-
ملخص تنفيذي:
“رفضوا سماع أي كلمة، كان هدفهم اعتقال أي سوري وتبصيمه على ورقة العودة الطوعية.. شاءَ أم أبى.”
بهذه الكلمات وصف اللاجئ السوري “مصطفى” تفاصيل عملية ترحيله قسراً إلى سوريا، ضمن حملة مكثّفة وواسعة النطاق لترحيل السوريين/ات تحت مسمّى مكافحة “الهجرة غير النظامية”، والتي أطلقتها السلطات التركية بداية تموز/يوليو 2023، تزامناً مع انتهاء الانتخابات الرئاسية.
رحلت السلطات التركية منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية آب/أغسطس: 29895 لاجئاً/ة سورياً إلى الشمال السوري، عبر ثلاثة منافذ حدودية باتت بوابات رئيسية لعمليات إبعاد السوريين/ات غير القانونية من تركيا والمستمرة منذ عام 2019، وهي معبر باب الهوى، ومعبر باب السلامة، ومعبر تل أبيض.
رُحِل العدد الأكبر من اللاجئين عبر معبر تل أبيض، حيث شهد المعبر 10725 عملية إبعاد منذ بداية العام بحسب مصدر خاص، تلاه معبر باب الهوى، الذي شهد 9591 عملية إبعاد، بحسب صفحة المعبر الرسمية، ومن ثم معبر باب السلامة، والذي شهد 9579 عملية إبعاد، بحسب مصدر خاص ثانٍ.
وبحسب الشهادات التي جمعتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” لغرض هذا التقرير بشكل حصري، ترافقت الحملة الجديدة، التي تزعم السلطات التركية أنها تستهدف فقط “المخالفين” من اللاجئين وطالبي اللجوء السوريين، مع مجموعة من الانتهاكات التي شملت: الاعتقال والاحتجاز الإداري لأشهر دون إطلاع اللاجئين على الأسباب أو السماح لهم بتوكيل محامي، والضرب في مراكز الترحيل، وضروب أخرى من المعاملة غير الإنسانية أو المهينة، بالإضافة إلى إجبار المحتجزين على توقيع ورقة “العودة الطوعية”، وكذلك ترحيل حملة الأوراق النظامية، بمن فيهم من يمتلكون بطاقة “الحماية المؤقتة” (الكملك) وإذن عمل.
كما أظهرت الشهادات الحديثة، أنّ من ضمن المرحلين نساء وأطفالهن، ممن تُركنَ دون معيل، وأطفال دون أهلهم ولاجئون كبار بالسن، ومرضى يعانون من حالات صحّية حرجة، تم حرمانهم من الرعاية الصحية اللازمة في مراكز الاحتجاز وكذلك من أدويتهم، رغم امتلاك بعضهم إقامات صحية ممنوحة من السلطات التركية.
هذا ويتم إرسال قسم كبير من اللاجئين وطالبي اللجوء قسراً عبر معبر تل أبيض ضدّ رغبتهم، مما يتركهم عالقين في عزلة جغرافية، دون سند عائلي أو حتى أدنى مقومات الحياة، حيث أن المنطقة ليست مهيئة لاستقبال المرحّلين.
تشكل عمليات الإعادة القسرية، الجماعية بأغلبها بحسب مصادر التقرير، خرقاً للقانون رقم 6458، والمعروف باسم “قانون الأجانب والحماية الدولية” والصادر بتاريخ 11 نيسان/أبريل 2013، والذي ينص على منح السوريين “الحماية بشكل مؤقت في تركيا ويمنع عمليات إعادتهم بشكل قسري، واستقبالهم ريثما يتم تأمين المناخ الآمن في بلدهم الأصلي.” هذا وقد قال أحد مصادر التقرير ل”سوريون” في شهادته، أنه شهد ترحيل 300 شخص في يوم واحد، كان هو أحدهم.
أمرت السلطات التركية إدارة أحد المعابر الحدودية باستخدام كلمة “مغادرون” في وصف اللاجئين السوريين المبعدين من أراضيها، في نفي لعمليات الترحيل القسري، وإصرار على أن “العودة طوعية”، نافيةً كذلك العنف الممارس في مراكز الاحتجاز والترحيل. وفي مقابلة مع تلفزيون سوريا، تناولت هذه الممارسات التي تقوم بها عناصر الشرطة المكلفة بضبط المهاجرين “غير النظاميين”، قال وزير الداخلية التركي الجديد، علي يرلي كايا، أنها “تصرفات فردية ولا تمثل المؤسسة”.
صورة رقم (1) – خارطة تمّ تصميمها من قبل “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تُظهر أبرز المعابر التي شهدت عمليات ترحيل قسرية وأعداد المرحلين.
وفي الإحصائية الرسمية لعام 2022، أعلنت إدارة الهجرة التركية عن عودة 58.758 سورياً بشكل “طوعي، آمن، وكريم” خلال العام، ما جعل مجمل العائدين 539.332 سورياً، منذ بدء إجراءات إعادة اللاجئين عام 2019.
بتاريخ 22 تموز/يوليو 2023، نشرت “مراسلون بلا حدود” بياناً ، حذرت فيه “من الخطر المحدق بالعديد من الصحفيين السوريين، الذين سيجدون أنفسهم عُرضة للسجن أو الاختطاف أو حتى القتل في حال إرجاعهم إلى بلادهم. وفي هذا الصدد، دعت المنظمة السلطات التركية إلى حمايتهم”، وطالبت السلطات التركية بـ”الالتزام الصارم بمبدأ عدم إعادة أي لاجئ إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر محتمل”.
في هذا التقرير، تسلّط “سوريون” الضوء على تفاصيل حملة الترحيل الجديدة، مبرزةً العوامل السياسية والاجتماعية، التي تجعلها مصدراً للرعب بالنسبة لمجتمع اللجوء السوري في تركيا، متطرقاً إلى الصراع الانتخابي الرئاسي التركي، الذي كان فيه شأن اللاجئين السوريين وعمليات التطبيع مع الحكومة السورية، ورقة لكسب تأييد رأي عام محتقن، وكذلك الارتفاع الحاد في العنصرية ضد السوريين، والذي يشكل أحد محركات الحملة، بالإضافة إلى مزاعم السلطات التركية بأن وجهات الترحيل “آمنة”.
ضمن هذا السياق، تورد “سوريون” 10 شهادات مباشرة ومركّزة حصلت عليها لغرض هذا التقرير. بالإضافة إلى مصدرين خاصين مطلعين على عمل المعابر الحدودية، التي باتت بوابات ترحيل إلى هلاك محتمل، تحدثت “سوريون” إلى ثمانية لاجئين، رحلتهم السلطات التركية قسراً خلال الحملة الجديدة والمستمرة، على الرغم من أن أغلبهم يمتلك أوراق تدعم وجودهم في تركيا بشكل قانوني، أو لهم أوضاع تجعلهم على قائمة الفئات الأكثر ضعفاً والواجب حمايتها. يجدر التنويه، أن “سوريون” قد استخدمت أسماء مستعارة للمصادر التي تمت مقابلتها، لأسباب أمنية.
-
رأي قانوني وتوصيات:
تنص المادة 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على أن “كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها ويجب عليهم تنفيذها بحسن نية“. ويُعتبر مبدأ حسن النية أحد المبادئ العامة للقانون الدولي ويشير إلى الشعور بالولاء للقانون واحترامه؛ وإلى غياب الإخفاء والخداع والاحتيال؛ وإلى الاعتقاد الصادق بالتصرف وفقًا للقانون. إن محاولة تركيا الالتفاف على حظر الإعادة القسرية كأحد الأحكام التعاقدية والعرفية في القانون الدولي من خلال تصوير قيامها الفعلي بهذه الإعادة على أنها طوعية – وهو أحد الشروط التي تجعل عودة اللاجئين غير قسرية – يمثل النقيض لمبدأ حسن النية بالمعنى الوارد أعلاه.
إن مفهوم الطوعية راسخ في مبدأ عدم الإعادة القسرية حيث أن “القسر” بجوهره يتناقض مع الإرادة الحرة والقرار المستنير اللذين ينتج عنهما طوعية العودة.[1] بناءً على ذلك، فإن عوامل الدفع السلبية من قبل الدولة المستضيفة – تركيا – التي تتمثل في فرض ضغوطات فعلية، ونفسية، ومادية، وقانونية تعني أن أي قرار بالعودة من قبل أي لاجئ – عدا عن عمليات الترحيل الفعلية – هو قرار يفتقر إلى عناصر الطوعية وبالتالي يعني عودة قسرية تتحمل مسؤوليته بشكل أساسي تركيا لأنها أجبرت من يقررون العودة في ظل هذه الظروف على اختيار العودة لمكان يمثل لهم خوفاً حقيقياً من الاضطهاد بسبب عوامل الدفع التي مورست عليهم.
إن محاولة اختزال طوعية العودة بكافة شروطها ومعاييرها بإجبار المُعادين قسراً على توقيع ورقة “عودة طوعية” يعكس بشكل عملي عدم تنفيذ تركيا لأحكام القانون الدولي بحسن نية. وعلى سبيل الدلالة في هذا السياق، فإن بنود التوقف عن وضع/صفة اللجوء في المادة 1(ج)[2] من الاتفاقية الخاصة باللاجئين عام 1951 يجب ألا تنطبق بشكل أوتوماتيكي على جميع الأشخاص طالبي الحماية الدولية نظراً إلى إمكانية أن يظل لديهم خوف مبرر من الاضطهاد أو أسباب قاهرة لعدم العودة ناجمة عن اضطهاد سابق.[3] وبالتالي، فإن مبدأ حسن النية يفترض من الدول المضيفة ألا تستغل إمكانية أن تكون الظروف العامة التي أدت إلى اللجوء في بلد المنشأ قد تغيرت كي تلغي الحماية الدولية عن جميع طالبي تلك الحماية، إنما عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الظروف الفردية لكل من هؤلاء حتى لا ترقى إعادتهم إلى إعادة قسرية.
وبالنظر إلى الظروف التي تفرضها تركيا على اللاجئين السوريين وفق ما يعرضه التقرير لإجبارهم على العودة إلى سوريا أو ترحيلهم مباشرة إليها، يبرز نمطٌ متناسق من الممارسات التي تتقاطع فيها إساءة استخدام أو تعمّد التفسير المغلوط لبعض الأحكام القانونية من جهة، وانتهاكات حقوق الإنسان من جهة أخرى.
تتمتع الدول وفقاً لمبدأ السيادة في القانون الدولي بحرية سنّ القوانين والتشريعات واتخاذ الإجراءات المحلية التي ترتئيها لتنظيم شؤون مواطنيها والأجانب الخاضعين لولايتها. هذا يعني أن الدول يمكنها أن تخصص مواطنيها بالتمتع ببعض الحقوق المصانة في صكوك القانون الدولي لحقوق الإنسان دون الأجانب مثل الحق في المشاركة السياسية وفقاً للمادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ولا يمكن تبرير القيود الأخرى التي تفرضها الدول على غير المواطنين بما قد يرقى لأحد أشكال التمييز المحظورة.[4] أي قيود أخرى على غير المواطنين يجب أن تكون مبررة بالضرورة ولا تتسبب بحد ذاتها في انتهاك حقوق أخرى مصانة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. وبالنظر إلى القانون التركي رقم 6458 والمعروف باسم “قانون الأجانب والحماية الدولية“، فالمادة /54/ الفقرة الأولى البند (د)، تنصّ على ترحيل من يخرق النظام أو الأمن العام إلى خارج تركيا والمادة 33 من نظام الحماية المؤقتة، تُلزم السوريين في تركيا بالامتثال للقضايا التي تطلبها المديرية العامة لإدارة الهجرة أو إدارة الولايات وإن المواقف والسلوكيات المعاكسة لذلك ستشكل انتهاكًا لهذه الالتزامات التي تعد من متطلبات النظام العام وكذلك المادة 8 التي تنص على أن الإخلال بالنظام العام هو أحد أسباب إلغاء الحماية المؤقتة.
تربط هذه المواد بعدة أشكال ما بين مفهوم “النظام العام” وحق السلطات التركية باتخاذ التدابير التي تراها مناسبة بحق السوريين ومنها تقييد حرية الحركة من خلال فرض الإقامة في مناطق محددة ومنع التنقل والسفر إلا بإذن مسبق معقّد الإجراءات، وكذلك تعطي لنفسها الحق في ضوء مخالفة تلك الإجراءات لاتخاذ تدابير تصل للترحيل إلى سوريا. تجدر الإشارة إلى أنه عملاً بمبدأ عدم التمييز، فالأصل أن يتمتع الأجانب على الأراضي التركية بالحق في التنقل وحرية اختيار مكان الإقامة عملاً بالمادة 12(1) و(2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
أما الاستثناء الذي يسمح بموجبه القانون تقييد هذه الحقوق فخاضع للشروط الواردة في الفقرة الثالثة من نفس المادة: “لا تخضع الحقوق المذكورة أعلاه لأية قيود باستثناء تلك التي ينص عليها القانون، والتي تكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتتوافق مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد“. وقد ذكرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بوضوح أن منع سفر الأفراد داخلياً دون إذن للسفر لا يعتبر متوافقاً مع الشروط الواردة في الفقرة الثالثة التي تفرض أن يكون هناك ضرورة واضحة وتناسباً في الإجراءات مع الضرورة أو المصلحة التي يفترض بهذه الإجراءات أن تحميها.[5] وبالتالي، يفترض أن تكون العقوبات أو الإجراءات المترتبة على مخالفة القوانين التي تقيد هذه الحقوق متناسبة مع ضرورتها في المقام الأول، وبطبيعة الحال لا يمكن أن تُعتبر الإعادة القسرية المحظورة كأحد الأعراف الدولية إجراءً متناسباً مع الضرورة المفترضة من إجراءات التقييد هذه. ومع أن حفظ النظام العام وارد في الفقرة الثالثة كأحد مبررات التقييد، إلا أن تعريفه وتحديد معاييره وضروراته متروك للدول شريطة أن يكون ذلك دائماً لا يؤثر على التمتع بالحقوق الأخرى وأن يكون دائماً بحسن نية. لذلك يجب أن يُفهم حفظ النظام العام دائماً على أنه الشروط والقواعد التي تضمن فعالية المجتمع ويجب توافرها حتى يتمكن الأفراد من التمتع بحقوقهم وحرياتهم،[6] وليس العكس بأن تتحول إلى ذريعة لتقييد تلك الحقوق والحريات.
تستغل تركيا تقنينها الوطني للحماية الدولية لتجعل من مصطلح “النظام العام” مفهوماً فضفاضاً تسعى من خلاله إلى ممارسة وتبرير جملة من الانتهاكات بحق السوريين كالقيود غير المبررة على التنقل والحركة، المبالغة في تعقيد إجراءات الأوضاع القانونية، الاعتقال التعسفي والحرمان من الحق في الانتصاف الفعال والإجراءات القضائية العادلة والفعالة، التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وأخيراً الإعادة القسرية في انتهاك لأحد قواعد القانون الدولي العرفي.
وفي هذا السياق، فيما يتعلق بمن تمكنوا من توضيح وضعهم القانوني في تركيا من خلال الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) أو إقامات نظامية أخرى، فيبدو أن تركيا تتذرع بأبسط أشكال المخالفات لتقوم بترحليهم قسراً إلى سوريا، في مخالفة واضحة للمادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ولمبدأ حظر الإعادة القسرية بطبيعة الحال. تنص المادة 13 من العهد على أنه “لا يجوز إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذاً لقرار اتُّخِذ وفقاً للقانون، وبعد تمكينه، ما لم تحتم دواعي الأمن القومي خلاف ذلك، من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصاً لذلك، ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم“.
بمقارنة سريعة بالحالات التي يوردها التقرير خاصة لهؤلاء الذين ينطبق عليهم شرط الإقامة بصفة قانونية في تركيا، نجد أن العنصر الوحيد الذي تطبقه السلطات التركية هو أن القرار اتخذ وفقاً للقانون 6458 الذي تم تناوله أعلاه مع عدم إغفال عناصر القصور والمخالفة القانونية فيه. والجدير بالذكر أن المادة 13 لا تتعرض لمحتوى القانون الذي على أساسه يصدر قرار الإبعاد على اعتبار أن القانون نفسه يجب أن يتناسب والتزامات الدولة وفق أحكام القانون الدولي بما يضمن عدم الإبعاد التعسفي.[7] بالمقابل، حُرِمَ جميع الذين ورد ذكرهم في التقرير وتقارير حقوقية أخرى من حقه في النظر في حالته بشكل فردي وليس على أساس القرارات التي تستهدف جماعات بأكملها، وكذلك من حقهم في الحصول على كافة الوسائل التي تمكنهم من الانتصاف الفعال ومن ضمنها الاعتراض على قرار الإبعاد/الترحيل من خلال إجراءات قضائية أو سواها تكون شفافة وفعالة.[8]
أما فيما يتعلق بالحالات الأخرى التي قد لا ينطبق عليهم شرط الإقامة القانونية حسب المادة 13 من العهد، إذا كانت شرعية دخولهم أو إقامتهم محل نزاع وفقاً للقوانين النافذة في الدولة، فإن أي قرار يؤدي إلى طردهم أو ترحيلهم يجب أن يُتخذ بشكل متناسب مع جوهر المادة 13. “والأمر متروك للسلطات المختصة في الدولة الطرف، بحسن نية، في ممارسة صلاحياتهم في تطبيق وتفسير القانون المحلي، مع مراعاة المتطلبات المنصوص عليها في العهد مثل المساواة أمام القانون (المادة 26)”.[9] وبهذا السياق، فقد توصلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان – التي ينطبق اختصاصها على تركيا – أن اتخاذ القرار بإبعاد/ترحيل طالبي الحماية الدولية – الذين بطبيعة الحال لم يدخلوا أراضي الدولة بشكل قانوني ولا يُعتبر وجودهم فيها قانونياً – يُعتبر انتهاكاً للحق في الانتصاف الفعال بالمعنى الوارد في المادة 13 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان نظراً لأن قرار الإبعاد اتُّخِذ بينما كانت طعونهم لا تزال قيد النظر أمام المحاكم المحلية.[10]
بالإضافة إلى كل ما ورد، وعودة إلى حظر الإعادة القسرية في كل الظروف، فإن تركيا مُلزمة بناءً على أحكام القانون الدولي التعاقدي والعرفي بعدم إعادة أي سوري إلى حيث يمكن أن يتعرض للاضطهاد، التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، الخطر على الحياة والكرامة الإنسانية، أو أي انتهاكات خطيرة أخرى لحقوقه. وبالتالي لا يمكن التذرع بإبقاء تركيا على النطاق الجغرافي لاتفاقية اللاجئين عام 1951 وعدم انطباقها على طالبي الحماية الدولية من السوريين على أراضيها لتدعي قانونية إعادتهم إلى سوريا. على تركيا بكل الأحوال أن تقيّم بموضوعية كافة عناصر الطوعية والأمان والكرامة اللازمة لعودة اللاجئين، وذلك لا يقتصر على استنتاجات انخفاض حدة العمليات العسكرية، إنما على عناصر شاملة من ضمنها الوضع الاقتصادي والمعيشي، الروابط العائلية والاجتماعية وإمكانية إعادة الاندماج، الوضع القانوني، وحالة حقوق الإنسان في المناطق التي سيعود إليها اللاجئون. وقبل الاستناد إلى هذه العناصر والشروط كافة، على تركيا أن تعمل على وقف عوامل الدفع السلبية التي تُجبر اللاجئين السوريين أحياناً على اتخاذ قرارات غير مستنيرة بالعودة. وأخيراً، يجب على تركيا أن تيسّر انخراط المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في كافة التفاصيل المتعلقة بعودة اللاجئين، ومن ضمنها على سبيل المثال لا الحصر ممارسة وظائف الحماية الدولية للإشراف على رفاه اللاجئين وطالبي اللجوء والحماية الدولية، احترام الدور القيادي للمفوضية في تعزيز وتسهيل وتنسيق العودة الطوعية إلى الوطن، الوصول الكامل إلى السكان اللاجئين أينما كانوا لضمان طوعيتهم، السماح للمفوضية بالتأكد من الطابع الطوعي للعودة إلى الوطن فيما يتعلق باللاجئين الأفراد وفيما يتعلق بالتحركات واسعة النطاق، القيام بحملة إعلامية شاملة لتمكين اللاجئين من اتخاذ قراراتهم بمعرفة كاملة للحقائق، وتسهيل الترتيبات ومشاركة المفوضية فيها، لضمان وصول معلومات دقيقة وموضوعية عن الظروف في بلد المنشأ إلى اللاجئين، إجراء المقابلات وتقديم المشورة وتسجيل العائدين المحتملين، وتنظيم حركات العودة الآمنة والمنظمة وترتيبات الاستقبال المناسبة.[11]
-
تفاصيل حملة الترحيل الجديدة:
بدأت السلطات التركية حملة الترحيل الأشرس من نوعها بعد التعيينات الجديدة التي أجراها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية التي انتهت بتاريخ 28 أيار/مايو 2023. في التشكيلة الحكومية الجديدة ، تسلم “علي يرلي كايا”، منصبه وزيراً للداخلية، خلفاً لسليمان صويلو، وغيّر طاقم مديرية الهجرة بأكمله.
وفي مقابلة مع موقع “حريات” التركي تناولت الحملة بتاريخ 9 تموز/يوليو 2023، صرح يرلي كايا أن “مكافحة الهجرة غير النظامية، هي إحدى المجالات الرئيسية ذات الأولوية التي حددناها كوزارة”، مضيفاً أن الحملة تشمل الولايات التركية الـ81 كلها، وليست محصورة بولاية إسطنبول فقط، وتجري بمشاركة وحدات الشرطة والدرك وخفر السواحل، منوهاً كذلك إلى أن البلاد ستشهد “فرقاً واضحاً” بعد فترة تتراوح بين الأربعة وخمسة أشهر ستستمر خلالها الحملة. وأضاف أن مصطلح “الهجرة غير النظامية”، يشمل “الدخول غير القانوني للأجانب إلى تركيا وإقامتهم في تركيا وخروجهم من تركيا وعملهم غير المصرح به في تركيا.”
وفي تصريحٍ لصحفيين تلا اجتماعاً لمجلس الوزراء في العاصمة أنقرة، عقد بتاريخ 22 آب/أغسطس 2023، أعلن يرلي كايا عن تحويل “إسطنبول إلى منطقة تجريبية، وقمنا بإنشاء نقاط هجرة متنقلة“، بالإشارة إلى إجراءات مكافحة الهجرة غير النظامية الجديدة. وفي مقابلة على قناة “آ خبر” التركية، نقل تفاصيلها تلفزيون سوريا، وضح يرلي كايا آلية عمل “نقاط الهجرة المتنقلة”، حيث زودت النقاط “بنظام قراءة بصمات الأصابع البيومتري، وهذه النقاط تساعد في التحقق من الأشخاص المسجلين وغير المسجلين”. رغم ذلك وثقت “سوريون” عمليات ترحيل للعديد من الأشخاص المسجلين فيما بات يُعرف باسم “الحماية المؤقتة”.
بالإضافة إلى هذه النقاط، استعانت وزارة الداخلية بالمسيرات لتنفيذ الحملة، “والتي غطت مواقع مختلفة مثل القوارب البحرية ووسائل النقل العام والمتنزهات والحدائق، بالإضافة إلى المباني المهجورة والأماكن العامة في إسطنبول”، فيما شكلت عمليات الرصد ضمن هذه الحملة “ما يقرب من ثلثي المعدّل الوطني للإجراءات المماثلة التي أجريت في جميع أنحاء البلاد.”
وبالتوازي مع عمليات التدقيق المكثفة، أعلن يرلي كايا عن “إيقاف منح تصاريح الإقامة للأجانب في البلديات التي يتجاوز فيها عددهم 20 في المئة”، كاشفاً كذلك “عن إغلاق 1169 حياً من أصل 32 ألف حي في تركيا أمام الأجانب لأغراض الوقاية.” ويأتي هذا الإجراء مكملاً لخطة الهجرة والإدماج المجتمعي، التي أعلنت عنها السلطات التركية في شباط/فبراير 2022، والتي شملت أحياء رئيسية في إسطنبول، معروف عنها أنها نقاط تجمع كبيرة للعائلات السورية اللاجئة، مثل أسنيورت.
-
هلع في صفوف السوريين:
أثارت الحملة واسعة النطاق الرعب في أواسط السوريين، لاسيما في إسطنبول، والتي تشهد أكبر كثافة للتجمعات السورية، حيث يقطنها 531 ألف 996 سورياً، بحسب الإحصائية التي نشرتها “جمعية اللاجئين” بتاريخ 22 أغسطس/آب 2023.
تُرجِمت الحملة على أنها مؤشر على إنقلاب حقيقي في السياسة التركية تجاه الوجود السوري، لاسيما وأنها تبعت سباق رئاسي محتدم وشديد الاستقطاب؛ سُلِّح خلاله ملف اللجوء السوري ونقاشات التطبيع مع الحكومة السورية، فكان ترحيل السوريين جزءاً من الحملات الترويجية والأجندة ما بعد الإنتخابية خلال الجولة الأساسية وجولة الإعادة، في محاولة لكسب تأييد رأي عام محتقن.
كان لخطاب كمال كليجدار أوغلو، مرشح المعارضة عن “حزب الشعب الجمهوري”، النبرة الأشدّ ضد اللاجئين، حيث انطلقت حملته تحت شعار “لن نجعل تركيا أبداً مستودعاً للاجئين“، فيما حملت يافطاته الانتخابية خلال جولة الإعادة، شعار “السوريون، سيعودون”. فيما حاول رجب طيب أردوغان، مرشح “حزب العدالة والتنمية”، تبنّي خطاب مختلف نسبياً وأكثر براغماتية تجاه قضية اللجوء خلال الجولة الانتخابية الأساسية (الأولى)، ولكن مع امتداد السباق إلى جولة إعادة، صرّح أردوغان “منذ البداية ندعم العودة الطوعية والآمنة للاجئين وقد عاد نحو 560 ألف لاجئ”، منوهاً أن “تركيا تهدف إلى تأمين عودة نحو مليون لاجئ وربما أكثر في المرحلة الأولى من خلال مشاريع منازل الطوب الجديدة” وذلك خلال مقابلة مع التلفزيون التركي “تي آر تي”.
وفي سياق التطبيع، أعلن وزير الخارجية التركي حينها، مولود جاويش أوغلو، خلال مقابلة بتاريخ 21 أيار/مايو 2023، عن “بدء التعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد لإعادة اللاجئين السوريين لمناطقهم“، لافتاً إلى “ضرورة إرسال اللاجئين السوريين إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة السورية.”
لم يجلب فوز أردوغان أي تطمينات للسوريين، حيث واصل الكثير منهم اتباع آليات نجاة تطورت كرد فعل على حملات الترحيل القسري السابقة، شاعت بين العمال على الأخص. في تقريرٍ نشر بتاريخ 2 حزيران/يونيو 2023، رصدت صحيفة “عنب بلدي”، كيف يتجنب العمال السوريون المياديين الرئيسية في إسطنبول، للهرب من دوريات الشرطة وباصات الترحيل التي ترافقها والمنتشرة في مناطق حيوية مثل أكسراي وأسنيورت. هذا ويجعل غياب “إذن العمل” القسم الأكبر من السوريين العاملين عرضة للترحيل، بسبب عزوف معظم المشغلين، وعدم قدرة النسبة الأقل، على إستصدار التصاريح المطلوبة. في تقريرٍ صادر عن “مجلس اللاجئين الدنماركي” في آب/أغسطس 2021، كشفت إحصائيات جمعت بين عامي 2019 و 2016، أنه أُصِدر “132,497 تصريح عمل للسوريين المسجلين في تركيا، بما في ذلك تجديد تصاريح العمل الممنوحة سابقاً”، فيما أشارت التقديرات “إلى أن ما يقرب من مليون سوري يعملون بشكل غير رسمي دون حماية وحقوق قانونية، وأن 45 بالمائة من السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة يعيشون تحت خط الفقر.”
فيما أثبتت حملة مكافحة الهجرة “غير النظامية” أن خطاب الترحيل والتطبيع الانتخابي لم يكن محض “دعاية” وإنما إطار لسياسات الحكومة الجديدة؛ لاسيما وأن تركيا ستشهد انتخابات بلدية حاسمة أيضاً العام القادم. حيث كانت إعادة تفعيل العلاقات التركية مع الحكومة السورية محوراً رئيسياً خلال الجولة الـ20 من محادثات أستانة، التي عقدت بين 20-21 من حزيران/يونيو 2023، والتي تشكل تركيا أحد ضامنيها الرئيسيين، إلى جانب روسيا وإيران. كما باركَ أردوغان مساعي الحملة، في تصريحٍ لصحفيين بتاريخ 13 تموز/يوليو 2023، قائلاً، أن “مواطنونا سيشعرون بالتغييرات الواضحة فيما يتعلق بالمهاجرين غير الشرعيين في وقت قصير.”
-
ترحيل قسري تحت غطاء “الطوعية”:
خلال مقابلة مع قناة الجزيرة خلال شهر آب/أغسطس 2023، أكد وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، على أن “كل ما يقال عن ترحيل السوريين قسراً لشمال سوريا ليس صحيحاً وهناك من يستغل وسائل التواصل الاجتماعي وأنواعاً أخرى من الإعلام لإثارة الأراجيف والانطباعات السلبية ضدنا، ونحن نتابعهم”، مضيفاً أن “كل مواطن سوري يغادر إلى الطرف الآخر من الحدود لدينا ورقة موقعة منه تثبت مغادرته لتركيا بإرادته”.
غير أن الشهادات الـ10 التي جمعتها “سوريون” لغرض هذا التقرير، تكشف حقيقة أن ليس لأي من اللاجئين أو طالبي اللجوء السوريين “إرادة” أو حق في تقرير مصيرهم.
-
سوريون لا إرادة لهم:
تؤكد شهادة مصدر خاص (رقم 1) مطلع على عمل معبر تل أبيض، أن السلطات التركية باتت اليوم تحرم السوريين حتى من حق اختيار الوجهة التي سيرحلون إليها، مشيراً إلى تبعات الممارسات التركية القسرية على حياة اللاجئين المبعدين. قال المصدر في إفادته:
“خلال عمليات الترحيل الماضية، كان يخير المرحل بين أحد المعابر؛ لذلك من أراد الذهاب لمناطق الإدارة الذاتية كان يختار معبر تل أبيض. ومن كان من أبناء ريف حلب الشمالي والغربي وإدلب كان يختار معبر باب السلامة أو باب الهوى. حالياً يتم الترحيل عشوائياً، ولا يتم سؤال المرحل أبداً عن الجهة التي يريدها.”
تفرض الوجهة القسرية على المرحلين، اللذين بات يعاد القسم الأكبر منهم إلى مناطق لا يألفونها في الشمال السوري، منفذاً واحداً وهو التهريب، عودةً إلى مناطق لهم فيها أهل أو رغبةً بالعبور إلى تركيا ثانيةً، حيث عائلاتهم. عن التهريب، قال المصدر:
“بما أنه غالب من يتم ترحيلهم إلى تل أبيض هم ليسوا من هذه المناطق ولا يريدون البقاء في تل أبيض، أمامهم طريق التهريب عبر منبج. هناك اتفاق غير معلن بين الجيش الوطني وقوات سوريا الديمقراطية، بوساطة مهربين يعملون لصالح الطرفين. يتم تمرير الأشخاص من تل أبيض ورأس العين إلى ريف حلب الشمالي عبر منبج، مقابل (أشخاص) موجودن في مناطق الإدارة الذاتية يريدون العبور لمناطق الوطني. أجرة التهريب من مناطق رأس العين وتل أبيض تتراوح بين 300 و 500 دولار. ولكن من أراد من المرحلين العودة لتركيا، فخيار تل أبيض هو الأفضل له بالنسبة للسعر وإمكانية مروره بشكل أسرع. هناك حركة تهريب جيدة للمرحلين من سوريا لتركيا من مدينة تل أبيض، طبعاً يدير التهريب إلى تركيا مهربين تابعين للجيش الوطني. ”
هذا ويحمل التهريب للمرحلين الساعين للم الشمل في تركيا مخاطر عدة، على رأسها الموت على يد حرس الحدود التركي. في تقريرٍ صدر في حزيران/يونيو 2022، وثقت “سوريون” وقوع أربع حالات تعذيب وحشية بحق طالبي/ات اللجوء خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، إضافةً إلى أربع حالات قتل بإطلاق الرصاص المباشر عليهم.
كما وثقت “هيومان رايتس ووتش” انتهاكاتٍ مماثلة على الحدود التركية في تقريرٍ نشر في نيسان/أبريل 2023، قالت فيه أن “حرس الحدود الأتراك يُطلقون النار عشوائيا على المدنيين السوريين على الحدود مع سوريا، ويُعذّبون ويستخدمون القوّة المفرطة ضدّ طالبي اللجوء والمهاجرين الذين يحاولون العبور إلى تركيا.” حيث “ضرب حرس الحدود التركي بوحشية مجموعة من ثمانية سوريين وعذّبوهم أثناء محاولتهم العبور بطريقة غير قانونية إلى تركيا. توفي رجل وصبي في الحجز التركي بينما أصيب الآخرون إصابات خطيرة.”
وعن السوريين المستهدفين ونطاق عمليات الترحيل بحسب مشاهداته، قال المصدر (رقم 1):
“تجري حملة مركزة في إسطنبول بشكلٍ واسع، معظم الذين يتم ترحيلهم منها، بالإضافة إلى حملة موازية في الجنوب التركي، مناطق شانلي أورفا وغازي عنتاب وكلس، لمكافحة محاولات تهريب الناس، الذين يحاولون دخول تركيا أو المرحلين الذين يحاولون العودة.”
وأضاف المصدر أن الشريحة المستهدفة ليست محصورة بمن لا يمتلكون بطاقة “الحماية المؤقتة” (الكملك)، مضيفاً:
“حالياً الوضع كالتالي، و هو ترحيل الأشخاص بدون بطاقات الحماية المؤقتة وأيضاً من يملك بطاقة الحماية المؤقتة، ومخالف ولو كانت مخالفة بسيطة. قبل هذه الحملة، لم يكن يرحل المخالف بإذن السفر إلى سوريا، وإنما كان يرسل إلى مخيم كلس ليوم واحد وبعدها يعود إلى ولايته ويبصم كل أسبوع (في دائرة الهجرة)؛ حالياً يتم إرسال (المخالف) إلى مخيم كلس، حيث يبقى ليوم أو يومين، ويرحل بعدها إلى سوريا.”
أضاف المصدر:
“وصلت اليوم (17 تموز/يوليو 2023)، دفعة من حوالي 76 شخص إلى المعبر تجولت بينهم وسألتهم، فوجدت أن جميعهم بدون بطاقات حماية مؤقتة. كما شهدت ترحيل عدد من النساء هم ثلاث عائلات كاملة، كان سبب ترحيل عائلتين منهما، مخالفة بطاقة الحماية المؤقتة الصادرة من ولاية غير إسطنبول وموجودين بإسطنبول دون إذن سفر. قبلاً، كان ترحيل النساء مقتصر على (مرتكبي) القضايا الجنائية، فيما يتم حالياً ترحيلهم بسبب مخالفات. كما تم ترحيل شباب مثليين.”
تطرق المصدر كذلك إلى ظروف اللاجئين السوريين في مراكز الاحتجاز والترحيل، قائلاً:
“بات الأتراك يستخدمون المخيمات التي كان فيها (لاجئون) سوريون، بدعم خليجي أو أوروبي، لاحتجاز الناس إدارياً ومن ثم ترحيلهم. تصل فترات الاحتجاز الإداري لمدة ستة أشهر. (ترافق) فترة الاحتجاز الطويلة، معاملة سيئة جداً من قبل الشرطة التركية هناك، وطعام سيئ أيضاً، حيث يضطر الشخص أن يشتري (الطعام) على حسابه، مع حرمان من استخدام الهاتف لتوكيل محامي أو تواصل مع الأهل لتطمينهم.”
قال المصدر أيضاً، أن السلطات التركية أصدرت توجيهاتٍ لإدارة المعبر تقضي بمنع التصوير على المعبر:
“وذلك بعد انتشار الفيديوهات والصور التي تغطي عمليات الترحيل. لا يريد الأتراك لصور وفيديوهات عمليات الترحيل أن تخرج للعلن. فممنوع على جميع المعابر التصوير من قبل الإعلاميين أو دخول التلفزيون أو حتى أشخاص معهم جوالات. تذرع الأتراك أن المنع هو بسبب استخدام المعارضة (التركية) لصور الأشخاص اللذين يزورون سوريا، للترويج على أنها آمنة، فلما لا يعود كل السوريين إليها. حالياً، هناك قرارات تمنع تصوير حالات الترحيل في الكراجات (التي يقصدها المرحلون بعد عبور المعبر)، من ضمنها كراج سجو، من قبل الشرطة العسكرية. منع التصوير في الكراجات، حسب كلام الدوريات، سببه أن الإعلاميين لا يكون لديهم موافقات أو أنهم تعاملوا مع الدوريات بإهانة.”
هذا ويتعرض بعض المرحلين لعمليات اعتقال واحتجاز من قبل الجهات المسيطرة على المنطقة، بحسب المصدر:
“شهدت اعتقال شخصين جرى ترحيلهما قبل شهرين من قبل الجيش الوطني، أحدهما كان مطلوباً للشرطة المدنية بتهمة جنائية، والشخص الثاني اتهم بأنه شبيح للنظام السوري حسب ادعاء الشرطة العسكرية.”
لم تقتصر عمليات اعتقال المرحلين على الحالتين اللتين شهدهما المصدر فحسب، حيث رصد موقع “نورث برس” بتاريخ 5 آب/أغسطس 2023، اعتقال “الشرطة العسكرية” 15 شخصاً أثناء محاولتهم عبور طريق (M4)، نحو مناطق الإدارة الذاتية شمال الرقة، بعد أسبوعين على ترحيلهم من تركيا. جرت هذه الاعتقالات بالتنسيق مع فصيل “أحرار الشرقية”، المدعوم من تركيا.
وفي تقريرٍ نشر بتاريخ 11 حزيران/يونيو 2023، رصدًّ الموقع اعتقال “الشرطة العسكرية” أيضاً لسبعة أشخاص، من بينهم امرأة، كانت السلطات التركية قد رحلتهم عبر معبر سري كانيه/ رأس العين شمالي الحسكة. نقلت الشرطة المعتقلين للتحقيق، دون أن توجه لهم أية تهم.
-
“مغادرون” حسب الأوامر التركية:
تصرّ السلطات التركية على رواية “العودة الطوعية”، لتطال ممارساتها القسرية المفردات المستخدمة في الإشارة إلى المرحلين أيضاً، بحسب مصدر خاص ثانٍ، مطلع على عمل معبر باب السلامة. روى المصدر ل”سوريون” ما يلي:
“في البداية كنا ننشر على معرفاتنا الإعلامية مصطلح “ترحيل قسري”، فتوجه لنا الأتراك بالطلب المباشر بعدم ذكر ذلك، واستبداله بمصطلح “العودة الطوعية”، وبعد فترة تم الطلب منا استبدالها بمصطلح مغادرة الأراضي التركية. مغادرة الأراضي التركية، تشمل عدة فئات: العودة القسرية والعودة الطوعية والإعادة بعد محاولات التهريب. اليوم نكتفي بذكر الفئات الثلاثة تحت مصطلح مغادرة الأراضي التركية بناء على الطلب التركي.”
هذا ويقوم القائمون على المعبر بعملية فرز داخلية وفقاً لاستمارة خاصة بهم يملؤها المرحلّون، يكتبون فيها إذا ما كانت “عودتهم طوعية” أو إن تمّ ترحيلهم قسرياً؛ فيما يهدف مصطلح “المغادرة” إلى التغطية على حقيقة أن “النسبة الأكبر كانت دائماً هي نسبة المرحلين قسرياً”، بحسب المصدر، الذي أضاف:
“منذ آخر أسبوع من الشهر السادس، بدأت نسبة المرحلين قسرياً تتزايد بشكل كبير، فتقريباً هناك حوالي 750 – 800 مرحل قسرياً حتى تاريخ اليوم 17 تموز/يوليو. تراوحت النسب المرحلة بين 30-50- 100 – 150 من المرحلين قسرياً يومياً، عبر معبر باب السلامة. خلال الشهر السادس، كان هناك ما يقرب من من 1150 مغادر لتركيا، 60 بالمئة عودة قسرية و 40 بالمئة عودة طوعية.”
وعن الإجراءات المتبعة على المعبر، قال المصدر أنه بعد إدخال المعلومات الشخصية للمرحلين إلى قاعدة بيانات المعبر، يتم منحهم ورقة عدم التعرض، تقول أنهم مرحلون من تركيا، وسارية لمدة 72 ساعة. أضاف المصدر:
” يتم تلقي مبلغ 50 ليرة تركية من المرحل قسرياً، هي أجرة باص النقل التي يتم نقلهم بها إلى كراج سجّو حتى لا يقعوا تحت رحمة السيارات الخاصة. لا يتلقى موظفو المعبر ولا حرسه أية مبالغ مالية، هذا حسب نظامنا العام. أما إن كانت مبالغ تؤخذ، فهي خارج قرارات وإدارة المعبر.”
قال المصدر أن الفترة بعد زلزال شباط/فبراير 2023 المدمر، شهدت ازدياداً في عمليات “العودة الطوعية”، منوهاً أن العائدون دفعتهم ظروف مادية قاهرة، لأن “الناس خسرت كل ما تملك، ولم تجد من يساعدها على استئجار بيت، فرجعوا من أجل خيمة.”
ولكن يشكل “العائدون” نسبة قليلة فقط من السوريين الذين يمرون عبر المعبر، وأغلبهم من “المرحلين قسراً”. حيث تشمل الفئة الثانية، بحسب مشاهدات المصدر:
“مرحلون لا يملكون بطاقة الكملك، يملكون البطاقة ولكنهم مخالفون، والمخالفات تتضمن عدم حيازة إذن سفر أو عنوان سكن (مثبت)، وآخرون تم إيقاف بطاقاتهم بسبب ذلك، فتراكمت عليهم فواتير، وعدد أقل ممن عليهم قضايا جنائية، (بحسب ما أخبرنا به المرحلون).”
قال المصدر أن من بين المرحلين:
“عجزة تتراوح أعمارهم بين 60-75 عاماً، وهناك أطفال تتراوح أعمارهم بين 15-17 عاماً. وقصة هؤلاء، هو أنهم لا يملكون كملك أو أي اثبات أنهم أطفال. على الرغم من أن أشكالهم تبين أنهم أطفال، يعتبرهم الأتراك شباباً ويتم ترحيلهم مستغلين عدم وجود كملك كإثبات. خلال آخر ثلاثة أسابيع (في تموز 2023)، كان عدد هؤلاء 20-25 طفل. هؤلاء الأطفال، إما يكون لهم أهل بلا كمالك، أو يكونون وحدهم، دخلوا تركيا ليعملوا ويعيلوا أهلهم في الشمال، بدل أن ينضموا إلى أحد الفصائل. ومؤخراً، تم ترحيل ثلاثة عائلات، (كان على أحد أفرادهم) قضايا جنائية بحسب ما أخبرونا.”
أشار المصدر إلى نمطٍ من الترحيل تستند فيه السلطات التركية على مزاعم ارتكاب المرحل لقضايا جنائية، وأن هؤلاء غالباً ما يتم الضغط عليهم في مراكز الاحتجاز لإجبارهم على “العودة الطوعية”. قال المصدر:
“هناك نوع من الترحيل، حيث يمسك شخص عليه قضية مثلاً. يتم وضع هذا الشخص بأحد مخيمات العثمانية أو كلس أو شانلي أورفا أو إصلاحية غازي عنتاب، ويعامل بشكل سيئ حتى يختار هو العودة الطوعية، ويتم إغلاق القضية، رغم أنه يكون بريء غالباً، مثل أن يكون صاحب المنزل (التركي) قد اشتكى عليه شكوى ما باطلة.”
سبق وأن وثقت “سوريون” في تقريرٍ نشر خلال شهر شباط/فبراير 2021، اعتقال وترحيل لاجئ سوري، كان من مقيمي مدينة إسطنبول، على خلفية شكوى من جيرانه. كما رحلت السلطات التركية لاجئين سورين آخرين مدعيةً مخالفتهم للأنظمة والقوانين التركية، بالاستناد إلى القانون رقم /6488/ من قانون الأجانب والحماية الدولية المادة /54/ الفقرة الأولى البند (د)، الذي ينص على ترحيل من يخرق النظام أو الأمن العام إلى خارج تركيا.
وصف المصدر (رقم 2) بعض الممارسات، من ضمنها تعمد الإذلال، التي تعرض لها المرحلون السوريون من قبل السلطات التركية في مراكز الترحيل، قائلاً:
“من المميز في آخر دفعة ترحيل، هو الإذلال بالشتم والتحقير والضرب بقصد الإهانة، مثل الضرب على الوجه وضرب بالهراوات على الظهر والأرجل، وبشكل مذّل بحيث يأخذ من المرحّل حزام البنطال وربطات الحذاء، وتوضع في يديه كلبشات بلاستيكية وكأنه قد ارتكب جرماً كبيراً. كما أخبرني عدد من المرحلين، أن نقودهم وأجهزتهم سرقت من أمانات مراكز الترحيل.”
تطرق المصدر أيضاً إلى العنف المتعمد الذي تستخدمه السلطات التركية ضد طالبي لجوء وهم يحاولون عبور الحدود إلى أراضيها، مضيفاً:
“بشكل عام، من يحاول أن يدخل (تركيا) تهريباً من قطاعنا، يتم نقله إلى المشفى فوراً بعد تسليمه لنا، من شدة الضرب، هذا إذا لم تخترق ساقه رصاصة بشكل مقصود.”
تتقاطع المعلومات التي قدمها المصدران عن وضع المرحلين السوريين في سياق الحملة الدائرة، مع شهادات مباشرة حصلت عليها “سوريون” من 8 لاجئين انتزعتهم السلطات التركية بطريقة غير قانونية من أماكن عيشهم، وأعادتهم إلى بلد قد يكون مصيرهم فيها الهلاك.
-
“رحلوا معها طفلين ليسوا لها”:
بتاريخ 15 تموز/يوليو 2023، رحلت السلطات التركية قسراً السيدة الكردية “روجين” (27 عاماً)، تنحدر من مدينة عفرين السورية. رحلت السلطات السيدة على الرغم من امتلاكها بطاقة “الحماية المؤقتة”، كانت استخرجتها بعد أن دخلت تركيا مع زوجها منذ عشرة سنوات، أقامت خلالها في ولاية بلديس التي أصدرت منها الكملك أيضاً. روت السيدة لـ”سوريون” قصتها قائلة:
” أعمل مع زوجي في زراعة وقطاف البندورة، نذهب كل يوم صباحاً للعمل ونعود في المساء. لدينا أربعة أطفال، 12 سنة، في الصف السادس الإبتدائي، و 10 سنوات في صف الرابع الإبتدائي، و 8 سنوات في الثالث الإبتدائي، و طفل عمره سنتين فقط.”
تابعت السيدة:
“في صباح يوم الجمعة، 14 تموز/يوليو 2023، دخل علينا البوليس التركي، وأخبرونا أنه يلزم عليهم تفتيش المنزل، وتجديد كمالكنا لأن أطفالنا كبروا. وبعد تفتيش البيت، تم اصطحابنا إلى إدارة الهجرة، حيث تم تبصيمنا وتصويري وتصوير الأطفال. ثم تم اصطحابنا إلى المشفى، وفحصنا، وبعدها تمت إعادتنا إلى إدارة الهجرة وتم التحقيق معنا، عن طبيعة عملنا وتفاصيل أخرى. وفي صباح يوم السبت، 15 تموز 2023، تم اصطحابي أنا وأطفالي من إدارة الهجرة إلى معبر تل أبيض وأخبرونا أنه يجري الآن ترحيلنا. سألناهم عن السبب لم يجيبوا. سألتهم عن زوجي، أخبروني أن زوجي ممنوع من السفر. جميع أقاربي في تركيا ولا أعرف أحد في مدينة تل أبيض التي تم ترحيلي إليها.”
قالت السيدة، أن السلطات التركية سبق وأن اعتقلت زوجها واحتجزته دون مبرر:
“زوجي من مدينة عفرين أيضاً. لا يزال في ولاية بلديس، محتجز في إدارة الهجرة. لا يوجد لدينا أي خلاف مع أي شخص تركي ضمن ولاية بدليس. تم اعتقال زوجي من سنتين لمدة شهرين في إدارة الهجرة، وتم الإفراج عنه ولم توجه له أي تهمة.”
رحلت السلطات التركية مع السيدة طفلين لشقيق زوجها، أعمارهم 15 و 16 عاماً، كانت تعتني بهما في غياب والديهما:
” تم اعتقال والدهم منذ خمسة أشهر، ولا نعرف عنه شيئاً. زوجته ساءت حالتها الصحية بعد اعتقال زوجها، ودخلت المشفى ومازالت حتى الآن في المشفى. ولقد جلبنا الأولاد إلى منزلنا لنهتم بهم وتم ترحيلهم معنا. لقد أخبرنا البوليس أنهم ليسوا أطفالنا، فأخبروني أن أواصل الاهتمام بهم. أيضاً أثناء اعتقال والدهم، تمت مداهمة بيتهم، وبعد تفتيشه تم اصطحابهم (إلى إدارة الهجرة) بحجة تجديد الكمالك؛ أفرج عن الأم والأطفال، وبقي الأب مسجون لدى الإدارة.”
-
“رُحِل لأنه ترك الكملك في المنزل”:
بتاريخ 21 تموز/يوليو 2023، اعتقلت السلطات التركية اللاجئ السوري “مصطفى” (26 عاماً)، مواليد حلب، من إحدى شوارع مدينة إسطنبول، ورحلته قسراً إلى شمال سوريا، على الرغم من أنه يمتلك “كملك” ومستخرجة من المدينة ذاتها. روى “مصطفى” لـ”سوريون” قصته:
“دخلت إلى تركيا عام 2015، واستخرجت كملك إسطنبول. أعمل في مجال بيع الألبسة، متزوج ولي طفل. خرجت من البيت لإصلاح هاتف زوجتي. وفي نفس الحي، تم ايقافي من قبل الشرطة، وطلبوا بطاقة الحماية المؤقتة، وكنت قد تركتها في البيت لأن المصلح في نفس الحي وقريب جداً من البيت، فلم أتوقع دورية الشرطة. أخبرتهم أن بطاقة الحماية المؤقتة في البيت، وأنه يمكنني العودة لمنزلي وإحضارها خلال دقيقتين، ولكن الشرطة رفضت ذلك، وقررت اصطحابي إلى مركز الاحتجاز. أخبرتهم أن لدي طفل وزوجة، لم يكترثوا لذلك؛ أخبرتهم أنني أملك صورة لبطاقة الحماية المؤقتة أيضاً، رفضوا رؤيتها وأصروا على اعتقالي. أخبروني أنه في مركز الاحتجاز، سيتم الكشف عليك والتأكد من بطاقة حمايتك المؤقتة.”
أكد “مصطفى” لـ”سوريون”، أنه لم يخضع لأي إجراءات تثَبُت من الهوية في مركز الاحتجاز:
“وفعلاً ذهبت معهم، وتمّ اصطحابي إلى مركز احتجاز توزلا، لم يتم تبصمي ولا التأكد من أني أملك بطاقة حماية مؤقتة. بعدها تم اصطحابي إلى ولاية كلس، وفي مركز الاحتجاز هناك في إدارة الهجرة، تم تبصيمنا على ورقة العودة الطوعية إجباراً وابطال بطاقاتنا للحماية المؤقتة. رفضوا سماع أي كلمة، كان هدفهم اعتقال أي سوري وتبصيمه على ورقة العودة الطوعية شاء أم أبى.”
وعن ظروف الاحتجاز، قال “مصطفى”:
“في توزلا، المعاملة جداً سيئة، ممنوع أن نرفع رؤوسنا، وممنوع أن نطلب الماء رغم كل الحرّ الشديد، قدموا لنا الماء مرة واحدة كل سبع ساعات فقط. بقيت حوالي يومين في توزلا، تبعها سفر طويل إلى كلس. في كلس، بقينا نصف يوم قبل ترحيلنا.”
يخشى “مصطفى” على عائلته، التي أجبِر على تركها في تركيا، وختم شهادته بالقول:
“بقي قليل من المال في البيت، ولكنني عاجز عن دفع إيجار منزلي. عائلتي بمواجهة خطر التشريد، في حال لم أدفع الإيجار، وكيف لي أن أدفع دون عمل، فالإيجارات مرتفعة جداً.”
-
“نجا من الزلزال، ولكنّه لم ينجُ من الترحيل”:
كان لـ”حسين” إقامة وعمل قانونيين في ولاية هاتاي التركية، ولكن زلزال شباط/فبراير غير حياة اللاجئ السوري، المقيم في تركيا منذ عام 2015. روى “حسين” لـ”سوريون” قصته:
“عملت حلاقاً طوال فترة إقامتي في تركيا، ولدي محل حلاقة ومعروف بالمنطقة بأنني لم أرتكب مخالفة واحدة. مع الزلزال الذي ضرب هاتاي، وقع بيتي المستأجر على الأرض، وبقيت كل أغراضنا تحت البيت؛ خسرنا كل شيء خلال الزلزال. وكذلك محل الحلاقة الذي كنت استرزق منه، وأصبحت بلا بيت وبلا محل.”
قرر “حسين” الذهاب إلى مرسين، ليبتعد عن منطقة الزلزال ومحاولةً منه للعمل من جديد:
“وصلت إلى مرسين ثاني يوم من الزلزال. وفي اليوم الثالث، ذهبت لأستخرج إذن سفر من إدارة الهجرة بمرسين، وإذ بهم يقولون لي: “لازم ندخلك ونعملك فيش”. بعدها أخبروني أنه تم إرفاق اسمي بكود، وقالوا لي أنه يجب وضعي في التوقيف الإداري. كان هذا بتاريخ 10 شباط 2023.”
تابع “حسين”:
“تم احتجازي في إدارة الهجرة في مرسين لمدة ستة أيام. وكان عددنا نحو تسعة، خيرونا: “نكمل حجزكم الإداري ولا نرحلكم على سوريا؟” فرفضنا الترحيل إلى سوريا وأخذونا إلى قيصري. كان معي عدد من سائقي السيارات السوريين؛ كان عددهم أربعة، عملوا بدون إذن عمل أو إذن سفر. بعدها تم تحويلي إلى سجن بقيصري، بقيت هناك لمدة 80 يوماً. المعاملة كانت جداً سيئة، تخللها ضرب وإهانة وشتم ووجبات طعام جداً سيئة.”
لم ينتهِ احتجاز “حسين” في سجن قيصري، كما تعرض للضرب في مكان احتجازه التالي:
“بعدها تم نقلي إلى سجن (مركز ترحيل) بولاية شانلي أورفا وكانت المعاملة هي الأسوأ على الإطلاق. عدد كبير من البوليس تكلموا العربية، وجهوا لنا شتائم بالعربي والتركي طوال الوقت. أما الضرب فكان باستخدام الهراوات، بسبب وبدون سبب. وتم إيداعي هناك لمدة ثلاثة أشهر. يمكن أن تجد شخص جيد من بين كل مئة شرطي، أما الباقي فكلهم سيؤن.”
بعد فترة الاحتجاز الطويلة، رحلت السلطات التركية “حسين” إلى سوريا، وفصلته عن عائلته، التي تصارع للبقاء بعد الزلزال دون قريب أو معيل:
“بعدها تم ترحيلنا من معبر تل أبيض، وأنا شخص ليس لي أحد في هذه المنطقة من سوريا، وأهلي وزوجتي وأطفالي الاثنين، فتاة (12) وصبي (14) في تركيا وظلّوا بدون معيل. لم أتمكن من أستأجر منزلاً لعائلتي، وتركتهم عند معارف، ولا زالوا في مرسين. حالياً لا أعلم إذا ما كانوا مهددين بالترحيل أم لا.”
وعن سبب الترحيل، قال “حسين”:
“بعد أربعة شهور من احتجازي، وكلت عائلتي محامي. المحامي قال لي أن الكود بسبب ورود اسمك في أحد التحقيقات، بأنك اشتريت بضائع مسروقة. طوال فترة إقامتي داخل الحجز الإداري، لم توجه لي (السلطات) سؤال، لا بخصوص الجرم الذي اتهمت به زوراً، ولا البضاعة المسروقة التي اشتريتها.”
-
“رُحِّل بسبب مخالفة لم يعرف ما هي”:
كان لـ”سامي” (34)، من مواليد حلب، إقامة نظامية في إسطنبول منذ عام 2013، ولكن لم تحمه كل الوثائق القانونية التي امتلكها من الترحيل قسراً إلى سوريا. روى “سامي” لـ”سوريون” ما يلي:
” بعد التنقل بين عدة أعمال، استطعت أن أفتح محلاً لبيع الجوالات عام 2015، وحصلت على ترخيص نظامي للمحل، وفتحت شركة صغيرة، وحصلت على إذن عمل و تأمين صحي، موقع محلي في اسنيورت.”
تابع “سامي”:
“في هذه الحملة، ومع بداية الشهر السابع، زارني البوليس في المحل، وطلبوا تفقد جميع الأوراق والحسابات. في البداية اعترضوا على كلمة على لوحة العرض على باب المحل. كنت قد كتبت اسمي بخطٍ صغير باللغة العربية. أخبرتهم أن ذلك مسموح، فقالوا كنا نسمح بكتابة بغير (التركية) بنسبة 15 بالمئة، وحالياً ممنوع. قلت لهم، “هل هذا القرار رسمي، حيث لم يعلم أحدنا به؟” أسكتوني، وأزالوا الاسم بسكين. بعدها، قالوا لي أن هناك مشكلات بالحسابات. اتصلت بالمحاسب، الذي أجابني: “ما في مجال بدهم يخالفونك، فلا تعمل مشاكل . . .” بعدها، فتشوا المحل فوجدوا تلفونات غير تركية مستعملة، كنت أقوم ببيعها. فقال لي (الشرطي)، هذه مخالفة ولا فواتير تنظمها. وبدأوا البحث عن أسباب لكي يفرضوا علي مخالفة.”
رفض عناصر الشرطة الأخذ بالوثائق الرسمية التي أبرزها “سامي”، وأصروا على أن لا طريقة للتأكد من كل هذه المعلومات بدون بصمته؛ كما أنهم رفضوا اطلاع محاميه على الوجهة التي كانوا سيقتادونه إليها. أضاف “سامي”:
“أغلقت المحل ورافقتهم. تفاجأت أنهم أخذوني إلى توزلا، وأخذوا هاتفي ولم أستطع أن أخبر المحامي أين أنا. بعد يومين في توزلا، بصمت ولم يقل الموظف شيئاً، وهنا توقعت أن يتركوني بعد البصمة لأن أوراقي نظامية. كنا تحت أشعة الشمس طوال الوقت، و أعداد كبيرة حوالي 1500 شخص، من كل جنسيات العالم، ولكن النسبة الأكبر هم سوريون. كان هناك سياح حتى، من الخليج، أوراقهم مسروقة، وحاولوا أن يروها (للسلطات) على التلفون، ولكنهم رفضوا. توزلا تمثل قمة العنصرية والتعامل السيئ ضد العرب. حمل عناصر البوليس هراوات طوال الوقت، وأي شخص يعترض على شيء ما، كانوا يضربونه بشكل عشوائي، ولم تكن لديهم مشكلة إذا ما أصابت الضربة رأسه أو ظهره. الطعام كان سيئ، عبارة عن كأس ماء، و نصف صمونه، فيها قطعة جبنة صغيرة.”
أخبر العناصر في المركز المحتجزين، أنه سيتم نقلهم إلى مخفر الشرطة تمهيداً للإفراج عنهم، ولكن ما انتظرهم كان مركز احتجاز ثانٍ. أضاف “سامي”:
“بعد البصمة، أحضروا باصات، قيدوا يدينا، ووضعونا فيها؛ القيود عبارة عن كلبشات بلاستيكية سوداء. قالوا لنا سنأخذكم إلى المخفر لنخرجكم من هناك؛ فكان هذا الكلام حتى نهدأ ولا نسبب مشكلات أثناء عملية الترحيل. مشت الباصات باتجاه شانلي أورفا، وهنا بدأت كذبة جديدة، بأنه بحسب تعليمات وزارة الداخلية، يجب أن يتم أخذ بصمتنا من إدارة الهجرة في (شانلي أورفا) كعقاب لنا وبعدها الإفراج عنا. كذباتهم كانت مكشوفة، ولكن لم يكن لدى (المحتجزين خيار) غير التصديق. بعد 16 ساعة، وصلنا إلى شانلي أورفا وأنزلونا في مخيم حرّان. وبعد يومين، أخذوا بصماتنا وقالوا سيتم الإفراج عنكم غداً. في صباح اليوم التالي، حوالى الساعه الخامسة صباحاً، وضعونا بالباصات وأخِذنا إلى معبر تل أبيض. أنزلونا من الباصات، وأعطونا الأمانات. وهنا، صدقاً صُدِمت الناس، بعضهم فقد النقود، وبعضهم هواتف. وعندما اعترضوا، قال عناصر الشرطة أن لا علاقة لهم بهذا الأمر ومن الممكن أنه حدث في توزلا. عندما اعترضنا، أخرجوا سلاحهم وهددوا فيه.”
وعما شاهده على الطرف السوري من الحدود، قال “سامي”:
“مشينا باتجاه الحدود السورية، أخذ المعبر السوري أسماءنا، ومن أي منطقة ننحدر، وبعض المعلومات عنا وتركونا. ليس (للمرحلين) أحد في تل أبيض. المساجد كانت ممتلئة بالناس، قررنا أن نفرش وننام في بالطريق. بعد ساعتين، أتانا مقاتلون من (حركة التحرير والبناء)، وعرضوا علينا التهريب لجرابلس مقابل 600 دولار، وافق بعض الأشخاص، دفعوا، وأخذوهم. بعد يومين، تواصلنا معهم وأخبرونا أنهم وصلوا ومروا من مناطق الأكراد بمنبج. بعد فترة، أطلقت جماعة المجلس المحلي في تل أبيض مبادرة، لأن الشوارع والمساجد امتلأت مرحلين، وأتت باصات تركية، كلبشوا عدد من الاشخاص ونقلوهم إلى ريف حلب الشمالي. افتعلوا الأزمة، وأتوا ليقدموا للناس فضلاً بعدها.”
يصف “سامي” ما حدث معه “بمحاولة السرقة” لاسيما وأن إجراءات الترحيل السريعة لم تمنحه فرصة لحل “المخالفات” المزعومة قانونياً:
“تواصلت مع المحامي، وأخبرني أنه ذهب إلى توزلا ولم يسمحوا له برؤيتي، وأنه لم يتمكن من العمل على الإجراءات القانونية بسبب سرعة الترحيل. حالياً، أواجه مشكله كبيرة، لأنني كنت قد أودعت ما يقارب من 2 مليون ليرة تركية في البنك، وبعد توقيف الكملك، أوقفوا حسابي البنكي. وعندي سيارة وشقة صغيرة، مسجله باسم الشركة، لا أعرف ما مصيرهم. حالياً، طلب المحامي مبلغ كبير جداً حتى يتحرك قانونياً. لا أريد العودة إلى تركيا، ولكنني أريد النقود في البنك، وأن أبيع الشقة والسيارة وأذهب إلى أربيل وأقدم على فيزا إلى بلدٍ ما، لأعمل تاجراً هناك.”
أضاف “سامي”:
“لم أفهم لما رحلوني حتى الآن، لو أن الأمر متعلق بالمخالفات في المحل كنت سأدفعها ببساطة في اليوم التالي.”
من الجدير بالذكر، أن عدداً من البلديات التركية، منها بلدية أسنيورت في إسطنبول، كانت قد أقدمت هذا العام على إزالة لافتات المحلات المكتوبة باللغة العربية، تنفيذاً لقانون موجود سابقاً ولكنه بقي خارج حيز التنفيذ. حيث ينص القانون على أن “تكون ما تصل نسبته إلى 75 في المئة من الكلمات على أي لافتة مكتوبة باللغة التركية وبأحرف لاتينية”، مانعاً كذلك “رفع لافتات مكتوبة بغير التركية، وهذا يشمل الإنجليزية والعربية وغيرها من اللغات،” فيما يبقى التطبيق مقيداً ب” مزاجية رؤساء البلديات.”
-
“حرمه الترحيل من عملية منقذة للحياة”:
عام 2020، دخل “موسى” تركيا إسعافياً بعد نوبة قلبية، ومنحته إدارة الهجرة كملك، على إثر وثائق من المشفى أثبتت خطورة حالته الصحية التي تتطلب علاجاً طويلاً. كان من المقرر أن يخضع موسى لعملية جراحية بتاريخ 10 آب/أغسطس 2023، ولكنه اعتقل، واحتجز وضرب ورحل إلى سوريا، قبل الموعد المقرر. روى “موسى” لـ”سوريون” قصته:
“بعد ثلاثة أشهر من دخولي تركيا واستلامي الكملك، دخلت زوجتي تهريب إلى تركيا، ورزقنا بطفلين، طفلة عمرها سنتين وطفل عمره سبعة أشهر. حاولت مراراً وفي ولايات عديدة أن أستخرج كملك لزوجتي وأطفالي، ولكنني لم أقدر . . . كانت معظم الولايات مغلقة.”
سبب حرمان الزوجة والأطفال من الأوراق النظامية باعتقالها، يقول “موسى”:
“ذهبت زوجتي لشراء دواء للطفل من الصيدلية. أوقفتها الشرطة على باب الصيدلية، وبما أنها لا تملك كملك، تم اعتقالها هي وطفلي (الأصغر) لمدة سبعة أيام. كان الطفل مريضاً. وعندما ذهبت إلى (الشرطة)، لأطلب منهم أن يأخذوهم إلى المشفى فقط، لأنهم مرضى، بدأوا بالشتم وهددوني بترحيلها. يوم اعتقلت الشرطة زوجتي، أتت الشرطة بعدها إلى البيت، وأخذت الأوراق التي لدي، حتى شهادة ولادة الطفل أخذوها، ولم يتركوا أي من الأوراق الثبوتية.”
نشر “موسى” تسجيلاً يحكي فيه قصته، أفرجت الشرطة بعدها عن زوجته، ليعتقل هو نفسه، بتاريخ 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. يتابع “موسى”، مضيفاً:
“(بعد الفيديو)، بدأت الشرطة تأتي إلى الحارة وتقف أمام البيت لمدة ساعة تقريباً قبل أن تغادر. كان ذلك ملفتاً للنظر كثيراً. بعدها ذهبت لشراء الأغراض من الدكان، فدخلوا وخطفوني مباشرةً. تم احتجازي ضمن سجن تابع لإدارة الهجرة في هاتاي. بعد ثلاثة أيام من الاعتقال، بلغوني أنني سأعتقل إدارياً لمدة ستة أشهر. وبقينا بنفس المكان حتى يوم الزلزال. وقع البناء ونحن بداخله يوم الزلزال، وكانت مدة الإقامة (حتى ذاك الوقت) ثلاثة أشهر.”
نقلت السلطات التركية “موسى” إلى مراكز احتجاز مختلفة بعد الزلزال، ولم يتلقَّ رعاية طبية كافية خلال فترة الاحتجاز، قبل أن يرحل إلى سوريا عبر معبر تل أبيض:
“في يوم الزلزال، بتاريخ 6 شباط/فبراير 2023، تم نقلنا إلى مخيم الضباط قرب أنطاكيا. و بتاريخ 10 شباط/فبراير، تم نقلنا باتجاه سجن قيصري، وبقينا فيه لمدة شهرين. كانت المعاملة في قيصري جداً جداً سيئة، كان هناك ضرب بالهراوات، ضرب فقط لأنك سوري، وطعام جداً سيئ. وبتاريخ 7 نيسان/أبريل، تم نقلنا باتجاه سجن شانلي أورفا، وهناك كانت أسوء معاملة تعرضنا إلها، من حيث الأكل والضرب والاهانات والشتائم. وانا ضمن سجن شانلي أورفا، كانت تسوء حالتي الصحية، ونقلوني إلى المشفى مرة واحدة فقط، فيما لم يقبلوا نقلي في باقي الأيام. وبتاريخ 14 تموز/يوليو، تم ترحيلنا إلى منطقة تل أبيض.”
نوه “موسى” أنه رحل، على الرغم من أن قرار إخلاء سبيله كان قد صدر من أنقرة بالفعل يوم ترحيله:
“لم يأخذوا رأينا بالمعبر، لنجد أنفسنا على معبر تل أبيض. وتم الترحيل في دفعة عددها 127 شخصاً، أغلبنا ليس له مكان ينام فيه أو يذهب إليه، ولا أقارب أو أصدقاء، وجميعنا ينام في المساجد بعد الساعة 12 ليلاً.”
بقيت زوجة “موسى”، المهددة بالترحيل مع أطفاله، في ولاية هاتي، دون أية مدخرات، فيما هو قرر العمل بالزراعة في المنطقة لإعالتهم، بالرغم من حالته الصحية الحرجة.
-
“تعرض للتفيش 16 مرة”:
بتاريخ 4 حزيران/يونيو 2023، رحّلت السلطات التركية “أحمد”، مصمم حقائب نسائية من مواليد دمشق، متجاهلةً حالته الصحية الخطرة، لأنه تأخر بتجديد إقامته الصحية بسبب العطلة الرسمية. روى “أحمد” لـ”سوريون” قصته:
“دخلت إلى تركيا عام 2018. بقيت في تركيا بدون ثبوتيات لمدة عام، وبعدها استخرجت ورقة من الهلال الأحمر التركي، تُثبت أنني أتعالج لديهم من جرثومة بالدم. وبموجب هذه الورقة، تقدمت بطلب للوالي، لإعطائي كملك أو إقامة، فمنحني موافقة على إقامة صحية، واستخرجت إذن عمل من إسطنبول و تأمين صحي. أوراقي جميعها نظامية، وبسبب عطلة العيد، التي استمرت تسعة أيام، والحجوزات والمواعيد، تأخرت عن موعد تجديد إقامتي 21 يوماً بالضبط.“
في منطقة الفاتح، بإسطنبول، والتي أقام فيها “أحمد” لمدة ست سنوات، ولديه فيها عنوان مسجل رسمياً، جائه عنصر من الشرطة بلباس مدني. عرض عليه أحمد أوراقه الرسمية، ولكن الشرطي لم يكتفِ بها، وطلب من أحمد مرافقته إلى السيارة ليتحقق من وضعه القانوني هناك. أضاف “أحمد”:
“طلب مني كنترول بالسيارة، وهو تفيش جنائي. قبلها سألني: أنت مريض؟ فأخبرته عن مرضي وعلاجي عند الهلال الأحمر. بعدها سألني، لماذا تخلفت عن التجديد؟، فأخبرته عن عطلة العيد. فأصر علي أن أذهب إلى السيارة. أخذوني إلى أكسراي، وأجروا فيش عام. طلب (الشرطي) كنترول مرة ثانية في توزلا. وهنا، رفضت أنا. طلب الشرطي أن أسكت، وقال لي أنني مخالف.”
يقول “أحمد” أنه توجب على الشرطي مراعاة حالته الصحية الخطرة، وأنه مهدد بالإصابة بالسرطان إذا ما ارتفعت نسبة الجرثومة في دمه، بحسب تقييم الهلال الأحمر. وعلى العكس، نقلته الشرطة إلى مركز ترحيل توزلا:
“في توزلا، كان هناك كرفان، يجري عمليات تدقيق للأشخاص الموجودين. كان معي أربعة أشخاص، وجميعنا نظاميون؛ شاب معه إقامة نظامية من إسطنبول، وشابين معهم كمالك من إسطنبول، ادعوا أنهم مخالفين أيضاً. في الكرفان، قال موظفون من الشرطة أن هؤلاء الأربعة “نضاف”. ولكن عاد ذات الشرطي، وطلب عملية تدقيق جديدة على أسمائنا، فاعترضنا، وأخبرناه أننا نرغب بإجراء اتصال وتوكيل محامي، حينها بدأ بالسب والشتم، وأصر على التدقيق. وهكذا، كنت قد خضعت للتدقيق ثلاثة مرات، وأنا لم تكن علي فاتورة واحدة غير مدفوعة حتى. أتى وقتها عنصر ثاني من الجندرما، ليفهم القصة، فيما بدأ عنصر آخر بضربي بالهراوة وأدخلوني إلى ساحة توزلا. بعدها عرضوني على محقق، وحقق معي وشرحت له أن وضعي نظامي، ولدي هذه المخالفة فقط، وأن بإمكاني أن أعالجها ببساطة، بعد حجز موعد وانتهاء العيد.”
يقول “أحمد”، ” 16 فيش عملولنا من أول ما مسكونا حتى رحلونا“، واصفاً ظروف الاحتجاز في مركز ترحيل توزلا:
“في توزلا ممنوع أن تنادي عناصر الشرطة، وإن ناديت سيتم ضربك بالهراوة. كان هناك قمع كبير من قبل الشرطة، ومنع للدخان، الماء، واستخدام الحمام. كانت الأعداد مرعبة، ومن كل الجنسيات، ولكن الغالبية هم سوريون، ومع كمية وسخ رهيبة وعدم نظافة. قدموا صمونه صغيره وعلبه مربى، مقدار ملعقة فقط، علبة عصير صغيره، وكأس مياه خلال اليوم، وثاني يوم ذات الشيء. الضرب في توزلا للسوري فقط. كل الجنسيات لا يتم ضربها أبداً أبداً، فقط السوريين، الضرب حصري لهم وبالهراوات. الهراوات يحملها أفراد الشرطة بشكل مستمر، وإن مررت أمام عنصر، سيضربك بها دون أي سبب.”
نُقِل “أحمد” بعدها إلى مخيم شانلي أورفا/مخيم حران، وتعرض للضرب المبرح والسجن هناك، كما أنه أجبر على توقيع ورقة “العودة الطوعية”:
“بعدها تم ترحيلنا إلى مخيم شانلي أورفا (مدرسة فيها خيم، بريف شانلي أورفا)، وتم تبصيمنا هناك بعد أن ناقشتهم، ضربوني بشكل كبير بالهراوات، حتى شعرت أن ظهري انكسر. بعدها أخذوني إلى زنزانه. بعد قليل أعادوني لكي أبصم على (ورقة) عودة طوعية. سألتهم إلى أين، قالوا إلى تل أبيض، ناقشتهم مرة ثانية، فليس لي أحد هناك. أعادوني إلى زنزانة فيها 42 شخصاً، والزنزانة بعدنا كان فيها 37 شخصاً، والتي بعدها 22 شخصاً.”
رفض “أحمد” الترحيل إلى تل أبيض لأن عائلته في سوريا، تقيم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بأكملها. شارك أحمد الرفض أغلب المحتجزين معه:
“نظمت الزنزانات الثلاثة استعصاء، لأنه غالب من بالسجن هم من إدلب، وأرادوا أن يتم ترحيلهم إلى باب الهوى، فلا أحد لهم في تل أبيض. عادوا وحاولوا تبصيمي على (ورقة) العودة الطوعية إلى تل أبيض، رفضت، فتم ضربي بالهراوات ثانيةً. في المرة الثالثة بصمونا من أجل الترحيل عبر باب الهوى. في اليوم الأول، أحضروا سيارات وجهتها تل أبيض، فرفضنا، ورفضنا في اليوم الثاني، والثالث، والرابع. الباصات التي أحضروها حملت لوغو الهلال الأحمر التركي. كل الدفعات قبلنا تم ترحيلها إلى تل أبيض، ودفعات بعدنا رحلت إلى تل أبيض أيضاً. في اليوم الخامس، أحضروا باص متجه إلى باب الهوى، ولكن قبل صعودنا إلى الباص، جاء ضابط وبدأ بإذلالنا، يضربنا كفوف ويشتمنا بشكل كبير.”
أخذت باصات الترحيل دفعة “أحمد” إلى معبر باب السلامة، وليس معبر باب الهوى الذي اختاره المرحلون، وكما في حالات الترحيل المذكورة أعلاه فقد “أحمد” بعض متعلقاته، من ضمنها الدواء، جرعة كورتيزول يتلاقها كل ثلاثة أشهر، ويبلغ سعرها 2450 ليرة تركية، قال “أحمد”:
” كنت قد فقدتهم في توزلا. طلبت أدويتي في توزلا، ورفض (عنصر الشرطة) أن يعطيني الأدوية، ودعس عليها، حدث ذلك عندما سلمتهم أغراضي للأمانات، وأخبرتهم أن سبب مرضي وجرثومتي هو السجن عند الحكومة السورية.”
-
“سارع المخيم بترحيلنا قبل أن تتحرك ملفاتنا”:
بتاريخ 14 تموز/يوليو 2023، رحلت السلطات التركية “زياد” (27)، مواليد حلب، لأنه يحمل كملك من بورصا، وذهب للعلاج في إسطنبول دون إستخراج إذن سفر. روى “زياد” لـ”سوريون” قصته:
“دخلت تركيا عام 2017، وأعمل حداداً في بورصة. نزفت كليتي، وراجعت مشفى بورصة، وتعالجت فيها كحالة اسعافية لإيقاف النزيف. بعدها، ذهبت إلى قيصري بحثاً عن طبيب (قادر على علاج حالتي) ولم أجد، وجهني الناس إلى إسطنبول، قائلين أن فيها الكثير من الأطباء، وفعلاً ذهبت إلى هناك.”
أضاف “زياد”:
“عندما وصلت إسطنبول، كانت الحملة قد بدأت، وتم توقيفي في ميدان أسنيورت. طلبوا الكملك مني، وعندما لاحظوا أنه إصدار بورصة، طلبوا إذن السفر، فأخبرتهم أنني لا أملك إذن وأنني أتيت لأتعالج. أخبروني أن أذهب معهم ليجروا تدقيقاً أمنياً. نمت في مخفر أسنيورت، وبعدها حولوني إلى توزلا، وبعدها حولوني إلى مخيم شانلي أورفا.”
تفاوتت المدة وأسلوب التعامل في كل من أماكن الاحتجاز الثلاثة، قال “زياد”:
“تم اعتقالي بمخفر أسنيورت لأربعة أيام، كانت المعاملة جيدة وقدموا لي ثلاث وجبات في اليوم. بعدها، حولوني إلى توزلا، وهناك بقيت 18 يوماً وكانت المعاملة جداً جداً سيئة. طلبت علاج عدة مرات في توزلا رفضوا، أريتهم أنه لدي نزيف داخلي بالكلية وابداً لم يتفاعلوا، رغم أن وجعي كان كبيراً. في شانلي أورفا أيضاً، كانت المعاملة سيئة، وبقيت هناك لحوالي أربعة شهور. أخبرونا أن هذا توقيف إداري، وأن البعض سيخرج قبل العيد، ولم نعرف إذا ما كان الخروج إخلاء سبيل أم ترحيل. تم ترحيلنا إلى معبر تل أبيض، وأنا فعلاً ليس لدي أحد في تل أبيض.”
في مخيم شانلي أورفا، علق “زياد” آماله على مكتب محاماة للأمم المتحدة كان يساعد اللاجئين المهددين بالترحيل:
“في مخيم شانلي أورفا، تم تداول رقم هاتف لمكتب محاماة يساعد اللاجئين المهددين بالترحيل، فعلاً أرسلت الرقم لعائلتي عندما زارتني. اتصلت بهم زوجتي وأخذوا منها كل معلوماتي، ورأوا التقارير الطبية. جاء المحامي في اليوم التالي ومعه مترجمة. قال لي أنت نظامي ومريض، ولكن عليك مخالفة، سأقدم لك طلب إخلاء سبيل لأنه ليس لديك جرم جنائي، بل ولديك كملك …الخ. شباب آخرون وكلوا المحامي، فقدم لهم طلب إخلاء سبيل أيضاً، وعدد من الشباب بدؤوا يخرجون، ولكن إدارة المخيم سارعت بترحيلنا قبل أن تتحرك ملفاتنا.”
مثل الكثير من العائلات التي فرق الترحيل القسري شملها، بقيت زوجة “زياد” وابنه في إسطنبول في منزل حمويه، دون معيل، فهو لا يستطيع الإنفاق عليهم بعد أن حرم من عمله.
وفي عام 2019، ألزمت تركيا السوريين المسجلين تحت بند “الحماية المؤقتة” بالحصول على إذن سفر، مانعةً تنقلهم بين المحافظات دون التصريح، تحت طائلة إلغاء الكملك، وفق بيانٍ حمل عنوان “تحذير هام”. للحصول على الوثيقة كان على السوريين التقدم بطلب إلى مديرية إدارة الهجرة أو الوحدات التي تحددها إدارة الولايات. سهلت بعدها السلطات التركية من وصول السوريين لتصاريح السفر، عبر تقديمها الخدمة إلكترونياً، غير أن الحصول على الوثيقة يظل صعباً في ظل الشروط المفروضة على الموافقة، ومنها تقديم إثبات عن أسباب السفر إلى الوجهة، دون أن تكون الموافقة مضمونة حتى في حال تقديم الإثباتات.
-
“كما لو أننا في سجن صيدنايا”:
بتاريخ 15 آب/أغسطس 2023، رحلت السلطات التركية اللاجئ السوري “عباس” (33)، المنحدر من درعا. دخل “عباس” تركيا بداية عام 2019، وحاول الحصول على كملك بطرق رسمية وغير رسمية عبر سماسرة، لكنه فشل لأن أغلب المحافظات التركية كانت قد توقفت عن تسجيل السوريين الجدد عامها. روى “عباس” لـ”سوريون” ما يلي:
“كنت خارج المنزل أشتري بعض الأغراض. . . أوقفني شرطي بلباس مدني وطلب مني الكملك. أخبرته أنني لا أملك كملك وأعطيته جواز سفر سوري قديم، منته الصلاحية. ما إن رآه، قال لي إذهب إلى السيارة فوراً. حاولت أن أفهم السبب، أو أطلب منه الرحمة بأنه لدي عائلة وأنا معيلها، باللغة التركية طبعاً. رفض الاستماع بشكل نهائي. داروا في المنطقة لحوالي الساعتين، وتحدثوا بين بعضهم: “هذا الشخص يبدو سورياً من مظهره، انزل واطلب منه الكملك.” يعني الشرطة حرفياً لم تكن تبحث عن مهاجرين غير شرعيين؛ كانوا يبحثون عن السوريين فقط. أخذوني إلى مركز احتجاز باغجلار. وتم تفتيشي تفتيش كامل، مع شتائم كبيرة. أخذوا مني كل شيء ووضعوه في كيس أمانات وصوروهم. وأنزلوني إلى زنزانة. كنا حوالي 72 شخص بغرفة 4 بـ 5 أمتار، وجلس الجميع كما لو أنهم في سجن صيدنايا، “ركبه ورجل”. كان من بين الموجودين 17 سورياً، وثمانية أفغان.”
حُرِم “عباس” وغيره المحتجزين في المركز من الأدوية، شرب المياه، استخدام الحمام، وحتى الكلام، وفي حال أصدروا صوتاً كان ينهال عليهم عناصر الشرطة بالضرب والشتم. هذا وقد اعتقلت الشرطة المحتجزين من أماكن مختلفة، من ضمنها بيوتهم وورشات العمل. ولكن يقول “عباس”، أنهم تحسروا على أيام مركز احتجاز باغجلار، بالمقارنة بمركز توزلا:
“ليلاً، تم تجميع كامل العدد. كنا 72 شخصاً بباص لا يستوعب إلا قرابة ال55 شخصاً؛ وضعونا فوق بعضنا وفي الممر؛ حرفياً، تعاملوا معنا كماشية لا أكثر. بعدها أخذونا إلى مركز احتجاز توزلا. كانت الأعداد رهيبة، جمعوا أشخاص كل ثلاث أو أربعة أيام. وهناك، يوجد “فيش”؛ يأخذون بصماتك الأربعة ويدققون في وضعك، من كملك وفواتير، وصحتك. وضعونا في ساحة مفتوحة تحت الشمس، والليل كان بارداً، بدون طعام، ماء، وبدون تواليت. وممنوع أن نصدر أي ضجة، مع سب وشتم. . . وإذا حاول أحدهم طلب الماء، أو التواليت، أو الدواء، كان يتجمع عليه أفراد الشرطة، وينهالوا عليه بالضرب المبرح، بالإيدي، والأرجل، والهراوات.”
يقول “عباس” أن هذه الإجراءات تسبق عملية التبصيم. أما بعد البصمة، وإن كان القرار الصادر بحق المحتجز هو ترحيل، يأخذ إلى زنزانة، وتقيد يداه بكلبشات بلاستيكية، ويمنح الطعام لأول مرة. تناول “عباس” “وجبة منتهية الصلاحية” لأول مرة بعد ثلاثة أيام من احتجازه، ونُقِل يومها إلى كلس:
“أتت باصات. قادونا إلى الباصات … بدأوا بخداعنا. قالوا لنا سنأخذكم لنصدر لكم كمالك جديدة ونسوي وضعكم القانوني. تفاءل الموجودون، ولكن هذه الحركة كان هدفها السيطرة علينا لا أكثر. بقينا مقيدين، ومن تكلم أو طلب شيء، شدوا الكلبشات البلاستيكية على يديه. استمرينا كذلك لمدة 17 ساعة من إسطنبول إلى كلس. أدخلونا المشفى، بينما لازالت الكلبشات على يدينا، مثلما يحضرون سجين إلى مشفى لمعالجته. من بعيد، نظر إلينا الطبيب، وختم على أوراقنا دون فحص. أخذونا إلى مخيم مقابل مدينة كلس. وضعوا أوراق أمامنا وبصمونا عليها، دون أن يقولوا أي شيء، والذي يرفض، هددوه وسبوه والتموا عليه. يعني عودة طوعية بالإجبار. في كلس، بقينا يوم ونصف، وقبلها يومين ونص؛ كل ما أردناه هو أن ينتهي الأمر بعدها. أردنا أن نخبر أهالينا أين نحن، حيث لم يكن هناك رحمة بالتعامل، وحتى اتصال هاتفي قصير كان ممنوعاً.”
نقلت السلطات التركية “عباس” ومن معه إلى معبر باب السلامة بعدها، دون سؤالهم عن المعبر الأنسب؛ وبعد أن أعيدت لهم متعلقاتهم وتم تصويرهم، مشوا حوالي 50 متراً للوصول إلى الجانب السوري من المعبر. وعلى الجهة السورية، أخذت معاناة المرحلين شكلاً آخر:
“ما إن وصلنا إلى الجانب السوري من معبر كلس، طلب الفصيل المسيطر مبلغ 200 ليرة تركية، والدفع إجباري. أعطانا ورقة لمدة 72 ساعة لنتحرك على أساسها (وهذه الورقة معناها أنني مرحل من تركيا) ، ولم نستفد منها بشيء. خرجنا من المعبر، فاستلمتنا الشرطة العسكرية فوراً. بدأ التحقيق معنا، وكأننا إرهابيون، تضمن تفتيش للجوال بشكل دقيق، واستعادوا كل المعلومات القديمة. ينتهكون كل خصوصية محادثاتك وصور أهلك وعائلتك، مع أسئلة رهيبة؛ حتى النظام لا يسأل كل هذه الأسئلة. يلي ذلك، مكتب أمني في كراج إعزاز، حيث تخضع للتفيش والتفتيش، وبآخره يطلبون منك أن تدفع. وهناك حاجز كفرجنة، يقوم الحاجز بعملية تفيش أمني من خلال الصور؛ توضع صورتك على مجموعة (واتساب)، ويتم اعتقالك في حال اشتبه بك أحد من المجموعة الأمنية؛ وهناك تفتيش وتفيش وتدقيق حتى يطلبوا منك الدفع. المبالغ التي تطلبها الفصائل دون وصول استلام، وبعد الدفع وانتهاء التدقيق، يخبرونك أن باستطاعتهم إدخالك إلى تركيا عن طريق التهريب.”
قال “عباس” أن مجموعته رحلت على ثلاث دفعات، تضمنت 32، 32، 36 شخصاً، ما مجمله 100 مرحل، دخلوا المعبر خلال ساعة ونصف، مضيفاً أنه شهد ترحيل ثلاثة مجموعات يومها، ما جعل رقم المرحلين 300 شخصاً.
-
هل وجهة المرحلين آمنة؟
تفضي المعابر الحدودية الثلاثة التى تستخدمها السلطات التركية لترحيل السوريين، إلى ثلاثة مناطق في شمال سوريا. يؤدي معبر باب الهوى إلى محافظة إدلب، والتي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام.”
ويؤدي معبر باب السلامة إلى مدينة إعزاز، شمال حلب، والتي تسيطر عليها فصائل “الجيش الوطني السوري” المعارض والمدعوم من تركيا. فيما يفضي معبر تل أبيض، إلى منطقة تل أبيض، التي سيطرت عليها تركيا خلال العملية العسكرية “نبع السلام”، والتي شنها الجيش التركي، بمؤازرة فصائل “الجيش الوطني” عام 2019.
تدفع حملة الترحيل الحديثة مشروع “العودة الطوعية” لمليون لاجئ سوري، كان قد أعلن عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 3 أيار/مايو 2022، مفتتحاً “مشروع منازل الطوب“، مؤكداً خلال كلمة بتاريخ 25 أيار/مايو 2023، أن العمل جارٍ على بناء هذه المنازل بدعم قطري، ومضيفاً أنه “ومع هذا المشروع نكون قد بدأنا بتأسيس البنية التحتية للعودة الطوعية للسوريين إلى تلك المناطق.”
وبتاريخ 24 أيار/مايو 2023، حضر وزير الداخلية التركي وقتها، سليمان صويلو، حفل وضع حجر الأساس للمجمع السكني المزمع إنشاؤه بريف حلب الشمالي، قائلاً، “سيستقر لاجئون سوريون يعيشون في تركيا في هذه المنازل في إطار العودة الطوعية. . . وهناك طلب جدي على العودة إلى هذه المنطقة الآمنة”.
ولكن تفند مزاعم “الأمان” التركية، مجموعة من التقارير الحقوقية التي ترصد استمرار عمليات القصف في إدلب وريف حلب الشمالي. في تقريرٍ صدر خلال آب/أغسطس 2023، وثقت “سوريون” ما بين عامي 2021 و2023، 10غارات روسية على إدلب وحلب، أدت إلى مقتل 36 شخصاً على الأقل، أغلبهم مدنيون، وإصابة 88 آخرون.
فيما تُظهِر الشهادات في هذا التقرير، أن القسم الأكبر من اللاجئين المرحلين قسراً، تتم إعادتهم إلى تل أبيض ضد رغبتهم، فأغلبهم لا عائلات لهم هناك قد تدعم وجودهم الجبري، فيما هم محبوسون في قطاع مغلق، ومنفصل عن باقي أماكن السيطرة التركية، دون أدنى مقومات الحياة؛ وهو ما أجبر الهجرة التركية، على نقل عشرات السوريين المرحّلين، من مدينة تل أبيض، إلى مدينة اعزاز، مرروراً بالأراضي التركية، بعد انتشار العديد من الفيديوهات التي سلطت الضوء على الظروف المعيشية السيئة للمرحلين إلى المدينة.
وتنفي عن تل أبيض صفة الأمان كذلك، تقارير عدة أصدرتها منظمات حقوقية عن المنطقة. في تقريرٍ في حزيران/يونيو 2023، عرضت “سوريون” خلاصة 62 إفادة حصلت عليها خلال العام 2022 من ناجين/ات في منطقتي تل أبيض ورأس العين/سري كانيه، تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة على أيدي عناصر فصائل سوريّة معارضة تدعمها تركيا.
-
تصاعد العنصرية ضد السوريين:
تشكل رغبة المواطنين الأتراك برحيل اللاجئين، لاسيما السوريين، أحد دوافع الحملة؛ فيما باتت العنصرية تأخذ أشكالاً مختلفة من العنف، دون رادع أو إجراءات فعلية من قبل الحكومة الجديدة، التي تزعم اعتمادها موقفاً مضاداً لكراهية الأجانب واللاجئين. في المقابلة مع قناة الجزيرة بتاريخ 25 آب/أغسطس 2023، قال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، أن “حكومة بلاده لا يمكن أن تسمح بانتشار العنصرية وكراهية الأجانب في المجتمع”، معبراً عن أسفه لتواجد “بعض الأشخاص الهامشيين من أصحاب الأفكار الهامشية ممن يعلنون عداوتهم للأجانب.” غير أن صفة “الهامشية” لا تتوافق مع الأرقام التي كشفت عنها دراسة نشرتها “مفوضية شؤون اللاجئين” عام 2022، والتي أظهرت أن 82% من الأتراك يرون ضرورة إعادة السوريين إلى بلادهم.
وفي دراسة أخرى، صدرت خلال شهر آب/أغسطس 2022، رصد “مركز الحوار السوري”، تغيرات في شكل العلاقة بين المجتمعين التركي والسوري، وتدرجها من “التعاطف إلى الاستداف المباشر”. هذا وقد تزايدت الاستهدافات بشكل حاد منذ أواخر عام 2019، حيث سجل 56 اعتداءاً ضد سوريين خلال العام 2021 وحده؛ فيما شهد عام 2022 مقتل الشاب السوري “شريف خالد الأحمد” على يد مجموعة من الشبان الأتراك في ناحية باغجلر بإسطنبول، ومقتل لاجيء سوري آخر يُدعى “محمد ياسر آلاتي” في منطقة كوناك بإزمير بعد تعرضه لعدة طعنات في منطقة الرقبة من قبل مواطن تركي، بتاريخ 2 آب/أغسطس 2023.
بالأضافة إلى الأزمة الاقتصادية في تركيا، تعزو الدراسة التحولات في العلاقة إلى جملة من السياسات الحكومية التي فشلت بإدارة ملف اللجوء السوري، أهمها القوانين، مثل قانون إذن السفر، والذي أسهم ب”تعزيز صورة ذهنية توهم بأن السوريين قد يكونون مصدراً للخطر وتهديداً متوقعاً للأمن”؛ والأهم أن الحكومة التركية وضعت جميع اللاجئين السوريين تحت وضع “الحماية المؤقتة”، عملاً بالقانون رقم 6458، والمعروف باسم “قانون الأجانب والحماية الدولية” والصادر بتاريخ 11 نيسان/أبريل 2013.
تنوه الدراسة أن الحماية الموقتة “وضع قانوني يعطي اللاجئ السوري مجموعة من الحقوق والواجبات،” مشيرةً إلى أن الحكومة التركية استخدمت صفة “الضيوف” في خطابها الرسمي الداخلي في الكثير من المواقف متجاهلةً الصفة القانونية، “ولم تبيّن للمجتمع التركي الحقوق التي يتمتع بها السوريون في تركيا، كما لم تبيّن لهم الالتزامات التي فرضتها الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها تركيا بخصوص وجودهم.”
حيث وقعت تركيا عام 2016، اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي، تعهد بموجبه الأخير بأن يقدم دعماً مالياً كمساعدة لتركيا على احتضانها اللاجئين السوريين، ومزايا أخرى، مقابل سيطرة تركيا على الحدود ومنعها المهاجرين غير النظاميين من التوجه إلى أوروبا. هذا وتساهم في تأجيج العنصرية ضد اللاجئين، لاسيما السوريين، الخطابات السياسية وحملات التشهير، والأخبار الكاذبة التي تنشرها بعض الشخصيات السياسية التركية، ومن ضمنهم “أوميت أوزداغ”، زعيم “حزب النصر”. في حزيران/يونيو 2023، أعلن أوزداغ عزمه على “ترأس وفد من حزبه في زيارة إلى دمشق واللاذقية”، مضيفاً “سنقوم بزيارة ميدانية ونرى كيف يعيش السوريون هناك. سنظهر للناس أن الحياة عادت إلى طبيعتها،” في إشارة أنه ما من داعٍ لبقاء السوريين في تركيا.
[1] See: UNHCR. Handbook on Voluntary Repatriation: International Protection (1996), para. 2.3 (Available at: https://www.unhcr.org/media/handbook-voluntary-repatriation-international-protection).
[2] لم تعد الحماية الدولية مبررة بسبب التغيرات في البلد الذي يخشى فيه الاضطهاد، لأن الظروف التي تم بموجبها الاعتراف بالشخص كلاجئ لم تعد موجودة. ومن ثم، لم يعد بإمكان الشخص رفض الاستفادة من حماية البلد الذي يحمل جنسيته/بلد إقامته المعتادة السابقة.
[3] Executive Committee of the High Commissioner’s Programme, General Conclusion on International Protection No. 65 (XLII) – 1991, 11 October 1991, No. 65 (XLII), para. (q) (Available at: https://www.refworld.org/docid/3ae68c404.html).
[4] See: UN Human Rights Committee (HRC), CCPR General Comment No. 15: The Position of Aliens Under the Covenant, 11 April 1986, para. 2 (Available at: https://www.refworld.org/docid/45139acfc.html).
[5] UN Human Rights Committee (HRC), CCPR General Comment No. 27: Article 12 (Freedom of Movement), CCPR/C/21/Rev.1/Add.9, 02 November 1999, para. 16.
[6] Siracusa Principles on the Limitation and Derogation Provisions in the International Covenant on Civil and Political Rights, American Association for the International Commission of Jurists, April 1985, pp. 7-8.
[7] UN Human Rights Committee (HRC), CCPR General Comment No. 15: The Position of Aliens Under the Covenant, 11 April 1986, para. 10 (Available at: https://www.refworld.org/docid/45139acfc.html).
[8] المصدر السابق.
[9] UN Human Rights Committee (HRC), CCPR General Comment No. 15: The Position of Aliens Under the Covenant, 11 April 1986, para. 9 (Available at: https://www.refworld.org/docid/45139acfc.html).
[10] ECtHR, A.C. and Others v. Spain, Application No. 6528/11, Judgment (Merits and Just Satisfaction), 22 April 2014.
[11] UNHCR. Handbook on Voluntary Repatriation: International Protection (1996) (Available at: https://www.unhcr.org/media/handbook-voluntary-repatriation-international-protection).