الرئيسية تعليقات ورأي ريم زيتونة: مكتومو القيد في سوريا والمأساة المتجددة

ريم زيتونة: مكتومو القيد في سوريا والمأساة المتجددة

بواسطة wael.m
334 مشاهدة هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

التسجيل في سجلات الأحوال المدنية؛ واجب وحق لكل مواطن ضمن الدولة التي ينتمي إليها، حيث ينتج عن هذا التسجيل مجموعة من الحقوق والواجبات تبدأ بحصوله على رقم وطني فريد وثابت يحدد هويته كإنسان موجود في أي بقعة من الأرض، وبالتالي يترتب عليها حصوله على “بطاقة هوية” ومن ثم البطاقة الأسرية والجنسية والتعليم والطبابة وغيرها من الأمور ..

ولكن نتيجة الأحداث المتتابعة التالية لمرحلة تسلّح الثورة في سوريا، بدأت بعض المشاكل المتعلقة بالأحوال المدنية للسوريين تطفو على السطح، بسبب عدم فصل دوائر الدولة عن الأحداث الدائرة، فنتج عن ذلك أوضاع كارثية لم يدفع ثمنها إلا المدنيون، وخاصة بعد حركات النزوح الداخلي واللجوء إلى دول الجوار مثل لبنان وتركيا والأردن والعراق وغيرها، وعدم قدرتهم على تسجيل أطفالهم في دوائر السجلات المدنية منذ عام 2012 حتى يومنا هذا، نظراً لعدم تمكنهم من  الحصول على الأوراق الرسمية المطلوبة من الحكومة السورية، حيث يعاني الآلاف من الأطفال في دول الجوار من كتمان القيد.

أما داخل سوريا وفي ظل انقسام المحافظات بين مناطق معارضة ونظام وخارطة سيطرات مخلتفة، واعتبار كل معارض مطلوب أمنياً لدى النظام، وعزوف المطلوبين عن محاولة إتباع أي معاملة قد يكون من شأنها زجهم في أحد السجون، فقد أثرّ ذلك بشكل كبير على موضوع إخراج أوراق ثبوتية رسمية، وخاصة أن السجلات المدنية يسيطر عليها النظام وموجودة في المناطق الخاضعة لسيطرته بشكل كامل. كما هو الحال في محافظة دير الزور على سبيل التحديد، يعاني أهالي المحافظة من عدم قدرتهم على تثبيت الزواج في سجلات الدولة وبالتالي عدم تسجيل الولادات الناتجة عن هذا الزواج الذي ينتج عنه جيلا من مكتومي القيد.

مكتوم القيد وفقاً لقانون الأحوال المدنية :

مكتوم القيد: هو من كان والده أو والداه مسجلين في القيود المدنية السورية ولم يتم تسجيله ضمن المدة المحددة للتسجيل؛ في حال ولد مولود من زواج غير مسجل لا يجوز تسجيله إلا بعد تسجيل الزواج أصولا.

وما زاد الوضع سوءاً بشكل أكبر، هي المرحلة التي تلت سيطرة التنظيم الذي يطلق على نفسه اسم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2014 على محافظة دير الزور، حيث نتج نوع “زواج ثاني” غير مسجل؛ وهو زواج الفتيات من عناصر الدولة الإسلامية الذي يعتمد على عقد قران شرعي دون معرفة الاسم الحقيقي للزوج، وإنما فقط اللقب المعطى له من التنظيم: كأبا فلان المصري – التونسي إلخ؛ فالزواج يسجل في محكمة الهيئة الشرعية، و كل زواج يسجل خارج المحكمة يعتبر جريمة زنا ويعاقب الزوجان بإقامة الحد؛ فتكون النتيجة عدم معرفة نسب الأطفال في حالات موت الزوج أو هروبه، خاصة أن أهل الزوج لا علم لهم بهذا الزواج وبالتالي لن يطالبوا بنسبة الأطفال إليهم. ولتوضيح ذلك يجب معرفة المناطق الخاضعة لسيطرة كلا الطرفين ، حيث تسيطر الدولة الإسلامية على الأحياء:

(سينما فؤاد – مساكن الحزب- العرفي- الريف الشرقي والغربي- الجبيلة – الرشدية – نصف الموظفين – الحميدية- الشيخ ياسين –أبو عابد – الحويقة – العمال – العرضي – الصناعة – خسارات)

أما النظام فيسيطر على: (هرابش – جزء من الموظفين – الفيلات – الجورة  – القصور – الوادي “وهو جزء من حي الجورة”  والمطار العسكري)

فمن يتزوج في مناطق التنظيم أو ينجب أطفالاً لا يستطيع التسجيل في سجلات دير الزور كونها في مناطق النظام، ومن هم في مناطق “داعش” لا يستطيعون الدخول إلى مناطق النظام أو الهرب إليها كونهم مطلوبين من النظام نفسه، كأبا إبراهيم (لقب مستعار) الذي ولد طفله الرابع عند دخول داعش المدينة؛ أي أن أولاده مسجلون، إلا الأخير اضطر إلى دفع مائة ألف ليرة سورية كرشوة لأحدهم ليتمكن من تسجيله في نفوس دمشق دون السفر إليها.

