مقدمة: مع استمرار الحملة العسكرية[1] التي بدأتها القوات النظامية السورية وحلفائها على عدد من مدن وبلدات محافظة إدلب، وذلك اعتباراً من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017 -والتي بدأت بمحاولات القوات السورية بالسيطرة على قرى وبلدات في ريف حماه الشمالي ومن ثمّ قرى وبلدات أخرى في ريف إدلب الشرقي والجنوبي- تعرضت العديد من التجمعات المدنية في تلك المناطق إلى القصف بأنواع مختلفة من الأسلحة، وهو ماتسبب في سقوط العشرات من القتلى المدنيين، ففي يوم 30 كانون الثاني/يناير 2018، قام طيران حربي تابع للقوات النظامية السورية (بحسب المراصد)، بقصف أحد الأسواق الشعبية المكتظة بالمدنيين في مدينة أريحا[2] بريف إدلب الغربي الجنوبي، حيث تمّ إسقاط أربع صواريخ فراغية دفعة واحدة على السوق، وهو ما تسبب في مقتل (18) مدنياً، بينهم نساء وأطفال وإصابة عشرات آخرين.
وقبيل يوم واحد فقط من حادثة السوق في أريحا وتحديداً بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2018، كان سوق البطاطا وهو أحد الأسواق الشعبية في مدينة سراقب[3] بريف إدلب الجنوبي، قد تعرض لقصف طيران حربي يُعتقد أنه روسي، وذلك بحسب العديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، حيث قام الطيران الحربي بإسقاط عدة صواريخ متفجرة على سوق البطاطا، وهو ما أدى إلى مقتل (14) مدنياً جلهم من الباعة والنازحين الذين كانوا يتبضعون من السوق، فضلاً عن الأضرار المادية الكبيرة التي لحقت بالمكان.
وكان قد سبق للقوات النظامية السورية تنفيذ الهجمات على الأسواق الشعبية في ريف إدلب، إذ وثقت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في تقرير سابق لها، مقتل وإصابة عشرات المدنيين جرّاء القصف الذي طال أحد الأسواق الشعبية في مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، وذلك في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، كما كانت المنظمة قد أعدت في وقت سابق تقريراً يوثق استخدام مواد حارقة وذخائر عنقودية وصواريخ فراغية من قبل القوات النظامية السورية وحلفائها على مدن وبلدات محافظة إدلب، وذلك خلال الفترة الممتدة اعتباراً من تاريخ 25 كانون الأول/ديسمبر 2017، وحتى تاريخ 20 كانون الثاني/يناير 2018.
أولاً: صواريخ فراغية تحصد أروح المدنيين في سوق شعبي في مدينة أريحا:
بحسب مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد تعرض "سوق الهال" وهو أحد الأسواق الشعبية وسط مدينة أريحا، إلى قصف طيران حربي تابع للقوات النظامية السورية، وذلك في صبيحة يوم 30 كانون الثاني/يناير 2018، حيث تمّ استهداف السوق بأربع صواريخ فراغية بينما كان يعجّ بالمدنيين، وهو ماتسبب في مقتل وإصابة عشرات المدنيين بعضهم نازحون داخلياً كانوا قد فروا بسبب اشتداد القصف على بلداتهم في ريف إدلب، فضلاً عن الأضرار المادية التي لحقت بالمحال التجارية وممتلكات الأهالي، كما أكدّ مراسل سوريون من أجل الحقيقة خلو المكان المستهدف من أي تواجد أو مقرات عسكرية.
"أسامة جقمور" وهو عضو المجلس المحلي لمدينة أريحا، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ طائرات حربية، قامت بتفريغ كامل حمولتها دفعة واحدة على سوق الهال في مدينة أريحا بينما كان مكتظاً بالمدنيين، وتابع قائلاً:
"في صبيحة يوم 30 كانون الثاني/يناير 2018، وبينما كنت متواجداً بالقرب من سوق الهال تمّ استهدافه بعدة صورايخ فراغية، لقد كان مشهداً مروعاً لكثرة القتلى والمصابين الذين اختلطت دماؤهم مع الخضار، فقد تمّ توثيق مقتل أكثر من (15) مدني بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى إصابة (20) آخرين كان من بينهم حالات خطيرة تمّ نقلها إلى المشافي الحدودية، وبدوره قام المجلس المحلي في المدينة، بتوجيه نداء تحذير للأهالي بعدم التجمع في الأسواق، كما قمنا بتعليق المرحلة التعليمية في أريحا بشكل كامل، خوفاً من مجازر جديدة، ولاسيما أنّ الطيران الحربي دائماً مايعمل على استهداف التجمعات المدنية والأسواق والنقاط الطبية."
"وليد أصلان" وهو أحد العاملين في الدفاع المدني في محافظة إدلب، تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول تفاصيل الحادثة قائلاً:
"في حوالي الساعة (11:30) من صبيحة يوم 30 كانون الثاني/يناير 2018، قامت طائرات حربية سورية باستهداف السوق الشعبي في مدينة أريحا، حيث تمّ قصف السوق بأربع صواريخ فراغية شديدة الانفجار، وهو ما أدى إلى مقتل (18) مدنياً بينهم عائلة بأكملها من النازحين، وإصابة آخرين، وعلى الفور عملت فرق الدفاع المدني على التوجه إلى مكان القصف، حيث نجحنا في انتشال (20) مدنياً على قيد الحياة بينهم أطفال ونساء، مع الإشارة إلى أنّ مدينة أريحا تعد مكاناً آمناً للعديد من النازحين."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة ، تظهر مخلفات أحد الصواريخ الفراغية التي تمّ إسقاطها على السوق الشعبي في مدينة أريحا بتاريخ 30 كانون الثاني/يناير 2018.
صورة تظهر جانباً من الدمار الذي طال السوق الشعبي في مدينة أريحا عقب تعرضه للقصف الجوي بتاريخ 30 كانون الثاني/يناير 2018، مصدر الصورة: أريحا اليوم.
أحد المشرفين على مرصد الطيران الحربي في مدينة أريحا، أكدّ لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، على أنّ طائرات حربية تابعة للقوات النظامية السورية، كانت قد أقلعت من مدرسة المجنزرات في ريف حماة، وقامت باستهداف "سوق الهال" في مدينة أريحا، وتابع قائلاً:
"في تمام الساعة (11:00) صباحاً من يوم 30 كانون الثاني/يناير 2018، أقلعت طائرة حربية تابعة لسلاح الجو السوري من نوع (ميغ) من مدرسة المجنزرات الواقعة في ريف حماة، واتجهت باتجاه مدينة أريحا، وعلى الفور قمنا بإعلام فرق الدفاع المدني والناس بضرورة توخي الحذر، حيث قامت هذه الطائرة بشن غارة واحدة كانت قد أسقطت خلالها أربع صواريخ فراغية متفجرة على "سوق الهال" في مدينة أريحا، وهو ماخلف عدداً كبيراً من القتلى والجرحى بين صفوف المدنيين."
وأظهر مقطع فيديو نشره الناشط هادي عبد الله، جانباً من الدمار الذي لحق "سوق الهال" في مدينة أريحا، نتيجة القصف الجوي الذي تعرض له بتاريخ 30 كانون الثاني/يناير 2018، فيما أظهر مقطع فيديو آخر بثته قناة الأورينت، حجم الدمار الذي طال "سوق الهال" في مدينة أريحا نتيجة القصف الذي تعرض له بتاريخ 30 كانون الثاني/يناير 2018.
ثانياً: (14) قتيل في قصف على أحد الأسواق الشعبية في مدينة سراقب:
كثفت القوات النظامية السورية وحلفاؤها من تصعيدها العسكري على مدينة سراقب اعتباراً من تاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2018، ولا سيما أنها تبعد قرابة (18) كم عن نقاط الاشتباك مابين القوات النظامية السورية وفصائل المعارضة السورية المسلحة.
وبحسب مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد قام طيران حربي يعتقد أنه روسي من نوع (سوخوي)، باستهداف أحد الأسواق الشعبية في مدينة سراقب والذي يعرف "بسوق البطاطا"، وذلك في يوم 29 كانون الثاني/يناير 2018، حيث خلف هذا القصف (14) قتيل، جلهم من الباعة والنازحين الذين كانوا يتبضعون من السوق، كما تمّ توثيق إصابة أكثر من (15) شخصاً آخرين نتيجة هذا القصف، كما أكدّ مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة خلو المنطقة المستهدفة من أي تواجد عسكري.
أحد العاملين في الدفاع المدني والذي سارعوا إلى مكان الهجوم لحظة وقوعه، تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، حول ماجرى قائلاً:
"في حوالي الساعة (7:40) من صبيحة يوم 29 كانون الثاني/يناير 2018، تعرض سوق البطاطا للقصف من قبل طائرات حربية روسية، وذلك بحسب المراصد التي قامت بإبلاغنا، حيث قام الطيران بإسقاط عدة صواريخ متفجرة على المكان بينما كان مكتظاً بالباعة والأهالي، وعلى الفور قمنا بالتوجه إلى مكان القصف لنقل المصابين وانتشال الضحايا، ولدى وصولنا صدمنا من هول ماحدث بسبب كثرة القتلى والأشلاء في كل مكان، إضافة إلى الخوف الذي كان يسيطر على الناس من شدة ماحدث، لقد عملنا على انتشال (14) قتيلاً من بين الركام، أما الإصابات فكانت تتراوح بين الشديدة والمتوسطة."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر بعض القتلى الذي قضوا جرّاء القصف الذي طال سوق البطاطا في مدينة سراقب، بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2018.
أبو عرب وهو المشرف على أحد مراصد الطيران الحربي في مدينة سراقب، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ طائرة حربية يُعتقد أنها روسية كانت قد أقلعت من قاعدة حميميم العسكرية في محافظة اللاذقية، واتجهت باتجاه الشمال السوري وتحديداً إلى مدينة سراقب، حيث قامت باستهداف سوق البطاطا في المدينة، وتابع قائلاً:
"في تمام الساعة (7:35) من صبيحة يوم 29 كانون الثاني/يناير 2018، أقلعت طائرة حربية روسية من قاعدة حميميم العسكرية، ومن ثم توجهت باتجاه مدينة سراقب، حيث نفذت هجومها في تمام الساعة (7:40) صباحاً، مستهدفة سوق البطاطا الشعبي في المدينة بعدة صواريخ متفجرة، فعملنا على إبلاغ فرق الدفاع المدني والإسعاف للتوجه إلى المكان، كما قمنا بتنبه الأهالي من عدم التجمع، ولا سيما أن هذه الطائرات تعمل على رصد التجمعات المدنية وتقوم باستهدافها."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر بعض القتلى الذين قضوا نتيجة القصف الجوي الذي طال سوق البطاطا في مدينة سراقب بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2018.
ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد تمّ توثيق مقتل ما لايقل عن (14) مدنياً نتيجة القصف الذي طال سوق البطاطا في مدينة سراقب، حيث عرف منهم:
- محمد العلي.
- عماد حج أحمد.
- موسى اسماعيل الأحمد.
- نجدت الحمد.
- محمود زقزاق.
- احمد الجيلة.
- جمعة باشا.
- ابراهيم جمعة الحمد.
- فجر الاحمد.
- زاهر زقزاق.
- شهيد مجهول الهوية.
- محمود يونس.
- عبدالعزيز عبدالرزاق العبود.
- يمان محمد فجر العوض.
وفي شهادة أخرى أدلى بها "ليث أحمد" وهو أحد ناشطي مدينة سراقب، إذ قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنه قيبل يوم واحد من استهداف سوق البطاطا في المدينة، وتحديداً بتاريخ 28 كانون الثاني/ يناير 2018، كان قد تمّ توثيق (46) غارة تعرضت لها مدينة سراقب، إلى جانب القصف الذي طالها بصواريخ محملة بالمظلات، كما تم استهداف المدينة في ذلك اليوم ب (6) براميل متفجرة و (6) صواريخ أرض-أرض محملة بذخائر عنقودية، وهو ما أدى إلى مقتل (30) مدنياً في يوم واحد، إضافة إلى إصابة آخرين، مشيراً إلى أن أغلب الضحايا القتلى كانوا من النازحين الذي نزحوا إلى مدينة سراقب من مناطق أخرى في ريف إدلب.
صورة تظهر لحظة سقوط بعض الصواريخ المحملة بالمظلات على مدينة سراقب بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2018، مصدر الصورة: الناشط ليث أحمد.
كما أظهر مقطع فيديو نشره الناشط ليث أحمد، لحظة سقوط وانفجار بعض الصواريخ المحملة بالمظلات على مدينة سراقب بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2018.
وكان المجلس المحلي لمدينة سراقب قد أصدر بياناً بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2018، حيث أعلن من خلاله مدينة سراقب مدينة منكوبة، نظراً لشدة القصف الذي تتعرض له المدينة بأنواع عديدة من الاسلحة، ودعا فيه كافة المؤسسات الدولية إلى التحرك فوراً لإنهاء هذه الحملة العسكرية الشرسة التي تتعرض لها الأسواق الشعبية والمرافق الطبية والأفران وغيرها من التجمعات المدنية في مدينة سراقب.
صورة تظهر البيان الصادر عن المجلس المحلي لمدينة سراقب بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2018، والذي أعلن فيه مدينة سراقب مدينة منكوبة، مصدر الصورة: المجلس المحلي لمدينة سراقب.
وبحسب مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإن هذه الهجمات العنيفة التي تعرضت لها العديد من مدن وبلدات محافظة إدلب مؤخراً، كانت قد تسبّبت بموجة نزوح كبيرة من قبل الأهالي باتجاه مناطق أكثر أماناً مثل بلدات ومدن (سرمدا وأطمة) والمخيمات الواقعة على الحدود السورية- التركية.
[1] ويأتي هذا التصعيد من حانب القوات النظامية السورية، عقب تمكن هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة من السيطرة على قرية أبو دالي في الريف الشمالي الشرقي لمحافظة حماة وذلك بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2017، إلا أنّ القوات النظامية السورية استطاعت مدعومة بالطيران الحربي التابع لسلاح الجو الروسي، استعادة هذه القرية إضافة إلى عدة قرى في ريف حماة الشمالي، وذلك بتاريخ 29 كانون الأول/ديسمبر 2017، كما تمكنت القوات النظامية السورية وحلفاؤها من التقدم بإتجاه ريف ادلب الجنوبي الشرقي، حيث سيطرت على عدة قرى مثل (عطشان و الخوين و سنجار) بتاريخ 7 كانون الثاني/يناير 2018، وذلك بهدف الوصول الى مطار "أبو الضهور" العسكري في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، ووفقاً لباحثي سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ العمليات العسكرية أسفرت عن السيطرة على المطار من قبل القوات الحكومية السورية والميليشيات المتحالفة معها بتايخ 27 كانون الثاني/يناير 2018.
[2] تخضع مدينة أريحا إلى سيطرة هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً.
[3] يسيطر لواء جبهة ثوار سراقب على مدينة سراقب. وتمتاز المدينة بموقع استراتيجي كونها بمثابة صلة الوصل مابين ريف إدلب الشرقي والغربي والشمالي والجنوبي، وهذا مايفسر رغبه القوات النظامية السورية في السيطرة عليها، وذلك من أجل تقطيع أوصال محافظة إدلب بشكل كامل.