تعرّض "نوبار" في إحدى المرات للتوقيف من قبل الأجهزة الأمنية السورية، ظناً منهم أنه غريبٌ عن البلاد! إذ أنّه لم يكن يمتلك أو يحمل معه أية وثيقة رسمية أو ثبوتية معترف بها، فهو أحد الكرد السوريين المحرومين من الجنسية السوريّة وفق الإحصاء الإستثنائي في العام 1962، وتحديداً من فئة "مكتومي القيد"، ومازالت معاناة نوبار حاضرة حتى يومنا هذا، وخصوصاً أنّ شيئاً لم يتغير في وضعه القانوني، رغم صدور المرسوم رقم (49) في عام 2011 والقاضي بتجنيس فئة الأجانب.
"نوبار إسماعيل" من مواليد مدينة القامشلي عام (1986)، متزوج ولديه طفلان، يعمل في مجال الإعلام، ومازال يأمل حتى يومنا هذا بامتلاك أي وثيقة رسمية معترف بها قد تثبت وجوده، وتجعله قادراً على ممارسة حقوقه في الحدّ الأدنى كغيره من المواطنين السوريين. معاناة مريرة ومصاعب واجهها نوبار بسبب وضعه القانوني الحالي، اختصرها لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذه الشهادة التي تمت خلال شهر آذار/مارس 2018، حيث قال:
"منذ أن وعيت على هذه الدنيا وأنا أعرف أنني مكتوم القيد مثل والدي تماماً، وأذكر أنّ والدي كان يقول لي بأنّه لم يقم بتسجيل نفسه في يوم الإحصاء لدى الحكومة السورية خوفاً من سوقه إلى الخدمة الإلزامية، كما أخبرني بأنه حينما أصبح كبيراً وواعياً حاول أن يسأل ويستفسر مراراً في دائرة الأحوال المدنية من أجل تعديل وضعه لكن دون جدوى، وقد كانت عمتي أيضاً مكتومة القيد وعملت كثيراً من أجل الحصول على الوثائق والأوراق، كما أنها اضطرت إلى دفع العديد من الرشاوي، إلى أن نجحت آخر الأمر في أن تصبح مواطنة لكن بطرق غير شرعية."
عقب إصدار المرسوم رقم (49) في عام 2011 والذي نصّ على منح الجنسية السورية لفئة الأجانب، حاول "نوبار" أن يتقدّم بالأوراق اللازمة إلى دائرة الأحوال المدنية في مدينة القامشلي، آملاً أن يتمّ تعديل وضعه القانوني وأن يحصل على الجنسية، غير أن محاولته باءت بالفشل عندما قال له موظفوا الدائرة بأنّ أوراقه تعرضت للتلف مع غيرها من الأوراق بسبب اعتراض إحدى "العصابات المسلّحة" العربة المخصّصة لنقل هذه الأوراق، وهي في طريقها من مدينة الحسكة إلى العاصمة دمشق، وحول المصاعب التي واجهها تابع قائلاً:
"أكثر الصعوبات التي واجهتني كانت خلال فترة الدراسة، وخاصة عندما كنت أنتقل من مرحلة إلى أخرى، إذ أنه لم يكن من حقي الحصول على أية شهادات تثبت أنني انتهيت من تجاوز مراحلي الدراسية، فبعد حصولي على شهادة الثانوية العامّة -البكالوريا- مثلاً، لم يكن بوسعي التسجيل في المفاضلة المخصصة للجامعة، بل كنت أتقدم بالتسجيل "بشكل مباشر" وفي المرحلة الجامعية درستُ مادة الترجمة بجامعة تشرين في محافظة اللاذقية، وكان من الصعب للغاية الحصول على مجرد كشف للعلامات حتى أستطيع تقديمها إلى أي جهة للعمل، أما الشهادة -وثيقة التخرّج- فكنا لا نحصل عليها أصلاً، وبسبب اندلاع الحرب في سوريا لم أستطع إكمال دراستي رغم أنني كنت في السنة الأخيرة، فالطرق البرية كانت مقطوعة، ولم يكن بوسعي ركوب الطائرة باعتبار أني مكتوم القيد ولا أملك إلا شهادة تعريف بلا قيمة."
وأشار "نوبار" إلى أنّه ومع بداية اندلاع النزاع في سوريا، وانتشار الحواجز العسكرية التابعة للقوات النظامية السورية في عموم البلاد، أصبح يتعرض للعديد من المآزق، والأسئلة المتكررة من قبل عناصر الحواجز ولا سيّما وهو متوجه إلى جامعته في اللاذقية، حيث كانوا دائماً ما يستغربون من شهادة التعريف التي يحملها، ويسألونه عما إذا كان قد جاء من خارج البلاد! خاصّة أن العناصر الأمنية بمعظمها لم تكن تملك أدنى فكرة عن قضية "مكتومي القيد"، وتابع "نوبار" قائلاً:
"ما زلت أذكر في إحدى المرات، كيف تمّ احتجازي من قبل الأجهزة الأمنية في إحدى الكراجات المخصصة للباصات، ظناً منهم أني غريب عن البلاد، إلا أنهم سرعان ما أطلقوا سراحي بعدما شرحتُ لهم وضعي، وفي إحدى المرات أيضاً كنت أود إيقاف تسجيلي لفترة في الجامعة، على أن أستأنفه بعد ذلك، فقام الموظف بالبحث عن ملفي، وتساءل مستغرباً كيف لي أن أقوم بتسجيل نفسي في الجامعة دون شهادة "بكالوريا"، فقدمتُ له سجل العلامات للبكالوريا، وأخبرته بأنني لا أحصل على أية شهادة لأني مكتوم القيد. وأذكر أيضاً أنّ والدي كان دائماً ما يقول أنه لا بد من إيجاد حل لوضعنا في المستقبل، فليس من المعقول أن تبقى حالنا على ماهي عليه، غير أنني لا أريد أن أقول ذات الكلام لأطفالي ولا أريد لهم أن يواجهوا ذات مصيري، فنحن كبرنا ولم نجد أي حل، لذا أصبحتُ أفكر بالسفر عبر طرق التهريب إلى أوروبا من أجل أطفالي، خاصة وأنهم مكتوموا القيد أيضاً، كما أنني لم أستطع تثبيت زواجي مع والدة أطفالي، ونحن مازلنا غير متزوجين بحسب نظرة القانون لأنّه ليس لدينا عقد زواج صادر عن المحكمة، فأنا مكتوم القيد وهي تتمتع بالجنسية السورية."
يرى "نوبار" بأنّه يجب على الإدارة الذاتية ألا تقف ساكنة أمام قضية المجرّدين من الجنسية، و أن تلجأ على الأقل إلى الضغط على الحكومة السورية والتفاوض معها من أجل تسوية أوضاع "مكتومي القيد"، كما لفت إلى أنّ الإدارة الذاتية تقوم بسوق "مكتومي القيد" إلى واجب الدفاع الذاتي، ويعلق "نوبار" على ذلك قائلاً:
"في السابق لم يكن لنا حقوق ولم يكن علينا واجبات، أما الآن فليس لنا حقوق لكن علينا واجب الدفاع الذاتي."