الرئيسية تحقيقات مواضيعية لا توقف عن تجنيد الأطفال من قبل أطراف النزاع في سوريا خلال العام 2018

لا توقف عن تجنيد الأطفال من قبل أطراف النزاع في سوريا خلال العام 2018

تقرير خاص يسلّط الضوء على تجنيد الأطفال واستخدامهم كمخبرين في مناطق عدّة من سوريا

بواسطة wael.m
869 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

مقدمة: بعد مرور أكثر من سبعة أعوام على النزاع السوري، ما زالت الانتهاكات مستمرّة بحقّ العديد من الأطفال، سواء تلك المتعلّقة بالقتل والعنف المُرتكب ضدّهم أو تلك المرتبطة بتجنيدهم واستخدامهم في العمليات العسكرية بشكل روتيني، من قبل كافة الأطراف المتنازعة في سوريا.

واستجابة لقرارات مجلس الأمن المتعلّقة بالأطفال والنزاعات المسلّحة، ومنه القرار[1] رقم 2225 في العام (2015)، طُلب من الأمين العام للأمم المتحدّة أن يقوم بتقديم تقارير سنوية شاملة حول قضايا الأطفال والنزاع المسلّح.

ويهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على عدد من الأطفال الذين تمّ تجنيدهم أو استخدامهم في أعمال السخرة من قبل بعض أطراف النزاع في سوريا، خلال العام 2018، سواء كانت القوات الحكومية السورية أو الجهات المناهضة لها، حيث التقى الباحثون الميدانيون لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأكثر من 25 شاهد/شاهدة، في مناطق سيطرة الحكومة السورية وتحديداً في مدينة حماه وريف حمص الشمالي، إلى جانب مناطق سيطرة المعارضة المسلّحة في إدلب وريف حلب الشرقي والشمالي.

وسبق لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أنّ وثقت تجنيد فتاتين قاصرتين ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية في العام 2018، إحداهما الطفلة “سُليمة عبد الرحمن علي” والبالغة من العمر (14) عاماً إضافة إلى الطفلة “عويش بوظان بوظان” والبالغة من العمر (16) عاماً، كما وثقت مقتل الطفلة “ياسمين عارف” (17) عاماً، ضمن صفوف وحدات حماية المرأة، وذلك بعدما كانت قد أصيبت في وقت سابق أثناء مشاركتها في حملة “عاصفة الجزيرة”. [2]

كما سبق لها أن أصدرت تقريراً آخراً في آذار/مارس 2018، وثقّت فيه حالة تجنيد الطفلة “آفين عبد الله” والمعروفة باسم “آڤين صاروخان” والتي تبلغ من العمر (11) عاماً، ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية.[3]

في آخر تقرير[4] له، والذي صدر بتاريخ 16 أيار/مايو 2018، أكدّ الأمين العام أنّ حالات تجنيد الأطفال واستخدامهم في سوريا في تزايد مستمر مقارنةً مع الأعوام السابقة، حيث جاء في التقرير ذاته وفي معرض حديثه عن سوريا والانتهاكات الجسمية التي وقعت بحقّ الأطفال ما يلي:

“لقد زادت الحالات المتحقّق منها لتجنيد الأطفال بنسبة 13% مقارنةً مع العام 2016، حيث تمّ التحقق من 961 حالة (872 فتى و98 فتاة). وعمل 90% من هؤلاء الأطفال في مهام قتالية، وكان 26% منهم دون سن الخامسة عشرة. ومن ضمن العدد الإجمالي للحالات التي تمّ التحقق منها، كان هنالك 36 طفلاً من أصل أجنبي، وقُتل في المعارك ما لا يقل عن 16 طفلاً.”

كما ذكر التقرير بأنّ الحالات التي تم التحقق منها نُسبت إلى عدّة جهات، أبرزها تنظيم الدولة الإسلامية والمعروف باسم تنظيم “داعش”، والجماعات المنتسبة للمعارضة المسلّحة، ووحدات حماية الشعب، والقوات الحكومية والميليشيات الموالية لها، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وهيئة تحرير الشام.

