“في الوقت الذي ينسحب فيه تنظيم الدولة من مناطق متعددة في شمال سوريا، فإنه يخلّف وراءه آلاف العبوات الناسفة. كتب الناشط في حقوق الإنسان بسام الأحمد قائلاً أنّ على المجتمع الدولي معالجة هذا الخطر الذي يواجه المدنيين.”
فقد العشرات من المدنيين حياتهم في مدينة منبج وريفها في الأشهر الثلاثة الماضية جرّاء الألغام. وقد أثارت هذه الوفيات غضب الكثيرين الذين يتساءلون الآن فيما إذا كانت الأطراف المختلفة المشاركة في الحرب في سوريا تلقي بالاً لحياة المدنيين، بل بدأ البعض يتساءل فيما إذا كانوا يستخدمون معاناة الشعب السوري لخدمة أجنداتهم ودعاياتهم الخاصة.
ربما بات من المعروف أن بعض الأطراف مثل النظام السوري، وما يسمى بالدولة الإسلامية وجبهة فتح الشام (المنتمية للقاعدة سابقاًّ) لا تقيم اعتباراً لحياة الناس أو معاناتهم. في حين تستمر مجموعات أخرى بالإعلان أنّ هدفها الأساسي هو حماية الناس وتدعوا إلى حماية المدنيين أثناء العمليات العسكرية وبعدها، ورغم ذلك لا زالت الوفيات الناجمة عن الألغام الأرضية آخذةً بالارتفاع.
بعد شهرين من القتال الكثيف سيطرت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على مدينة منبج بالكامل الشهر الماضي، وأجبرت تنظيم الدولة على ترك حي السرب آخر معاقلهم هناك. انسحب تنظيم الدولة إلى مدينة جرابلس، وتزامن هذا الانسحاب مع خروج حوالي 1000 مدني، يعتقد ناشطون أنهم أُخذوا رهائن من قبل القوات المنسحبة. ولكن الصدمة الأكبر للمدنيين العائدين إلى منازلهم في منبج كانت أن المقاتلين قد تركوا خلفهم عدداً كبيراً من الألغام الأرضية المخفية في الأحياء التي فرّوا منها، بما فيها السرب.
تملك السكان والمنظمات الإنسانية الصدمة مما وجدوه، فقد ترك تنظيم الدولة خلفه مئات القنابل المصنوعة يدوياً وغيرها من الذخائر الحية، بالإضافة إلى آلاف الألغام الأرضية المخفية والمفخخات المتفجرة المصنوعة على شكل أدوات تستعمل في الحياة اليومية، صممت لقتل أو إيذاء الأشخاص عن طريق إغرائهم باتجاه المادة المتفجرة.
وفقاً للمعهد السوري للعدالة، وهي منظمة محلية توثق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، فإن الألغام الأرضية وغيرها من المواد المتفجرة التي خلّفها تنظيم الدولة وراءه قد قتلت ما لا يقل عن 135 مديناً خلال ثلاثة أشهر، منهم 18 امرأة و27 طفلاً، ونُقل عشرات المصابين إلى مدن أخرى مثل كوباني للعلاج. وفقاً لمصدرٍ في مستشفى الأمل المحلي فإن المستشفى قد استقبل 130 حالة إصابة شديدة تسببت بها الألغام الأرضية أو غيرها من القنابل، وقد كان من بين الحالات فقدان لأطراف و عيون.
حثت التفجيرات الأخيرة ناشطين ومنظمات حقوق الإنسان السورية مثل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة والمعهد السوري للعدالة على إطلاق حملة لرفع الوعي حول خطر الألغام. سميت الحملة بـ “سوريا بلا ألغام” والتي تحث عموم الناس على الإبلاغ عن هذه المواد المتفجرة وفي نفس الوقت تقوم بتعليمهم كيفية التعرف عليها وتجنبها. كما أنها تحث المدنيين على حماية أنفسهم وغيرهم من خلال مشاركة صور العبوات الناسفة المختلفة.
بالرغم من جهود هذه الحملة إلا أن الكثير من المدنيين فقدوا حياتهم بينما كانوا يحاولون تعطيل هذه العبوات بشكل شخصي.
تشير التقديرات إلى أن ثمة 30,000 عبوة ناسفة تركها تنظيم الدولة وراءه في منبج والمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى مفخخات موضوعة في أدوات الاستعمال اليومي مثل عبوات المياه الغازية أو علب الصابون أو الفناجين أو أباريق الشاي. كما أن الألغام الأرضية صنعت لتبدو مثل صخور طبيعية أو حتى أكوام من القاذورات. وكانت واحدة من أكثر العبوات الناسفة الصادمة التي وجدت ٍهي مفخخة مصممة على شكل نبات الثوم المستعمل بكثرة في الطبخ السوري.
سيبقى خطر الألغام الأرضية والعبوات المتفجرة الأخرى مستمراً لسنوات عديدة بعد انتهاء الصراع، والجزئية الأكثر خطورةً هي أن كلاً من الألغام المضادة للأفراد والمضادة للدبابات تتحرك على نحو طبيعي مع مرور الوقت، مما يجعل إزالتها أمراً صعباً للغاية حتى لو كانت مواقعها الأصلية معروفة.
ينبغي على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وفروع الأمم المتحدة والمنظمات المعنية بحظر الألغام الأرضية التدخل الفوري لإنهاء معاناة آلاف الأشخاص، لا في منبج وحسب بل في كل المناطق التي انسحب منها تنظيم الدولة. تم الإبلاغ عن إصاباتٍ لمدنيين وأطفال بألغام تنظيم الدولة في مدن مثل كوباني والشدّادي والهول في محافظة الحسكة. ووفقاً لحملة سوريا بلا ألغام فإن ستة أشخاص فقط يعملون في إزالة الألغام في مدينة الشدّادي، وللأسف فإن هؤلاء العاملين لا يمتلكون تجهيزات حديثة، لذلك فهم لا زالوا يقومون بتعطيل الألغام الأرضية والمتفجرات وإزالتها باستخدام وسائل بدائية مما يعرض حياتهم للخطر يومياً.
نُشرت هذه المقالة أيضاً في موقع (Syria Deeply)، جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعود للكاتب ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة. مصدر صورة الغلاف حملة سوريا بلا ألغام (لغم أرضي مموه على شكل صخرة خلفه تنظيم “الدولة الإسلامية” في مدينة منبج قبل إنسحابه).