مازالت "روضة" تشعر بأسى كبير، كلما نظرت إلى حال أولادها الثلاثة، فهم لم يتمكنوا من إكمال تعليمهم، كغيرهم من المواطنين المتمتعين بالجنسية السورية، كما أنهم محرمون من كافة حقوقهم المدنية والسياسية، فقط لأنهم من الكرد السوريين المحرومين من الجنسية، ومازالت معاناة "روضة" حاضرة حتى يومنا هذا وخاصةً أنّ شيئاً لم يتغير في وضع أبنائها القانوني.
"روضة خليل محمد" من مواليد مدينة عامودا في محافظة الحسكة عام (1974)، متزوجة ولديها ثلاثة أولاد، وجميعهم من الكرد السوريين المحرومين من الجنسية السورية وتحديداً من فئة "مكتومي القيد"، وفي هذا الخصوص روت للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهر آذار/مارس 2018، حيث قالت:
"كانت البداية حينما تزوجت من رجل مكتوم القيد وأنجبنا أطفالنا الثلاثة، وصحيح أنني مواطنة تتمتع بالجنسية السورية، ولكنني أصبحت في حكم مكتومي القيد لأنّ أولادي مكتومين، وليس بإمكاني فعل شيء لهم أو مساعدتهم، فقد حاولت كثيراً أن أطالب بحق الأم في تجنيس أولادها لكن القانون السوري يرفض منح جنسية الأم لأولادها، وقد أصبح أولادي شباناً وهم يعملون في الأشغال الحرّة، ومستقبلهم يضيع أمام عيني وأرى أنّ نهايتهم ستكون كنهاية والدهم والتي نقضيها معاً في الفقر، ورغم إصدار المرسوم القاضي بتجنيس الأجانب عام 2011، وبذل العديد من المحاولات من أجل تعديل وضعهم القانوني، إلا أنّ شيئاَ لم يتغير ولم يحصلوا على الجنسية السورية."
تعاني روضة الأمرّين وتأسى لحال أولادها، ولا سيّما أنهم حرموا من أبسط حقوق المواطن السوري الحاصل على الجنسية، فلا يحق لهم التمّلك ولا الانتخاب أو العمل في القطاعات العامّة والخاصة، وحول ذلك تابعت روضة قائلة:
"قبيل الإحصاء كان أجدادنا يمتلكون أراضِ زراعية، لكن وعقب هذا الإحصاء خسروا معظم أراضيهم، لأنهم لم يكن بحوزتهم أي ورقة رسمية تثبت ملكيتهم لتلك الأراضي، أما أولادي فقد حُرموا من دراستهم وليس بإمكانهم السفر خارج البلاد أيضاً، كما أنهم أصيبوا ب"عقد نفسية" بسبب شهادات التعريف التي يحملونها، والتي سلبتهم كافة حقوقهم، ومن أكثر المسائل التي واجهتني صعوبة، أنه لا يحق لي تسجيل أطفالي في دائرة الأحوال المدنية باسمي، حتى إن أردت ذلك فليس هنالك إلا طريقة واحدة، وهي أن أجعل زوجي ميتاً وهو حي يرزق في الأوراق فقط، وبالطبع فقد رفضت ذلك"
بينما تملك روضة أوراقاً رسمية لا يملك أولادها أي أوراق رسمية تثبت وجودهم، فهم يحملون شهادات تعريف غير معترف بها، ولا تخولّهم للقيام بأي شيء على حد قولها، حتى أنّ بإمكانها العلاج في المشافي الحكومية في الوقت الذي لا يحق لأولادها ذلك، تناقضات عدّة تعيشها روضة يومياً، حيث تابعت في هذا الصدد قائلة:
"جلّ ما أريده أن يتم الاعتراف بأولادي فلا أحد يعترف بشهادة التعريف التي يحملونها، فمثلاً لا يستطيع أولادي السفر خارج البلاد، وإن أرادوا السفر ضمن المحافظات السورية ستعترضهم العديد من العراقيل، ولا سيّما مع انتشار الحواجز التابعة للنظام في عموم البلاد، فالجميع يريد سؤالهم حول عدم امتلاكهم بطاقة شخصية، لقد أصبح أولادي شباناً وكل ما أريده أن يكون لديهم مستقبل، ولكن من أين لي ذلك؟؟."
مازالت روضة تستذكر إحدى المشاهد التي لن تنساها أبداً، ففي إحدى المرات تمّ الإقرار بصرف منحة مالية لمعظم طلاب المدرسة الابتدائية التي يتواجد بها ابنها الأصغر، وبينما حصل جميع الطلاب على المال لم يحصل عليه ابنها، وأضافت قائلة:
"أذكر أنّ ابني عاد إلى المنزل باكياً، وأخبرني بأنّ مدير المدرسة منح جميع الطلاب منحة مالية بقدر (2500) ليرة سورية باستثنائه، لأنه لا يمتلك دفتر مخصصاً للعائلة، فحملت ابني وتوجهت به إلى المدرسة وتحدثت إلى المدير المسؤول، وسألته كيف بإمكانه أن يكسر بخاطر طفل، وبعد الأخذ والرد قاموا بإعطاء ابني المنحة، لكن بعد ماذا، بعد أن أبكوا طفلي ساعات طويلة."
تأسى روضة لحال أبنائها، ولاسيّما عندما ترى بقية الأولاد المواطنين المتمتعين بالجنسية السورية، وهم يدرسون ويتكلمون عن شهاداتهم ومستقبلهم وآمالهم، في الوقت الذي يبقي فيه أولادها منصتين ومستمعين لهم، وفي هذا الصدد قالت:
"لقد حطمت شهادة التعريف آمالهم وحياتهم، ماذا بالإمكان القول، إنّ ابني الكبير أصبح عمره (25) عاماً، وهو لم يكمل تعليمه حتى أنه درس للصف التاسع الإعدادي فقط، ألا يجب أن يكون هناك تعويض لهؤلاء البشر؟. لن يكون هنالك حل إلا بالاعتراف بأولادنا، ومن الهام جداً أن يتمّ النظر إلى حال المكتومين، فهنالك الكثير منهم، ولديهم أملاك وبيوت وأراضِ مسجّلة باسم غيرهم، وقد يضيع تعب هؤلاء وقد يخسرون كل شيء بسبب شهادة التعريف التي يحملونها."