما عمل مصوراً في "قناة الآن" و"قناة الجسر الفضائية" وأخيراً كان يعمل مراسلاً لوكالة "SY24"، وفي العام 2017 انتقل للعيش في بلدة صيدا بعد تعرّضه لثلاث محاولات اغتيال على مدار عامين في بلدة تل شهاب والتي تنشط بها خلايا تابعة لتنظيم "جيش خالد بن الوليد" المبايع لتنظيم "داعش"، وفي هذا الخصوص أفاد "جعفر أبو الآغا" وهو صديق مقرب من المنجر، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"تعرّض إبراهيم المنجر لثلاث محاولات اغتيال خلال عامي 2015 و2016، واثنتان منها حدثت أيضاً في شهر رمضان، فقد تعرض لمحاولة اغتيال بعبوة ناسفة استهدفت دراجته النارية عندما كان بالقرب من حي درعا البلد، وكانت هنالك محاولة ثانية لاغتياله عن طريق عبوة ناسفة استهدفت سيارته في بلدة تل شهاب، أما المحاولة الثالثة فقد كانت بعد رمي عبوة ناسفة أمام منزله أدت إلى إصابة شقيقه بجروح، وبعد ذلك قرر الانتقال للعيش في بلدة صيدا لاعتقاده بأنها ستكون أكثر أمناً وبُعداً عن أماكن تواجد خلايا تنظيم "جيش خالد بن الوليد" الذي يسيطر على حوض اليرموك بالقرب من بلدة تل شهاب."
وأضاف الأغا بأنّ المنجرّ كان دائماً ما يخبر أصدقائه قبيل حادثة اغتياله، بأنّ تنظيم "داعش" هم من يقوم بمحاولات قتله، وذلك على خلفية اتهامه بأنه "مخبر وعميل" لدى فصائل المعارضة السورية المسلحة، كما نوّه إلى أنّ المنجر بات يشعر أنه مراقب وخاصةً بعد مقتل "صلاح البقيرات" في بلدة تل شهاب بتاريخ 28 آذار/مارس 2017، لافتاً إلى أنّ "صلاح" هو مسؤول التفخيخ وخبير التحكم بالعبوات عن بعد، وكان يعرف بين أبناء المنطقة بتبعيته لتنظيم "داعش"، كما أنه كان قائداً للعديد من الخلايا النائمة، وقد كان الخوف يتملك المنجر من أن يتمّ اتهامه بقتل "صلاح".
ثانياً: اعتقالات طالت إعلاميين وصحفيين في إدلب من قبل هيئة تحرير الشام:
تعددت الانتهاكات التي طالت صحفيين وإعلاميين في الشمال السوري أيضاً، ففي يوم الخميس الموافق 17 أيار/مايو 2018، تعرّض مدير معهد الإعلام في جامعة إدلب "علاء العبد الله"، للاختطاف من قبل جهة مجهولة في إدلب المدينة، ليتبين لاحقاً أنّ الكتيبة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام هي من قامت اعتقاله، وينحدر العبد الله من مدينة كفرنبل، وهو من مواليد (1981) كما أنه متزوج ولديه أطفال، وفي هذا الخصوص تحدّث "محمد الياسين"/اسم مستعار وهو أحد إعلاميي مدينة إدلب قائلاً:
"في حوالي الساعة (11:00) من ظهر ذلك اليوم، قامت مجموعة مسلحة ومعها عدة سيارات من نوع "بيك آب" إضافة إلى سيارة من نوع "فان" بمداهمة مكان تواجد "علاء العبد الله" بالقرب من جامعة إدلب، وعلى الفور تمّ اقتياده إلى داخل إحدى السيارات، دون أن يعلم حقيقة الجهة التي قامت بهذه العملية، ولكن الجميع يعلم بألا فصيل عسكري يستطيع القيام بمثل هذه العمليات إذا لم يكن منسقاً مع الكتيبة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام ولا سيما أنّ المدينة تخضع لسيطرتها أولاً، إضافة إلى أنّ المدينة محاطة بالحواجز التابعة لهيئة تحرير الشام ثانياً، ويعدّ الأستاذ "علاء العبد الله" من أهم المدرّسين في معهد الإعلام في الجامعة، وعلى ما يبدو أنّ خلفية الاعتقال جاءت بسبب تصريحات أدلى بها في وقت سابق لمركز إدلب الإعلامي، إذ أفادت هذه التصريحات بأنّ معهد الإعلام يفتقر إلى الخبرة الكافية والمدرسين الأكّفاء، مع العلم بأنّ هذا المعهد هو الوحيد من نوعه في المنطقة والذي يقوم بتدريب وتعليم الطلاب مادة الإعلام، ويتبع إلى حكومة الإنقاذ التابعة بدورها لهيئة تحرير الشام، وقد بقي العبد الله محتجزاً حوالي (72) ساعة في معتقلات هيئة تحرير الشام، قبل أنّ يتم الإفراج عنه بتاريخ 20 أيار/مايو 2018."
