بتاريخ 29 حزيران/يونيو 2019، قامت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وبمصادقة من الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، بتوقيع خطة عمل من أجل إنهاء ومنع تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة. حيث وقّع الخطة من جانب “قسد” القائد العام لتلك القوات “مظلوم عبدي”، ومن جانب الأمم المتحدة، السيدة “فرجينيا غامبا”؛ الممثل الخاص ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح. في مقر الأمم المتحدة في جنيف.[1]
وبموجب هذه الخطة تلتزم قوات سوريا الديمقراطية بإنهاء ومنع تجنيد الأطفال واستخدامهم، وفصل المتواجدين حالياً في صفوفها، ووضع تدابير وقائية وتأديبية فيما يتعلق بتجنيد الأطفال واستخدامهم.
وعلى الرغم من توقيع خطة العمل هذه، قامت قوات سوريا الديمقراطية -وتحديداً بتاريخ 3 تموز/يوليو 2019- بقبول تجنيد الطفل “جمال جلال جابو” -النازح من مدينة عفرين والبالغ من العمر (15) عاماً- ضمن صفوفها في ناحية أحرص بمنطقة الشهباء في ريف حلب الشمالي، وذلك بحسب ما روى والد الطفل لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، والذي قال بأنه وبعد مناشدة قوات سوريا الديمقراطية من أجل تسريح ابنه “جمال”، قامت هذه القوات بتسريح الطفل فعلاً عقب أربعة أيام من تجنيده، وتحديداً بتاريخ 7 تموز/يوليو 2019.
القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، “مظلوم عبدي”، كان قد أصدر أمراً عسكرياً بتاريخ 5 أيلول/سبتمبر 2018، موجهاً إلى الجهات المعنية لمكونات هذه القوات، مطالباً إياها بمنع تجنيد الأطفال ممن هم دون سن (18) عاماً منعاً باتاً، وتحويل كل عضو أو عضوة دون هذا السن ضمن صفوف قواتها إلى الجهات المعنية “هيئة التربية والتعليم” التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا.[2]
لكن وخلافاً للأمر العسكري الذي نشره القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، كانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد وثقت في تقرير سابق[3] لها صدر في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، (أي بعد حوالي شهرين من الأمر العسكري) تسجيل ما لا يقل عن حالتين لفتيات دون سن الـ 18، تمّ تجنيدهنّ في صفوف وحدات حماية المرأة YPJ والمنضوية تحت لواء “قسد”، وهنّ “سُليمة عبد الرحمن علي” والبالغة من العمر (14) عاماً والتي تمّ تجنيدها بتاريخ 1 تشرين الأول/أكتوبر 2018، إضافة إلى الطفلة “عويش بوظان بوظان” والبالغة من العمر (16) عاماً والتي جندّت بتاريخ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2019، كما وثقت المنظمة مقتل أخرى “ياسمين عارف” (17) عاماً، والتي كانت قد انضمت مسبقاً لتلك القوات، وسبق للمنظمة أيضاً أن وثقت في تقرير آخر[4] لها صدر في آذار/مارس 2018، تجنيد الطفلة “أفين عبد الله” والمعروفة باسم “آڤين صاروخان” والتي تبلغ من العمر (11) عاماً.
إلى ذلك، علمت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ قوات سوريا الديمقراطية، كانت قد قامت بتسريح “سُليمة عبد الرحمن علي” و”عويش بوظان بوظان”، بعد مناشدة ذويهنّ المستمرة لتلك القوات بتسريحهنّ لأنهنّ لسنّ بالغات. ففي 19 آذار/مارس 2019، قامت قوات سوريا الديمقراطية بإعادة الطفلة “سُليمة عبد الرحمن علي” (14 عاماً) إلى ذويها في مدينة الحسكة مجدداً، بعد 180 يوماً على تجنيدها من قبل وحدات حماية المرأة، وفي مطلع أيار/مايو 2019 عادت الطفلة “عويش بوظان بوظان” (16 عاماً) إلى منزل ذويها في مدينة عين العرب/كوباني مجدداً تاركةً صفوف وحدات حماية المرأة، بعد نحو سبعة أشهر على تجنيدها من قبل تلك القوات.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ مكونات قوات سوريا الديمقراطية، وخصوصاً وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، لم تتوقفا بشكل نهائي عن تجنيد الأطفال دون سن الـ 18 في كافة مناطق شمال شرقي سوريا، منذ العام 2014، وحتى مطلع تموز/يوليو 2019، وذلك على الرغم من الاتفاقيات التي وقعتها، ابتداءً مع منظمة نداء جنيف في شهر تموز/يوليو من عام 2014، أو مع الأمم المتحدة، أواخر حزيران/يونيو 2019، لكنّها بالمقابل -أي قوات سوريا الديمقراطية- قامت بتسريح ثلاثة أطفال قاصرين، إلى جانب “جمال جابو” (15 عاماً)، في ريف حلب الشمال في بدايات شهر تموز/يوليو 2019 (أي بعد عدّة أيام من تاريخ توقيع الخطة مع الأمم المتحدة)، حيث لم يتسنّ لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة معرفة أسماء هؤلاء الأطفال، بينما لازال هنالك العديد من الأطفال الآخرين دون سن الـ 18 مجندين حتى تاريخ كتابة هذا التقرير في 12 تموز/يوليو 2019، ضمن صفوف هذه القوات ومكوناتها في كافة مناطق شمال شرقي سوريا، ومنهم الطفلة “خالصة مصطفى درويش” (16 عاماً) والتي تمّ تجنيدها من قبل وحدات حماية المرأة، منتصف أيار/مايو 2018 في مدينة رأس العين/سري كانيه التابعة لمحافظة الحسكة، إضافة إلى الطفلة “سيلفا عيسى حمو” (15 عاماً)، والتي تمّ تجنيدها من قبل وحدات حماية المرأة مطلع عام 2019، في المدينة ذاتها.
تفاصيل تجنيد الطفل “جمال جلال جابو” وتسريحه بعد أربعة أيام:
بتاريخ 3 تموز/يوليو 2019، قامت وحدات حماية الشعب YPG المنضوية تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية، بقبول تجنيد الطفل “جمال جلال جابو” البالغ من العمر (15) عاماً والنازح من مدينة عفرين ضمن صفوفها في ناحية أحرص بمنطقة الشهباء في ريف حلب الشمالي، وذلك بحسب ما أكدّ “جلال جابو” والد الطفل “جمال”، والمقيم حالياً خارج سوريا، والذي اعتبر أن إقدام وحدات حماية الشعب على تجنيد ابنه القاصر، والذي كان يعيش مع جده، هو انتهاك لحقوق الطفل في الحياة، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد، بتاريخ 5 تموز/يوليو 2019 قائلاً:
“في ذلك اليوم، تأخر ابني الأكبر -جمال- بالعودة إلى المنزل على غير العادة، إذ يسكن هو وأخاه الأصغر “مصطفى جابو” (11 عاماً) مع والدي “جمال جابو” ووالدتي وأختي في قرية “تل قراح” التابعة لناحية أحرص في ريف حلب الشمالي منذ نحو عام، وبعد أن تجاوزت الساعة العاشرة مساءً بدأ والدي بالسؤال والبحث عنه، وعلم من أصدقاء له إنه التحق بوحدات حماية الشعب، وبعد البحث والاستفسار تأكدنا بأنه موجود في مركز تابع ل YPG في ناحية أحرص، والذي يُطلق عليه اسم مقر “هيزا نو” أي “القوة الجديدة”، وقد ذهب والدي فوراً لمراجعتهم واستعادة ابني، واعترفوا له بأن ابني موجود عندهم، لكن على الرغم من أنّ والدي قد قدم لهم دفتر العائلة الخاص بي ليتأكدوا من أن ابني ليس بالغاً، إلا أن ذلك لم يجدِ نفعاً، إذ لم يسمحوا لوالدي برؤية حفيده أو استعادته، لكنهم قالوا له بأنهم سيعيدونه قريباً.”
