مقدمة: تزامناً مع العمليات العسكرية التي بدأتها قوات سوريا الديمقراطية[1] بتاريخ 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 بغية السيطرة على عدد من مدن وبلدات محافظة الرقة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية[2]، والهجمات العسكرية التي قامت بها الحكومة السورية مدعومة بالميليشيات الأجنبية الحليفة لها (العراقية والإيرانية والأفغانية) في دير الزور، نجحت العشرات من الفتيات الأيزيديات (المخطوفات) والعائلات في الهروب من قبضة عناصر تنظيم داعش والتوجه إلى المناطق التي يسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ومناطق أخرى.
وكان تنظيم داعش قد قام باقتحام المناطق ذات الغالبية الأيزيدية (سنجار/شنغال) في العراق بتاريخ 3 آب/أغسطس من العام 2014، وبحسب لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا، فقد قام التنظيم ببيع الآلاف من النساء والفتيات -بعضهنّ لم تتجاوز سنّ التاسعة- في أسواق العبيد أو سوق السبايا كما أطلق عليه في محافظات الرقّة وحلب وحمص والحسكة ودير الزور ، وأكدّ التقرير أنّ مقاتلي داعش قاموا ببيبع الفتيات وإهدائهن ومبادلتهن بين المقاتلين.[3]
ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فقد نجحت العشرات من المختطفات الأيزيديات والعائلات الأيزيدية في الخلاص من قبضة التنظيم والوصول إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، حيث تمّ تسليمهن لمجلس أيزيديي منطقة سنجار/شنكال[4] الذي يعمل على أمور المخطوفين/المخطوفات الأيزديين.
وكانت المديرية العامة لشؤون الأزيديين في وزارة الأوقاف التابعة لإقليم كردستان العراق، قد أصدرت إحصائية بتاريخ 2 آب/أغسطس 2017، تناولت فيها أعداد الأيزيديين في المنطقة وقدرته بنحو (550) ألف نسمة، قبل سيطرة تنظيم “داعش” على قضاء سنجار، كما أشارت الإحصائية إلى أن العدد الكلي للمخطوفين الأيزيديين بلغ (6413) مخطوف، منهم (3543) من الإناث، و (2870) من الذكور، بينما قدرت الإحصائية عدد الناجين من قبضة التنظيم ب(956) من النساء و(328) من الرجال، إضافة إلى (690) من الأطفال الذكور.
بتاريخ 15 آذار/مارس 2017، ذكرت إحصائية أزيدية، بأنّ (3502) فرداً أزيدياً لازالوا مختطفين لدى تنظيم “داعش”، بينهم (1718) من النساء والفتيات اللواتي يتعرضن لأعمال الاستعباد الجنسي والمتاجرة بهن بين قيادات وأمراء تنظيم “داعش”، كما أن بعضهن يتمّ استخدامهن كجاريات لدى نساء قيادات التنظيم اللواتي تمارسن العنف بضربهن طيلة الوقت.
“قالوا لي: هل دخلتِ في الإسلام أم لا؟ فقلتُ لهم أنّني لا أريد الدخول في الإسلام. لكنّهم أجبروني لاحقاً على “اعتناق الإسلام”، ونتيجة للضرب والتهديد بالقتل المستمرين كنت أقوم بممارسة بعض الشعائر مثل الصلاة والصوم وقراءة القرآن. لقد أجبروني على كل شيء.”
