خلفية: تعرّضت الكثير من الممتلكات والمرافق العامّة والخاصة في منطقة جسر الشغور خلال الأشهر والأعوام الماضية، إلى عملية استيلاء ونهب ممنهجة من قبل الفصائل التي سيطرت على المنطقة والمدينة، وبالأخص فصيل هيئة تحرير الشام[1] (جبهة النصرة سابقاً)، والفصائل الجهادية الأخرى التابعة لها مثل "كتائب أنصار الشام"[2]. وإضافة إلى الفصائل المذكورة فقد شارك "الحزب الإسلامي التركستاني"[3] في نهب ومصادرة عدد آخر من تلك الممتلكات. ويبدو أنّ الأهداف وراء الاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة كانت عديدة، حيث قامت بعض تلك الفصائل ببيع المعدات التي تمّ نهبها تارةً، وتحويل أماكن تلك المرافق إلى مقرات عسكرية لتدريب عناصرها تارة أخرى. فعلى سبيل المثال قامت كتائب أنصار الشام بتحويل معمل السكر الكائن في مدينة جسر الشغور إلى معسكر تدريب لعناصرها بعد الاستيلاء على المعمل ونهبه وبيع معداته.
أمّا مركز البريد الكائن في مدينة جسرالشغور، فقد قامت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، بتحويله إلى مقر للمحكمة الشرعية بعد مصادرته. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المشفى الوطني الكائن في المدينة، فقد تم نهب معداته بشكل كامل من قبل هيئة التحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني بعد دمار جزء منه نتيجة العمليات العسكرية التي رافقت السيطرة عليه وانتزاعه من قبضة القوات النظامية السورية.
ووفقاً لشهود العيان والنشطاء الذين الذين تمّت مقابلتهم لغرض هذا التقرير فقد تمّ أيضاً الاستيلاء على قرى كاملة في ريف جسر الشغور الغربي وكان غالبية سكانها ينتمون للديانة المسيحية، وأشخاص ينتمون إلى الطائفة العلوية، ومن تلك القرى (قرية اشتبرق ذات الغالبية العلوية، وقرية القنّية والعزيزية ذات الغالبية المسيحية وقرى أخرى)، ولم يتسنَّ لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة معرفة ملابسات إفراغ هذه القرى من سكانها الأصليين، وفيما إذا حصلت عمليات تهجير ممنهجة أو هرب سكانها خوفاً أثناء العمليات العسكرية التي كانت جارية في تلك المنطقة. ومن الجدير بالذكر أن الفصائل العسكرية قامت بتحويل هذه القرى إلى مستوطنات من أجل إسكان مقاتليهم الأجانب وعائلاتهم فيها.
ولم تكتفِ تلك الفصائل بالاستيلاء على الممتلكات العامة فحسب، بل عمدت إلى مصادرة ممتلكات المدنيين الخاصة، سواءً كانت منازل أومحال تجارية أو أراضٍ زراعية تعود ملكيتها لمدنيين نزحوا خلال الحرب، حيث يقومون بتوزيعها على عناصر تابعين لهم، دون الاستناد إلى أي سبب قانوني أو اجراء قضائي.
أولاً: الاستيلاء على مرافق عامة في منطقة جسر الشغور بريف إدلب:
-
مصادرة معدات "المشفى الوطني" الكائن في مدينة جسر الشغور:
عقب سيطرة كلاً من "جبهة النصرة" و "الحزب الإسلامي التركستاني" إضافة إلى "حركة أحرار الشام الإسلامية" على مدينة جسر الشغور بريف إدلب بتاريخ 25 نيسان/أبريل 2015 ، قامت تلك الفصائل بتقسيم المدينة إلى قطاعين، حيث استولت هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني على القطاع الشمالي والغربي من المدينة -والذي يتضمن القسم الأكبر من مدينة جسر الشغور- ويقع شمال غرب نهر العاصي، في حين سيطرت حركة أحرار الشام الإسلامية وكتائب أنصار الشام على القطاع الشرقي من المدينة -والذي يقع في الجهة الشرقية من نهر العاصي الذي يقسّم المدينة- ومع بداية سيطرتهم على مدينة جسر الشغور، نزح العديد من الأهالي إلى أماكن أكثر أماناً.
كان عدد سكان جسر الشغور الأصلي يقدّر بحوالي (54000) نسمة، وقد تراجع هذا الرقم حالياً إلى حوالي (20000) نسمة بحسب مصادر داخلية، وذلك ترافقاً مع العمليات العسكرية أثناء السيطرة على المدينة.
وكنتيجة للمعارك الطاحنة التي احتدمت مابين تلك الفصائل من جهة والقوات النظامية السورية من جهة أخرى، تضرر جزء من المشفى الوطني الكائن في مدينة جسر الشغور، أما الجزء الآخر فقد تعرض للنهب حسبما أكد طارق عبد الحق وهو أحد ناشطي المدينة، حيث تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في منتصف شهر آب/أغسطس 2017، وقال:
"تضرر قسم من المشفى الوطني إلا أن القسم الآخر ومايحويه من معدات تعرض للنهب والسرقة من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة آنذاك) والحزب الإسلامي التركستاني، فقد استولت النصرة على المعدات الثقيلة (كأجهزة القلب والأشعة) في حين استولى الحزب الإسلامي التركستاني على أشياء أخرى بسيطة كسيراميك المشفى والألمنيوم بعد تفكيكيه، ولا أحد يعلم إلى أين تم نقل تلك المعدات أو ماذا فعلوا بها."
وتابع عبد الحق بأن هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني قاما في الفترة ذاتها بالاستيلاء على مؤسسة "سندس" الاستهلاكية والكائنة في مدينة جسر الشغور، حيث أقدما على نهبها بكل ما تحويه من معدات ثقيلة كالبرادات والغسالات أو حتى مواد غذائية كالطحين والسكر، كما تحدث عن تعرض محطات الكهرباء والماء للسلب أيضاً، وأردف قائلاً:
"لقد تمت سرقة معظم المباني الحكومية كمبنى البلدية والمصرف الزراعي في المدينة، وحتى أبراج التغطية والمولدات الكهربائية لم تسلم منهم، كما قام الحزب الإسلامي التركستاني بسرقة المدارس وتفكيك أبوابها ومقاعدها الدراسية، واستمر حالات السرقة حتى عام 2017، حيث تم الاستيلاء على المدينة الصناعية التي كان النظام السوري بصدد إنشائها قبل السيطرة على مدينة جسر الشغور من قبل تلك الفصائل، فمنذ فترة قصيرة كانت هيئة تحرير الشام قد أعلنت عن رغبتها في تأجير مساحات كبيرة من أراضي تلك المدينة بقصد استثمارها والاستفادة منها."
-
الاستيلاء على "معمل السكر" الكائن في مدينة جسر الشغور من قبل "كتائب أنصار الشام":
مع بدايات العام 2016 وتحديداً في 15 كانون الثاني/يناير، استطاعت "كتائب أنصار الشام" السيطرة على معمل السكر، وكما أسلفنا سابقاً فقد تمّ تقسيم المدينة إلى قطاعات مختلفة السيطرة.
ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد كان معمل السكر أحد أكبر المنشآت الاقتصادية والصناعية في منطقة جسر الشغور كاملة، إلا أنه وبمجرد السيطرة عليه من قبل كتائب أنصار الشام، تحول إلى مجرد مكان خاوٍ من أي معدات، وفي هذا الصدد تحدث عثمان أحمد وهو أحد التجار في مدينة جسر الشغور، حيث تم اللقاء به في منتصف شهر تموز/يوليو 2017، حيث قال بأن عناصر من كتائب أنصار الشام التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) لاحقاً، كانوا قد أقدموا على بيع العديد من معدات المعمل عبر "سماسرة"، وذلك بغية إخلاء المعمل وتحويله إلى معسكر تدريب عسكري لعناصرها، وتابع قائلاً:
"بتاريخ 15 حزيران/يونيو 2017، جاءني شخص يدعى (أبو عمر الأنصاري) وهو المسؤول المالي في كتائب أنصار الشام، وعرض علي بدوره شراء بعض المعدات والمحركات من معمل السكر، فاصطحبني برفقته إلى داخل المعمل، حيث فوجئت بأن المعمل أصبح مجرد كتل إسمنتية ومعدنية خاوية على عروشها، ولم يبق فيه إلا القليل من المعدات التي عرض علي شراؤها بأسعار رمزية، وقام بإخباري بأنه سيتم تحويل مبنى المعمل إلى معسكر تدريب للعناصر."
وأردف الأحمد بأن عناصر من كتائب أنصار الشام كانوا يقومون بإخلاء معمل السكر على دفعات حتى لا يلفتون أنظار الأهالي إليهم، وفي حال لاحظ أحد الأهالي مايقومون به، فكانوا يتحججون بإرسالها إلى ورش خاصة من أجل صيانتها وإعادتها لاحقاً، وأنهى الأحمد حديثه قائلاً:
"كان معمل السكر في مدينة جسر الشغور يستوعب حوالي (600)عامل، كما أن طاقته الإنتاجية كانت تبلغ حوالي (1350) طناً يومياً خلال موسم إنتاج الشوندر السكري، أما حالياً فقد بات مجرد خردة وكتل من الاسمنت، ويتم تجهيزه ليصبح معسكر تدريب عسكري."
وفي سياق متصل نشرت كتائب أنصار الشام التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) بتاريخ 1 أيار/مايو 2015، مقطع فيديو يظهر جوانب من معمل السكر في مدينة جسر الشغور بريف إدلب، وذلك عقب السيطرة عليه وإخراجه من يد القوات النظامية السورية على حد قولهم.
صور تظهر بعض الجوانب الخارجية لمعمل السكر في مدينة جسر الشغور، وذلك بعد الاستيلاء عليه من قبل كتائب أنصار الشام التابعة لهيئة تحرير الشام (لجبهة النصرة)، حيث التقطت هذه الصور بتاريخ 25 تموز/يوليو 2017، مصدر الصور: وكالة سمارت الإعلامية.
-
مركز بريد جسر الشغور يتحول إلى دار قضاء تابعة "لهيئة تحرير الشام":
لم يكن معمل السكر هو المنشأة الوحيدة التي تم الاستيلاء عليها من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) أوحتى الفصائل الجهادية التابعة لها في مدينة جسر الشغور، فبعد دخول مصطلح "خفض الصعيد[4]" التداول والذي تم توقيعه بتاريخ 4 أيار/مايو 2017، تم الاستيلاء على عدة مرافق وممتلكات عامة أخرى، كالمحكمة المدنية ومقر البلدية، فضلاً عن مركز البريد الذي تم تحويله إلى دار قضاء تابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، بحجة أن المدينة قد أمست بحاجة إلى محكمة تتولى تسيير أمورها، وهذا ما أكده صاحب أحد المحال التجارية الواقعة بالقرب من مركز البريد، والذي تم اللقاء به في منتصف شهر تموز/يوليو 2017، حيث قال:
"بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2016، تم إغلاق مركز بريد جسر الشغور من قبل عناصر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، وتم تكليف بعض الحراس لمنع دخول أحد إليه، وكتب على مدخل المركز عبارة (ممنوع الدخول تحت طائلة المسؤولية)، وبتاريخ 10 أيار/مايو 2017، بدأ عناصر الهيئة بإفراغ محتويات مركز البريد ومعداته، إلى أن تم تحويله بتاريخ 20 أيار/مايو 2017 إلى دار قضاء تابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر الكتابات التي خطت على مدخل مركز البريد في مدينة جسر الشغور بريف إدلب، وذلك عقب الاستيلاء عليه من قبل عناصر تابعين لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2016، حيث تم إغلاقه وتحويله لاحقاً إلى دار قضاء تابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) بتاريخ 20 أيار/مايو 2017.
-
الاستيلاء على أراضٍ زراعية تابعة لمديرية الأوقاف في قرية الدرية بريف جسر الشغور:
وفي عام 2014، قام تنظيم (جبهة النصرة) -سابقاً- بالاستيلاء على العديد من الأراضي الزراعية التابعة لمديرية الأوقاف في قرية الدرية بريف جسر الشغور، وتعرف هذه الأراضي بوفرة محصول الزيتون الذي تنتجه كل عام، وهذا ما أكده محمد النسر وهو أحد النشطاء المستقلين الذين بحثوا واستقصوا حول هذه القضية، حيث تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في أواخر شهر آب/أغسطس 2017، وقال:
"كان عناصر النصرة يعطون هذه الأراضي كضمان لمن يريد استثمارها، ومعنى الضمان بالعرف الزراعي، أي أن الشخص الذي يقوم بضمان تلك الاراضي، يبيع محصوله ثم يقوم بإعطاء نسبة من الأرباح لصاحب تلك الاراضي، وبالتالي كانت الأرباح تذهب لجبهة النصرة كل عام، ومن المعروف أن هذه الأراضي غنية جداً وكان أهالي البلدة يستفيدون منها مادياً، وذات الأمر كان يحدث في منطقة حارم، حيث قامت النصرة بسلب أراضي الزيتون الغنية وإعطائها كضمان لمن يريدها."
وبدوره أشار الناشط محمد إلى أن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) والحزب الإسلامي التركستاني كانا يعمدان إلى تفكيك وسرقة السكك الحديدية الواصلة مابين ريف اللاذقية ومنطقة جسر الشغور في العام 2015، وبأنهما لم يكتفيا بهذا فحسب، إذ أن هناك غابات بأكملها كانت قد اختفت في ريف اللاذقية وريف جسر الشغور إضافة إلى بعض الغابات المتفرقة والكائنة بالقرب من بلدة الدانة التابعة لمحافظة إدلب، ففي العام 2013 كانا يقومان بتحطيبها وبيع الحطب المستخرج منها في مواسم الشتاء، وتابع قائلاً:
"أسوأ مافي الأمر أن هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني كانا يقومان بالاستيلاء على المدراس وتحويلها إلى سجون خاصة بهم، سواء كان ذلك في منطقة جسر الشغور أو غيرها من المناطق في محافظة إدلب، ووفقاً للبحوث التي أجريتها حول هذا الموضوع فلايمكننا استثناء حركة أحرار الشام الإسلامية من عمليات الاستيلاء، فقد كانت تقوم هي الأخرى بمصادرة أراضٍ زراعية في منطقة سرمدا بريف إدلب، ثم تبادر إلى بيعها بقصد الاستفادة من ثمنها، كما أن هناك أراضٍ "مشاع" بالقرب من معبر باب الهوى الحدودي، كانت قد أصبحت بكاملها ملكاً لحركة أحرار الشام."
صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي، تبين موقع البعض من الغابات المتفرقة في ريف اللاذقية في العام 2010، وذلك قبيل تحطيبها عشوائياً من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) والحزب الإسلامي التركستاني.
صورة حديثة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي في العام 2015، تبين موقع الغابات التي سبق ذكرها، وذلك عقب تحطيبها عشوائياً من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) والحزب الإسلامي التركستاني، وبيع الحطب المستخرج منها في مواسم الشتاء
صورة حديثة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي في العام 2017، تبين موقع الغابات التي سبق ذكرها، وذلك عقب تحطيبها عشوائياً من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) والحزب الإسلامي التركستاني، وبيع الحطب المستخرج منها في مواسم الشتاء
صورة أخرى مأخوذة بواسطة القمر الصناعي، تبين موقع بعض الغابات المتفرقة بالقرب من بلدة الدانة التابعة لمحافظة إدلب في العام 2010، وذلك قبيل تحطيبها عشوائياً من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) والحزب الإسلامي التركستاني
صورة حديثة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي في العام 2017، تبين موقع الغابات التي سبق ذكرها بالقرب من بلدة الدانة التابعة لمحافظة إدلب، وذلك عقب تحطيبها عشوائياً من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) والحزب الإسلامي التركستاني.
وفي شهادة متقاطعة أكد عاصم زيدان وهو مسؤول فريق "توثيق انتهاكات جبهة النصرة"، على ماقاله الناشط محمد سابقاً، حيث تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في منتصف شهر آب/أغسطس 2017، مشيراً إلى أن مساحة لايستهان بها من أراضي الزيتون في منطقة سلقين بريف إدلب، عمدت جبهة النصرة إلى مصادرتها والاستفادة منها بما أنها تتضمن (300000) شجرة زيتون، كما نوه زيدان في معرض حديثه عن حالات الاستيلاء على الممتلكات العامة إلى قضية هامة جداً، وفي هذا الصدد تحدث قائلاً:
"هناك قرى كاملة تم الاستيلاء عليها من قبل تنظيم جبهة النصرة -سابقاً- والحزب الإسلامي التركستاني، هذه القرى هجرها معظم سكانها خوفاً من الحرب، وغالبيتهم من أتباع الطائفة العلوية والديانة المسيحية، لذا قام التنظيم بمصادرة جميع محتوياتها من منازل وسيارات أو محال تجارية وأراضٍ زراعية، وأذكر من هذه القرى قرية "اشتبرق" العلوية التابعة لمنطقة جسر الشغور حيث تم الاستيلاء عليها من قبل جبهة النصرة في شهر أيار/مايو 2015، وذات الأمر بالنسبة للقرى المسيحية في المنطقة كقرى "القنية" و"العزيزية" والتي تم الاستيلاء عليها من قبل النصرة والحزب الإسلامي التركستاني في شهر كانون الثاني/يناير2013."
ثانياً: مصادرة ممتلكات المدنيين الخاصة من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) في منطقة جسر الشغور:
-
الاستيلاء على أرض زراعية في ريف جسر الشغور:
عقب مصادرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) للعديد من ممتلكات المدنيين الخاصة، باتت العديد من العائلات في منطقة جسر الشغور وريفها بلا أي مأوى، وهذا ما أشار إليه الشاب محمد أحمد باكير، وهو أحد سكان قرية خربة الجوز التابعة لريف جسر الشغور، حيث أكد لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في منتصف شهر تموز/يوليو 2017، على أنه تعرض لسلب أرضه الزراعية من قبل عناصر المخفر التابع لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) بتاريخ 10 تموز/يوليو 2017، وحول ماجرى معه تحدث قائلاً:
"تم إبلاغي من قبل عناصر المخفر بأن بستاني الذي يتضمن غرفةً للسكن، قد أصبح تحت تصرف هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، لذا توجهت إلى بستاني على وجه السرعة، فصدمت لدى رؤيتي لعبارة (جبهة النصرة 9) وهي مخطوطة على أحد جدارن الغرفة، فما كان مني إلا التوجه إلى المحكمة التابعة لهيئة تحرير الشام في القرية، حيث أخبرني القاضي بأن بستاني أصبح تحت تصرف الهيئة، ولدى محاولتي الاستفسار عن الأسباب، أجابني كالتالي: أنت تملك العديد من العقارات والأراضي، ولن يصيبك مكروه لو تخليت عن بستانك الصغير لأحد الإخوة في جبهة النصرة، فهو بحاجة ماسة إلى السكن، ثم أكد لي القاضي بأن أمير قطاع الساحل (المسؤول عن ريف جسر الشغور) كان قد أصدر قراراً في وقت سابق يجيز لهم الاستيلاء على الممتلكات الخاصة التي لايتم استخدامها، وذلك بمايخدم مصلحة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، وقام بإعطائي صورة واضحة عنه."
ووفقاً لشهادة باكير فقد جاء في هذا القرار مايلي:
"تعتبر جميع المنازل و المحلات الغير مستخدمة من قبل أصحابها أو أي عقار آخر يخدم مصلحة الأخوة في جبهة النصرة ملكاً للجبهة، ولها حق التصرف به بما يخدم مصلحة جبهة النصرة و عناصرها، وكل من يعترض على ذلك عليه مراجعة محاكم جبهة النصرة."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر القرار الصادر عن أمير قطاع الساحل (المسؤول عن ريف جسر الشغور)، والذي يجيز بموجبه الاستيلاء على ممتلكات المدنيين بحجة عدم استخدامها، وذلك بما يخدم مصلحة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، حيث صدر القرار بتاريخ 15 شباط/فبراير 2016.
وأردف باكير بأن القاضي سارع إلى تهديده بالسجن، عندما أكد له بأن ما مايقومون به لايستند إلى أي أساس قانوني أو إجراء قضائي، فاضطر الشاب مكرهاً إلى القبول بالأمر الواقع وسرعان ما فقد الأمل من استعادة بستانه على حد وصفه.
-
توزيع شقق سكنية على عناصر هيئة تحرير (جبهة النصرة) في مدينة جسر الشغور:
ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فإن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) تعمد إلى توزيع المنازل -التي تمت مصادرتها- على عناصرها بحجة السكن، ومن ثم تمنع أقارب أو أصحاب تلك المنازل من التصرف بها، بمجرد قيام عناصرها بخط عبارة (جبهة النصرة) على جدران تلك المنازل، ولدى عودة أصحاب تلك المنازل إلى منطقتهم ومطالبتهم بها، فهم ملزمون باستخراج بيانات تثبت ملكيتهم لتلك العقارات، كما أنهم ملزمون بمراجعة المحكمة التابعة لهيئة تحرير الشام في مدينة جسر الشغور، لكن يبدو أن معظم هذه الطلبات المقدمة لاستعادة المنازل يتم رفضها من قبل المحكمة دون الاستناد إلى سبب قانوني.
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر عبارة (جبهة النصرة241) وقد خطت على جدران أحد منازل المدنيين في مدينة جسر الشغور بريف إدلب، وذلك بعد أن قامت هيئة تحرير الشام بالاستيلاء عليه، وقد التقطت هذه الصورة بتاريخ 25 تموز/يوليو 2017.
وبدوره تحدث راغب شحادة وهو رئيس دائرة المصالح العقارية في مدينة جسر الشغور، مشيراً إلى مصير الطلبات المقدمة من قبل أهالي المدينة لإثبات ملكية منازلهم أو محالهم التجارية التي تمت مصادرتها، وقد تم اللقاء به في منتصف شهر تموز/يوليو 2017، حيث قال بهذا الصدد:
"في الآونة الأخيرة، ازدادت أعداد الطلبات المقدمة من قبل الأهالي والهادفة إلى إثبات ملكية ممتلكاتهم، ولا سيما بعد دخول مدينة جسر الشغور ضمن اتفاق خفض التصعيد الذي تم توقيعه بتاريخ 4 أيار/مايو 2017، حيث ارتفعت وبشكل ملحوظ أعداد العائدين إلى مدينتهم، وبما أن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) قد وضعت يدها على ممتلكات هؤلاء، فقد سعى العديد منهم إلى استرجاع ممتلكاتهم، إلا أن غالبية الطلبات المقدمة من الأهالي يتم رفضها من قبل المحكمة، باعتبار أنها تحمي مصالحها ومصالح عناصرها بالدرجة الأولى، مع الأخذ بالعلم بأنه لا يوجد محكمة أخرى في مدينة جسر الشغور سوى المحكمة التابعة (لجبهة النصرة)."
-
فارق الحياة بعد الاستيلاء على منزله من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) :
الممارسات التي تتبعها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) في منطقة جسر الشغور بريف إدلب، لم تسلب المدنيين ممتلكاتهم الخاصة فحسب، بل تعدتها حتى الإنهاء على حياتهم، كالشاب بشير سيجري وهو رب أسرة ووالد لطفلين، حيث تعرض لنوبة قلبية أنهت حياته، عقب استيلاء هيئة تحرير الشام على منزله الكائن في مدينة جسر الشغور بتاريخ 5 كانون الثاني/يناير 2017، وذلك وفقاً لشهادة زوجته التي تحدثت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في منتصف شهر تموز/يوليو 2017، حيث قالت:
"بعد غياب عامين في مخيمات اللجوء، عدنا إلى مدينة جسر الشغور بهدف الاستقرار والبقاء فيها، وبمجرد وصولنا إلى منزلنا تفاجأنا باسم (جبهة النصرة237) وقد خط على أحد جدرانه باللون الأحمر، كما كتب إلى جانب تلك العبارة (بيت مسلم-نور الدين) باللون الأسود، وصدمنا أكثر لدى رؤيتنا لعدة أشخاص يقيمون في المنزل، ولدى سؤالنا عن سبب تواجدهم في المنزل، أخبرونا بأنه أصبح ملكاً لهم و بأن علينا مراجعة المحكمة التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)."
وأردفت زوجة سيجري بأنهم علموا من بعض الأهالي بأن عناصر تابعين لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) هم من يقيمون في منزلهم، وأشارت إلى محاولات زوجها الحثيثة لاستعادة منزل العائلة قبيل وفاته، حيث قام باستخراج بيان الملكية الخاص بهم من دائرة المصالح العقارية[5]، وبتاريخ23 آذار/مارس 2017، بادر إلى تقديم طلب إلى المحكمة التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، إلا أن طلبه قوبل بالرفض رغم زياراته المتكررة للمحكمة، وتابعت الزوجة قائلة:
"تم رفض طلبنا المقدم لاستعادة المنزل، بحجة أننا نزحنا عن المدينة وفضلنا العيش في مخيمات اللجوء، وبحجة أن ساكني المنزل الجدد هم أولى به باعتبار أنهم حافظوا عليه، فاضطررنا للعيش في منزل أحد أقارب زوجي في المدينة، وكنا نعيش على أمل استعادة منزلنا من جديد، لذا عاود زوجي المحاولة من جديد من خلال أحد الأشخاص ويدعى (أبو مجاهد)، على أن يقوم باستعادة المنزل بالتراضي مع سكان المنزل الجدد، إضافة إلى دفع تعويض لهم يقدر ب (500) ألف ليرة سورية، إلا عرضه قوبل بالرفض أيضاً، وخلال تلك الفترة أصيب زوجي بعدة أزمات قلبية نتيجة تفكيره وقلقه الدائم بشأن المنزل، إلا أنه نجا منها بأعجوبة، وبقي الحال على ماهو عليه حتى تاريخ 30 آذار/مارس 2017، حيث تعرض لأزمة قلبية أنهت حياته، فأصبحت عائلتي بلا معيل، وبتنا نعيش في منزل أحد أقارب زوجي، وحتى هذه اللحظة لم نتمكن من استعادة منزلنا."
صورة خاصة بسويون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر بشير سيجري قبيل وفاته بتاريخ 30 آذار/مارس 2017، وذلك إثر تعرضه لأزمة قلبية عقب الاستيلاء على منزله الكائن في مدينة جسر الشغور بريف إدلب، من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، وذلك بتاريخ 5 كانون الثاني/يناير 2017.
صور خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر الكتابات التي خطت على أحد جدران منزل بشير سيجري في مدينة جسر الشغور بريف إدلب، حيث خط عليها عبارات (جبهة النصرة 237) و(بيت مسلم أبو نور الدين)، وذلك بعد الاستيلاء عليها من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) بتاريخ 5 كانون الثاني/يناير 2017، وقد التقطت هذه الصورة بتاريخ 24 تموز/يوليو 2017.
[1] بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2017، أعلنت عدّة فصائل جهادية في شمال سوريا الإندماج تحت مسمّى "هيئة تحرير الشام" وكانت الفصائل التي أعلنت عن حلّ نفسها والاندماج تحت المسمّى الجديد هي جبهة فتح الشام – تنظيم جبهة النصرة سابقاً، وحركة نور الدين الزنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنّة، وحركة أنصار الشام الإسلامية، إلا أنه وعلى خلفية اندلاع المواجهات الأخيرة بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام في الشمال السوري بتاريخ 15 تموز/يوليو 2017، أعلنت حركة نور الدين الزنكي انفصالها عن الهيئة بتاريخ 20 تموز/يوليو 2017.
[2] تأسست بتاريخ 20 آذار/مارس 2012، من قبل شخص يدعى "عماد جمعة أبو عمر"، وهي تنشط في الريف الشمالي الغربي من محافظة إدلب ويقدر عددها بحوالي خمسة آلاف مقاتل، وبتاريخ 25 آذار/مارس 2017، أعلنت انضمامها لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة).
[3] ينحدر مقاتلوه من تركستان الشرقية في الصين، حيث انتقل مقاتلوه إلى سورية بعد مقتل زعيم طالبان حكيم الله مسعود في عام2013، وهم يقاتلون بالتعاون مع جبهة النصرة بشكل أساسي وذلك لقربهم من فكر القاعدة، كما أنهم يتوزعون في ريف ادلب الغربي و يقدر عددهم بحوالي 4000 آلاف مقاتل.
[4] بتاريخ 4 من مايو/أيار 2017، وقع ممثلو الدول الراعية لمحادثات أستانا (روسيا وتركيا وإيران) على مذكرة تفاهم لإقامة مناطق لخفض التصعيد في سوريا، وأكدت موسكو أنه سيتم تطبيقها ستة شهور قابلة للتمديد، وتنص المذكرة -التي نشرتها وزارة الخارجية الروسية- على تشكيل مناطق عدم اشتباك تشمل المناطق التالية:
– محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، حماة، وحلب).
– مناطق معينة من شمال محافظة حمص.
– الغوطة الشرقية.