الرئيسية تحقيقات مواضيعية مجدداً: مواد “ألمانيّة الصنع” داخل صواريخ محمّلة بغاز الكلور السام في الغوطة الشرقيّة

مجدداً: مواد “ألمانيّة الصنع” داخل صواريخ محمّلة بغاز الكلور السام في الغوطة الشرقيّة

هذا هو الهجوم الثالث الذي تنفّذه القوّات السوريّة وحلفائها منذ بداية العام 2018 في الغوطة - "تقرير مشترك: منظمة بيلنغكات وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة"

بواسطة wael.m
894 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

تمّ إنجاز هذا التقرير بالاشتراك مع Bellingcat. يمكنكم قراءة وتحميل التقرير بشكل كامل وباللغة الإنلكيزية من خلال الضغط على هذا الرابط.

مقدمة: بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018، تعرضت مدينة دوما[1] إلى هجوم بغازات سامة للمرة الثالثة على التوالي خلال أقل من شهر، وبحسب العديد من الشهادات التي حصلت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة من خلال شبكة مراسليها على الأرض والتحليلات التي قامت بها بيلنغكات، فقد سقطت خمسة صواريخ محمّلة بمواد كيمائية يُعتقد أنها غاز الكلور، على الأحياء الغربية المأهولة بالسكان من مدينة دوما، وهو ماتسبّب في إصابة ثلاثة مدنيين بحالات اختناق بينهم امرأة.

وكان قد سبق للقوات النظامية السورية أن قامت باستخدام الغازات السامة على الغوطة الشرقية مرتين[2]، كانت المرة الأولى بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير 2018، حيث تعرضت المنطقة الواصلة مابين مدينتي حرستا ودوما أيضاً للقصف بغازات سامة، وهو ما تسبّب في إصابة ستة مدنيين بينهم نساء وأطفال، وذلك بحسب تقرير أعدته منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. أمّا الحادثة الثانية فقد وقعت بتاريخ 22 كانون الثاني/يناير 2018، حيث تعرضت الأحياء السكنية الواقعة في المنطقة الشمالية الغربية من مدينة دوما للقصف بصواريخ محملة بغازات سامة، وهو ماتسبّب في إصابة (21) مدنياً بينهم نساء وأطفال. حيث قامت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بإعداد تقرير مشترك مع منظمة (بيلنغكات) عن الحادثة.

تحليل نوع الصواريخ المستخدمة في الهجوم:

بحسب بيلنغكات فإنّ السلاح المستخدم في هجمات الأوّل من شباط (الهجوم الثالث) هي صواريخ ذات تصنيع ارتجالي مطوّرة من الصواريخ الإيرانيّة ذات العيار 107مم. فقد تمّ استبدال رأس الصاروخ المعتاد بأسطوانة غاز ذات ضغط، وتمّ تعديل العنفة (المروحة) بإضافة ذيل لها. هذا السلاح المستخدم هو نفس السلاح المستخدم في هجمات الكلور على دوما في 22 كانون الثاني/يناير 2018 أي (الهجوم الثاني)، وأيضاً هجمات غاز الكلور التي استخدمت في ريف دمشق في بدايات 2017.

 في بعض الحالات، فإنّ الصواريخ التي استخدمت في عام 2018 تحمل نفس الأرقام التسلسليّة ممّا يثبت أنّها ذات نفس المصدر والجهة المصنّعة، وهذا ما يؤشّر بقوّة أنّ الصواريخ التي استعملت في عام 2018 هي من نفس المصدر.

الصورة العليا هي للصاروخ المستخدم في 22 كانون الثاني 2018 – المصدر.
الصورة السفلى هي للصاروخ المستخدم في 1 شباط 2018 – المصدر.

صورة تظهر أحد الصواريخ التي كانت محملة بغاز سام وألقيت على مدينة دوما في "الهجوم الثالث" بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: تنسيقية مدينة دوما.

صورة تظهر بقايا الصواريخ المحملة بغازات سامة والتي ألقيت على مدينة دوما في "الهجوم الثالث" بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: تنسيقية مدينة دوما.

