مقدّمة: كانت “ريتا حبيب أيوب” في السادسة والعشرين من عمرها، عندما تمّ أسرها في العام 2014 على يد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”[1] في قرية الحمدانية[2] الواقعة جنوب شرقي مدينة الموصل العراقية، دون أن يكون في حسبانها أنها قد تمضي قرابة ثلاثة أعوام طويلة وقاسية من الاحتجاز القسري لدى عناصر التنظيم في سوريا والعراق. لكن ومع تصاعد حدة العمليات العسكرية التي شهدتها محافظة دير الزور[3] ضد تنظيم “داعش”، وعقب السيطرة على مدينة الرقة من قبل قوات سوريا الديمقراطية[4] بتاريخ 21 تشرين الأول/أكتوبر 2017، كُتب لريتا النجاة واستطاعت الفرار من قبضة التنظيم، والوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وتحديداً إلى مدينة القامشلي/قامشلو بتاريخ 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وذلك بعدما تمّ تهريبها على يد إحدى المنظمات الإنسانية، وفي هذا الخصوص روت الناجية السريانية ريتا تفاصيل مأساتها لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017، واستهلّت الحديث قائلة:
“لقد دمروا حياتي، لكن كل ما أتمناه الآن هو أن أبقى حرة وأكمل حياتي كغيري من البشر. إنّ ماجرى لي بحسب مجتمعنا هو “عار لهم”، وإن عدت إلى قريتي فقد يُقدمون على قتلي “لغسل العار” الذي لحق بهم بسببي، لذا اتخذت قراراً بعدم العودة. يكفيني ماعانيته من “داعش”.“
أولا: سيطرة تنظيم “داعش” على قرية الحمدانية/بخديدا:
عندما كانت الاشتباكات في أوجها مابين عناصر تنظيم “داعش” وقوات البشمركة الكردية في قرية الحمدانية/بخديدا، كانت ريتا قد وصلت لتوها من تركيا التي لجأت إليها في شهر تموز/يوليو 2014، حتى تقوم بإخراج والدها من قرية الحمدانية وتعود برفقته إلى تركيا، لكنها لم تكن تعلم حينها بوجود عناصر التنظيم في مدخل القرية أو ما يجري في المنطقة من أحداث.
كان كل ما أرادته ريتا هو أن تتمكن من تهريب والدها الذي يعيش وحيداً في القرية حتى يحصلا على ملاذ آمن في بلاد اللجوء بعيداً عن الحرب وأهوالها، وفي هذا الخصوص تحدثت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:
“في يوم وصولي بالضبط إلى القرية تمكن تنظيم “داعش” من السيطرة على قرية الحمدانية، وكان ذلك في أواخر شهر آب/أغسطس 2014، وكل ما أذكره أنّ التنظيم كان يتقدم سريعاً في السيطرة على المناطق، فعقب سيطرتهم على سنجار والموصل استطاعوا الوصول إلى قريتنا، وكان التنظيم يحاصر إحدى مداخل القرية، بينما كانت القوات الكردية تسيطر على المدخل الآخر، وكل ما أذكره أنّ القرية كانت تمتلئ بالمدافع والأسلحة، كما أذكر بأنّ اشتباكات عنيفة كانت قد وقعت واستمرت مدة يوم كامل وراح ضحتيها عدد من أهالي القرية، وعلى إثر ذلك قامت القوات الكردية بالانسحاب من القرية، بينما تقدم التنظيم وفرض سيطرته على كامل المنطقة وحاصرها.”
صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي تُظهر المكان الجغرافي لموقع قرية الحمدانية
وتابعت ريتا بأنّ العديد من أهالي القرية[5] تمكنوا من الفرار قبيل سيطرة تنظيم “داعش” على القرية، ومن ثمّ توجهوا إلى إقليم كردستان العراق، إذ لم يتبقَ في القرية سوى المسنين والعجزة والمرضى الذين عجزوا عن الهروب، وتابعت قائلة:
“كان الوقت ليلاً، ولم نكن نعلم حينها بأنّ القوات الكردية انسحبت من القرية، وفي الصباح الباكر، سمعنا أصوات سيارات وصيحات تكبير “الله أكبر”، فنظرت من النافذة لأرى ما يجري، فرأيت عناصر التنظيم وهو يتجولون في القرية، لقد كان الأهالي مذعورين جداً من عناصر التنظيم، وما أذكره جيداً بأنّ عناصر التنظيم قاموا بتكسير الكنائس في القرية وما تحويها من تماثيل وصلبان، كما أحرقوا كافة نسخ الإنجيل والكتب الأخرى الخاصة بالديانة المسيحية، ومن ثمّ حولوا تلك الكنائس إلى مقرات لعناصرهم، مع العلم بأنّ قرية الحمدانية هي قرية سريانية ويتواجد في القرية عرب مسلمون إلا أنهم بنسبة (10 %)”
لمّا بدأ عناصر التنظيم بدخول منازل الأهالي من أجل البحث عن الغنائم، لاحظوا بأنّ عدداً من المدنيين مازالوا متواجدين في القرية، فطلب منهم عناصر التنظيم التجمع صباحاً أمام جامع القرية الوحيد، وكانوا يهددونهم بالذبح في حال امتنعوا عن الحضور، وفي هذا الخصوص تابعت ريتا:
“كان الناس خائفين ومرعوبين من “داعش”، فتجمعنا كلنا خلف الجامع في حديقة مستوصف القرية، ثمّ بدأوا بعزل النساء عن الرجال، وبعدها قاموا بتفتيش الجميع، واستولوا على أموالهم وهواتفهم وإثباتاتهم الشخصية، وحتى ساعات الأيدي والنظارات الطبية أخذوها، وبعدها قاموا بوضع الرجال المسنين في حافلة لنقلهم إلى أربيل، فقد كان عناصر التنظيم يقولون بأنهم لاينفعون بشيء، كذلك تمّ نقل النساء المسنات فوق سن (35) عاماً بواسطة حافلة أخرى وأرسلن إلى أربيل أيضاً، فبقيت أنا وامرأة أخرى اسمها (رنا) إضافة إلى فتاة كانت تبلغ من العمر عامين ونصف تقريباً، وصبي يبلغ من عمره (11) عاماً، وفي الجانب الآخر من حديقة المستوصف كان هنالك حوالي (35) شاباً تتراوح أعمارهم مابين (18-30) عاماً، ولم نعد نعلم ماذا حل بهم آنذاك.”
كان عمر ريتا في ذلك الوقت (26) عاماً، أما رفيقتها رنا فكانت تكبرها بعامين، وعندما كانتا تستفسران من عناصر التنظيم حول مصيرهما، كانوا يردون بأنهما أسرى وسيتمّ استبدالهما بأسرى محتجزين من التنظيم لدى الكرد، وبعد ساعتين تقريباً من الوقوف في حديقة مستوصف القرية، جاءت إحدى الحافلات وتمّ نقل ريتا ورنا برفقة الصغيرين إلى أحد مقرات التنظيم في مدينة الموصل، وتابعت ريتا قائلة:
“في الموصل قام عناصر التنظيم بتفريق الطفلين عنا، حيث اقتادوهما إلى جهة مجهولة لانعلم عنها شيئاً، وكان عناصر التنظيم ينقلوني بصحبة رنا من مقر إلى أخر دون أن نكون على دراية بمايجري، مازلت أذكر في إحدى ليالي تشرين الأول/أكتوبر 2014، كيف تمّ حبسي مع رنا مدة أربعة أيام في منزل أحد عناصر التنظيم، حيث أخبرونا وقتها بأننا سبايا لدى التنظيم، ولم نكن نعلم حينها معنى هذه الكلمة، ولم يشرح لنا عناصر التنظيم معناها رغم سؤالنا المستمر عنها، إلى أن جاء أحد عناصر التنظيم وأخذ رنا إلى منزله كسبية، فيما تمّ منحي إلى أحد العناصر في مدينة الموصل، حيث بقيت عنده مدة عام ونصف تقريباً.”
ثانياً: الرحلة إلى سوريا:
مع مطلع العام 2016، أصدر تنظيم “داعش” قراراً بلزوم نقل كافة “السبايا” إلى سوريا، فقام عناصر التنظيم ببيع ريتا إلى أحد العناصر السعوديين في مدينة الرقة، وذلك بغية خدمة زوجته التي كانت حاملاً، حيث مكثت ريتا هنالك حوالي سبعة أشهر قبل أن يتمّ بيعها لعنصر آخر سعودي الأصل أيضاً، وأضافت ريتا قائلة:
“لم يكن لعناصر التنظيم أسماء صريحة لمناداتهم بها، فالسعودي الأول الذي قام بشرائي كان اسمه أبو حمد وعمره (30) عاماً، أما السعودي الآخر فكان يُنادى بعدة تسميات تارة أبو خالد وتارة أبو عمر وأخرى أبو ابراهيم وكان يبلغ من العمر (40) عاماً. أذكر تماماً إحدى الكنائس في مدينة الرقة والتي كان عناصر التنظيم قد حولوها إلى مقر لهم، وذلك بعد تكسير صلبانها ومحتوياتها التي تدل على الديانة المسيحية، كما أنني ما زلت أذكر تماماً قيام عناصر التنظيم بقطع رأس أحدهم في دوار النعيم الكائن في مركز مدينة الرقة.”
وأضافت ريتا بأنها مكثت نحو عام وثلاثة أشهر في منزل “أبو عمر” الرجل السعودي الآخر الذي قام بشرائها، حيث بقيت تخدم عائلته مدة أربعة أشهر في مدينة الرقة، ومن ثمّ انتقلت معهم إلى مدينة الميادين في محافظة دير الزور، وذلك بموجب المهمة التي أوكل بها “أبو عمر” من قبل التنظيم، وتابعت ريتا قائلة:
“كان الدواعش غريبي الأطباع، لم نكن نفهم منهم شيئا، كنا نظن أن أحدهم يحبذ شيئاً من الأشياء ولكنه كان يكرهه، كانوا يحرّمون تشغيل التلفاز وسماع الأغاني، كما كانوا يحرمون على الرجال ارتداء بنطال “الجينز”، أما النساء فكان يتوجب عليهن تغطية أجسادهن بشكل كامل، ولم يكن هناك سوق لبيع النساء في الشوارع، وذلك بسبب خوف التنظيم من أن يتمّ فضحه من قبل السكان، ولا سيما أنهم كانوا يقنعون الناس بأنهم يطبقوا دين الله وشرعه، لذا كان هنالك مايسمى بسوق “النخاسة” وهو سوق لبيع النساء لكن كان يتم الترويج له على صفحات الانترنت.”
وأضافت ريتا بأنّ الأمراء المحليين والمهاجرين في مدينة الميادين، كانوا يديرون “دواوين الدولة”، فكل ديوان كان يعمل به حوالي (10) أمراء كديوان الصحة والزكاة وغيرها، وأشارت إلى أنه مع قرب سيطرة قوات سوريا الديمقراطية – قسد على مدينة الرقة وريفها في بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، اشتدّ القصف على مدينة الميادين، وهو ما دفع بعناصر التنظيم وعائلاتهم للخروج منها والتوجه إلى قرى الشعيطات[6] في محافظة دير الزور حيث مكثت هناك حوالي أربعة أشهر، وفي هذا الخصوص تابعت قائلة:
“بعدما ضاق الخناق على عناصر التنظيم في قرى الشعيطات، وأصبحوا محاصرين أكثر، لجأوا إلى تهريب عائلاتهم من النساء والأطفال إلى بلدانهم. المهاجرون منهم كانوا دائماً ما يغيرون أسماءهم وهوياتهم وجوازات سفرهم حتى يتمكنوا من اجتياز الحواجز والحدود، فيما بقي العديد من عناصر التنظيم في آخر معاقلهم في محافظة دير الزور، حيث لم يتبقَ لهم سوى قرى الشعطيات الثلاث (غرانيج وكشكية وأبو حمام)، إلى أن ضاق الحصار عليهم أكثر فأكثر، واشتدّ القصف على تلك القرى، فقام عناصر التنظيم برمي أسلحتهم وحرق هوياتهم وجوازات سفرهم، كما قاموا بعمل هويات جديدة وجوازات سفر مزورة حتى يتمكنوا من الفرار بعد أن حلقوا لحاهم.”