  1. قوات الدفاع الوطني تجنّد عشرات الأطفال ضمن صفوفها في مدينة حماه:

في مدينة حماه، بدأت ظاهرة تجنيد الأطفال مع إحكام القوات الحكومية السورية سيطرتها[5] على كامل مدينة حماه في أواخر العام 2014، إذ بدأ ظهور العديد من المجموعات المسلّحة التي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية السورية، مثل “قوات الدفاع الوطني”، كما تشكّلت العديد من اللجان الشعبية[6] التي أوكلت لها مهمة حماية عدد من الأحياء التي شهدت احتجاجات ضدّ الحكومة السورية، وقد اعتمدت مجموعات الدفاع الوطني واللجان الشعبية على المتطوعين من المدنيين، سواء كانوا قد خدموا سابقاً في القوات الحكومية السورية أم لا، كما أخضعتهم لتدريبات قصيرة على استخدام السلاح، وفيما بعد اتسّعت  هذه المجموعات التطوعية المسلّحة التي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية السورية بإشراف ضباط في الجيش النظامي السوري أو ميليشيات أجنبية مثل “حزب الله اللبناني”، وضمّت هذه المجموعات التي يطلق عليها اسم “القوات الرديفة” الأطفال واليافعين وزجّت بهم بمختلف المهام العسكرية القتالية والغير القتالية.

أنشأت قوات الدفاع الوطني عدّة مراكز لها في مدينة حماه، كما ظهرت مجموعات أخرى تتبع إما لقوات محدّدة في الجيش النظامي السوري، أو تعمل بالتنسيق مع الأفرع الأمنية مثل “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” و”مجموعات النمر” التي تتبع للعقيد “سهيل الحسن” في الجيش النظامي السوري.

وبحسب ما ذكر أحد الناشطين الإعلاميين في مدينة حماه لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ منطقة مخيّم العائدين[7] تعتبر من أكثر المناطق التي تشهد ازدياداً في حالات تجنيد الأطفال في مدينة حماه، بسبب تمركز المجموعات التي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية السورية فيها، مشيراً إلى أنّ أكثر المجموعات التابعة لقوات الدفاع الوطني والتي تقوم بتجنيد الأطفال في مدينة حماه، هي:

“مجموعات المقاومة السورية[8]، ومجموعة فوج الطرماح بقيادة “حيدر النعسان”، ومجموعة الدرويش التابعة ل “أحمد درويش”، إلى جانب مجموعة النمر بقيادة “سهيل الحسن”، إضافة إلى اللواء 47 في مطار حماة العسكري، ومراكز تطوّع متفرّقة في حي الملعب في مدينة حماه، ويضاف إلى ذلك حواجز تابعة للقوات النظامية السورية متمركزة في وسط المدينة وهي “حاجز الموقع وحاجز صلاح الدين وحاجز الحزب.”

وأضاف الناشط بأنّ هذه المجموعات تقوم بأخذ الاطفال إلى معسكرات تدريب في كل من بلدتي قمحانة وخطّاب بالقرب من مدينة حماه، ويقتصر التدريب فيها على كيفية استخدام سلاح الكلاشنكوف، وبعدها يتم فرزهم إلى نقاط الجبهات بريف حماة وأحياناً أخرى يزجّون بهم في جبهات القتال مع تنظيم “داعش” أو جبهات أخرى خارج المحافظة بحسب الوضع العسكري. حيث يتلقى الطفل لقاء تجنيده في هذه المجموعات مبلغ 75 ألف ليرة سورية شهرياً[9].

وبحسب الناشط، فإنّ المدعو “علي طه” وهو قائد مجموعة كبيرة تسمى “القطاع الثالث”[10] في قوات الدفاع الوطني بمحافظة حماة، يعتبر من أكثر الاشخاص الذين يقومون بتجنيد الأطفال وفرزهم الى باقي مجموعات الدفاع الوطني، حيث يجنّد الأطفال أو اليافعين ما دون الـ 18 عاماً داخل مدينة حماه بطرق مختلفة أهمها استغلال الوضع المادي للطفل، حيث يُعتبر الأطفال ذو الدخل المحدود والذين ينتمون إلى الأحياء الفقيرة الأكثر تجنيداً.