حسن الدرة وهو أحد أهالي مدينة دوما الذين كانوا متواجدين في مكان الهجوم، تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلا:

"في تمام الساعة (5:30) من صبيحة يوم 1 شباط/فبراير 2018، وبينما كنت وعائلتي نائمين في المنزل، سمعنا صوت عدة صواريخ وهي تنطلق إلا أننا لم نسمع صوت انفجارها، وبعد عدة دقائق، بدأنا باشتمام رائحة تشبه رائحة الكلور المنزلي، وأخذت هذه الرائحة بالتصاعد تدريجياً إلى أن باتت لا تحتمل، ولدى محاولتنا الخروج من المنزل كانت الرائحة أشد في الخارج، فعدنا إلى الداخل، وقمت بإشعال إحدى المدافئ في محاولة مني إبعاد الغاز السام، لكننا على الرغم من ذلك لم يعد بإمكاننا التنفس بشكل جيد. لقد تملكني شعور رهيب من الخوف على أطفالي، ولم أعد أعلم ماذا أفعل، وبعدها قمت بجلب قطع من القماش المبتلة بالماء، ووضعتها على وجوههم، وبقينا نصارع من أجل الحياة حتى طلعت الشمس وبدأت الروائح بالزوال تدريجياً."

مكان سقوط الصواريخ ومصدرها:

بتحليل أحد الفيديوهات التي نشرها الناشط الإعلامي "فراس العبد الله" في يوم الهجوم من قبل بيلنغكات، كان من الممكن تحديد موقع الضربة بمقارنته مع الخرائط، واستطعنا تحديد أماكن سقوط ثلاثة من الصواريخ المستخدمة في هجمات الكلور في 1 شباط 2018 التي سقطت في أراضٍ زراعيّةٍ في غربيّ مدينة دوما:

موقع سقوط 3 صواريخ المستخدمة في هجمات 1 شباط 2018، محدّدة على الخارطة ومؤكّدة من شهود. (الخارطة بواسطة موقع غوغل إيرث)

قامت بعض المنظّمات والناشطين بتتبّع الأحداث العسكريّة والقتاليّة في المنطقة، الأمر الذي أظهر تحرّكاً قليلاً في الخطوط الأماميّة القريبة من مكان الضربة في غربي مدينة دوما لصالح قوّات المعارضة المسلّحة، بالرغم من محاولة القوّات الحكوميّة السوريّة السيطرة على المنطقة مؤخّراً.

نشر "مكسيم منصور" أحد المراسلين الحربيّين ومصمّمي خرائط السيطرة" المؤيّد للحكومة السوريّة خريطةً ميدانيّة لسيطرة القوى في منطقة الغوطة الشرقيّة وكان ذلك في تاريخ 12 كانون الثاني 2018 أي بيومٍ قبل الهجوم بغاز الكلور على مدينة دوما في 13 كانون الثاني 2018، وكانت الخريطة توضّح هجوم القوّات الحكوميّة السوريّة على المنطقة:

الخريطة التي نشرها "مكسيم منصور" التي توضّح خطوط الجبهات في الغوطة الشرقيّة – ريف دمشق. المصدر – مكسيم منصور

بعض الخرائط التي وجدناها على موقع "الجبهة الجنوبيّة – ساوث فرونت" المؤيّد للحكومة السوريّة في تواريخ 18 كانون الثاني و 29 كانون الثاني 2018 كانت تظهر نفس المعلومات المتعلّقة بمواقع خطوط الجبهات وأماكن السيطرة، بلا أيّ تغيّر ما بين التاريخين.

أحد الخرائط من أحد المواقع المعارضة للحكومة السوريّة وهي منصّة تدعى "أخبار الجيش الحر" أظهرت نفس المعلومات بدون أيّ تغيير في خطوط الجبهة الأماميّة خلال نفس الفترة الزمنيّة، وكما أظهرت أحد الخرائط من موقع خرائط الصراع LiveUAMap نفس المعلومات أيضاً.

بعد مقارنة هذه المصادر والخرائط ببعضها نستطيع الجزم أنّ موقع خطّ الجبهة الأمامي ومكان سيطرة القوّات النظاميّة السوريّة الأقرب لموقع الضربة يبعد حوالي مابين 400-600 م.