كانت ريتا تعمل آنذاك على خدمة عناصر تنظيم “داعش” في أحد المقرات التابعة لهم في قرى الشعطيات، وكانت تعمل برفقتها فتاة أيزيدة تدعى “سامو”، وكان غالبية العناصر الذين يرتادون هذا المقر من الجنسية السعودية، وفي كل مرة كان يأتي فيها أحد العناصر إلى المقر، كان يمكث فيه مدة يومين أو ثلاثة أيام، ريثما يتم عمل جواز سفر مزور له، كما قالت ريتا بأنّ عناصر التنظيم كانوا كثيراً مايغيرون أشكالهم سواء بحلق لحاهم أو ارتداء ملابس جديدة، ومن ثم ّ يقدمون على الفرار.
ثالثاً: زوجات “الدواعش”:
بحسب ريتا فإنّ “النساء السبايا” كنّ يُستخدمن لخدمة عائلات عناصر التنظيم إلى جانب “المتعة الجنسية”، وكانت زوجات عناصر التنظيم تعلمن بذلك الأمر دون أن تتدخلن، كما كنّ على علم بالكبسولات وإبر منع الحمل التي يتمّ إعطاؤها لهن، وفي هذا الخصوص تابعت ريتا قائلة:
“كانت نساء “الدواعش” دائماً ماتتحججنّ بأنه قد تمّ غدرهن وبأنهن لم تكن تعلمن حقيقة التنظيم، لكن إذا كن كذلك بالفعل، فلماذا لم ترأفن بحالنا طيلة أربع سنوات، ولماذا لم تحاولن الفرار أو تهريبنا على الأقل، ولماذا كن تستخدمن العنف معنا، إن كانوا فعلاً مخدوعات بحقيقة التنظيم، لما لم تتوانَ الواحدة منهن عن تعذيبنا وضربنا وشتمنا، هنّ لسن مخدوعات وإنما هي كذبة يكذبونها للنفاد بجلدهن. لقد كنّ جالسات وهن مرتاحات ولديهن عبيد وسبايا لخدمتهن، ماذا كنّ سيطلبن أكثر من هذا؟”
وأشارت ريتا إلى أنّ زوجات عناصر التنظيم المهاجرات اللواتي كن يأتين برفقة أزواجهن، كن يقلن على الدوام بأنّ مجيئهن لأراضي “الدولة الإسلامية” ليس بغرض النكاح[7]، وإنما لغرض “الجهاد في سبيل الله”، وتساءلت ريتا إن كنّ كذلك بالفعل، فلماذا تواصلن الزواج من الواحد تلو الآخر بعد مقتل أزواجهن في المعارك، وأضافت قائلة:
“كانت الواحدة منهن دائماً ماتستخدم أسماء مستعارة وتتزوج بسوري وسعودي ومصري وغيرهم، فيما كان الرجال من عناصر التنظيم يتزوجون بهن بحجة أنهم سيتكفلون بالأطفال اليتامى، وكانت غالبية زوجات “الدواعش” المهاجرات، من الوطن العربي وخصوصاً من الأردن ومصر والمغرب، كما كانت بعضهن من الدول الأوروبية، وكان يتمّ تمويل أولئك النسوة من عائلاتهم في الخارج، أما اللواتي كن ينحدرن من سوريا أو العراق فقد كنّ فقيرات.”
كان عمل ريتا ورفيقاتها من الفتيات اللاتي تم أخذهن كسبايا لدى عائلات تنظيم “داعش”، هو خدمة الزوجات وتنظيف المنازل وغسل الأواني وتحضير الطعام، وحول حقنهن بالإبر المخدرة قالت ريتا:
“كان عناصر التنظيم يقومون بإعطائنا إبراً مخدرة، وفي المرة الأخيرة قاموا بخداعي وإعطائي إبرة مخدرة على أنها إبرة مانعة للحمل، فشعرت حينها بتعب ودوار شديدين وسرعة في خفقان القلب، فضلاً عن التوتر الدائم والألم الذي حلّ في جسدي، واستمرت هذه التأثيرات فترة طويلة. لقد كانوا يحقنوننا بها رغماً عنا، وعندما كنا نرفض كانوا يقيدوننا ويحقنوننا بها.”