وكذلك الأمر بالنسبة لنازحي دير الزور إلى الحسكة ،حيث يستحيل الدخول إلى مدينة دير الزور المحاصرة  من التنظيم أو التوجه إلى العاصمة دمشق خوفا من الاعتقال نتيجة التخلف عن الخدمة العسكرية؛ الخياران الوحيدان للتسجيل في دائرة الأحوال المدنية، أو بسبب التكلفة العالية للسفر جوا في حال لم يكن الشخص مطلوبا من النظام. وبلغ عدد الأطفال فقط في محافظة دير الزور وريفها من منتصف العام 2012 حتى تاريخ كتابة هذا المقال مئات الأطفال، حيث روى العديد من المواطنين معاناتهم، فأغيد مثلاً، ابن محافظة دير الزور، والمقيم حاليا في الحسكة، تزوج في دير الزور في الفترة التي كانت تحت سيطرة جبهة النصرة وأنجب طفلته عند دخول التنظيم للمدينة ولم يتمكن حتى اليوم من تسجيلها في دائرة الأحوال المدنية.

أما السيد ضاهر فيتحدث عن تجربته قائلاً:

“أنا وزوجتي من المطلوبين للنظام؛ فأنا عسكري لم ألتحق بالخدمة العسكرية، وزوجتي تعتبر من المعارضين له، تزوجنا “بعقد شرعي” داخل دير الزور، واستطعنا الخروج من المحافظة بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية، وثقنا زواجنا بالمراسلة ولكن لم نستطع توثيق ولادة ابننا لأننا لا نستطيع العودة إلى الدير المحاصر من تنظيم الدولة الإسلامية ولا الدخول إلى العاصمة دمشق خوفاً من الاعتقال، وهما أماكن تسجيل النفوس الوحيدتان لأبناء دير الزور. ابني اليوم بلغ عاما كاملا ولم يسجل بعد، بالنسبة لأهل زوجتي فهم في مناطق التنظيم ولا يمكنهم مساعدتنا في التسجيل ،أما أهلي فهم معنا هنا في الحسكة ، يبدو لا حل لنا.”

سامية حالة مشابهة أيضا حيث تقول:

“زوجي لم يلتحق بالخدمة العسكرية ولا يجرؤ للسفر إلى دمشق خوفاً من الاعتقال، وبالتالي لم يثبّت زواجنا ولم نستطع قيد ولادة ابنتنا فكل ما نملكه هو ورقة الولادة وورقة من المختار.”

مشكلة ومحاولات للحل:

 إنّ أحد أهم أسباب المشكلة هو فقدان آلية توثيق للأحوال المدنية للمواطنين في هذه المناطق، مما ينتج عنه فقدان النسب والحرمان من الحقوق المدنية والتعليم وغيرها. وكمحاولة لحل مشكلة عدم القيد في سجلات الدولة المدنية، قامت مجموعة من النشطاء النازحين لمحافظة الحسكة بتجميع أكبر قدر ممكن من الوثائق هادفين لخلق سجل خاص بأهالي دير الزور النازحين كنوع من الأرشفة، وحماية لمنعها من الضياع ،ولكن المحاولة باءت بالفشل. حيث تشرح فرات محاولتها في هذا الصدد فتقول:

“لقد حاولت مع مجموعة من النشطاء؛ تجميع أكبر قدر ممكن من الأوراق الثبوتية، وحاولنا أن نحفظها في مكان واحد، إلى أن عرض علينا محامي موثوق، رغبته بتبني مشروع التوثيق هذا، ولكن بعد تجميع سجلات النفوس معه تم قصف منزله، ولم نعد نعرف شيء عنه أو أين اتجه. في السابق نجحت بعض حالات التوثيق من بعض جمعيات الأسر الأرامل، لكن توقف العمل بعد سيطرة داعش، وضياع العمل بعد قتل بعض النشطاء وهروب آخرين واعتقال غيرهم، و مصادرة جميع معداتهم، وأحيانا يتم حذف عملهم الموثق في أجهزة المحمول كنوع من الاحتراز.”

وأخيرا، فإن هذه المعاناة التي يمر بها السوريون في الداخل السوري وفي دول الجوار، تحتاج إلى تنسيق من قبل منظمات المجتمع المدني والقسم القانوني في الائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة السورية، ليتم إيجاد حلول سريعة وعملية تقتضي إيجاد سجلات خاصة بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام وخلق أرشفة تحفظ كل وثائق المعاملات المدنية؛ حفظا لنسب الأطفال وحصولهم على حقوقهم كاملة ابتداء من الجنسية السورية وانتهاء بالتعليم.

ريم زيتونة: كاتبة سورية وناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا. جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعود للكاتب ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة. مصدر صورة الغلاف (سوريون من أجل الحقيقة والعدالة)، مدنيون ينزحون من مدينة الحسكة في آب الماضي 2016 بعد اشتباكات ما بين قوات من الأسايش والجيش النظامي السوري.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد