مقدمة: بعد اعتقال دام حوالي عام في سجون الإجهزة الأمنية السورية، تمّ الإفراج عن المعتقل "عادل السيد علي" وذلك بتاريخ 19 آب/اغسطس 2017، لكنه خرج وهو مصاب بإعاقة دائمة في إحدى قدميه، جعلته لا يقوى على السير جيداً وحرمته القدرة على إعالة أسرته من جديد، وذلك نتيجة لماتعرّض له من عمليات تعذيب خلال فترة اعتقاله في مدينة حلب ومن ثمّ تنقله بين الأفرع الأمنية في مدينة دمشق، إذ أنه تحدث ل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول مجريات اعتقاله في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، واستهلّ حديثه قائلاً:
"تعرضت لشتّى أنواع التعذيب في فرع أمن الدولة في مدينة حلب، كما كنت شاهداً على وفاة العديد من المعتقلين تحت التعذيب في فرع أمن الدولة وفرع المداهمة في مدينة حلب، إضافة إلى فرع المخابرات الجوية في مدينة دمشق. مازلت أذكر كيف كان عناصر الأفرع يرددون باستمرار: أتينا بكم هنا كي تموتوا، أنتم جميعاً إرهابيون."
أولاً: جانب من حياة الناجي عادل السيد علي:
عادل السيد علي من مواليد ريف إدلب (1970)، وهو رب أسرة ووالد لأربعة أطفال، كان يعمل في مجال البناء من أجل إعالة أسرته في حي صلاح الدين بمدينة حلب، إلى أن تعرض للاعتقال على يد القوات النظامية السورية بتاريخ 13 كانون الأول/ديسمبر 2016، إذ تمّ اعتقاله خلال تواجده في أحد مشافي مدينة حلب لتلقي العلاج، وفي هذا الصدد تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
" كانت قوات النظام تفرض حصاراً خانقاً على مدينة حلب منذ شهر تموز/يوليو 2016، حيث كانت المدينة تتعرض خلال هذه الفترة لأشدّ أنواع القصف الجوي والمدفعي، وكان هدفها من هذا الحصار هو بسط سيطرتها على أحياء المدينة واعتقال المدنيين فيها، وبتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2016، تعرض حي صلاح الدين الذي كنت أقطن فيه إلى قصف مدفعي من قبل قوات النظام، فتعرّضت لإصابة بليغة في رأسي جرّاء هذا القصف ونقلت على إثره إلى أحد المشافي الميدانية في حي السكري، ومكثت فيه عدة أيام بغية تلقي العلاج."
ثانياً: كيف تعرض عادل للاعتقال:
قال عادل في معرض حديثه عن حادثة اعتقاله، بأنّ القوات النظامية السورية نجحت في التقدم إلى حي السكري في مدينة حلب خلال المعارك التي دارت فيما بينها وبين فصائل المعارضة المسلحة وتحديداً في يوم 13 كانون الأول/ديسمبر 2017، إذ أنّ مجموعة منهم قامت بالتسلل إلى محيط المشفى الذي كان يتلقى فيه العلاج، وبعدها أقدمت على تطويقه، وفي هذا الصدد تابع عادل قائلاً:
"في حوالي الساعة (7:00) مساءً، فرضت قوات النظام طوقاً على المشفى الذي أمكث فيه، ومن ثمّ قامت باقتحامه وإخراج جميع المصابين والمرضى والطاقم الطبي، وكنت واحداً منهم، وبعدها قامت بالاعتداء علينا جميعاً دون تمييز سواء بين المصابين الذين كانت حالتهم سيئة، أو حتى بين أفراد الطاقم الطبي، ومن ثمّ وجهوا لنا تهماً بأننا إرهابيين، كان عددنا تقريباً حوالي (30) شخص، وبيننا طبيبان هما الدكتور "خالد شنن" وطبيب آخر لا أذكر اسمه، إضافة إلى خمس ممرضين، وبعدها قام عناصر النظام بسوقنا إلى الأفرع الأمنية في مدينة حلب بغية التحقيق معنا."
ثالثاً: "بس مات خبرونا":
تابع الناجي عادل بأنه اقتيد من قبل القوات النظامية السورية برفقة (30) آخرين إلى فرع حزب البعث في مدينة حلب، ومن ثمّ تنقلوا بين الأفرع الأمنية والعسكرية في المدينة كفرع "المداهمة" وفرع أمن الدولة، وذلك بغية التحقيق والضغط عليهم للاعتراف بأنهم "إرهابيين" أو أنهم من البيئة الحاضنة للإرهاب، مشيراً إلى أنهم تعرضوا لكافة أنواع التعذيب الجسدي والنفسي إضافة إلى التهديد بالقتل والتصفية وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:
"بعد عدة أيام تمّ نقلنا إلى فرع أمن الدولة في مدينة حلب، حيث تعرضت إلى كافة أنواع التعذيب، فقد تعرضت للشبح عدة مرات، رغم أنني أملك إصابة قديمة في يدي، إلا أنهم كانوا يتقصدون ضربي مكان الإصابة القديمة بواسطة كبل كهربائي مخصص للضرب، كما أنهم قاموا بتكبيلي وتعليقي من السقف مدة ثلاثة أيام بلا أي طعام أو شراب، حيث تسبّب لي هذا التعذيب والضرب بإعاقة في قدمي جعلتني لا أقوى على السير جيداً، كما أنني مازلت أذكر أحد المعتقلين الذين كانوا بصحبتنا داخل الفرع وبيلغ من العمر (50) عاماً، إذ أنّ عناصر الفرع كانوا دائماً ما يتعرضون له بالضرب والتعذيب دون أي اعتبار لكبر سنه، في حين كان الرجل يتوسل إليهم كي يكفوا عن ضربه وتعذيبه وإهانته، وأذكر تماماً كيف قال لهم آخر الأمر بأنه سيعترف على مايريدون، وبأن جميع أفراد عائلته إرهابيون، وحتى والدته إرهابية، إلا أنهم رغم ذلك لم يتوقفوا عن ضربه."
