مقدّمة: تعرضت عدد من مدن وبلدات محافظة درعا إلى تصعيد عسكري جديد من جانب القوات النظامية السورية، وذلك خلال شهر شباط/فبراير 2018، إذ عمدت الأخيرة إلى اعتماد سياسة القصف العشوائي بحق مناطق مكتظة بالمدنيين مثل (الغارية الغربية وداعل والنعيمة ودرعا البلد والكرك الشرقي ومدينة الحارة وبصر الحرير والغارية الشرقية)، وهو ماتسبّب في وقوع العديد من الضحايا المدنيين مابين قتلى وجرحى، وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فقد استخدمت القوات النظامية السورية الأسلحة الثقيلة خلال هجماتها تلك، مثل صواريخ أرض-أرض من نوع "الفيل"، إضافة إلى راجمات الصواريخ والهاون.
وتزامن هذا التصعيد مع رسائل تهديد بعثتها القوات النظامية السورية عبر وفود "لجان المصالحة المحلية"[1] إلى فصائل المعارضة المسلحة في محافظة درعا، وقد تضمنت هذه الرسائل تهديداً بنقل العمليات العسكرية إلى محافظة درعا بعد إنهاء ملف الغوطة الشرقية، وذلك بهدف استعادة السيطرة على الأجزاء الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في حال لم تقم بتسليم السلاح والاستسلام، ومن جهتها فقد ردت فصائل المعارضة المسلحة بقصف المواقع التابعة لسيطرة القوات النظامية السورية في محافظة درعا مثل مدينة إزرع وخربة غزالة.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد أثار هذا التصعيد ورسائل التهديد الأخيرة حالة من الخوف والهلع لدى أهالي ريف درعا الشرقي الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة، وهو مادفع العديد منهم للنزوح إلى مناطق قريبة من الحدود الأردنية مثل (الكرك ومعربة والطيبة والمسيفرة وبصرى الشام).
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد أعدت في وقت سابق تقريراً بعنوان "لا توقف عن سقوط قتلى مدنيين رغم إنشاء "منطقة خفض توتر في الجنوب" وانخفاض حدّة العمليات العسكرية، وقد وثق هذا التقرير سقوط ضحايا مدنيين، نتيجة خروقات القوات النظامية السورية لاتفاق "خفض التوتر" في المنطقة الجنوبية، وذلك خلال شهر كانون الأول/يسمبر 2017.
السياق السياسي والعسكري:
بتاريخ 14 أيلول/سبتمبر 2017، عقدت الجولة السادسة من مؤتمر الآستانة في العاصمة الكازاخستانية، حيث تمّ الاتفاق مابين الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) على عدة نقاط وذلك بحسب البيان الذي صدر عند ختام المؤتمر، وكان من بين تلك النقاط، إعلان إقامة مناطق خفض التوتر وفقاً للمذكرة المؤرخة بتاريخ 4 أيار/مايو 2017، حيث شملت تلك المناطق كلاً من الغوطة الشرقية وبعض أجزاء من شمال محافظة حمص، وفي محافظة إدلب، وبعض المحافظات المتاخمة لها (اللاذقية وحماة وحلب)، إضافة إلى بعض أجزاء جنوب سوريا -لم يتم تحديدها بشكل دقيق- والتي دخلت فعلياً في منطقة "خفض التصعيد" بتاريخ 9 تموز/يوليو2017، بعدما أعلنت كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والأردن عن بدء هدنة لوقف إطلاق النار جنوب غربي سوريا، وتشمل هذه الهدنة محافظتي درعا والقنيطرة، لكن حتى هذه اللحظة لم يتم تحديد منطقة "وقف إطلاق النار" جغرافياً.
وبتاريخ 23 آب/أغسطس 2017، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن بدء عمل مركز المراقبة المشتركة لمنطقة خفض التصعيد/التوتر الجنوبية في سوريا، والواقعة في محافظتي درعا والقنيطرة، وذلك بما يتوافق مع ما تمّ التوصل إليه من اتفاقيات في إطار المفاوضات بين روسيا وأمريكا والأردن.