كذلك روى المصدر ذاته بأنّ المناطق ذات الغالبية المسيحية في محافظة حماه كمدينتي محردة والسقيلبية، كان قد أنشئ فيها معسكرات لتدريب الأطفال، لزيادة تعداد مجموعات الدفاع الوطني التي تدافع عن تلك المناطق من أي هجوم قد تتعرّض له، مشيراً إلى أنّ هنالك دوافع أخرى قد تدفع بالعديد من الأطفال إلى التطوّع في صفوف هذه القوات، ومنها رغبة الطفل نفسه في التجنيد بدافع حصوله على المال أو السلطة، فارتداء الطفل للزي العسكري يشعره برجولته وبقدرته على التسّلط على أقرانه أو من هم أكبر منه سناً في منطقته، إلى جانب سهولة الالتحاق بهذه المجموعات التابعة لقوات الدفاع الوطني في مدينة حماه، فمكاتب ومقرّات هذه المجموعات منتشرة في المدينة، وكذلك الاعلانات الدعائية للتجنيد والتي لا تطلب أي معايير، فأي طفل قادر على الذهاب لإحدى هذه المقرات وطلب التطوع، دون أن يحتاج موافقة ولي أمره، إذ يكفي أن يقوم الطفل بأخذ هويته الشخصية أو دفتر العائلة. بالإضافة إلى أنّ حس الانتقام أو الثأر لبعض الأطفال الذين قُتل أباءهم أو أخوتهم وهو يحاربون في صفوف القوات الحكومية السورية، هو أحد الأسباب الأخرى التي تدفع العديد من الأطفال إلى الالتحاق بصفوف هذه القوات.

وكانت صفحة الدفاع الوطني في مدينة السلمية الموالية للقوات الحكومية السورية، قد نشرت بتاريخ 11 حزيران/يونيو 2018، إعلاناً للتطوّع ضمن صفوفه، مقابل الحصول على رواتب مغرية بحسب ما جاء في هذا الإعلان.

صورة تظهر منشور إعلان التطوع من قبل صفحة الدفاع الوطني في مدينة السلمية، وذلك بتاريخ 11 حزيران/يونيو 2018، مصدر الصورة: صفحة الدفاع الوطني في مدينة السلمية.

كما كانت صفحة الدفاع الوطني[11] في مدينة السقيلبية والموالية للقوات الحكومية السورية، قد نشرت في شهر حزيران/يونيو 2015، بعض الصور الذي تظهر عدداً من الأطفال المتطوعين في صفوفها في إحدى معسكرات التدريب في مدينة السقيلبية.

صور تظهر بعض الأطفال في أحد المعسكرات التدريبية التابعة لقوات الدفاع الوطني في مدينة السقيلبية في محافظة حماه، في العام 2015، مصدر الصورة: الدفاع الوطني في السقيلبية.

“طلبت أن يُطرد طفلي من الجيش، فانهالوا عليّ بالشعارات الوطنية عن واجب القتال والدفاع عن وطننا ضدّ الإرهابين، وأنّ هذا الواجب لا يفرق بين صغير وكبير، عندما سمعت هذا الكلام قررت عدم التدخل مرة أخرى تجنباً للمشاكل”.

  1. ما لا يقلّ عن 80 طفلاً مجنّداً في منطقة مخيم العائدين في حماه:

يعتبر مخيم العائدين من أشدّ المناطق فقراً في مدينة حماه، فمعظم الأسر فيه لا يتجاوز دخلها الشهري 40 ألف ليرة سورية في أحسن الأحوال، ومع قلة فرص العمل لجأ الكثير من شبان هذا الحي، إلى التطوّع في قوات الدفاع الوطني ليس من أجل القتال ولكن بهدف الحصول على مرّتب شهري، بحسب ما أكده “عبد الرحمن.و” وهو أحد الناشطين الإعلاميين في مخيم العائدين، حيث روى لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ ظاهرة تجنيد الأطفال بدأت تزداد بشكل كبير في مخيم العائدين ولم تعد خفية، حيث أصبح هنالك أكثر من 80 طفلاً مجنداً من المخيم، وذلك منذ بداية العام 2015 وحتى العام 2018، وذلك كله لقاء 15 ألف ليرة سورية يحصل عليها الطفل شهرياَ.