بهذه الكلمات اختصرت “نوفة عزيز حسين” 18 سنة (تمّ خطفها وهي تبلغ حوالي 15 سنة)، قصتها في قبضة عناصر داعش، وهي إحدى الفتيات اللواتي نجينَ من قبضة تنظيم “داعش”، بعدما كانت قد أمضت ثلاثة أعوام من الاحتجاز والأسر، حيث استطاعت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة لقاءها إضافة إلى بعض الناجيات الأخريات، وذلك لدى وصولهن إلى مدينة القامشلي/قامشلو في أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2017. وتنحدر نوفة من “قرية كوجو”، وتعرّضت للأسر على يد عناصر التنظيم حين هاجموا قريتها، إلى أن تمكنت أخيراً من الفرار والوصول إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر 2017، حيث استرجعت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة اللحظات الأولى من هجوم تنظيم “داعش” على المنطقة، وقالت:
“دخل عناصر التنظيم إلى قرية “كوجو”، وقاموا بجمع النساء والأطفال والرجال في مدرسة القرية، ومن ثمّ قاموا باقتياد الرجال إلى جهة مجهولة ولا نعلم ماذا حدث معهم وفيما إذا تمّ قتلهم أم لا، ومن ثمّ قاموا بفصل الفتيات عن النساء وقاموا باقتيادنا (نحن الفتيات الصغيرات) إلى الموصل ومن ثمّ إلى منطقة تلّعفر ومنها إلى سوريا.”
كانت نوفة أو كما أطلق عليها عناصر التنظيم اسم “ماريا”، قد وصلت للتو من مدينة عفرين إلى مدينة القامشلي في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا، وكل ما تذكره أن عناصر تنظيم “داعش” كانوا يقومون بتخديرها برفقة نساء أخريات، إضافة إلى تقييد يديها وقدميها من أجل تزويجها وبيعها ومن ثمّ الاعتداء عليهن جنسياً.
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر الناجية نوفة عزيز حسين، بعدما نجحت في الفرار من قبضة تنظيم “داعش”. 30 أيلول/سبتمبر 2017.
أما “فيان حسين بابير” وهي إحدى نساء قرية “سولاغ” في شنكال، ووالدة لثلاثة أطفال، فقد هاجم عناصر التنظيم قريتها أيضاً، وقاموا باقتياد زوجها إلى ساحة في القرية مع بقية رجال القرية، ومن ثم عمدوا إلى إطلاق النار عليهم بعد أن قاموا بتمدديهم على الأرض، ولا تعلم فيان حتى هذه اللحظة ما إن كان زوجها على قيد الحياة أم لا، وفي هذا الصدد تحدّثت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:
“في صباح أحد الأيام جاءت جحافل من تنظيم داعش وقامت باقتحام قريتنا، حيث تمّ جمع جميع النساء في منزلنا وجمع الرجال في منزل شقيق زوجي. بعد ذلك، تمّ أخذ الرجال إلى أحد ساحات القرية وتمّ إطلاق النار عليهم، ولا أدري إذا ما كان زوجي حياً أم ميتاً، لكننا شاهدنا عناصر التنظيم وهم يقومون بإطلاق النار على الرجال في الساحة. بعد ذلك قاموا باقتيادنا (نحن النساء) إلى الموصل وتحديداً إلى سجن “بادوش”، حيث كنتُ حاملاً، وولدت هنالك وأسميتُ ابني “دل وار”. بعد عدّة أيام قاموا باقتيادنا إلى أحد المدارس في منطقة تلّعفر، حيث بقينا هنالك حوالي 20 يوم، وبعدها اقتادونا إلى منازل كانت يبدو أنّها “لسكان من الطائفة الشيعية” في قرية “قزل قيو” حيث بقينا هنالك حوالي أربعة أشهر قبل نقلنا إلى سوريا وتحديداً إلى “قصر كبير-مبنى كبير” في محافظة الرقة وكان مليئاً بالفتيات والنساء. حيث كان هنالك أشخاص يأتون يومياً ويأخذون دفعات من النساء والفتيات إلى مناطق مختلفة بعد شرائهن، وكنتُ موجودة في إحدى تلك الدفعات المتوجهة إلى محافظة دير الزور السورية.”
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر الناجية فيان عقب فرارها من قبضة تنظيم”داعش”، ووصولها إلى مدينة القامشلي/قامشلو بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر 2017.