كمّا أنّه من الممكن معرفة مسار الصواريخ المستخدمة في هجمات 1 شباط 2018، عن طريق أحد الصور التحليليّة، التي نشرها الناشط "فراس عبد الله" الذي قام بتصوير الحفرة التي قام بإنشائها الصاروخ لدى سقوطه في التراب:

صورة الحفرة التي نجمت عن ارتطام الصاروخ المستخدم في 1 شباط 2018. مصدر الصورة – فراس عبد الله.

يؤشّر شكل الحفرة وتوجيهها إلى أنّ الصاروخ قد أتى من جهة الغرب، من اتجاه أحد المواقع الحكوميّة السوريّة على بعد 1 كم تقريباً.

في فيديو آخر صوّره الناشط "فراس عبد الله"، نستطيع أن نرى الحفرة التي نجمت عن سقوط الصاروخ ونستطيع رؤية الرأس الحربي للسلاح الكيماوي وهو ما يزال موجوداً في الحفرة، قريباً من الجدار الكبير.

بحسب بيلنغكات فإنّ الحفرة الناجمة عن سقوط الصاروخ هي في الغرب من الجدار، الذي يتجّه بجهة شمال – جنوب، وارتفاع الجدار، وموقعه من الضربة، يجعله من المستحيل أن يكون الصاروخ كان قد أتى من جهى الشرق بدون الاصطدام بالحائط أوّلاً. مجدّداً هذا مؤشّر على أنّ الصاروخ كان قد أتى من مواقع حكوميّة سوريّة في الغرب. وتقع في الغرب تماماً من مكان الضربة، القاعدة العسكريّة الحكوميّة السوريّة "الفرقة 41" التي قد نجدها على بعد 2 كم من موقع الضربة.

في شهادة أخرى أدلى بها أحد المسعفين الذين سارعوا للتوجه إلى مكان الهجوم، إذ قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ خمسة صواريخ محملة بغازات سامة كانت قد سقطت بالقرب من منطقة الملعب البلدي في مدينة دوما، والتي تعدّ إحدى المناطق المأهولة بالسكان، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:

"كانت الرائحة قوية جداً، فبدأنا بإسعاف المصابين وكان هنالك أربع حالات قمنا بنقلهم إلى مشفى ريف دمشق التخصصي. لقد تمّ إلقاء خمسة صواريخ من نوع "كاتيوشا" على المنطقة ذاتها وكانت مزودة بعبوات محلية الصنع، فانفجرت أغلب العبوات مباشرة بعد ارتطامها بالأرض، وقد رأيت بنفسي تلك الصواريخ الخمسة مع عبواتها بينما كنا نتأكد من سلامة المدنيين في المنطقة، حيث لم تكن المسافة كبيرة جداً مابين أماكن سقوط تلك الصواريخ فهي لم تتجاوز (30) م كحد أقصى، كما أنني قد رأيت على الصاعق مادة خضراء وتميل إلى اللون الأزرق، كذلك الأمر بالنسبة إلى أطرا ف العبوات المفجورة فقد رأيت ذات المادة، ولم أعرف ماهي، لكن كل ماأعرفه بأنّ هذه الصواريخ أحدثت أصابات كبيرة في صفوف المدنيين، وامتدت على مساحات كبيرة داخل الأحياء المأهولة بالسكان، إذ أنها وصلت إلى عمق (3) كم داخل مدينة دوما، وهو ماسبب حالة من الذعر والخوف الشديدين لدى الأهالي."

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر ما يُعتقد أنّه صاعق أحد الصواريخ التي كانت محملة بغازات سامة وألقيت على مدينة دوما في الهجوم الثالث بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018.

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر بقايا أحد الصواريخ التي ألقيت على مدينة دوما في الهجوم الثالث وكانت محملة بغازات سامة بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018.