وأشار الياسين إلى أنه التقى ب "علاء العبد الله" عقب الإفراج عنه، إلا أنه لم يكشف له عن سبب الاعتقال أو ما إذا تمّ التحقيق معه، مرجّحاً بأنّ هيئة تحرير الشام حملته على التعهد بعدم الحديث حول القضية طالما أنه لا يزال متواجداً داخل محافظة إدلب، وعلّق قائلاً:
"في محافظة إدلب نعيش أقسى الظروف بسبب تضييق الخناق علينا وجميعنا يعرف عواقب وخطورة الكلام في ظل فصيل عسكري لا يعرف معنى حرية التعبير والرأي بشكل عام."
وفي شهادة أخرى حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، من أحد العاملين في مركز إدلب الإعلامي، إذ قال بأنّ المركز كان قد قام منذ مدة قصيرة وتحديداً قبيل اعتقال مدير المعهد "علاء العبد الله"، بإعداد تقرير مصور يسلّط الضوء على معهد الإعلام في جامعة إدلب، حيث أنهم قاموا بلقاء بعض المدرّسين والطلاب إضافة إلى مدير المعهد الذي تحدث عن قلة الخبرة لدى بعض المدرسين، مشيراً إلى أنه وعلى خلفية هذا التقرير تمّ تهديد عدد من طلاب المعهد الذين تمت مقابلتهم بالفصل كما تمّ اعتقال مدير المعهد، لذا وتفادياً لأي عداء أو مشاكل فقد تمّ حذف هذا التقرير، ولافتاً إلى أنّ بعض الأشخاص المعنيين في معهد الإعلام دفعوا ببعض طلاب المعهد للتظاهر وتكذيب مركز إدلب الإعلامي، وحمله على تقديم الاعتذار.
صورة تظهر الناشط الإعلامي "أحمد الأخرس" قبيل اعتقاله على يد عناصر تابعين لهيئة تحرير الشام في مدينة دركوش بريف إدلب الغربي، وذلك بتاريخ 29 نيسان/أبريل 2018، مصدر الصورة: نشطاء من دركوش.
لم تكتف هيئة تحرير الشام باعتقال مدير المعهد الإعلامي في جامعة إدلب فحسب، ففي تاريخ 29 نيسان/أبريل 2018، كان الناشط الإعلامي "أحمد الأخرس" وهو من مواليد مدينة دركوش عام (1991)، قد تعرّض هو الآخر للاعتقال على يد عناصر تابعين ل"هيئة تحرير الشام"، وذلك بتهمة التصوير في منطقة دركوش بريف إدلب الغربي دون موافقة مسبقة، ويعمل الأخرس كمراسل صحفي في وكالة "SY24" في الشمال السوري، وكان قد تمّ اعتقاله برفقة زميله المصور "رامي الرسلان" الذي أخلي سبيله في اليوم التالي، وفي هذا الخصوص تحدّث أحد نشطاء مدينة دركوش لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"في يوم 29 نيسان/أبريل 2018، وبينما كنت متواجداً في مدينة دركوش، قام عناصر تابعين لهيئة تحرير الشام باعتقال الشاب "أحمد الأخرس"، وذلك خلال قيامه بتصوير فيلم وثائقي داخل المدينة، بحجة أنه لا يملك إذناً بالتصوير، وما حدث بالتفصيل أنّ سيارتين من نوع بيك آب، كانت محملتين بعناصر من هيئة تحرير الشام، قامتا باقتحام مكان التصوير واعتقال الأخرس دون أي سؤال، وما يزال الأخرس حتى هذه اللحظة متواجداً في سجون الهيئة، رغم مطالبة جميع الإعلاميين والصحفيين في محافظة إدلب بإطلاق سراحه، واليوم مضى على اعتقال الأخرس حوالي (20) يوماً، وهو ما دفع باتحاد الإعلاميين الأحرار في محافظة إدلب لإصدار بيان يطالب بتوضيح حول حادثة اعتقال الأخرس كما طالبت بالإفراج عنه."