نسيَت معاناتها بعد رؤية معاناة أطفالها …
بفعل أعمال الإتجار بالبشر وبيع وشراء الأطفال والنساء الأزيديات بين عناصر تنظيم “داعش” في كل من العراق وسوريا، وصل المئات منهم إلى سوريا وتحديداً إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم في مدينة الرقة -قبيل انتراعها من قبضة التنظيم[5]-، وفي مدينة دير الزور، وهو الأمر الذي أكدته نوفة في معرض حديثها لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول رحلة معاناتها في سوريا وتحديداً في محافظة دير الزور حيث تمَ نقلها، وفي هذا الخصوص تابعت قائلة:
“بداية الأمر رفضت الانصياع لأوامر عناصر تنظيم “داعش” باعتناق الإسلام، إلا أنهم أجبروني على ذلك، فأصبحت أصوم وأصلي خوفاً منهم. مازلت أذكر كيف كانوا يقفلون الأبواب علينا غالباً، حتى لانرى ضوء الشمس، كما أذكر أيضاً كيف كانوا يتجولون بي في أماكن عدة بهدف عرضي للبيع، وكيف كان يتم شرائي من قبل أشخاص مسنين من “داعش”، وكنوع من العقاب لي وضعوني على جبهة المعارك ثلاث مرات.”
نُقلت فيان هي الأخرى برفقة أطفالها إلى محافظة دير الزو، وتحديداً إلى منزل أحد شيوخ التنظيم ويدعى “أبو عبد الله”، وذلك بغرض خدمته وخدمة نسائه اللواتي كن يقمن بضربها على الدوام، وكانت تعيش حياة ملؤها الرعب بسبب التعذيب اليومي والتجويع، وقالت فيان بأن مكثت في منزل ذلك الشيخ مدة شهرين، إلى تم شراؤها من قبل تاجر ليبي وأجبرها على الزواج منه إلى حين هروبها، وفي هذا الخصوص أضافت:
“تم شرائي من قبل تاجر ليبي تزوج بي عنوة، ولحسن حظي أنه لم يتم بيعي كثيراً من قبل هذا التاجر، لأنه كان يتجول كثيراً ولم يكن متفرغاً لبيعي، وقد حاولتُ الهروب منّه أكثر من عشر مرات، وفي كل مرة كان يتم القبض علينا كنّا نتعرّض لعملية جلد مميتة، وقاموا بفصلي عن أطفالي مدّة ثمانية أشهر، ولا أدري أين أخذوهم في البداية لكن عرفت لاحقاً أنّهم موجودون في منطقة اسمها “المريعية” وعندما عادوا إلي كانوا كمن فقد عقله، فنسيتُ معاناتي وعذابي وبدأتُ أفكّر بمستقبل أولادي ومعاناتهم. حيث تبّين أنّهم قد أخذوهم إلى جبهات القتال، وكان يحتجزونهم أحياناً في منازل خاوية، وقد أخبرتني إحدى (المخطوفات/السبايا) لديهم بهذه التفاصيل. علاوة على ذلك فقد قام التنظيم باستبدال أسمائنا الكردية بأسماء أخرى: حيث أطلقوا على ابنتي “دلين” اسم عائشة، وعلى “دلبرين” اسم يوسف، وغيروا اسم “دلوفان” إلى بن لادن، أما الصغير “دلوار” فقد أطلقوا عليه اسم ابراهيم، أمّا اسمي فقد كان “نورا”.
وفي معرض حديثها عن وحشية التعامل مع الفتيات الصغيرات قالت فيان:
“كان عناصر التنظيم يقولون أنّه من المحرم “الاقتراب من النساء” وهنّ في فترة “الدورة الشهرية”، لقد كانوا يقومون باغتصاب الفتيات في عمر التسع سنوات، وكانوا يقومون بإعطائهم حبوب منع حمل، وعادة ما كانت الفتيات الصغيرات يعانين من نزيف بعد فترة من الاعتداء عليهن جنسياً .. كنّا ننسى آلامنا عند رؤيتنا الفتيات الصغيرات وقد تعرضن لمثل هكذا ممارسات وحشية. مع العلم أنّه كان يتم بيع الفتيات الصغيرات بأسعار أغلى، على عكس النساء وخاصة تلك اللواتي تمّ بيعهن وشراؤهن لمرات كثيرة. وأحياناً كانت زوجات عناصر التنظيم يبعن الأيزيديات في حالة حاجتهنَ لنقود أو ما شابه. وكانت معظم عمليات البيع والشراء تتم في سوق خاصة بمدينة الرقة وكان القائم على السوق اسمه (أبو مزعل/أبو مشعل -سوري اللهجة). وكانوا يقومون بإلباس النساء والفتيات ثياباً فاضحة وكان يتمّ عرضهن لكل من يودّ شراءهن.
محاولات للهروب من جحيم داعش:
ضاقت الحياة ذرعاً ب “فيان” في ظل دولة داعش، وحاولت العديد من المرات أن تهرب من قبضة عناصر التنظيم، وفي كل مرة كانت تفشل فيها بالهرب كانت تتعرض لشتى أنواع الضرب والتعذيب، حيث قالت فيان في هذا الصدد:
“كنّا نحاول الهروب عادة بعد الساعة السادسة مساءاً، وكنّا نستغل عدم وجود أحد في الشوارع عند وقت الصلاة، فقد كان التنظيم يقوم بجلد كل شخص يخرج في تلك الأثناء. قبل نجاح محاولتي الأخيرة بالهروب، كان ل محاولة للهروب قبلها، حيث قمتُ بحمل أولادي ومشينا حوالي خمس ساعات ثم وصلنا إلى منطقة كانت تدعى “سكّة القطار”، وصادفنا سكّان من الحي وقاموا بأخذنا إلى أحد المنازل، وبقينا عندهم ثلاثة أيام، ومن ثمّ قمتُ بالتواصل خلالها مع أحد أقربائي الأيزيديين، فسألني إذا كانت ابنته ليلى بصحبتي، واشترط وجود ابنته ليلى معي حتى يأتي وينقذنا، لكنّ ليلى لم تكن بصبحتي، وبعد عدّة أيام قام أصحاب المنزل أنفسهم بإخبار عناصر التنظيم عنّا، وتعرّضنا بعدها لعمليات ضرب وتعذيب وجلد وحشية، وتمّ صعقنا بالكهرباء وحرق أجزاء من أجسادنا بسبب محاولتنا الهروب.”
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر الناجية فيان برفقة أطفالها الأربعة، وذلك عقب فرارهم من قبضة تنظيم “داعش”، ووصولهم إلى مقر هيئة المرأة التابع للإدارة الذاتية في مدينة القامشلي/قامشلو بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر 2017.
“حاولتُ الانتحار ست مرات”..
بغضب ممزوج بالخوف استرجعت فيان مشاهد جلد أولادها الأربعة أمام عينيها لساعات متواصلة، وذلك على يد التاجر الليبي الذي قام بشرائها وأرغمها على الزواج منه، فمن شدة الضرب الذي تعرض له أولادها، لم يعد بإمكانهم النوم على ظهورهم عدة أيام، بينما كان التاجر الليبي يهدد بقتلها في حال لجأت إلى البكاء حزناً عليهم، وهو الأمر الذي دفع فيان إلى محاولة الانتحار ست مرات على حد قولها، حيث قالت:
“حاولت الخلاص من العذاب فلجأت إلى محاولة الانتحار مرات عديدة، وفي إحداها قمت بإطلاق الرصاص على نفسي، إلا أن الرصاصة أخطأت هدفها واخترقت جانباً من بطني، كما أنني حاولت تناول الكثير من الحبوب، إلا أن ذلك لم يخلصني أيضاً، فقد بقيت مطروحة على الأرض مدة طويلة بينما كان الدم يسيل من فمي، وفي إحدى المرات حاولت طعن نفسي بالسكين عدة طعنات، إلا أنها هي الأخرى لم تكن كفيلة بقتلي، كنت أريد الموت من الله لكنني لم أفلح في ذلك.”
وأكدت فيان في معرض حديثها عن ممارسات تنظيم “داعش” بحق الأزيديين، على أن عناصر التنظيم كانوا يتناولون حبوباً مخدرة قبل ذهابهم إلى أية معركة، كما أنهم كانوا يجبرون أطفال الأيزيديين على تناولها بغية إرسالهم إلى العمليات الانتحارية.
“أقدموا على بيعي عشرات المرات”..
حاولت نوفة الفرار والخلاص من معاناتها ثلاث مرات، إلا معظم محاولاتها باءت بالفشل، ففي كل مرة كان ينكشف أمرها، كان عناصر تنظيم “داعش” يقدمون على إعطائها لعدد العناصر من أجل الاعتداء عليها جنسياً بشكل جماعي، وفي هذا الصدد أضافت نوفة لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:
“في إحدى المرات التي حاولت الفرار فيها، أمسك عناصر التنظيم بي، وقاموا برميي من أعلى أحد المباني، وعلى إثر ذلك تعرضت قدمي للكسر وأصبت في فقرات ظهري بشكل كبير، وفي المرة الثانية التي حاولت فيها الهرب، أمسك عناصر التنظيم بي على الحدود التركية، وأعادوني إلى مدينة دير الزور، وأجبروني على تناول الحبوب المخدرة، فلم أعد أدرك ما الذي حدث لي بعد ذلك، لكن كل ما أذكره أنهم أقدموا عل بيعي أكثر من خميسن مرة، وأنهم كانوا يصعقون جسدي بالكهرباء ويقومون بسحلي بواسطة السيارات كنوع من العقاب لي.”
وتضيف نوفة أنّها تعرّضت للضرب والتعذيب في كل مرّة كانت ترفض أن تُباع، وأكدّت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة أنّها طلبت منهم مراراً وتكرار الكف عن بيعها إلى عراقيين وسوريين وليبيين وسعوديين وغيرهم، وكيف كانت تتعرّض لشتى أنواع التعذيب من قبلهم مثل التهديد بالقتل بواسطة المسدس والصعق الكهربائي والجرح بالسكاكين. وتضيف نوفة:
“لم نكن نعرف الأسعار التي يتم بيعنا وشراءنا على أساسها دائماً، فقد كانوا يقومون بإجبارنا على ارتداء ملابس فاضحة، وكانوا يقومون بتصويرنا وعرضنا في سوق السبايا، وكان معظم الذين يقومون بعمليات الشراء من كبار السنّ. لقد رأيت الكثير من أنواع العذاب، أحياناً كان يتم بيعي وشرائي بشكل يومي، فكنت أمضي يوماً مع أحد الأشخاص وأمضي اليوم الثاني مع شخص آخر. ولم أكن أعي ماذا يحدث معي بسبب كمّية المخدرات التي كانوا يقومون بإعطانا إيّاها.”
الهروب الأخير والوصول إلى بر الأمان..
مع اشتداد المعارك الدائرة في محافظة دير الزور، مابين القوات النظامية السورية وتنظيم “داعش”، فرّ العديد من سكان المدينة بمن فيهم عائلات التنظيم، وهذه المرة نجحت كلاً من نوفة وفيان مع أولادها، في الفرار برفقة زوجات عناصر التنظيم اللواتي كن يهددن فيان ونوفة وغيرهن من الأسيرات الأيزيديات إذا ما أفشوا بسرهن للحواجز التابعة لقوات سوريا الديمقراطية أو القوات النظامية السورية، وفي هذا الصدد تابعت فيان قائلة:
“كانت زوجات عناصر “داعش”، تمنعننا من رفع رؤوسنا على الحواجز أو التفوه بأي كلمة أثناء رحلة الهروب، وكنا نتحجج بأننا مرضى، وكن يحملن سكاكين في جيوبهن ويهدننا بقتل أطفالنا إذا ما تكلمنا أو أخبرنا عنهن أحداً، وكان شرطنا الوحيد أن يقوموا بتسليمنا لأكراد، وبعد مشقة سفر طويلة وصلنا إلى كراج مدينة سرمدا في محافظة إدلب، ومن ثم دخلت عدد من زوجات عناصر “داعش” إلى مناطق محافظات إدلب وعدد آخر دخلن إلى تركيا من خلال المعبر، وشاهدنا العديد من عناصر التنظيم الذين حلقوا ذقونهم ودخلوا تركيا مدّعين أنهم نازحين.”
وبمساعدة أحد عناصر تنظيم جبهة النصرة، تمكنت فيان ونوفة من الوصول إلى حدود مدينة عفرين الكردية التابعة لمحافظة حلب، ومنها تابعتا إلى مدينة القامشلي/قامشلو، وعقب وصولهما إلى بر الأمان تهيأت كلاً من نوفة وفيان مع أطفالها من أجل السفر إلى منطقة سنجار برفقة وفد من مجلس أيزيديي سنجار/شنكال، وتأمل كل منهما في رؤية أهلها وذويها بعد مضي ثلاثة سنوات من الألم والفراق.
نوفة أو كما أطلق عليها عناصر تنظيم “داعش” اسم “ماريا”، لا تعلم شيئاً عن عائلتها منذ ثلاث سنوات بعد قام عناصر التنظيم بفصلها عن عائلتها ولا تعرّف شيئاً عن والدها ووالدتها، لكن جلّ همها في الوقت الحالي أن تتخلص من آثار المخدرات على جسدها، وأن تبدأ حياة جديدة في قريتها كوجو التي خرجت عن سيطرة تنظيم “داعش” بتاريخ 15 أيار/مايو 2017، وذلك على يد قوات الحشد الشيعي[6].
أما فيان ابنة قرية “سولاغ”، فكل ماتتمناه هو أن تسمع أخباراً طيبة عن زوجها وأن تعلم أنه على قيد الحياة، حيث أضافت باختصار في نهاية حديثها:
“أريد من العالم بأسره أن يعلم، أنه مامن فتاة أيزيدية رغبت الزواج برجل “داعشي”، لكنهم دائماً ما كانوا يقومون بحقننا بإبر مخدرة ويجبروننا على تناول الحبوب المخدرة، كما أنهم كانوا يقومون بتقييد أيدينا وأرجلنا بهدف اغتصابنا.”
قالت نوفة أنّها بدأت تنسى لغتها الأم (اللغة الكردية) بسبب إجبارها على التحدث فقط باللغة العربية، وتمنّت الخلاص لجميع الفتيات والنساء الأيزيدات من قبضة تنظيم داعش، وتمنّت أن يأتي ذلك اليوم الذي تقوم بأخذ حقّها وحق أهلها من تنظيم داعش، وتمنّت أن تقابل أقربائها.
تختتم فيان بأنّها لم تصدق يوماً أنّها سوف تكون حرّة من قبضة تنظيم داعش، وختمت:
“لم أصدق يوماً أنني سوف أتحدث باللغة الكردية مجدداً، لقد كانوا يمنعونا من التحدث باللغة الكرية وكانوا يصفونا بالكفار، حتى أطفالي الصغار كان يتم جلدهم عند أي حديث لهم باللغة الكردية. أريد حالياً أن أعرف أي شيء عن زوجي وأن انتقم من داعش.”
[1] قوات سوريا الديمقراطية: وتعرف أيضاً باسم “قسد”، وهي تحالف يضم ميليشيات كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية، وتم تشكيله في ١١ تشرين الأول/أكتوبر 2015، حيث تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عصبها الأساسي، وتتكون من 27 فصيل عسكري وهي : (لواء المهام الخاصة 45 ولواء 99 مشاة ولواء القعقعاع وجبهة الأكراد ولواء السلاجقة ولواء السلطان سليم ولواء عين جالوت وقوات عشائر حلب وتجمع ألوية الجزيرة ولواء شهداء جزعة ولواء شهداء تل حميس ولواء شهداء تل براك ولواء شهداء كرهوك ولواء شهداء مبروكة ولواء شهداء الحسكة ولواء شهداء راوية تجمع ألوية الفرات وكتيبة تجمع فرات جرابلس وكتيبة احرار جرابلس وكتيبة شهداء الفرات وكتيبة شهداء سد وقوات الصناديد ولواء التحرير والمجلس العسكري السرياني وكتائب شمس الشمال وجبهة ثوار الرقة ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة. وهي مدعومة بشكل أساسي من التحالف الدولي لمحاربة “داعش”.
[2] تنظيم “الدولة الإسلامية” والمعروف باسم تنظيم داعش -ظهر لأول مرة بعد إندلاع النزاع في سوريا عام 2011- تحت اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في شهر نيسان/أبريل من العام 2013 وتم الترويج له على أنّه نتيجة اندماج ما بين تنظيم “دولة العراق الإسلامية” من جهة، وتنظيم “جبهة النصرة” من جهة أخرى، قبل رفض الأخيرة لهذا الطرح، ومطالبة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري من التنظيم الجديد “التركيز” على العراق و “ترك” سوريا لجبهة النصرة آنذاك.
قبل هذا التاريخ، كان التنظيم ينشط في العراق تحت اسم “جماعة التوحيد والجهاد” قبل تحولها إلى “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” عقب تولّي “أبو مصعب الزرقاوي” قيادته في العام 2004 وإعلان البيعة لزعيم تنظيم القاعدة السابق “أسامة بن لادن”.
بعد مقتل “أبو مصعب الزرقاوي” على يد القوات الأمريكية في العام 2006، تزعّم التنظيم “أبو حمزة المهاجر” ليتم الإعلان بعد أشهر قليلة عن تشكيل “دولة العراق الإسلامية” ولكن بزعامة “أبي عمر البغدادي” وتولى “أبو حمزة المهاجر” منصب مساعد زعيم التنظيم.
أبو بكر البغداي “عبد الله إبراهيم”، والذي جاء خلفاً لـ “أبي عمر البغدادي” كان قد أعلن في 29 حزيران/يونيو 2014، قيام “الخلافة الإسلامية، ونصّب نفسه “خليفة للمسلمين”، واتخّذ التنظيم من مدينة الرقة السورية “عاصمة له”.
[3] انظر تقرير لجنة التحقيق الدولية حول ارتكاب داعش لجريمة الإبادة الجماعية بحق الأيزيديات، المنشور بتاريخ 16 حزيران/يونيو 2016.
[4] تأسس مجلس أيزيديي سنجار/شنكال، في 14 كانون الثاني/يناير 2015، حيث يتألف من 14 لجنة، تشرف على تنظيم وإدارة أمور الأيزيديين في منطقة سنجار، كما أنه يتولى الإشراف على أمور المخطوفين الأيزيدين من قبل تنظيم “داعش”.
[5] نجحت قوات سوريا الديمقراطية في انتزاع مدينة الرقة من قبضة التنظيم، وأعلنت عن السيطرة عليها بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2017.
[6] وهي إحدى الفصائل التابعة للقوات الحكومية العراقية، حيث أنها تتألف من 45 فصيلا مسلحا وبتعداد 130 ألف مقاتلا، منهم 30 ألف مقاتل سني، وقد تأسس في أوائل حزيران/يونيو 2014، بدعوة من المرجع الديني الشيعي “آية الله علي السيستاني”، وشاركت هذه القوات في حملة الجيش العراقي لاستعادة مدينة الموصل في تشرين الأول/أكتوبر 2016، كما شاركت هذه القوات إلى جانب الجيش العراقي في معاركه ضد تنظيم “داعش” في وسط وغرب العراق.