رابعاً: نهاية المأساة:
خلال مكوث ريتا في إحدى قرى الشعيطات التي لم تكن تعرفها، جاء مهربون كان قد تمّ تعيينهم من قبل منظمة إنسانية بغرض تخليصها وصديقتها الأيزيدية “سامو”، وكان ذلك بعدما ادعوا بأنهم من عناصر التنظيم وبأنهم يرغبون في شرائهما، حيث قاموا بدفع مبلغ وقدره (10) آلاف دولار لقاء شراء ريتا وسامو، وفي هذا الخصوص تابعت ريتا قائلة:
“كان اتفاق المنظمة مع المهربين، بأن يتمّ إيصالنا إلى الأراضي التركية، وذلك عبر طريق التهريب، بما أنني و”سامو” لا أملك أي إثباتات شخصية، وبالفعل تمّ إيصالنا إلى منطقة تل أبيض، حيث كنا بانتظار مهربين آخرين لتجاوز الحدود السورية التركية، ولكنّ مهربنا قام بتسليمنا إلى القوات الكردية الذين جاءوا بنا إلى مدينة القامشلي بتاريخ 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2017.”
رغم خلاصها من تنظيم “داعش” الذي بات يلفظ أنفاسه الأخيرة في العراق وسوريا، لازال الخوف يتملك ريتا من عناصر التنظيم، فهم على حد وصفها مثل السرطان يتواجدون في كل مكان، واستدلّت بذلك على إحدى العبارات التي كانوا كثيراً ما يرددونها أمامها، والتي تشير إلى أنّ لديهم خلايا نائمة في كل الأماكن.
ليس لريتا إخوة أو أخوات تعود إليهم في قرية الحمدانية، ولم يكن لها أحد سوى أبيها العجوز الذي لاتعلم إن كان حياً أم ميتاً، لذا فهي لاترغب بالعودة إلى ديارها في العراق، وفي هذا الصدد تابعت ريتا قائلة:
“لقد دمروا حياتي، لكن كل ما أتمناه الآن هو أن أبقى حرة حتى أكمل حياتي كغيري من البشر، إنّ ماجرى لي بحسب مجتمعنا هو “عار لهم”، وقد يقدمون على قتلي عند عودتي إلى قريتي لغسل العار الذي لحق بهم بسببي، لذا اتخذت قراراً بعدم العودة. يكفيني ماعانيته من “داعش”.
لم يتم إجبار ريتا على اعتناق الإسلام، وأوضحت ذلك بقولها بأنّ عناصر التنظيم لم يكن مهتمين بذلك، فحتى اللواتي أسلمن كان عناصر التنظيم يناديهن بالكافرات، موضحة بأنّ همهم الوحيد كان متعتهم الجنسية، وفي هذا الخصوص تابعت قائلة:
“لم يجبروني على الصلاة والصيام، فقط الأيزيديات كنّ مجبرات على ذلك، لأنّ عناصر التنظيم كانوا يعتقدون بأنّ الأيزيديين يعبدون الشيطان. النساء الأيزيديات كنّ عنيدات جداً، لهذا كنّ يتعرضن للضرب والاعتداء من “الدواعش”، وقليلات هن من كنّ تلبينّ الأوامر دون عناد. من أكثر المواقف التي ما زالت عالقة في ذاكرتي، عندما قام التنظيم بسبي نساء أيزيديات من منطقة سنجار، وكان بينهن فتيات صغيرات لم يتجاوزن العشرة أعوام، وكن يتعرضن للاغتصاب من قبل عناصر التنظيم، لقد رأينا هذا بأعيننا.”
خلال فترة احتجازها لدى تنظيم “داعش”، لم تقابل ريتا سبية أخرى من ديانتها المسيحية سوى “رنا”، تلك الفتاة التي نُقلت بصحبتها من قرية الحمدانية إلى مدينة الموصل، وعندما حاولت ريتا الاستفسار عن أحوالها لم يكن أحد يعلم عنها شيئاً.