ينحدر والد الطفل “جلال جابو” من ناحية “شران” التابعة لمدينة عفرين، وكان يسكن فيها حتى أواخر عام 2011، قبل أن يهاجر إلى الخارج بداعي العمل بعد بدء النزاع في سوريا، وقد ترك ولديه “جمال” و “مصطفى” عند والده “جمال جابو” ووالدته في الناحية ذاتها، بعد أن كان قد انفصل عن زوجته قبل ذلك بعامين، لكن عائلته اضطرت للخروج من منزلها والنزوح إلى قرية “تل قراح” التابعة لناحية أحرص بعد بدء العملية العسكرية التي شنتها القوات المسلّحة التركية وبمساندة جماعات مسلحة مرتبطة بتركيا/تابعة للمعارضة السورية على منطقة عفرين/السورية؛ ذات الغالبية الكردية، والتي كانت تخضع لسيطرة وحدات حماية الشعب YPG، مطلع عام 2018، والتي انتهت بسيطرة الجيش التركي والجماعات المرافقة له على مركز مدينة عفرين بتاريخ 18 آذار/مارس 2018.[5]
وأشار “جلال جابو” إلى أنّ ابنه “جمال” الذي درس حتى المرحلة الإعدادية، ويعمل في محل للحلاقة الرجالية في ناحية “أحرص”، كان قد حاول مسبقاً الانخراط في صفوف وحدات حماية الشعب، لكنّ جدّه استطاع استعادته في تلك المرة، وتابع في هذا الصدد قائلاً:
“هذه هي المرة الثانية التي تقوم فيها وحدات حماية الشعب المنضوية تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية بتجنيد ابني “جمال” في صفوفها، ففي مطلع حزيران/يونيو 2019، التحق ابني للمرة الأولى بصفوف تلك القوات، لكن والدي علم بذلك سريعاً، واستطاع استعادته في اليوم ذاته بعد إبلاغ وحدات حماية الشعب بأن الطفل ليس بالغاً، وبعد تدّخل قياديين في (قسد) وإصدارهم أمراً بتسريح الطفل، أمّا في المرة الثانية، فقد قدّمنا شكاوى لدى العديد من مراكز وقياديي YPG و (قسد) لاستعادة ابني، والذي لا يعي حتى الآن، أنه لا ينبغي له الانضمام إلى أي قوة عسكرية، لأنه ليس بالغاً.”
بعد مناشدة ذوي الطفل “جمال جابو” لقوات سوريا الديمقراطية بتسريحه لأنه ليس بالغاً، قامت قوات سوريا الديمقراطية، بعد أربعة أيام، وتحديداً بتاريخ 7 تموز/يوليو 2019، بإعادة الطفل القاصر إلى ذويه مجدداً، بحسب ما روى والده “جلال جابو” لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بتاريخ 7 تموز/يوليو 2019 قائلاً:
“بحدود الساعة التاسعة صباحاً من يوم 7 تموز/يوليو 2019، زار ثلاثة رجال منزل والدي “جمال جابو” في قرية تل قراح التابعة لناحية أحرص، وقالوا بإنهم من لجنة حقوق الإنسان التابعة للإدارة الذاتية، وأخبروا والدي أنهم سيعيدون ابني “جمال جابو” (15 عاماً) إلى ذويه مجدداً، لأنه ليس بالغاً، التزاماً بخطة العمل التي وقعتها قوات سوريا الديمقراطية مع الأمم المتحدة. كما طلبوا من والدي أن يخبرني بأن أتوقف عن نشر حادثة اختطاف ابني على مواقع التواصل الاجتماعي والحديث عنها عبر وسائل الإعلام المختلفة، لكنّ والدي أخبرهم بأنني لن أتوقف عن إثارة الموضوع حتى يقوموا بتسريح ابني القاصر وإعادته إلى منزل جده مجدداً، وبالفعل تمّ ذلك، ففي الساعة السادسة والنصف مساءً من ذات اليوم، قدمت سيارة سوداء تقلّ قياديين من قوات سوريا الديمقراطية إلى منزل والدي وسلمته ابني “جمال”، قائلين بأنهم قاموا بتسريحه لأنه ليس بالغاً، وذلك على الرغم من رغبته في الانضمام إليهم.”
وأنهى الشاهد حديثه قائلاً:
“قاموا بتسريح ابني القاصر “جمال جابو” بعد أربعة أيام من تجنيده، وقد أخبرني بأنه كان في مقر “هيزا نو” أي “القوة الجديدة” في ناحية أحرص خلال اليومين الأولين من تجنيده، بينما كان قد تمّ نقله في اليومين التاليين إلى أحد مراكز التدريب التابعة لوحدات حماية الشعب في مدينة حلب، قبل أن تقوم تلك القوات بتسريح ابني وإعادته إلى منزل جده مجدداً.”
توصيات:
إلى سلطات الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، وقوات سوريا الديمقراطية-قسد:
- يجب على سلطات الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، الالتزام الكامل والشفاف بالاتفاقيات التي وقعتها سواءً مع منظمة نداء جنيف، في شهر تموز/يوليو من عام 2014، أو مع الأمم المتحدة، أواخر حزيران/يونيو 2019، لمنع تجنيد الأطفال واستخدامهم في العمليات العسكرية.
- يجب على سلطات الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا وقوات سوريا الديمقراطية التسريح الفوري للأطفال المجندين ولمّ شملهم مع أسرهم، أو نقلهم إلى السلطات المدنية التي عليها حمايتهم في الحالات التي يكونون فيها عرضة للعنف المنزلي، إذا أُعيدوا إلى أسرهم، ومن بينهم الطفلة “خالصة مصطفى درويش” (16 عاماً)، إضافة إلى الطفلة “سيلفا عيسى حمو” (15 عاماً)، واللتين ما زالتا مجندتين ضمن صفوفها حتى اللحظة، إضافة إلى العديد من الأطفال المجندين الآخرين.
- تعيين أمناء ولجان مظالم لتلقي الشكاوى المتعلقة بتجنيد الأطفال، واتخاذ أقسى التدابير العقابية ضد القادة الذين لا يمتثلون للحظر المفروض على تجنيد الأطفال.
[1] “تصريح صحفي صادر عن المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية بتاريخ 1 تموز/يوليو 2019، حول توقيع (قسد) وبمصادقة من الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، خطةَ عمل مشتركة مع الأمم المتحدة، من أجل إنهاء ومنع تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة واستخدامهم”. (آخر زيارة للرابط: 12 تموز/يوليو 2019). https://sdf-press.com/?p=29078.
[2]“القائد العام لـ(قسد) يصدر أمراً عسكريّاً هامّاً”، موقع قوات سوريا الديمقراطية في 7 أيلول/سبتمبر 2018. (آخر زيارة بتاريخ 12 تموز/يوليو 2019). https://sdf-press.com/2018/09/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%a6%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d9%84%d9%80%d9%82%d8%b3%d8%af-%d9%8a%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%a3%d9%85%d8%b1%d8%a7%d9%8b-%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%91%d8%a7/.
[3] “تسجيل حالتي تجنيد لفتيات دون سن الـ18 ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية مؤخراً”، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، (آخر زيارة بتاريخ 12 تموز/يوليو 2019). https://stj-sy.org/ar/945/.
[4] ” انتهاكات جسمية مختلفة بحقّ أطفال سوريين” سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 14 آذار/مارس 2018. (آخر زيارة: 12 تموز/يوليو 2019). https://stj-sy.org/ar/462/.
[5] انظر على سبيل المثال: ” سوريا: يجب على تركيا وضع حد للانتهاكات التي ترتكبها الجماعات الموالية لها والقوات المسلحة التركية ذاتها في عفرين”. 2 آب/أغسطس 2018. (آخر زيارة للرابط 12 تموز/يوليو 2019). https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2018/08/syria-turkey-must-stop-serious-violations-by-allied-groups-and-its-own-forces-in-afrin/.