ياسر الشامي وهو مدير المكتب الطبي في مدينة دوما، أكدّ لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ العديد من الحالات تمّ إسعافها إلى المراكز الطبية في المدينة، ولاسيما أنّ الإنذار المبكر وعمليات الإخلاء السريعة للمدنيين، قد ساهم في تقليل عدد الإصابات، وتابع قائلا:

"في تمام الساعة (5:45) فجراً من صبيحة يوم 1 شباط/فبراير 2018، استقبلنا ثلاث حالات لمصابين تعرضوا لاستنشاق الغاز السام بينهم نساء، إذ كانوا يعانون من زلة تنفسية وهياج وتعرق على الرغم من برودة الأجواء، كما كان واضحاً من رائحة ملابسهم تعرضهم لغاز رائحته أشبه برائحة الكلور، وتمت معالجة هذه الحالات عن طريق الإرذاذ والموسعات القصبية، كما تمّ وضعها تحت المراقبة مدة ساعتين ثمّ قمنا بتخريجهم بعدها."

وفي يوم 2 شباط/فبراير 2018، أكدّ المجلس المحلي لمدينة دوما عبر بيان له، على أنّ الأحياء السكنية في مدينة دوما كانت قد تعرضت لاستخدام غازات سامة في تمام الساعة (5:30) من صبيحة اليوم ذاته، وذلك باستخدام صواريخ أرض-أرض، وهو ماتسبّب بعدة حالات اختناق بين صفوف المدنيين، لافتاً إلى أنّ هذا الهجوم هو الهجوم الثالث من نوعه خلال أقل من شهر.

صورة تظهر البيان الصادر عن المجلس المحلي لمدينة دوما بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: المجلس المحلي لمدينة دوما.

وأفادت مصادر عديدة لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ مصدر تلك الصواريخ التي ألقيت على مدينة دوما هو الفوج (41) المحاذي لمنطقة برزة، موضحين بأنّ الغاز السام كان قد وصل إلى العديد من أحياء المدينة، وأصيب الكثير من الأهالي بحالات هلع غير طبيعية، إذ أنّ الأهالي كانوا قد اعتقدوا بأن الغاز الذي تمّ استخدامه هو غاز الكلور، لكن وبحسب نشطاء فمن من المحتمل كثيرا أن تكون القوات النظامية السورية قد قامت بالتعديل على هذا الغاز، وذلك حتى يحدث آثاراً مستقبلية وضرراً أكثر شدة من غاز الكلور.

وأظهر مقطع فيديو نشرته وكالة سمارت بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018، ماقالت أنه بقايا الصواريخ المحملة بغازات سامة والتي ألقيت على مدينة دوما في اليوم ذاته، مشيرة إلى أنّ القوات النظامية السورية قامت باستخدام صواريخ أرض-أرض محملة بغاز سام على أطراف المدينة.

ملحق: سلسلة من الصور الخاصّة بسوريّون من أجل الحقيقة والعدالة والتي تظهر المادّة العازلة الألمانيّة الصنع داخل أحد الصواريخ التي تمّ استخدامها في الهجوم الكيميائي الثالث في الغوطة الشرقيّة بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018.

 


[1] تخضع مدينة دوما لسيطرة جيش الإسلام.

[2] ويأتي هذا الهجوم في إطار الحملة العسكرية التي بدأتها القوات النظامية السورية على عموم مدن وبلدات الغوطة الشرقية بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وذلك عقب إعلان حركة أحرار الشام الإسلامية عن معركة "بأنهم ظلموا"، والتي بدأتها على ثلاث مراحل، إذ بدأت المرحلة الأولى بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وأسفرت المعارك فيها عن مقتل عدد من عناصر القوات النظامية السورية إلى جانب سيطرة حركة أحرار الشام الإسلامية على أجزاء كبيرة من إدارة المركبات العسكرية في مدينة حرستا، أما المرحلة الثانية فقد بدأت بتاريخ 29 كانون الأول/ديسمبر 2017، وأدت المعارك فيها إلى فرض حصار على إدارة المركبات العسكرية من قبل حركة أحرار الشام الإسلامية، إضافة إلى السيطرة على كلٍ من "حي العجمي" و "الفرن الآلي" و "حي الحدائق" الممتدة على الطريق الواصل مابين مدينتي حرستا وعربين من جهة غرب إدارة المركبات العسكرية. في حين بدأت المرحلة الثالثة بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2018، حيث قامت حركة أحرار الشام الإسلامية بتفجير نفق للقوات النظامية السورية داخل إدارة المركبات العسكرية في مدينة حرستا، وهو ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من عناصر القوات النظامية السورية.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد