أصابت عائلة الحسين مصيبة كبيرة تسبّبت في قلب حياتهم رأساً على عقب، فقد كانت هذه العائلة تعيش حياةً سعيدة وتتمتّع بمستوى ماديٍّ جيّد، إلى أن قامت قوّات الأمن التابعة للحكومة السوريّة باعتقال الأم (حسنا المحمّد المرهج)، ثمّ تلاها اعتقال الأب (فاروق الحسين) ثمّ الولد الأكبر (زياد الحسين)، وتمّ الحجز على عدّة منازل تمتلكها العائلة والكثير من الأملاك، ممّا أدّى إلى زيادة الضغوط الماديّة والنفسيّة والقانونيّة عليهم، وتعرّضوا إثر ذلك إلى العديد من عمليّات الاستغلال والابتزاز على خلفيّة اختفاء ذويهم.
الأب فاروق مصطفى الحسين تولّد العام 1964، كان تاجر أدوات بناء، أما الأم حسنا المحمّد المرهج فهي ربّة منزل من تولّد العام 1972، والابن الأكبر زياد فاروق الحسين تولّد العام 1992، كان قد التحق بخدمته الالزاميّة في الجيش السوري. أفراد العائلة المتبقية يبلغ عددهم ثمانية، سبع إناث وذكر واحد، ولقد طالهم الكثير من الأذى عقب اختفاء ذويهم، فقد تعرّضت خمس من الفتيات إلى الاعتقال لفترات متفاوتة بالإضافة إلى المضايقات والإهانات. ينحدر أصل هذه العائلة من مدينة حمص ولكنّها كانت تسكن في مدينة دمشق، منطقة السيّدة زينب.
بدأت مأساة العائلة عقب اختطاف الشاب زياد والذي كان يؤدّي خدمته الإلزاميّة من قبل إحدى جماعات المعارضة المسلّحة، حيث بقي مخطوفاً لمدّة ستّة أشهر في ريف دمشق عام 2012، وبعد إطلاق سراحه من قبل الخاطفين أصبح مطلوباً إلى الأمن السوري بغية التحقيق معه "وهو إجراء روتيني تقوم به أجهزة الأمن عقب كلّ حادثة خطف لعسكريّين خوفاً من كونه منشقّاً وليس مختطفاً".
آثر زياد عدم تسليم نفسه للجهات الأمنيّة وفضّل التواري عن الأنظار، فكان أن قام الأمن بإلقاء القبض على الوالدة حسنا في شهر كانون الثاني/يناير من العام 2013 على حاجز السكّة في منطقة الحسينيّة "ويعرف باسم حاجز الحسينيّة أيضاً“ ويقع بمنطقة نجها قرب مساكن الشرطة في ريف دمشق، وهذا الحاجز يتبع للأمن العسكري وفق شهود من عائلة المخطوفين، وبحسب الشهود أنفسهم فإنّ الأم تمّ احتجازها في مفرزة أمن الدولة بالسيّدة زينب في البداية، ثمّ تمّ تحويلها إلى مفرزة الأمن العسكري في منطقة السيّدة زينب قبل أن يتمّ تحويلها إلى مدينة دمشق وهنا فقدت العائلة أيّ أثرٍ لها ولم يعرفوا إلى أيّ جهة أو فرع تمّ تحويلها لاحقاً.
أمّا الأب فاروق فتمّ اعتقاله من قبل فرع المنطقة (وهو معروف باسم الفرع 227 ويتبع لشعبة المخابرات العسكريّة في دمشق) في شهر شباط/فبراير من العام 2014 في منطقة صحنايا وتحديداً عند حاجز "الكابلات"، حيث تُعرف المنطقة بوجود عدّة حواجز أمنيّة أخرى منها حاجز "بيجو" وحاجز "رينو".
علمت العائلة أنّ اعتقال الأم والأب كان بسبب حادثة اختطاف ابنهم الشاب زياد، وقيل له أنّهم محتجزون كرهائن وسيتم الإفراج عنهم في حال سلّم زياد نفسه للسلطات، وبالفعل قام زياد بتسليم نفسه إلى "فرع المنطقة" بعد عدّة أيّام من اعتقال أبيه في شهر شباط/فبراير من العام 2014، ولكن لم يتمّ إطلاق سراح أهله، ولم يتم معرفة أيّ شيء عن المختفين الثلاثة إلى تاريخ اليوم.
بعد مضي شهر من تسليم زياد نفسه، وتحديداً في شهر آذار/مارس 2014 داهمت عناصر "فرع المنطقة" منزل العائلة وقاموا في بداية الأمر باعتقال شقيقة زياد وكانت تبلغ من العمر 16 عاماً فهي من مواليد العام 1998 أي أنّها كانت ما دون سن الثامنة عشرة، وقد ذاقت في فترة اعتقالها التي بلغت السنتين أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي والمضايقات والتحرّشات، وبعد مضي فترة تمّ إلقاء القبض على شقيقتها الأكبر وهي من مواليد العام 1994 وبقيت محتجزة لمدّة شهرين، ثمّ قاموا باعتقال الأخت الأكبر منها و المولودة في العام 1990 حيث بقيت في الاحتجاز لمدّة سنة ونصف، تلا ذلك اعتقال الأخت الأكبر والمولودة في العام 1986 وبقيت محتجزة لمدّة سنة ونصف أيضاً، ثمّ جرى اعتقال الأخت الخامسة وهي من مواليد العام 1995 حيث بقيت محتجزة لمدّة شهر واحد. أي أنّنا نتحدّث عن اعتقال خمس فتيات من عائلة الحسين تباعاً، من قبل جهات أمنيّة مختلفة، منها "فرع المنطقة وفرع الخطيب" قبل أن يتمّ تحويلهنّ تباعاً إلى سجن عدرا المركزي حيث تم عرضهم على قاضي تحقيق محكمة الإرهاب ليخلى سبيلهنّ لاحقاً بعد أن تبين أن سبب اعتقالهم هو تقارير كيديّة ضدّهم بحسب ما أخبرهم القاضي.
بعد اختفاء الأم والأب تمّ الحجز على 4 منازل مملوكة من قبلهم، وسرقة ما في داخلها من أثاث وأموال فعانى هؤلاء الأطفال الأمرّين من التشرّد والفقر وأصبحوا فجأةً بدون سكن أو مال واضطرّوا لترك الدراسة والعمل حتّى يؤمّنوا لقمة عيشهم، ولاحقاً استطاعوا استرداد أحد المنازل برشوة بعض العناصر من "الشبّيحة" المسؤولين على أمن المنطقة.
تواصل مع العائلة الكثير من الوسطاء الذين ادعوا قدرتهم على إخلاء سبيل أفراد العائلة المتهمين بالإرهاب، ممّا دفع بالأبناء إلى دفع كل ما يملكونه من المال لمعرفة مصير أهلهم وشقيقهم دون أيّ نتيجة تذكر، وتقول إحدى الفتيات من اللاتي قابلتهم سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة إنّ هؤلاء السماسرة يستغلّون ضعف ولوعة الأهالي لمعرفة مصير ذويهم فيقومون بعمليّات الاحتيال على هذا الأساس. وتضيف أنّهم وصلوا عتبة الفقر نتيجة دفع كلّ ما يملكون وما يستطيعون تأمينه من أموال، لهؤلاء السماسرة.
تعرّضت فتيات العائلة إلى الكثير من المضايقات وتحديداً على الحواجز الأمنيّة المنتشرة في الحي، فكانوا يصفونهنًّ بالإرهابيّات، ويحاولون استغلالهنَّ جسديّاً والتحرّش بهنًّ كما كانوا يعدونهنَّ وعوداً كاذبة بأنهم سيخبرونهنَّ عن مصير أهلهنَّ إذا قامت إحداهنَّ بزيارتهم، ولكن الفتيات كنَّ دائماً يتجنبن مثل هذه المواقف.
وأضافت الفتاة التي تمّ اللقاء بها من قبل سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة ما يلي:
"لقد اختلفت حياتنا بشكل كبير منذ اختفاء أهلنا، فقبل اختفائهم كنّا نعيش برفاهيّة تامّة، وكنّا نعيش في ظل أسرة مليئة بالحب وكانت حالتنا الماديّة جيّدة، ولكن فجأةً تغيّر كلّ شيء، وأصبحنا نعيش بمأساة وفقر، فنحن مجرّد أطفال فقدوا والدهم ووالدتهم وشقيقهم الكبير وتغيّر كلّ شيء بعد ذلك. إضافة إلى أنّ الأجهزة الأمنيّة قامت بالحجز على عدّة منازل لنا من بينها منزل العائلة الرئيسي، حيث بقينا خارج منزلنا الرئيسي لمدّة ثلاث سنوات قبل أن نقوم باسترجاعه، ونحن نحاول جاهدين الآن العمل حتّى لا نموت من الجوع رغم كوننا نتعرّض إلى الكثير من المضايقات بشكل يومي."