“عامر.أ” شاهد آخر من منطقة مخيم العائدين في مدينة حماه، وهو والد لأحد الأطفال الذين يبلغون من العمر 17 عاماً، والذين تمّ تجنيدهم في صفوف جيش التحرير[12] الذي يقاتل إلى جانب القوات النظامية السورية، وتحديداً في بداية العام 2018، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:

“تعرّف ابني على بعض الصبية المتطوعين في جيش التحرير، وكان يُعجب بملابسهم وبحملهم للسلاح ويراها من علامات الرجولة، فقمت بنصحه كثيراً ولكن لم ينصت لي، حتى ذهب في إحدى الأيام إلى مقرّ التطوع في مخيم العائدين، وسجّل اسمه وبعد أيام ذهب للتدريب في إحدى معسكراتهم، وهو الأن يعمل على حاجز عسكري قرب بلدة قمحانة، ويحصل على مرّتب شهري بقيمة 15 ألف ليرة وبعض الحوافز، وعلى إثر هذه الحادثة، ذهبت إلى شخص ذو نفوذ في المخيم، ويعمل مع قوات النظام، وطلبت منه أن يقوم بطرد ابني من الجيش، ولكنه أخبرني أن لا يستطيع ذلك، وبدأ ينهال عليّ بالشعارات الوطنية عن واجب القتال والدفاع عن وطننا ضدّ الإرهابين، وأنّ هذا الواجب لا يفرق بين صغير وكبير، عندما سمعت هذا الكلام قررت عدم التدخل مرة أخرى تجنباً للمشاكل“.

وفي شهادة أخرى، قال “أحمد.ك” أحد سكان مخيم العائدين، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ ظاهرة تجنيد الأطفال كانت قد ازدادت مؤخراً في مخيم العائدين وبشكل كبير، لافتاً إلى أنّ التسرّب من التعليم والفقر ومشاكل سنّ المراهقة هي أكثر ما يدفع الأطفال باتجاه التجنيد، إضافة إلى أنّ جيش التحرير، لا يقوم برفض الأطفال المجندين بل على العكس يشجعهم ويقوم بإغرائهم بالمال، وعندما يُجنّد الطفل في صفوف هذا الجيش، لا يستمع لعائلته ولا حتى يأخذ موافقتهم أو رأيهم.

  1. عائلات تدفع أطفالها للتجنيد:

ولم يقتصر انتشار حالات تجنيد الأطفال على مخيم العائدين فحسب، بل امتدّ حتى الأماكن الفقيرة والشعبية من مدينة حماه، كأحياء “الشيخ عنبر ومشاع جنوب الملعب ومشاع الأربعين وحارة الطب”، حيث تنوعت الأسباب التي يتم بموجبها تجنيد العديد من الأطفال ممن لم يتجاوزا ال 18 عاماً بعد، في صفوف القوات الحكومية السورية والميليشيات الموالية لها في مدينة حماه، ومنها الإغراءات المالية التي تقدّم لهم، فضلاً عن أنّ بعض العائلات هي من تدفع أطفالها للتطوع في صفوف هذه القوات.

“زهراء.س” إحدى نساء مدينة حماه، قالت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنها وفي بداية العام 2018، شاهدت منشوراً على مواقع التواصل الاجتماعي، يتضمن إعلاناً للتطوع في قوات الدفاع الوطني مقابل راتب شهري يقدّر ب 75 ألف ليرة سورية، فقامت بالتواصل مع هذ الرقم، وسألت حول إمكانية تجنيد ابنها الذي يبلغ من العمر 16 عاماً، بسبب الضائقة المادية التي كانت تعيشها آنذاك، حيث روت قائلة في هذا الصدد:

“كانت المجموعة التي تواصلت معها تسمى “الطراميح”، وهي مجموعة عاملة في قرية قمحانة بالقرب من مدينة حماه، حيث طلبوا مني أن أقوم بتسجيل ابني في مركز تابع لهم في القرية، كما طلبوا مني أن أحضر هويته الشخصية ووعدوني أنهم لن يقوموا بفرزه على الجبهات، وإنما سيقتصر عمله على الحراسة والمهمات التي تطلب منه، إضافة إلى إعطائه إجازة لمدة 10 أيام كل شهرين. وبالفعل هذا ما حدث حيث ما زال ابني مجندّاً لديهم حتى يومنا هذا.”

وفي حادثة أخرى، قال “فادي.خ” وهو أحد أهالي مدينة حماه، بأنّ أحد أقاربه كان قد دفع ابنه البالغ من العمر 15 عاماً للتطوع في صفوف مجموعة “الدرويش” التابعة للدفاع الوطني في مدينة حماه، وكل ذلك نتيجة الفقر الشديد الذي كان يعاني منه وعائلته، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

“كان رائد قد ترك مقاعد المدرسة وعمل في أحد المحلات التجارية، لكن والده أجبره على التطوع رغماً عنه، وتحديداً في شهر أيار/مايو من العام 2018، يدفعه في ذلك الرغبة في الحصول على مرّتب شهري، فتوجه الوالد برفقة طفله إلى أحد مقرات مجموعة الدرويش بقيادة أحمد درويش، وطلب منهم تجنيد طفله، فقاموا بمنحه سلاحاً ومرتباً شهرياً يصل حتى 50 ألف ليرة سورية، كما قاموا بإعطائه وعوداً تقضي بعدم اصطحاب طفله إلى جبهات القتل، ليفاجئ الوالد لاحقاً بإرسال طفله إلى مناطق ريف حماة الشرقي، حيث قُتل إثر الاشتباكات التي دارت حينها ما بين قوات النظام وفصائل المعارضة المسلّحة، وتمّ إخبار الوالد بمقتل طفله على يد الإرهابيين، فما كان من الوالد إلا التطوع في صفوف هذه المجموعة للثأر لمقتل ابنه.”

“رامي .م” 15عاماً طفل آخر من مدينة حماه، كان قد تمّ تجنيده من قبل القوات الحكومية السورية في مطار حماه العسكري، وتحديداً في شهر تموز/يوليو 2018، وكان دافعه في ذلك هو التخلص من الخلافات التي كانت دائماً ما تنشب بينه وبين والدته، بحسب ما روت إحدى قريبات الطفل لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلةً:

” تمّ منح “رامي” سلاحاً ومرّتبا شهرياً، لكن وبعد عدّة أيام من تطوعه، وقعت اشتباكات ما بين قوات النظام وتنظيم “داعش” في ريف السلمية، فقامت قوات النظام بسحب كافّة المتطوعين لهذه المعركة، وكان رامي واحداً منهم، حيث قتُل خلال هذه الاشتباكات، وتمّ إرسال جثته لوالدته وهي ملفوفة بالعلم السوري، كما منعوها من رؤيته ووداعه ثمّ قاموا بدفنه مباشرة.”

“إحدى صديقات ابنتي وهي طفلة في المرحلة الابتدائية، أبلغت عن زوجي بعدما تمّ تجنيدها من قبل حاجز وسط المدينة كمخبرة لنقل أخبار المطلوبين للأفرع الأمنية، تمّ عتقال زوجي وما زال مصيره مجهولاً  أما الطفلة التي أبلغت عنه، فدائماً ما تتم مشاهدتها على الحاجز برفقة عناصر من قوات النظام “

  1. استخدام الأطفال وتجنيدهم كمُخبرين:

لا يقتصر تجنيد الأطفال من قبل القوات الحكومية السورية والميليشيات التابعة لها في مدينة حماه، على وضعهم في ساحات القتال فقط، بل وصل حدّ استخدامهم كمخبرين، بحسب ما روته إحدى نساء مدينة حماه، حيث تحدّثت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الخصوص قائلة:

“في شهر أيار/مايو 2018، اعتقل زوجي من قبل الأجهزة الأمنية السورية، بتهمة التحريض على التظاهرات وحمل السلاح، وقد علمنا لاحقاً أنّ إحدى صديقات ابنتي وهي طفلة في المرحلة الابتدائية، هي من قامت بالإبلاغ عنه، بعدما كان قد تمّ تجنيدها من قبل حاجز “الموقع” وسط المدينة، كمخبرة لنقل أخبار المطلوبين للأفرع الأمنية، حيث تمّت مداهمة منزلنا واعتقال زوجي، وما زال مصيره مجهولاً حتى الآن، أما الطفلة التي قامت بالإبلاغ عنه، فدائماً ما تتم مشاهدتها على حاجز الموقع برفقة عناصر من قوات النظام حتى يومنا هذا.”

“فادية.ح” شاهدة أخرى من مدينة حماه، قالت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ الأجهزة الأمنية السورية كانت قد داهمت منزلها في شهر نيسان/أبريل 2018، حيث تمّ تفتيش منزلها بتهمة حيازة السلاح، وكل ذلك نتيجة إخبارية قد وصلت بحقها من قبل أحد الأطفال الذين تمّ تجنيدهم للعمل كمخبرين في مدينة حماه، حيث تحدّثت في هذا الصدد قائلة:

“تمّ تفتيش المنزل تفتيشاً دقيقاً، ولدى سؤالي عناصر الأمن عمّا يبحثون، أخبروني بأنّ هنالك سلاحاً موجوداً داخل المنزل، ولما أجبت بالنفي، قاموا بإخباري بأنّ صديق طفلي هو من أخبرهم بوجود هذا السلاح، وعلى الفور أخرجت لهم سلاح صيد مرّخص، وأخبرتهم بأنّ هذا هو السلاح الذين تبحثون عنه، وكان ابني هو من أخبر صديقه في ذات اليوم بأننا نملك سلاح الصيد هذا، وتمّت مداهمة منزلنا في اليوم ذاته.”

“شادي.م” أحد شبان مدينة حماه الذين تمّ سحبهم للخدمة الاحتياطية ضمن صفوف القوات الحكومية السورية وتحديداً في بداية العام 2018، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنه كان قد شاهد خلال خدمته في مناطق دير الزور، عدداً من الأطفال الذي لم يتجاوزا ال18 بعد، حيث تمّ زجّهم في جبهات القتال على الرغم من أنهم لا يمتلكون الخبرة الكافية في حمل السلاح، مشيراً إلى أنّ بعض هؤلاء الأطفال قتلوا خلال المعارك الدائرة ما بين القوات الحكومية السورية وفصائل المعارضة السورية المسلّحة في مناطق ريف حماه، رغم أنّ عائلات أولئك الأطفال قد تلقوا وعوداً من القوات الحكومية السورية، بعدم سوق أطفالهم إلى جبهات القتال، وأن يتم إبقائهم ضمن مدينة حماه نفسها.

وأظهر مقطع فيديو[13] تداولته وكالات إعلامية بتاريخ 22 حزيران/يونيو 2016، بعض الأطفال المتطوعين في صفوف الدفاع الوطني في محافظة دير الزور.

صورة مأخوذة من مقطع الفيديو السابق، بعض الأطفال المتطوعين في صفوف الدفاع الوطني في محافظة دير الزور في العام 2016.

وبحسب الباحثين الميدانيين لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد تمتّ مشاهدة متطوعين من قوات الدفاع الوطني في مدينة حماه، وهم يقومون بإقناع فتيات لا تتجاوز أعمارهنّ ال 12 عاماً، للانضمام إلى صفوف هذه القوات، من خلال عرض مبلغ 40 ألف ليرة سورية كمرتب شهري لهنّ، كما أفادوا بأنهم شاهدوا قرابة العشرة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 17 عاماً، وهم يرتدون الزيّ العسكري في ساحة العاصي الشهيرة وسط مدينة حماه، وعندما تمّ سؤال أحدهم عن سبب ارتدائه الزي العسكري رغم صغر سنه، أجاب بأنه ورفاقه كانوا قد تطوعوا ضمن صفوف القوات النظامية السورية في محافظة دير الزور، وكان قد تمّ نقلهم مؤخراً بواسطة أحد الحافلات إلى مدينة حماه.

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر أحد الأطفال المجندين في صفوف قوات الدفاع الوطني في حديقة أم الحسن في مدينة حماه، وذلك بتاريخ 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2018.

كما أفاد باحثو سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ مدينة حماه تعتبر مستقرّة إلى حد كبير عسكرياً وبعيدة عن الأعمال العسكرية، ويوجد بها ما يقارب 19 حاجز عسكري ولجنة شعبية ضمن المدينة يتم استخدامها في التفتيش، وتعتبر الحواجز المتواجدة على مداخل المدينة من أكبر الحواجز التابعة للقوات الحكومية السورية في مدينة حماه، ومنها حواجز “المكننة وسباهي وجسر المزارب والبحرة” وحاجز الأمن العسكري على طريق حمص.

  1. ازدياد حالات تجنيد الأطفال من قبل القوات الحكومية السورية وميليشياتها في ريف حمص الشمالي:

مناطق ريف حمص الشمالي كانت قد شهدت هي الأخرى ازدياداً في حالات تجنيد الأطفال ضمن صفوف القوات الحكومية السورية والميليشيات التابعة لها، وخاصةً عقب التوصل إلى اتفاق التسوية[14] الذي تمّ ما بين القوات النظامية السورية وحلفائها من جهة، والمعارضة السورية المسلّحة من جهة أخرى في بداية شهر أيار/مايو 2018، والذي أفضى إلى سيطرة القوات الحكومية السورية والميليشيات التابعة لها على كامل مناطق ريف حمص الشمالي، فمع دخولها إلى تلك المناطق، متمثّلة بجهاز الأمن العسكري والسياسي وقوات أمن الدولة إضافة إلى مجموعات النمر بقيادة “سهيل الحسن”، ومجموعات “خيرو الشعيلة”[15]، أو كما تسمى بمجموعات (خير الله عبد الباري) إلى جانب “مجموعات القاطرجي”[16]، توافدت أعداد كبيرة من الأطفال للتجنيد في صفوف هذه المجموعات، يدفعها في ذلك أسباب عديدة ومنها الحصول على المال والرغبة في السلطة إضافة إلى حماية أسرهم من الاحتجاز على أيدي الأجهزة الأمنية السورية، حيث تعتبر مدينة الرستن هي أكثر المدن التي ازدادت فيها ظاهرة تجنيد الأطفال مؤخراً، بحسب الباحثة الميدانية لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.

“وائل.و” من مواليد مدينة الرستن عام 2002، كان قد تمّ تجنيده في صفوف الأجهزة الأمنية السورية وتحديداً في جهاز المخابرات الجوية في ريف حمص، وذلك في شهر أيلول/سبتمبر 2018، بحسب ما روى أحد أقارب الطفل، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

“كان وائل قد ترك مقاعد المدرسة وتحوّل إلى إعالة لأسرته، وخاصةً بعد اعتقال والده في مدينة الرستن، على أيدي الأجهزة الأمنية السورية منذ العام 2012، وعقب اتفاق المصالحة الذي جرى في ريف حمص الشمالي، تطوّع وائل في جهاز المخابرات الجوية عن طريق أحد الأشخاص الموالين للحكومة السورية ويدعى “خالد عز الدين”، وهذا الشخص يعمل بمثابة مندوب لتجنيد الأطفال مع قوات النظام، وقام بتوقيع عقد مدني مع وائل يتم تجديده كل ستة أشهر، ومقابل مرتب شهري يصل إلى 45 ألف ليرة سورية، على أن يقوم وائل بحراسة بعض المقرات في مدينة الرستن وحماه، حيث مازال يعمل كحارس حتى يومنا هذا.”

وفي حادثة أخرى، كان قد تمّ تجنيد الطفل “عبد القادر. ف” من مواليد مدينة الرستن عام 2003، ضمن صفوف ميليشيات (خيرو الشعيلة) الموالية للقوات الحكومية السورية، وذلك في شهر حزيران/يونيو 2018، حيث روى أحد أقارب الطفل لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ ضيق الأحوال المادية لعائلة الطفل، كانت قد دفعته للتطوع في صفوف هذه الميليشيات، حيث تمّ فرزه على جبهات القتال في محافظة دير الزور التي تشهد عمليات عسكرية ضدّ تنظيم “داعش”، كما توّلى مهمة حراسة مستودعات ومقرات هذه الميليشيات في تلك المناطق، حيث تمّ توقيعه هو الآخر على عقد مدني يتم تجديده كل ستة أشهر، مقابل الحصول على مرتب شهري يبلغ 63 ألف ليرة سورية، بحسب الشاهد.

