بدأت حكومة الإنقاذ[1] مؤخراً بتطبيق عدد من قراراتها الصادرة حول المعاملات العقارية والتجارية[2] في منطقة أريحا جنوب محافظة إدلب السورية، وذلك عقب سيطرة هيئة تحرير الشام[3] في شهر كانون الثاني/يناير 2019 على المنطقة عسكرياً، وفرض التبعية للمؤسسات المدنية العاملة هناك بشكل مباشر إلى حكومة الإنقاذ التابعة لها، بعد أن كانت تتبع سابقاً لـ"حركة أحرار الشام الإسلامية"، ونصت بعض هذه القرارت على تقييد عمليات بيع وشراء وتثبيت ملكية العقارات وفرض رسوم اعتبرها المواطنون باهظة عليهم.
الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة أجرى مقابلات عدة مع أشخاص مدنين حول الموضوع وذلك خلال الفترة الواقعة بين 7 و 11 شباط/فبراير 2019، تحدث فيها المدنيون عن القرارت التي تم فرضها عليهم والضغوط التي يواجهونها في انتهاك محتمل للحقوق الإقتصادية للسكان المحليين.
أولاً: القوانين المتعلقة بالمعاملات العقارية والتجارية وبدء العمل بها في منطقة أريحا:
تحدث الباحث الميداني إلى أحد المحامين في منطقة أريحا -رفض كشف اسمه لأسباب أمنية- حيث أوضح بعض تفاصيل القرارات قائلاً:
"من القوانين التي تم إصدارها مؤخراً بعد أن تمت السيطر على مديرية المصالح العقارية في أريحا هي فرض رسوم مالية على المعاملات العقارية (بيع وشراء وآجار وتثبيت ملكية وتوكيل)، إضافة إلى إلغاء وعدم قبول سندات التمليك أو ما يسمى بـ( قرار الحكم الصادر عن محاكم الحكومة السورية/حكومة النظام السوري)، وتشمل هذه القرارات جميع القرى والبلدات التابعة إداريا لمدينة أريحا ومعرة النعمان وأيضاً كافة أنواع العقارات مهما كانت مساحتها."
وأضاف:
"حكومة الإنقاذ أوقفت العمل بالوكالات العدلية المفوضة للمحاميين أومعقبي المعاملات، وحصرت قبول الوكالة عن الأشخاص المقيمين داخل إدلب بأقاربهم من ذوي درجة القرابة الأولى وحتى الرابعة، وأيضاً قامت بحصر هذا النوع من الوكالات عند كاتب العدل الموجود في مدينة إدلب حصراً، وبالتالي فقد زاد ذلك من كلفة ومشقة الطريق، حيث كان سابقاً هناك كاتب عدل في كل مدينة."
ولفت المحامي إلى أن هذه القرارت تسري على كل مالكي العقارات حتى لو لم يكونوا مقيمين ضمن محافظة إدلب، وبالتالي فإن أي معاملة بيع أو شراء أو نقل ملكية أو حصر إرث لعقارات تقع في منطقة أريحا يجب أن تتم ضمن السجل العقاري التابع لـ"حكومة الإنقاذ" حتى وإن كان أصحابها مقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
وتابع المحامي:
"عملية إجراء المعاملات وتثبيتها للأشخاص المقيمين خارج إدلب تتم عبر إرسال مقطع فيديو يوثق فيه الشخص اسمه وهويته والمعاملة المراد إجراءها والشخص أو المحامي الذي تم توكيله، وإن مجرد اعتماد هذا التوكيل عبر الفيديو يكلف مبالغاً كبيراً والرسم المفروض يعتبر باهظاً، حيث يطلب من الشاري المقيم خارج المحافظة 200 دولار أمريكي ومن البائع المقيم خارج المحافظة 100 دولار أمريكي."
ثانياً: ممارسات تعسفية وفرض رسوم جديدة:
أصدرت وزارة العدل التابعة لحكومة الإنقاذ بتاريخ 3 شباط/فبراير 2018 "لائحة الرسوم العدلية" وتضمنت الرسوم المفروضة على كل معاملة يجريها الأشخاص وتنوعت بين القيمة بين الليرة السورية والدولار الأمريكي.
الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قال إن هذه اللائحة كانت مقررة ويعمل بها فقط ضمن مدينة إدلب خلال الفترة السابقة، ولكن مؤخراً عند مطلع شهر شباط/فبراير 2019 تم تعميم هذه اللوائح للعمل بها في منطقة أريحا بعد أن سيطرت هيئة تحرير الشام عليها.
وبموجب هذه اللوائح فإنه يتوجب على الراغبين بإجراء المعاملات التجارية دفع مئة دولار أمريكي عن كل معاملة "توكيل خارجي عبر الفيديو المباشر" ومئة دولار أيضاً عن كل من معاملة "القيد بالتنفيذ/التجاري" و"قيد الدعوى التجارية"، ومبلغ مئتي دولار عن "قيد الاستئناف/الدعوى التجارية".
تجدر الإشارة إلى أن "حركة أحرار الشام الإسلامية" والتي كانت تسيطر سابقاً على منطقة أريحا كانت تفرض رسوماً مالية أيضاً على إجراء المعاملات التجارية ولكن الرسوم كانت "بسيطة لا تتجاوز عشر آلاف ليرة سورية[4] وتتقاضى بالليرة السورية" وذلك منذ بدء سيطرتها على المنطقة في عام 2015 وحتى انتهاء سيطرتها بتاريخ 20 كانون الثاني/يناير 2019، بحسب ما أكد عدد من المدنيين اللذين التقاهم الباحث الميداني.
نسخة عن "لائحة الرسوم العدلية" الصادرة عن "وزارة العدل التابعة لحكومة الإنقاذ". المصدر: محامي من أريحا.
وحول ذلك الأمر، قال أحد مدني مدينة أريحا للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيق والعدالة مايلي:
"لقد ارتفعت رسوم تثبيت البيع عبر مقطع الفيديو، سابقاً كنا ندفع نحو 10 آلاف ليرة سورية والآن يجب أن ندفع 100 دولار أمريكي، الكثير من الأشخاص توقفوا عن اكمال معاملاتهم بسبب هذه الرسوم، فإذا أردت ثتبيت ملكية عقار اشتريته من الورثة المقيمين خارج إدلب فيجب أن تقوم بدفع 100 دولار عن كل مقطع فيديو تثبيت مبيع لكل وريث، المعاملة ستكلف 500 دولار أمريكي وهذا مبلغ كبير جداً."
وروى مدني آخر ما حدث معه حيث قال:
"سمحت لي الفرصة بتثبيت قطعة أرض باسمي ورثتها عن والدي، وقَبِل إخوتي بفرغ الأرض لي وهم مقيمون خارج سوريا، أردنا أن نقوم بعملية الفراغ عبر مقطع فيديو وقام كاتب العدل الموجود في السجل العقاري بمدينة أريحا بطلب 100 دولار أمريكي لتثبيت مقطع الفيديو، وكذلك دفعت مبغاً مماثل من أجل توكيل محامي ونحو 10 ألاف ليرة سورية للأوراق واستكمال الإجراءات، عملية تثبيت الملكية هذه كلفتني 200 دولار وعشر آلاف ليرة!."
صورة عن إيصال قبض صادر وموقع من "المحاسب في محكمة إدلب" التابعة لـ"حكومة الإنقاذ" وهو قبض مبلغ 100 دولار أمريكي مقابل "تثبيت وكالة فيديو"، المصدر: أحد شهود العيان في التقرير.
ثالثاً: مدى قانونية هذه المعاملات التجارية وحجتها القانونية وسريانها في عموم سوريا:
قال المحامي المقيم في منطقة أريحا للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة:
"إن العقود التجارية والمعاملات التي يتم إبرامها بين شخصين هي عقود كاملة الأركان وصحيحة بين طرفي العقد، وعند تثبيتها في السجلات العقارية التابعة لحكومة الإنقاذ تصبح سارية في جميع المناطق التي تسيطر عليها تحرير الشام في إدلب وحلب وحماه واللاذقية، وبسبب هذا الاعتراف بالحق لصاحب العقد ضمن هذه المناطق فإن المدنيين يرفضون إجراء أي عملية بيع وشراء دون تثبيتها في هذه السجلات العقارية وذلك من باب حفظ الحق."
الباحث الميداني قال إن سكان المناطق المذكورة يرفضون إجراء أي عملية بيع دون تثبيتها خوفاً من نكران أحد ورثة البائع مستقبلاً للبيع، وأضاف أن هناك نسبة قليلة جداً منهم يقومون بتثبيت معاملاتهم التجارية في السجل العقاري التابع للحكومة السورية.
المستشارة القانونية/المحلّية لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قالت في هذا الصدد:
"إن العقود المجراة ضمن المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية تعتبر عقوداً خارجية في الفقه المقارن، وبالتالي فإنها ليست ذات حجة ملكية قانونية قوية لأنها أبرمت خارج مؤسسات الدولة/الحكومة، وبناء على ذلك فإنه يتوجب على صاحب الحق أن يقوم بتثبيت المعاملة أصولاً ضماناً لحقه وبحال تعذر ذلك فإن بإمكانه وضع إشارة دعوى على العقار المحدد تحسباً من بيعه مرة أخرى من قبل المالك الأصلي، إن السجلات العقارية التابعة للحكومة السورية لا تعترف بالمعاملات التجارية التي أبرمت خارجها وتطلب حضور جميع أطراف التعاقد وإجراء عقد جديد لتسجيل المعاملة لديها."
[1] بتاريخ 7 تشرين الأول 2017، تم الإعلان عن تشكيل "حكومة الإنقاذ" لإدارة محافظة إدلب والمناطق الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام"، حيث انبثقت حكومة الإنقاذ عن "هيئة تأسيسية" انبثقت بدورها عن "المؤتمر السوري العام" الذي دعت إلى عقده هيئة تحرير الشام" في 17 أيلول/سبتمبر 2017، وعقدت جميع جلساته وجلسات تشكيل الحكومة في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
[2] يقصد بالمعاملات العقارية كل المعاملات الخاصة بالعقارات من بيع وشراء وسواها التي يقوم بها الأفراد المدنيون. ويقصد بالمعاملات التجارية هي كل معاملات متعقلة بالعقارات من بيع وشراء وسواها ويقوم بها الشركات أو المنظمات أو مؤسسات تتبع جهات الرسمية.
[3] بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2017، أعلنت عدّة فصائل جهادية في شمال سوريا الاندماج تحت مسمّى "هيئة تحرير الشام" وكانت الفصائل التي أعلنت عن حلّ نفسها والاندماج تحت المسمّى الجديد هي (جبهة فتح الشام – تنظيم جبهة النصرة سابقاً وحركة نور الدين الزنكي ولواء الحق وجبهة أنصار الدين وجيش السنّة) إلا أنه وعلى خلفية اندلاع المواجهات الأخيرة بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام في الشمال السوري بتاريخ 15 تموز/يوليو 2017، أعلنت حركة نور الدين الزنكي انفصالها عن الهيئة بتاريخ 20 تموز/يوليو 2017.
[4] ما يقارب الـ20 دولار أمريكي.