وأشار عادل إلى أنه كان شاهداً على وفاة رجل مريض وطاعن في السن يدعى (عبد الله حمرة) في فرع أمن الدولة في مدينة حلب، إذ أنه فارق الحياة نظراً لسوء حالته الصحية وعدم توافر الأدوية إلى جانب تعرضه لشتّى أنواع التعذيب، فقبيل وفاته بأيام حاول المعتقلون كثيراً أن يتوسلوا عناصر الأمن كي يراعوا كبر سنه إلا أنهم دائماً ماكانوا يقولون لهم: "بس مات خبرونا"، وأضاف قائلاً:
"بعد عدة أيام من المعاناة والتعذيب الشديد في فرع أمن الدولة في مدينة حلب، تمّ نقلنا إلى فرع أمن المداهمة حيث كان الوضع أفضل بقليل مقارنة مع الفرع السابق، لكنني أذكر تماماً أنني شهدت على وفاة معتقل آخر ويدعى (خالد عتيق) إذ أنه كان مصاباً بداء السل، وتوفي بيننا بعدما ساءت حالته الصحية وأصبح يخرج دماً من فمه، ولمّا كنا نخبر عناصر الفرع بأن يراعوا مرض الرجل وألا يتعرضوا له بالضرب والإهانة، كانوا يردون أيضاً: "بس مات خبرونا لا تظنوا أنكم في حضن أمهاتكم"."
رابعاً: رحلة معاناة أخرى في مدينة دمشق:
عقب مرور شهر ونصف على اعتقاله في مدينة حلب، تمّ نقل عادل إلى مدينة دمشق مع بقية المعتقلين الثلاثين الذين كانوا بصحبته، حيث تمّ اقتيادهم ليلاً بواسطة ثلاث حافلات وهم مكبلي الأيدي ومعصوبي العينين، وبداية الأمر سيقوا إلى فرع المخابرات الجوية في مدينة دمشق، وبعد حوالي (15) يوماً، تمّ نقلهم إلى المحكمة العسكرية، وفي هذا الخصوص تابع عادل قائلا:
"شهدت في فرع المخابرات الجوية على وفاة أحد المعتقلين المرضى ويدعى (أبو نزار)، إذ أنّ قوات النظام كانت قد منعت دخول الدواء إليه، بما أنّ الرجل كان مصاباً بداء الربو، وكل ما أذكره أننا حاولنا إنقاذه من خلال إجراء تنفس صناعي له، إلا أنه للأسف فارق الحياة، فقد كانت عناصر الأمن يقولون لنا باستمرار: "ممنوع أن تنادوا علينا لإسعاف شخص مريض، لا تنادوا علينا إلا إذا مات، أنتم هنا كي تموتوا الواحد تلو الآخر، إنكم جميعاً إرهابيون. لقد كنا نقدر الوقت بشكل تقريبي إما عند الاستدعاء للتحقيق أو عند توزيع الطعام، نظراً لأن هذه المعتقلات كانت مظلمة جداً وتحت الأرض."
خامساً: تنفّس الحرية:
بقي عادل مغيباً عن عائلته التي لاتعلم إن كان على قيد الحياة أم لا مدة ثلاثة أشهر، إلى أن نجح أخيراً في التواصل معهم بعد نقله إلى سجن عدرا المركزي في مدينة دمشق وذلك بتاريخ 13 آذار/مارس 2017، وبعد حوالي الخمسة شهور تنفّس الحرية أخيراً، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:
"بتاريخ 19 آب/أغسطس 2017، أطُلق سراحي عن طريق عملية تبادل للمعتقلين مابين قوات النظام وفصائل المعارضة، وذلك بعد دفع مبلغ مالي كبير لأحد السماسرة الذين يعملون لصالح قوات النظام من أجل تثبيت اسمي مع بقية أسماء المعتقلين المبادل عنهم، فانتقلت من سجن عدرا إلى الأفرع الأمنية مجدداً بانتظار عملية التبادل التي استغرقت شهرين، والتي كان النظام يظهرها على أنها عملية مصالحة مابين النظام ومسلحين من المعارضة تمّ العفو عنهم وتسوية أوضاعهم، فخرجنا من سجون النظام وكان عددنا حوالي (135) شخص، ومن بيننا (30) امرأة، وذلك مقابل مبادلة جثتين و(3) أشخاص من "الميلشيات الشيعية" التي تقاتل إلى جانب قوات النظام، وكانت عملية التبادل هذه بالتنسيق مع الهلال الأحمر الذي أشرف على التسليم من الطرفين."