ومن الجدير ذكره بأنّ اتحاد “نساء بيث النهرين”[8] في مدينة القامشلي هو من تولى رعاية ريتا حبيب وتأمين الحماية لها، حيث أفادت “نظيرة كورية” مسؤولة الاتحاد النسائي السرياني في سوريا، بأنهم كانوا يتابعون أخبار ريتا حبيب في بداية الأمر، مشيرة إلى أنّ أخبارها انقطعت عنهم بعد أن تمّ نقلها لأماكن عدة، ومؤكدةً على أنّ هنالك العديد من النساء السريانيات اللواتي احتجزن من قبل تنظيم “داعش” ولازال مصيرهن مجهول حتى الآن ولاتوجد أي معلومات حولهن.
ونفت مسؤولة الاتحاد النسائي السرياني بأن يكون لهم مساع في تهريب ريتا حبيب من مناطق سيطرة تنظيم “داعش” في ريف دير الزور، في حين أكدت ريتا بأنّ المنظمة التي أشرفت على تهريبها، كانت منظمة يهودية تحمل اسم “شالوم” أي السلام.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد أعدت في وقت سابق، تقريراً يسرد شهادات مفزعة لناجيات أيزيديات، كنّ قد استطعن الفرار حديثاً من قبضة تنظيم “داعش”، كما كانت المنظمة قد نشرت أيضاً شهادة مطولة لإحدى النساء الأيزيديات اللواتي أمضين أربعة أعوام من الاحتجاز لدى تنظيم “داعش”.
[1] تنظيم “الدولة الإسلامية” والمعروف باسم تنظيم داعش -ظهر لأول مرة بعد إندلاع النزاع في سوريا عام 2011- تحت اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في شهر نيسان/أبريل من العام 2013 وتم الترويج له على أنّه نتيجة اندماج ما بين تنظيم “دولة العراق الإسلامية” من جهة، وتنظيم “جبهة النصرة” من جهة أخرى، قبل رفض الأخيرة لهذا الطرح، ومطالبة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري من التنظيم الجديد “التركيز” على العراق و “ترك” سوريا لجبهة النصرة آنذاك.
قبل هذا التاريخ، كان التنظيم ينشط في العراق تحت اسم “جماعة التوحيد والجهاد” قبل تحولها إلى “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” عقب تولّي “أبو مصعب الزرقاوي” قيادته في العام 2004 وإعلان البيعة لزعيم تنظيم القاعدة السابق “أسامة بن لادن“.
بعد مقتل “أبو مصعب الزرقاوي” على يد القوات الأمريكية في العام 2006، تزعّم التنظيم “أبو حمزة المهاجر” ليتم الإعلان بعد أشهر قليلة عن تشكيل “دولة العراق الإسلامية” ولكن بزعامة “أبي عمر البغدادي” وتولى “أبو حمزة المهاجر” منصب مساعد زعيم التنظيم.
أبو بكر البغداي “عبد الله إبراهيم”، والذي جاء خلفاً لـ “أبي عمر البغدادي” كان قد أعلن في 29 حزيران/يونيو 2014، قيام “الخلافة الإسلامية، ونصّب نفسه “خليفة للمسلمين”، واتخّذ التنظيم من مدينة الرقة السورية “عاصمة له”.
[2] تقع قرية الحمدانية شرق مدينة الموصل نحو 25 كيلومترا وتبعد عن مدينة أربيل غربا حوالي 70 كيلومترا. يقطنها غالبية مسيحية كما ويعد قضاء الحمدانية واحداً من الأقضية الثلاث التي تشكل سهل نينوى، كقضاء الشيخان وتلكيف.
[3] في 9 أيلول/سبتمبر 2017، أعلن “مجلس دير الزور العسكري” المنضوي تحت قوات سوريا الديمقراطية بدء معركة “عاصفة الجزيرة” وذلك بدعم من قوات التحالف الدولي بغية السيطرة على الريف الجنوبي المتبقي من محافظة الحسكة والخاضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى مناطق شرقي الفرات والتي تتبع إدارياً لمحافظة دير الزور.
وكانت القوات النظامية السورية قد أعلنت مسبقاً وفي شهر حزيران/يونيو 2017، عن معركة ديرالزور بغية طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية من الطرف الغربي من نهر الفرات، هذه المعارك كانت مترافقة بعمليات قصف روسية وسورية عنيفة جداً إضافة إلى قصف الطيران التابع للتحالف الدولي، ما أدى إلى نزوح أهالي محافظة ديرالزور وبشكل يومي.
[4] قوات سوريا الديمقراطية: وتعرف أيضاً باسم “قسد”، وهي تحالف يضم ميليشيات كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية، وتم تشكيله في ١١ تشرين الأول/أكتوبر 2015، حيث تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عصبها الأساسي، وتتكون من 27 فصيل عسكري وهي : (لواء المهام الخاصة45 ولواء99 مشاة ولواء القعقعاع وجبهة الأكراد ولواء السلاجقة ولواء السلطان سليم ولواء عين جالوت وقوات عشائر حلب وتجمع ألوية الجزيرة ولواء شهداء جزعة ولواء شهداء تل حميس ولواء شهداء تل براك ولواء شهداء كرهوك ولواء شهداء مبروكة ولواء شهداء الحسكة ولواء شهداء راوية تجمع ألوية الفرات وكتيبة تجمع فرات جرابلس وكتيبة احرار جرابلس وكتيبة شهداء الفرات وكتيبة شهداء سد وقوات الصناديد ولواء التحرير والمجلس العسكري السرياني وكتائب شمس الشمال وجبهة ثوار الرقة ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة.
[5] بحسب صحيفة الشرق الأوسط فقد كان يعيش في القرية حوالي (50) ألف من السكان عشية سيطرة تنيظم “داعش” عليها، وهو ما أدى إلى نزوح غالبيتهم إلى مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق.
[6] الشعيطات هي إحدى العشائر العربية السنية والتي تنتشر في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور، مثل قرى (غرانيج وكشكية وأبو حمام) وكان يتزعمها “رافع عكلة الرجو” كشيخ للعشيرة التي أعلنت مبايعتها للتنظيم ولكن سرعان ما ثارت العشيرة ضد التنظيم وأخرجته من مناطقها في تموز/يوليو 2014، ليعود بعدها التنظيم ويسيطر على المنطقة بأكملها بعد معارك عنيفة مع أبناء الشعيطات، ويعدم المئات منهم ، وقدر عددهم آنذاك بنحو 700 شخص، فيما بقي مصير نحو 1800 شخص من أبناء العشيرة مجهولاً حتى الآن.
[7]وفقاً لعدة مصادر فقد أثيرت قضية جهاد النكاح في سوريا في مطلع عام 2013، وذلك بعد فتوى للداعية الإسلامي السعودي “محمد العريفي” دعا فيها النساء المجاهدات لإشباع الرغبات الجنسية للمجاهدين ودعم معنوياتهم ضد النظام السوري واعتبره جهادا في سبيل الله. وعلى إثرها هاجرت الكثير من الفتيات والنسوة من مختلف بلدان العالم إلى سوريا للإنضمام إلى صفوف المجاهدين المتمثلين بتنظيم “داعش” بغرض إشباع رغباتهم الجنسية.
[8] وتأسس “اتحاد نساء بيث النهرين” في سوريا بتاريخ 28 شباط/فبراير 2001، وهي منظمة نسائية إنبثقت عن الاتحاد النسائي السرياني، وتهدف المنظمة لتمكين دور المرأة السريانية والعمل مع المنظمات النسائية للمكونات الأخرى بحكم أن لهم قضية مشتركة وهي قضية المرأة، كذلك تسعى المنظمة لتقديم يد العون للنساء جميعا. وينشط اتحاد نساء بيث نهرين في كل من سوريا والعراق ولها فروع في أوروبا وغيرها، وبعد وصول ريتا تبنى الاتحاد قضيتها وقام بتأمين الحماية والرعاية لها.