مقدمة: لم يمضِ سوى يومٌ واحد على خروج المعتقل يوسف أبا زيد من السجون السّورية حتى قضى نتيجة قصف القوات النظامية السورية أثناء قصفها بلدة الغارية الغربية بريف درعا، وكان يوسف قد أمضى خمس سنوات متتالية محتجزاً لدى الأجهزة الأمنية السورية، تعرّض فيها مثل الكثير من المعتقلين لشتى صنوف التعذيب وسوء المعاملة.
في العام 2012، تمّ اعتقال يوسف أبازيد من قبل فرع المخابرات الجوية في مدينة درعا، ثم تنقل بين عدد من الفروع الأمنية خلال الخمسة أعوام التي قضاها محتجزاً، وبتاريخ 12 حزيران/يونيو 2017 تم الإفراج عنه، حيث تزامنت عملية الإفراج عنه مع الحملة العسكرية التي تقودها القوات النظامية السورية بمساندة الطيران الحربي الروسي على مدينة درعا وريفها، حيث قُتل بتاريخ 13 حزيران/يونيو 2017، وذلك بعد تعرضه للإصابة بشظايا القذائف، أي عقب يوم واحد فقط من إطلاق سراحه!
"مازلت أذكر كيف كان يكرر ويقول: من يخرج من أقبية النظام سالماً كالطفل الذي أنجبته أمه حديثاً، وفي أحيان كثيرة كان يصف نفسه بالمحظوظ ويحكي عن بداية حياة جديدة بعد نجاته من موت محتم في أقبية الفروع الأمنية."
بهذه الكلمات استهل أبو عدي الحديث عن شقيقه يوسف خلال شهادته [1]لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
أولاً: جانب من حياة يوسف أبا زيد:
يوسف راكان أبازيد هو من مواليد درعا البلد عام (1984)، لم يستطع أن يكمل تعليمه، فحصل على الشهادة الإعدادية فقط وحمل على عاتقة مهمة إعالة أسرته في فترة مبكرة من حياته، كان يحلم بالزواج كأي شاب آخر، ويطمح لأن يصبح له زوجة وأولاد ويأسس عائلة، فعمل كسائق شاحنةٍ لنقل البضائع بين الأردن وسوريا، إلا أن تعرضه للاعتقال غير مجرى حياته وفقاً لشقيقه الذي تابع قائلاً:
"مع بداية الحراك السلمي الذي عمّ مدينة درعا ضد النظام، عمل يوسف في نقل الأدوية والمستلزمات الطبية من الأردن إلى نقاط طبية يشرف عليها أفراد من المعارضة السورية المسلحة داخل محافظة درعا، وكانت هذه الشحنات تمر عبر المنفذ الحدودي بين الأردن وسوريا بشكل غير قانوني، وذلك من خلال دفع "الرشاوي/رشاوى" لبعض العناصر التابعين للجيش النظامي السوري والمتواجدين على معبر الجمرك القديم، واستمر نشاطه حتى منتصف عام 2012، حيث كشف أمره وتم توقيفه ومصادرة الأدوية التي كان ينقلها، من قبل عناصر المخابرات الجوية على المعبر الحدودي، إلا أنه نجح في الفرار من مركز الحدود وأعانه في ذلك بعض العناصر الذين كان يتعامل معهم، وعلى إثر ذلك تم تعميم اسمه على معظم الحواجز الأمنية التابعة للجيش النظامي السوري."
وبتاريخ 7 أيلول/سبتمبر 2012، تم اعتقال يوسف من قبل عناصر دورية أمنية متنقلة (حاجز طيار) تابعة لفرع المخابرات الجوية في مدينة درعا، حيث تم اقتياده من منطقة "دوار البريد" الشهير في مدينة درعا إلى فرع المخابرات الجوية على حد قول أخيه.
ثانياً: رحلة يوسف أبازيد في أقبية الأفرع الأمنية:
أكثر من ثمانية أشهر أمضاها يوسف في فرع المخابرات الجوية بمدينة درعا، حيث احتجز مدة ثلاثة شهور في زنزانة أشبه "بالمنفردة"، وتعرّض فيها لشتى أنواع التعذيب والضرب الذي طال معظم أنحاء جسده، فضلاً عن تعرضه إلى الصعق الكهربائي من قبل المحققين الذين أرادوا انتزاع اعترافات منه، وهذا ما أكدّه شقيقه أبو عدي من خلال تفاصيل الاعتقال التي جاء يوسف على ذكرها قبيل مقتله، حيث قال:
"أخبرني يوسف بأنهم أجروا التحقيق معه حوالي الثماني مرات، وفي كل مرة كان يتعرّض لجلسة تعذيب مختلفة عن الأخرى، وكانت الجلسة الواحدة تدوم أكثر من ساعتين، ثم يعاد بعدها إلى المنفردة، حيث أدى تعذيبه المستمر وقلة الطعام إضافة إلى عدم وجود علاج داخل الفرع إلى إصابته بمرض غريب، فقد أصيب بالإقياء المتواصل ولم يعد يقوى على الوقوف، وبعد ثمانية أشهر من بقائه في فرع المخابرات الجوية في درعا، وجهت له تهمة الإرهاب ودعم المجموعات المسلحة، وتم تحويله بتاريخ 27 أيار/مايو 2013 إلى فرع الشرطة العسكرية في مدينة درعا حاملاً معه آلامه وأمراضه، وطوال هذه المدة اعتقدت وعائلتي أنه قتل تحت التعذيب، ولاسيما أن مصيره بقي مجهولاً بالنسبة لنا."
صورة مأخوذة بواسطة الأقمار الصناعية، تظهر موقع فرع المخابرات الجوية في مدينة درعا، حيث اقتيد إليه يوسف أبا زيد بتاريخ 7 أيلول/سبتمبر 2012، واحتجز هناك لمدة تزيد عن ثمانية أشهر وتعرض خلالها لشتّى أنواع التعذيب وفق شهادة أخيه.
صورة مأخوذة بواسطة الأقمار الصناعية، تظهر موقع فرع الشرطة العسكرية في مدينة درعا حيث تم تحويل واحتجاز يوسف أبا زيد بتاريخ 27 أيار/مايو2013، وذلك بعد اتهامه بالإرهاب ودعم المجموعات المسلحة.
وأشار أبو عدي إلى أنه كان من المفروض أن يتم تحويل يوسف إلى سجن "غرز المركزي" في مدينة درعا، إلأ أن حصار المعارضة السورية المسلحة لتلك المنطقة، وصعوبة الوصول إلى السجن المركزي، أدى إلى إبقائه في فرع الشرطة العسكرية بمدينة درعا، وذلك إلى حين تحويله إلى فرع الشرطة العسكرية في حي القابون الدمشقي بتاريخ 15 كانون الأول/ديسمبر 2013، وكنتيجةً لتفاقم وضعه الصحي تم نقله إلى مشفى (601) العسكري في منطقة المزة، حيث كان برفقته عشرة معتلقين آخرين على وشك الموت، وعوملوا بشكل سيء جداً من قبل الأطباء -حسبما أكد له يوسف- وبعد مرور شهرين على علاج يوسف وتحسن حالته الصحية، تمت إعادته إلى فرع الشرطة العسكرية في حي القابون الدمشقي، وبتاريخ 6 حزيران/يونيو 2014، تم تحويله إلى سجن عدرا المركزي بريف دمشق.
صورة مأحوذة بواسطة الأقمار الصناعية، تبين موقع فرع الشرطة العسكرية في حي القابون الدمشقي، حيث تم تحويل واحتجاز يوسف أبازيد بتاريخ 15 كانون الأول/ديسمبر 2013.
صورة مأخوذة بواسطة الأقمار الصناعية، تبين موقع مشفى (601) العسكري في منطقة المزة في مدينة دمشق، حيث نقل يوسف أبازيد بسبب تفاقم وضعه الصحي، وكان برفقته عشرة معتقلين آخرين على وشك الموت وفقاً لشهادة أخيه .
صورة مأخوذة بواسطة الأقمار الصناعية، تبين موقع سجن عدرا المركزي في ريف دمشق، حيث تم تحويل واحتجاز يوسف أبا زيد بتاريخ 6 حزيران/يونيو 2014.
ثالثاً: الإفراج عن يوسف بعد خمسة أعوام من الاعتقال:
أضاف أبو عدي بأن قضية أخيه أحيلت إلى محكمة الإرهاب بمدينة دمشق، حيث تولت عائلته مهمة تعيين محامٍ له، وذلك بهدف الإسراع في عرض ملفه على القاضي، فوجدت العائلة نفسها مرغمةً على دفع مبالغ مالية تتجاوز ال(400) ألف ليرة سورية، وتابع قائلاً في هذا الصدد:
"بتاريخ 2 حزيران/يونيو2017، جاء النطق بالحكم، فحكم على يوسف بالسجن مدة تسعة أعوام، ثم شمله عفو رئاسي، فتم تخفيض مدة الحكم حتى أربع سنوات وأربعة شهور -كان قد أمضاها بالفعل في أقبية الأفرع الأمنية- وبتاريخ 7 حزيران/يونيو 2017، تم نقله إلى فرع الشرطة العسكرية في حي القابون، وفي اليوم التالي أحيل إلى فرع الأمن الجنائي في مدينة دمشق، وفي يوم 9 حزيران/يونيو 2017 نقل إلى الشعبة العامة للتجنيد حتى يحصل على تأجيل للخدمة الإلزامية باعتبار أنه مطلوب لخدمة الاحتياط في صفوف الجيش النظامي السوري، ثم تم إخلاء سبيله بتاريخ 12 حزيران/يونيو 2017."
رابعاً: يوسف أبازيد وساعات الحرية:
في حوالي الساعة الواحدة ظهراً من يوم 12 حزيران/يونيو 2017، تلقى أبو عدي اتصالاً هاتفياً من جهة مجهولة، ففوجئ بصوت أخيه يوسف وهو يكلمه ويخبره بأنه قادم إلى منزل العائلة الكائن في بلدة الغارية الغربية بريف درعا وهو المنزل التي نزحت إليه العائلة خلال سنوات الحرب، فاعترت أبو عدي مشاعر متداخلة من الفرح والبكاء وماهي إلا دقائق حتى قام بإخبار كافة أفراد العائلة، وعن اللحظات التي التئم فيها شمل العائلة من جديد، تحدث أبو عدي قائلاً:
"مازلت أذكر كيف غمرنا الفرح والبكاء في آن واحد بمجرد لقائنا بيوسف، شعرنا وكأننا في حلم، ولم يعرف النوم طريقاً إلى عيوننا في تلك الليلة فقد كانت سعادتنا لاتوصف بعودته، كان يخبرنا عن بعض من مامر به من ألم وعذاب، وبقينا نتبادل أطراف الحديث حتى بزوغ الفجر، وفي ذلك اليوم لم ير يوسف سوى عائلته والبعض من أقاربه وأصدقائه، أذكر جيداً كان ينتظر يومه التالي بفارغ الصبر، حتى يسير في شوراع البلدة ويستنشق هواء الحرية من جديد."
خامساً: مقتل يوسف عقب يوم واحد من حرّيته:
في صباح اليوم التالي وفي تمام الساعة (8:15) صباحاً من يوم 13 حزيران/يونيو 2017، تعرّضت بلدة الغارية الغربية في ريف درعا، لقصف مدفعي وصاروخي عنيف من قبل القوات النظامية السورية، حيث كان مصدرها بلدة خربة غزال ومطار الثعلة العسكري في ريف السويداء، ونالت إحدى القذائف من منزل عائلة يوسف، فتعرّض للإصابة بشظاياها، وفارق الحياة على الفور، وفقاً لشهادة شقيقه أبو عدي الذي أردف قائلاً:
"شاءت الأقدار أن يتم الإفراج عن يوسف في ظلّ الحملة العسكرية التي تقوم بها القوات النظامية السورية على مدينة درعا وريفها، وكان يحدثني يوسف قبل يوم واحد فقط عن بداية حياة جديدة وطموحه بالزواج، ولم نكد نهنأ برؤية يوسف، ولم نكد نعرف بكل العذابات التي تعرض لها خلال فترة اعتقاله، حتى غيبته ذات الأيادي التي اعتقلته أول مرة، فالمدة التي أمضاها بيننا يوسف عقب الإفراج عنه لم تتجاوز الثمانية عشر ساعة فقط."
صورة تظهر الشاب يوسف أبا زيد بعد مقتله نتيجة القصف الذي طال منزله الكائن في بلدة الغارية الغربية بريف درعا، وذلك من قبل الجيش النظامي السوري بتاريخ 13 حزيران/يونيو 2017، مصدر الصورة : عائلة يوسف أبا زيد.
[1] تم إجراء اللقاء من قبل الباحث الميداني لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في مدينة درعا بتاريخ 17 تمّوز/يوليو 2017.