وسيطرت فصائل المعارضة المسلحة متمثلة بغرفة عمليات "البنيان المرصوص"[2] على حي المنشية الاستراتيجي الواقع في مدينة درعا وبالقرب من معبر الجمارك القديم على الحدود السورية-الأردنية، وذلك بعد اشتباكات عنيفة كانت قد اندلعت بينها وبين القوات النظامية السورية بتاريخ 12 شباط/فبراير 2017، على الرغم من أنّ الأخيرة كانت قد استهدفت المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة مثل (حي طريق السد وحي درعا البلد ومخيم درعا)، باستخدام الطيران الحربي والقنابل الحارقة في سبيل منعها من السيطرة على حي المنشية، وهو ما أدى إلى وقوع العشرات من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.
خارطة توضح توزع أماكن السيطرة في محافظة درعا حتى شهر آذار/مارس 2018.
أولاً: روسيا والقوات النظامية السورية تهددان بعمليات عسكرية في المنطقة الجنوبية:
بتاريخ 21 شباط/فبراير 2018، ذكرت وكالة سانا الرسمية والناطقة باسم القوات الحكومية السورية، بأنّ "مسؤول منطقة خفض التوتر في المنطقة الجنوبية" الأدميرال "كوليت فاديم"، كان قد عقد اجتماعاً مع أعضاء لجنة المصالحة الوطنية في المنطقة الجنوبية وتحديداً في مبنى المحافظة بمدينة درعا، وكان قد بحث خلاله مع ممثلين من قرى وبلدات داعل وإبطع والحراك وناحتة وغيرها من مناطق محافظة درعا، سُبل دفع عملية المصالحة الوطنية والخطوات الواجب اتخاذها لإعادة ماوصفتهم ب"المغرر بهم إلى حضن الوطن"، وفي هذا الخصوص تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أحد الحاضرين الذين كانوا متواجدين في ذلك الاجتماع، حيث قال:
"تمّ التهديد من قبل المبعوث الروسي والنظام السوري بنقل العمليات العسكرية إلى المنطقة الجنوبية بعد إنهاء ملف الغوطة الشرقية، وذلك بهدف استعادة السيطرة على الأجزاء الخاضعة لسيطرة المعارضة إذا لم تقم بتسليم السلاح والاستسلام لقوات النظام السوري بشكل سلمي، وقد طالب "فاديم" الحاضرين بإيصال رسائل شديدة اللهجة لفصائل الجيش الحر في درعا لتسوية أوضاعهم وتسليم سلاحهم قبل أن يتقررّ الهجوم العسكري على المنطقة."
صورة تظهر الخبر الذي أوردته وكالة سانا الرسمية والناطقة باسم القوات الحكومية السورية بتاريخ 21 شباط/فبراير 2018، حول الاجتماع الذي تمّ عقده من أجل إجراء عملية مصالحة في محافظة درعا ، مصدر الصورة: وكالة سانا الرسمية.
وبتاريخ 11 آذار/مارس 2018، نشرت مايعرف بصفحة "القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية الروسية[3]" تصريحاً قالت فيه بأنّ :
صورة تظهر تصريح القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية بتاريخ 11 آذار/مارس 2018، مصدر الصورة: صفحة القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية.
ثانياً: القوات النظامية السورية تقتل وتجرح عدة مدنيين في محافظة درعا:
جاءت تهديدات القوات النظامية السورية لفصائل المعارضة المسلحة في محافظة درعا، على شكل هجمات استهدفت مناطق عدة في المحافظة بشكل عشوائي خلال شهر شباط/فبراير 2018، سواء باستخدام قذائف الهاون والمدافع أو صواريخ الفيل وراجمات الصواريخ والإسطوانات المتفجرة، وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد بدأت القوات النظامية السورية بحملة قصف عشوائي على كل من مدن وبلدات (الغارية الغربية وداعل والنعيمة ودرعا البلد والكرك الشرقي ومدينة الحارة وبصر الحرير والغارية الشرقية وقرية النجيح وبلدة صيدا ومدينة جاسم والمسيفرة وبلدة ناحتة وبلدة علما)، وذلك بتاريخ 21 شباط/فبراير 2018، وهو ما أسفر عن وقوع العديد من الضحايا المدنيين، ففي أول يوم من تلك الحملة تسبّب القصف المدفعي على مدينة داعل من قبل القوات النظامية السورية المتمركزة في مدينة خربة غزالة، إلى مقتل "سحر محمد عبد الرحيم الحريري"، فضلاً عن إصابة ثلاثة مدنيين آخرين، وبتاريخ 28 شباط/فبراير 2018، قضى الطفل "ابراهيم محمد حسين الشريف" من بلدة نصيب نتيجة القصف المدفعي على البلدة، كما قُتل الطفل "حمزة أيهم فرحان الكراد" من حي طريق السد بمدينة درعا نتيجة استهداف الحي بصواريخ الفيل، وبتاريخ 11 آذار/مارس 2018، قُتلت "فاطمة عبد المجيد المفعلاني" من بلدة ناحتة نتيجة القصف الذي تعرضت له البلدة من قبل القوات النظامية السورية المتمركزة في ريف السويداء الغربي.
صورة تظهر الطفل "حمزة أيهم الكراد" والذي قضى إثر قصف حي طريق السد بمدينة درعا، وذلك بتاريخ 28 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: نشطاء من المدينة.
صورة تظهر الطفل "ابراهيم محمد حسين الشريف" والذي قضى إثر القصف الذي طال بلدة نصيب، وذلك بتاريخ 28 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: صفحة نصيب الحدث.
محمود بكار وهو أحد أبناء مدينة داعل الذين تعرضوا للإصابة نتيجة قصف القوات النظامية السورية على المدينة بتاريخ 23 شباط/فبراير 2018، حيث قال:
"بتاريخ 23 شباط/فبراير 2018، وبينما كنت أتناول وجبة الإفطار بصحبة عائلتي، سقط صاروخ من نوع فيل على منزلنا، حيث سمعنا صوت انفجار قوي وانتشر الدخان والغبار في كل مكان، والحمد لله كنت وعائلتي في غرفة بعيدة عن مكان سقوط الصاروخ، ولم نصب إلا بجروح طفيفة، لكنّ ابني محمود كان قد تعرض لجروح خطيرة باعتبار أنه كان متوجداً في غرفة أخرى من المنزل، فتمّ إسعافه على الفور إلى المشفى واستطاعوا استخراج العديد من الشظايا التي استقرت في جسده، فيما بقيت شظية كبيرة في عموده الفقري، ولم يستطع الأطباء استخراجها بسبب خطورتها، وهو الآن في وضع صحي صعب، مع العلم بأنني كنت قد فقدت ابناً آخراً، وذلك نتيجة قصف النظام السوري على المدينة منذ عامين."
صور خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار الذي حل بمنازل المدنيين في مدينة داعل بريف درعا، وذلك إثر قصف القوات النظامية السورية بتاريخ 23 شباط/فبراير 2018.
ثالثاً: فصائل المعارضة المسلحة ترد على خروقات القوات النظامية السورية المستمرة:
وكرد على تهديدات القوات النظامية السورية، شنّت فصائل المعارضة السورية المسلحة حملة من القصف بواسطة قذائف الهاون والمدفعية الثقيلة على مواقع القوات النظامية السورية في مدينة درعا وازرع وخربة غزالة، حيث اعتبرت بأنّ القوات النظامية السورية لم تلتزم بالهدنة الخاصة ب "خفض التوتر" في جنوبي سوريا منذ يومها الأول، وفي هذا الخصوص تحدث أبو بكر الحسن وهو الناطق الرسمي باسم "جيش الثورة[4]" وهي إحدى أكبر فصائل المعارضة السورية المسلحة في محافظة درعا، حيث قال:
"كانت قد وصلتنا رسائل عدة من خلال الوفود والأهالي الذين أجروا لقاءات مع النظام السوري والمبعوث الروسي في مدينة درعا، مفادها بأنّ هدنة خفض الصعيد سيتم إيقاف العمل بها خلال شهر شباط/فبراير 2018، ولاشك أنّ هذا الأمر هو بمثابة الضغط على الحاضنة الشعبية في درعا من أجل تخويفها من حدوث حرب قادمة، ومن جهتنا لا نعتبر تلك التصريحات هي بمثابة إعلان حرب لأن اتفاق هدنة خفض التصعيد تمّ بالاتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والأردن وبسقف زمني غير محدد، ولكنّ قوات النظام السوري لم تلتزم بتلك الهدنة منذ بدايتها، حيث سجلّنا العديد من الخروقات التي أدت إلى قتل وجرح العديد من المدنيين، كما أنّ استمرار خرق النظام لاتفاق خفض التوتر في المنطقة الجنوبية سيؤدي إلى انهيار تام لتلك الاتفاقية، وحينها ستكون جميع الخيارات مفتوحة ومن بينها شن معركة واسعة النطاق ضد قوات النظام السوري، إلى جانب أنّ ماميز رد المعارضة هو استهداف المناطق والثكنات العسكرية التابعة للنظام السوري والبعيدة عن تجمعات المدنيين."
رابعاً: موجات نزوح داخلية في محافظة درعا:
شهدت عدة مدن وبلدات في ريف درعا الشرقي مثل (بصر الحرير ومليحة العطش وناحتة) حركة نزوح كبيرة قُدرت بمئات العائلات وذلك خلال شهر شباط/فبراير 2018، حيث قام العديد من المدنيين بترك منازلهم بعد ازدياد التهديدات الروسية والحديث عن هجمات قد تستهدف مناطقهم من قبل القوات النظامية السورية، وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد توجه معظم هؤلاء النازحين إلى مناطق قريبة من الحدود الأردنية مثل (الكرك ومعربة والطيبة والمسيفرة وبصرى الشام) والتي يُعتقد أنها ستكون أكثر أمناً في حال حدوث تطور ما، كما لجأت بعض العائلات إلى نصب العديد من الخيام بسبب ندرة المنازل الفارغة في تلك المناطق.
[1] يقصد بمصطلح "التسوية/المصالحة" هو الوصول إلى نوع معين من الاتفاقيات مع قوات الحكومة السورية، والتي تتضمن أشكالاً مختلفة من البنود، منها فك الحصار ووقف القصف من قبل الجيش النظامي وإدخال المواد الغذائية وغيرها من البنود، وتختلف بنود التسويات في سوريا من منطقة إلى أخرى، ومصطلح التسوية يختلف عن مصطلح "الهدنة أو وقف الأعمال القتالية أو وقف إطلاق النار "، ويشير في بعض الأحيان في السياق السوري إلى تحييد المنطقة بشكل ما وإخضاعها لسيطرة الحكومة المركزية في دمشق.
[2] في أواخر العام 2015، أعلن أكثر من عشرين فصيلاً مسلحاً عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة تحت مسمى "البنيان المرصوص"بهدف تنسيق المواجهة ضد قوات الجيش النظامي السوري في الأحياء الشرقية لمدينة درعا، ومن هذه الفصائل المشكلة لهذه الغرفة "حركة أحرار الشام الإسلامية" وهيئة تحرير الشام وفصائل أخرى مثل قوات شباب السنة وجيش اليرموك.
[3] الصفحة المشار إليها هي صفحة غير رسمية، ولكن بحسب مصادر عديدة فإنّ الصفحة تدار من قبل مقريبن من الحكومة السورية والروسية.
[4] تشكّل بتاريخ 4 كانون الأول/ديسمبر 2016، وذلك نتيجة الاندماج مابين أربعة فصائل عسكرية تابعة للمعارضة السورية المسلحة في محافظة درعا، وهي "جيش اليرموك" و"جيش المعتز" و"المهاجرين والأنصار" و"لواء الحسن بن علي"، وفي نهاية عام 2017 انضم إليه "لواء عمر المختار".