صورة تظهر البيان الصادر عن اتحاد الإعلاميين الأحرار في محافظة إدلب بتاريخ 7 أيار/مايو 2018، حول حادثة اعتقال الناشط الإعلامي "أحمد الأخرس" على يد عناصر تابعين لهيئة تحرير الشام، مصدر الصورة: المكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية.
وكان مراسل تلفزيون سوريا "وائل عادل" وزميله المصور "عمر حافظ" قد تعرّضا أيضاً للاعتقال والاعتداء من قبل مجموعة من الأمن العام التابع للمعارضة السورية المسّلحة في إعزاز بريف حلب، وقد تمت عملية الاعتقال والاعتداء في يوم 15 أيار/مايو 2018، وذلك بحجة عدم حصولهما على "ترخيص" لتصوير إحدى التقارير، كما جاء في أحد التقارير التي نشرها تلفزيون سوريا على موقعه الرسمي حول تلك الحادثة، وقد ورد فيه ما يلي:
"إنّ عناصر الدورية اعتدوا على المراسل مع المصوّر (عمر حافظ) بالضرب، واعتقلوهما بعد كيل "الشتائم" بحقهما، كما صادروا معداتهما وبطاقاتهما الشخصية، قبل أن يطلقوا سراحهما بعد ثلاث ساعات، ومطالبتهما بمراجعة قسم "المعصرة" أي السجن التابع لـ "الأمن العام."
[1]بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2017، أعلنت عدّة فصائل جهادية في شمال سوريا الاندماج تحت مسمّى "هيئة تحرير الشام" وكانت الفصائل التي أعلنت عن حلّ نفسها والاندماج تحت المسمّى الجديد هي جبهة فتح الشام – تنظيم جبهة النصرة سابقاً، وحركة نور الدين الزنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنّة، وحركة أنصار الشام الإسلامية، إلا أنه وعلى خلفية اندلاع المواجهات الأخيرة بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام في الشمال السوري بتاريخ 15 تموز/يوليو 2017، أعلنت حركة نور الدين الزنكي انفصالها عن الهيئة بتاريخ 20 تموز/يوليو 2017.
[2] بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2017، تمّ انعقاد "المؤتمر السوري العام" في محافظة إدلب، والذي توصل إلى تشكيل "مجلس تأسيسي/هيئة تأسيسية" لتسمية رئيس حكومة جديد، ونتج في عنه بيان ختامي لتشكيل ما أطلقوا عليها اسم "حكومة الإنقاذ" حتى تدير "المناطق المحررة" في شمال سوريا، وقد تمّ تشكيل "حكومة الإنقاذ" فعلياً بتاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، إذ أنها أعلنت عن تسمية وزرائها في مؤتمرها التأسيسي الذي تمّ برئاسة "محمد الشيخ"، والذي قال بأنّ تشكيل هذه الحكومة جاء بعد إطلاق مبادرة لتشكيل إدارة مدنية من قبل مجموعة من الأكاديميين والفعاليات والهيئات في محافظة إدلب، وواجهت هذه الحكومة اتهامات بالتبعية لهيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، وذلك على خلفية استعانتها بعناصر من هيئة تحرير الشام في تطبيق عدد من قرارتها.