“علي.ع” طفل آخر من بلدة الزعفرانة في ريف حمص الشمالي، من مواليد عام 2002، وكان قد تمّ تجنيده في جهاز الأمن العسكري التابع للقوات الحكومية السورية، منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018، حيث روى أحد معارف الطفل لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ الطفل كان قد تطوّع خوفاً من الاعتقالات التي قد تطاله وعائلته من قبل القوات الحكومية السورية، إضافة إلى رغبته في الحصول على مرتب شهري يصل إلى 45 ألف ليرة سورية، حيث أشار المصدر إلى أنّ الطفل أصبح يخدم في مفارز الأمن العسكري في بلدة الزعفرانة كما أوكلت إليه مهمة حراسة مقر الأمن العسكري في البلدة، إضافة إلى استخدامه في أعمال السخرة، كتنظيف المقر وجلب الأغراض، حيث أوضح المصدر بأنّ الطفل مازال مجنداً مع جهاز الأمن العسكري حتى يومنا هذا، على الرغم من أنه يعتبر وحيداً لعائلته، وغير مطلوب للخدمة العسكرية.

وفي شهادة أخرى، روى أحد أهالي بلدة تلبيسة، بأنّ الطفل “رائد. ع” من مواليد بلدة تلبيسة عام 2002، كان قد انضمّ لجهاز الأمن العسكري في البلدة، وذلك عقب اتفاق التسوية في شهر أيار/مايو 2018، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

“كان رائد مجنداً سابقاً في صفوف جيش التوحيد[17] والذي تشكّل في بلدة تلبيسة، لكن وبعد توقيع اتفاق المصالحة في ريف حمص الشمالي، قرر الطفل الانضمام لجهاز الأمن العسكري بعقد مدني يتمّ تجديده كل ثلاثة أشهر، وذلك بسبب خوفه من الاعتقال على يد الأجهزة الأمنية السورية، حيث أصبح رائد يرافق عناصر الأمن وهم يقومون بحملات التفتيش في البلدة، كما يقوم أيضاَ بمهمة حراسة إحدى المشافي في بلدة الزعفرانه، والتي حوّلها جهاز الأمن العسكري إلى مقر له لاحقاً.”

كما ذكر أحد أهالي ريف الرستن، بأنّ الطفل “جمال. ب” 15 عاماً، من ريف الرستن، كان قد تطوّع هو الآخر في جهاز المخابرات الجوية في ريف حمص، يدفعه في ذلك خوفه من الاعتقالات التي قد تطاله من قبل الأجهزة الأمنية السورية، إضافة في رغبته الحصول على المال، حيث التحق الطفل بصفوف هذا الجهاز في شهر تموز/يوليو 2018، وتمّ فرزه إلى مناطق محافظة درعا، لقتال فصائل المعارضة المسلّحة، مع العلم بأنّ هذا الطفل كان قد تحول إلى معيل لأسرته لا سيّما بعد مقتل والده نتيجة قصف القوات النظامية السورية على ريف حمص في العام 2012.

كما نشرت صفحة حمص نيوز[18] الموالية للقوات الحكومية السورية بتاريخ 16 كانون الثاني/يناير 2018، نبأ مقتل أحد الأطفال المتطوعين من ريف حمص ضمن صفوف القوات الحكومية السورية، ويدعى “حسن مهدي دربولي” 17 عاماً، وقد ذكرت الصفحة بأنّ الطفل قتل أثناء مشاركته في العمليات العسكرية ضدّ المعارضة المسلّحة في ريف حماه.

صورة تظهر الطفل “حسن مهدي الدربولي”، مصدر الصورة: صفحة حمص نيوز.

أصبحت أحبّ هذ المكان، فأنا أشعر بنوع من القوة، وخاصة أنني أصبحت أجيد استخدام السلاح، وأشعر بالفخر أنني أصبحت مجاهداً وإن قتلت سوف أذهب إلى الجنة.

  1. أربعون مدرسة تابعة لفصائل إسلامية تقوم بتجنيد الأطفال في محافظة إدلب:

ليست القوات الحكومية السورية والمليشيات التابعة لها وحدها من تعمد إلى تجنيد الأطفال في مناطق سيطرتها، ففي الشمال السوري الخارج عن سيطرة القوات الحكومية السورية وتحديداً في محافظة إدلب، كانت قد بدأت ظاهرة تجنيد الأطفال في أواخر العام 2012، وأخذت بالازدياد في العام 2013، وخاصةً مع انتشار عدد من الفصائل الإسلامية التي اتخذت من تيار السلفية والجهادية منهاجاً لها، كتنظيم الدول

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد