ملّخص تنفيذي:
منذ بداية شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، عمدت القوات النظامية السورية وحلفاؤها إلى تركيز الهجمات على الأسواق الشعبية المكتظة بالسكان في محافظة إدلب، وخاصةً في مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي، تلك الواقعة بالقرب من الطريق الدولي الواصل ما بين دمشق وحلب ويمرّ من محافظة إدلب M5، حيث رصدت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، خلال الفترة الواقعة اعتباراً من بداية شهر كانون الأول/ديسمبر 2019 وحتى أوائل كانون الثاني/يناير 2020، أربع هجمات عنيفة طالت أسواق شعبية مكتظة بالسكان وخاصةّ في منطقة جبل الزاوية الواقعة بالقرب من الطريق الدولي M5، وقد أودت هذه الهجمات بحياة العديد من المدنيين بينهم نساء وأطفال.
في 7 كانون الأول/ديسمبر 2019 وحده، وقع هجومان عنيفان، الأول طال سوق بلدة بليون الشعبي (سوق لبيع الألبسة)، حيث أسقط طيران حربي يُعتقد أنه روسي صاروخاً وسط سوق بليون الشعبي، ما أسفر عن مقتل تسعة مدنيين وإصابة 12 آخرين بينهم أطفال ونساء.
أمّا الهجوم الثاني فقد طال سوق بلدة البارة الشعبي (سوق لبيع الخضروات والفواكه)، حيث نفذّ طيران حربي يُعتقد أنه روسي، أربع غارات متتالية على السوق، ما أودى بحياة أربعة مدنيين بينهم طفل وامرأتان وأدى إلى دمار كبير بعدد من منازل المدنيين التي تحيط بالسوق.
وفي 2 كانون الأول/ديسمبر 2019، تمّ تسجيل وقوع هجومين آخرين، أحدهما طال سوق الهال في مدينة سراقب، ما أودى بحياة مدني وأصاب خمسة آخرين، ثمّ تلاه خلال أقل من ساعتين هجوم آخر على سوق الهال الشعبي في مدينة معرة النعمان، ما أسفر عن مقتل تسعة مدنيين وجرح 12 آخرين.
ولوحظ من خلال رصد وتوثيق تلك الهجمات الأربعة، أنّ الأسواق الشعبية تعرّضت للقصف في ساعات الظهيرة والصباح، تلك الساعات التي عادة ما تكون فيها الأسواق مكتظة بالسكان، بالإضافة إلى عدم وجود نشاطات عسكرية قتالية على مقربة من أماكن تلك الهجمات.
أدت هذه الهجمات في معظمهما إلى نزوح عشرات الآلاف من الأهالي إلى المناطق الحدودية الشمالية، ما قد يشير بطريقة أو أخرى إلى أنّ القوات النظامية كانت تسعى إلى تفريغ هذه المناطق من سكانها ودفعهم للنزوح من أجل تمهيد السيطرة على تلك المناطق، وخاصةً تلك الواقعة بالقرب من الطريق الدولي الواصل ما بين دمشق وحلب M5.
يبدو أيضاً، أنّ القوات النظامية السورية وحلفائها كانت قد ركزّت هجماتها على أسواق شعبية تعجّ بالمدنيين في محافظة إدلب، ولربما كان الهدف من ذلك، هو محاولة التضييق الاقتصادي على أهالي محافظة إدلب، فيما يشبه فرض عقوبات اقتصادية على السكان كنوع من الانتقام على العقوبات المفروضة على الحكومة المركزية في دمشق.
بالإضافة إلى ذلك، رصدت المنظمة وقوع هجومين متفرقين، راح ضحيتهما ما لا يقلّ عن 10 أطفال، حيث طال أحدهما منزلاً لأحد المدنيين في بلدة أبديتا الواقعة بالطريق الدولي الواصل بين دمشق وحلب M5، وذلك في 7 كانون الأول/ديسمبر 2019، أي اليوم الذي تمّ فيه قصف سوقي بلدة بليون والبارة الشعبيين، ما أدى إلى مقتل عائلة بكاملها، جلّها من الأطفال.
وفي 1 كانون الثاني/يناير 2020، وقع هجوم ثانٍ طال مدرسة “الشهيد عبدو سلامة” للتعليم الأساسي، في مدينة سرمين (هذه المدينة التي تمتاز بموقعها الجغرافي القريب من الطريق الدولي M5)، ما أودى بحياة تسعة مدنيين معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى إصابة 15 آخرين بينهم حالات حرجة.
تزامنت هذه الهجمات العنيفة التي شنتها القوات النظامية السورية وحلفاؤها على مدن وبلدت ريف إدلب الجنوبي، مع معارك عنيفة دارت ما بينها وبين وتنظيمات معارضة مسلّحة (منها ما هو مصنّف على لوائح الإرهاب العالمي)، وقد جاء هذا التصعيد العنيف عقب أيام فقط من إطلاق فصائل غرفة عمليات “الفتح المبين”[1]، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، معركة “ولاتهنوا”، حيث تمكنت هذه الفصائل من انتزاع قرى وبلدات (اعجاز واسطبلات وسم الورد وسروج) في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، من قبضة القوات النظامية السورية في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، إذ تكبّدت الأخيرة خسائر في العتاد والأراوح، لكنّها سرعان ما تمكنت من استعادة السيطرة على هذه البلدات في 10 كانون الأول/ديسمبر 2019، واستمرت بالتقدم حتى سيطرت على قرى (أم التينة والكتيبة المهجورة وأبو حبة و التح وجرجناز والرفة والحراكي) في أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، وذلك بعد اشتباكات عنيفة مع هذه التنظيمات، وقد جرى ذلك بالتزامن مع معارك أخرى دارت بين طرفي النزاع على محور (الكبينة وتلة الحدادين) في ريف اللاذقية.
ويعدّ هذا التصعيد العسكري استمراراً للحملة التي بدأتها القوات النظامية السورية وحلفاؤها على محافظة إدلب، في نيسان/أبريل 2019، حيث كانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدّت تقريراً يوثق مقتل وجرح العديد المدنيين خلال هجمات عنيفة طالت مناطق وبلدات ريف إدلب الجنوبي.[2]
وكانت الأمم المتحدة قد قالت في 7 كانون الثاني/يناير 2020، بأنّه ومن ومنذ منتصف كانون الأول/ديسمبر 2019، فرّ ما لا يقلّ عن 300 ألف مدنيّ من منازلهم الواقعة جنوبي إدلب بسبب تصاعد حادّ في العمليات العدائية، كما لقي 1300 مدني على الأقل حتفهم بالغارات الجوية والقصف بين شهري أيار/مايو وآب/أغسطس من العام الماضي.[3]
صورة رقم (1) – خارطة تظهر توزع القوى العسكرية في محافظة إدلب حتى تاريخ 9 كانون الثاني/يناير 2020.
منهجية التقرير:
اعتمد التقرير في منهجيته على أكثر من (16) شهادة ومقابلة بالمجمل تمّ إجراؤها بشكل مباشر وعبر الانترنت مع شهود عيان من قبل الباحثة الميدانية لدى المنظمة في محافظة إدلب، وذلك خلال الفترة الواقعة اعتباراً من بدايات شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، وحتى أوائل كانون الثاني/يناير 2020، إضافة إلى ذلك تمّ الرجوع إلى العديد من المصادر المفتوحة والتي قامت بعملية توثيق لتلك الأحداث.
1. تركيز الهجمات على الأسواق الشعبية كوسيلة للتضييق الاقتصادي على السكان:
وثقت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أربع هجمات طالت أسواق شعبية مكتظة بالمدنيين، في قرى وبلدات ريف إدلب، وخاصة تلك الواقعة في ريف إدلب الجنوبي، بالقرب من الطريق الدولي الواصل ما بين دمشق وحلب، وقد وقعت تلك الهجمات الأربعة خلال يومين فقط، ففي 7 كانون الأول/ديسمبر 2019 وحده، وقع هجومان عنيفان أحدهما طال سوق بلدة بليون الشعبي، والآخر طال السوق الشعبي في بلدة البارة.
وفي 2 كانون الأول/ديسمبر 2019، وقع هجومان آخران، أحدهما طال سوق الهال في مدينة سراقب، وتلاه خلال أقل من ساعتين هجوم رابع على سوق الهال الشعبي في مدينة معرة النعمان.
تشير الباحثة الميدانية لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى أنّ القصف الذي طال الأسواق الشعبية الأربعة في ريف إدلب، لربما كان عمليات انتقامية من قبل القوات النظامية السورية وحلفائها، وخاصةً أنّ تلك الهجمات جاءت عقب أيام من فشل الأخيرة في التقدم على محاور ريف إدلب الجنوبي والشرقي، والخسائر التي منيت بها من حيث قتل عناصر تابعين لها وتدمير آليات لها على تلك المحاور في معارك دارت بينها وبينها فصائل المعارضة المسلّحة.
ورجحّت بأنّ تكرار الهجمات على أسواق شعبية تعجّ بالمدنيين في محافظة إدلب، لربما كان الهدف منه التضييق الاقتصادي على أهالي محافظة إدلب بشكل أساسي، فيما يشبه فرض عقوبات اقتصادية على السكان، وثانياً محاولة تفريغ المناطق من سكانها ودفعهم للنزوح من أجل تمهيد السيطرة على تلك المناطق، وخاصةً تلك الواقعة بالقرب من الطريق الدولي الواصل ما بين دمشق وحلب.
ولوحظ بأنّ هذه الهجمات الأربعة التي وقعت في يومي 2 و7 كانون الأول/ديسمبر 2019، كانت قد وقعت قبيل أيام فقط من انطلاق الجولة 14 لمحادثات أستانا[4]، في العاصمة الكازاخية “نور سلطان” بتاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر 2019، والتي تمّت بمشاركة الدول الضامنة لعملية أستانا وهي روسيا وتركيا وإيران وتضمنت الحديث عن الوضع “على الأرض” مع التركيز على مناطق شرق الفرات وإدلب.
أ. هجوم عنيف على سوق شعبي في بلدة بليون:
تقع بلدة بليون في قلب جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي الواقع بالقرب من الطريق الدولي الواصل بين دمشق وحلب M5، وهي تابعة لناحية إحسم (13كيلو متر من الجهة الشمالية الغربية)، وتعدّ إحدى المناطق التي تضمّ أعدداً كبيرة من النازحين الذين جاؤوا إليها من ريف إدلب الجنوبي والشرقي، وريف حماه، وتخضع البلدة لسيطرة هيئة تحرير الشام.
في ظهيرة يوم 7 كانون الأول/ديسمبر 2019، تعرّضت البلدة لقصف طيران حربي يُعتقد أنه روسي، حيث تمّ قصف سوق الألبسة بشكل مباشر (السوق الشعبي في البلدة) بينما كان مكتظاً بالسكان، ما أسفر عن مقتل 9 مدنيين وجرح 12 آخرين، وبحسب ما أفاد به العديد من أهالي القرية لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد أدى هذا الهجوم، إلى بثّ الرعب والخوف في نفوس الأهالي ما دفعهم للنزوح إلى أماكن أكثر أماناً، حيث نزح ما يقارب (10 %) منهم، ولربما كان الهدف من هذا الهجوم بحسب الباحثة الميدانية لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تفريغ المنطقة من سكانها وتهجيرهم إلى المناطق الحدودية.
تفاصيل الهجوم:
في حوالي الساعة (1:54) ظهراً من يوم 7 كانون الأول/ديسمبر2019، نفذّ طيران حربي يعتقد أنه روسي غارة بصاروخ على وسط سوق بليون الشعبي، ما أسفر عن وقوع العديد من القتلى بينهم أطفال ونساء ممن كانوا قد ذهبوا إلى السوق لشراء حاجياتهم، وفي هذا الخصوص روى “إسماعيل الحمادي” قريب أحد الضحايا الذين قضوا في هذا الهجوم، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
“وقعت أول غارة في حوالي الساعة (1:45) واستهدفت الأطراف الشمالية لبلدة بليون، وبعدها بخمس دقائق، تمّ تنفيذ غارة أخرى بواسطة صاروخ واحد استهدف وسط سوق بليون بشكل مباشر، وقد قُتل نتيجة هذه الغارة عائلة عمي بكاملها، وهم “عبدو أحمد الحمادي” 85 سنة وهو مجرد مزارع بسيط، بالإضافة إلى ابن عمي “محمد عبدو الحمادي” 50 سنة وأولاده الثلاثة (الطفلة آية 13 سنة والطفل حسن محمد الحمادي 10سنوات وبلال محمد الحمادي العمر 8 سنوات)،كلهم قُتلوا ولم يبقَ سوى ابن عمي “عبدو محمد ديب الحمادي” 17سنة، وكان قد تمّ إسعافه إلى المشفى حيث مازال يعاني من الحروق في وجهه بالإضافة إلى كسر في قدمه ومشاكل بولية.”
وروى الشاهد بأنّ هذا الهجوم حمل العديد من أهالي القرية على النزوح وخاصةً أنّ هذه البلدة لم تتعرض للقصف منذ حوالي الثلاث سنوات.
لقراءة وتحميل التقرير بصيغة ملف PDF وبشكل كامل (40) صفحة، يُرجى الضغط هنا.
[1] وهي هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير، والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.
[2] سوريا: قتلى مدينون بينهم أطفال في هجمات جوية عنيفة بريف إدلب الجنوبي” سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في 31 آب/أغسطس 2019. آخر زيارة بتاريخ 9 كانون الثاني/يناير 2020. https://stj-sy.org/ar/%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d9%82%d8%aa%d9%84%d9%89-%d9%85%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%88%d9%86-%d8%a8%d9%8a%d9%86%d9%87%d9%85-%d8%a3%d8%b7%d9%81%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d9%87%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%aa/.
[3] الأمم المتحدة: نزوح 700 ألف مدني من إدلب في الأشهر الثمانية الماضية” في 7 كانون الثاني/يناير 2020. آخر زيارة بتاريخ 8 كانون الثاني/يناير 2020. https://news.un.org/ar/story/2020/01/1046711.
[4] ” انطلاق الجولة الـ14 لـ”مباحثات أستانا” حول سوريا” روسيا اليوم في 10 كانون الأول/ديسمبر 2019. آخر زيارة بتاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر 2019. https://arabic.rt.com/middle_east/1067069-%D8%A7%D9%86%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%8014-%D9%84%D9%80%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AD%D8%AB%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86%D8%A7-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7/