تكررت منذ بداية العام الجاري 2024، حالات اعتداء على قصّر ويافعين وطلبة كُرد في عفرين، استطاعت “سوريون من أجل الحقيقة العدالة” التحقق مما لا يقل عن خمس حالات، يُعتقد أنّ الدافع الرئيسي ورائها هو التمييز الموجّه ضد السكان الأصليين للمنطقة التي كانت ذات كثافة سكانية كردية واضحة حتى آذار/مارس العام 2018، لكنها فقدت الكثير من خصائصها تلك بسبب الغزو التركي، حتى أضحى الكرد فيها أقلية إثنية.
حيث أن عمليات العنف بين فئة الطلاب، تقع في بيئة يفتقر فيها المجتمع الكردي المتبقي في المنطقة إلى الحماية تماماً، في مواجهة سياسات تمييزية ممنهجة تستهدف الهوية اللغوية والثقافية الكردية، تفرضها سلطات الأمر الواقع وتعمل على تعزيزها بداية من المدرسة، تناولتها “سوريون” في تقريرٍ مفصل نشر عام 2023.
علماً أن فئة الطلاب الكرد هي ليست الفئة الوحيدة التي يتم الاعتداء عليها، فقد تم تسجيل اعتداءات أخرى على مزارعين وكبار في السنّ ومواطنين كرد أثناء انتقالهم بين مناطق عفرين وإعزاز والباب وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني السوري/المعارض” الذي تتحكم به تركيا.
وبحسب مصدريّن مُقربيّن من يافعين جرى الاعتداء عليهما في عفرين، التقتهما “سوريون”، فإن الكثير من الطلبة الكُرد يتعرضون إلى محاولات استفزاز مستمرة في المدارس التي تديرها “مديرية التربية والتعليم في منطقة غصن الزيتون“، التابعة للمعارضة السورية، حيث تتم محاولات منعهم من التحدث بلغتهم الأم (الكردية) بين بعضهم البعض، وتحولوا إلى أقلية في المدارس التي لا تتجاوز نسبتهم فيها 25% من مجموع طلبة بعض المدارس (بحسب أهالي من المنطقة)، فيما البقية تتشكل من الطلاب النازحين إلى عفرين مع أهلهم.
ووفق المصدريّن، يتعرض الطلاب الكرد إلى عمليات تنمّر مستمرة، تقوم بها مجموعات من الطلاب القادمين من خارج المنطقة، تتطور في بعض الحالات إلى اعتداءات تنجم عنها إصابات، وهو ما شهدته على سبيل المثال لا الحصر، مدرسة بلدة معبطلي/مباتا التي تضم الصفوف من السادس وحتى البكالوريا العامة، عندما طعن في الخامس والعشرين من شباط/فبراير 2024، طالب كُردي بخمس طعنات من سكين طالب نازح، إضافة إلى حالات طعن مماثلة، وقعت ضمن المدارس أو خارجها في عفرين وريفها، كانت أقساها حادثة القتل التي تعرض لها اليافع الكردي “أحمد خالد معمو\مده”، ذو الـ16 ربيعاً، والذي ذكّر مقتله قبل أيام من احتفال الكُرد بعيدهم القومي “نوروز”، بحادثة أخرى قُتل فيها 4 أفراد من عائلة واحدة “عائلة بيشمرك”، في ذات البلدة وهي جنديرس.
في هذا التقرير الموجز، ترصد “سوريون” مُعاناة القصر الكُرد في عفرين، سواء أكانوا من طلاب المدارس أو من اليافعين العاملين في مهن يدوية، أو حتى خلال تجول بعضهم في أزقة وشوارع عفرين وأريافها، معتمدة على معلومات حصلت عليها “سوريون” من مصادر مقربة من يافعيّن متضرريّن من تلك الاعتداءات، رفضوا البوح عن أسمائهم، بالنظر إلى المخاطر الأمنية التي يمكن أن تطالهم، أو عمليات الانتقام التي قد يتعرضون لها، لا سيما وأن المنطقة يسودها الإفلات من العقاب وتفتقر إلى سبل المحاسبة العادلة.
يقول بيمان علي[1] (اسم مستعار)، وهو أحد أقرباء طالب كُردي في الصف الحادي عشر علمي، في مدرسة معبطلي، يدعى “شيار إبراهيم عمر” (17 عاماً)، إن الأخير تعرض إلى 5 طعنات، من قبل طالب نازح من بلدة حيان بريف حلب الشمالي، كان لديه مجموعة من الأصدقاء الذين شكلوا معاً، جماعة تنمرت على الطلبة الكُرد، ويضيف لـ”سوريون”:
“منذ بداية العام الدراسي، لدى تلك المجموعة مشكلة مع معظم الطلاب الكُرد، حيث لجئوا إلى استفزاز الطلاب لإشعال فتنة، ولإبراز أنفسهم على أنهم الأكبر سناً، وحاولوا ترهيب الكُرد، كونهم الأكثر عدداً، حيث تصل نسبتهم إلى 70 أو 80% من طلاب المدرسة كطلاب نازحين.”
وحصلت “سوريون” على معلومات من بيمان، تؤكد افتتاح مصلى في مدرسة معبطلي، وهو ما شكّل عاملاً إضافياً للتنمر واضطهاد الطلاب الكرد الذين قد لا يلتزمون بالصلاة، بالأخص مع الدعاية التي رُوجت لها بعض الفصائل السوريّة المسلحة الكرد بـ”الإلحاد“. ويوضح بيمان كيف كان يجري عادةً استفزاز الطلبة الكُرد، فيقول:
“لم يكن يخلو الأمر من (مناقرات وتلطيش حكي)، والذي لا يمكن أن يذهب معه الطالب ليشكو الفاعل إلى إدارة المدرسة، فمثلاً كان (الطلاب النازحون) يمرون من جانب الطلاب الكُرد، ويتلفظون بسُباب مسموع للكثيرين.”
نفذ الاعتداء بحق الطالب “شيار إبراهيم عمر”، أربعة من الطلاب النازحين داخلياً، كان بحوزة اثنان منهما على الأقل أسلحة بيضاء؛ فيما قام أحدهما ويدعى “م. . ع.س”، مُنحدر من بلدة حيان بريف حلب الشمالي، بطعن “شيار”، بخمس طعنات قاتلة، طالت أجزاء مختلفة من جسده حيث لم يتوانى الجاني حتى بعد تنفيذ عمليات الطعن، عن إطلاق سيل من التهديدات ضده، بحضور الكادر التدريسي، وفقاً لأحد المصادر التي تحدثت إلها “سوريون”.
وعقب عملية الطعن، تم تحويل “شيار” إلى مستوصف معبطلي القريب من المدرسة، لظن الموجودين بأن الطعنة التي نالت من جسده كانت وحيدة وسطحية، حيث لم يدرك المرافقون من أصدقائه والكادر التدريسي، أنه تعرض إلى عدة طعنات، بعضها خطير، حيث يوضح بيمان:
“في المستوصف، اعتقد العاملون بأن شيار تعرض للطعن بسكين واحدة وسطحية، لكن كلما كانوا يرفعون قميصه، اتضح لهم بأنها أكثر، وتوضح أنها كانت 5 طعنات، من الخاصرة حتى الظهر، قام المستوصف بالإسعافات الأولية، ومن ثم تم إسعاف شيار بسيارة الإسعاف إلى مستشفى الأمانوس في عفرين، فقال الأطباء بأنه يحتاج إلى عملية فتح بطن، بسبب وجود نزيف داخلي، إذ كانت إحدى الطعنات قد اخترقت الرئة، وأخرى اخرقت الطحال، وثالثة اخترقت الأمعاء، وكانت هذه الطعنات الخطيرة، أما البقية فكانت قد أصابت مناطق بالظهر دون أضرار كبيرة”.
أدت العمليات الجراحية إلى بقاء “شيار” في المستشفى لمدة 5 أيام، وحمّل مقربون من الطالب إدارة المدرسة والتربية في معبطلي مسؤولية الهجوم، لرفضها المتكرر طلب ذوي شيار نقله من مدرسة معبطلي إلى مدرسة ميركان، وهي قرية في نفس الناحية، نتيجة الاستفزازات المتكررة للطلبة الكرد، وإدراك أهاليهم بأن الظروف المحيطة بالعملية التدريسية غير سوية، وتحمل الكثير من التهديدات لسلامة أبنائهم، حيث لم يكن “شيار” وحده الذي طالب بنقله من مدرسة معبطلي، بل طالب بها عدد آخر من الطلاب الكُرد، لشعورهم بالتهديد من المحيطين بهم، من الطلبة النازحين، بحسب المصدر الذي قابلته “سوريون”.
بعد عملية طعن شيار، لم تأخذ القوى الأمنية في الناحية الظروف المحيطة بالجريمة بعين الاعتبار، حيث لم تتناول التحقيقات مظاهر التنمر الجماعي أو الدوافع العنصرية المحتملة للاعتداء، بل اعتبرتها “الشرطة المدنية” بأنها قضية شجار جماعي حسب “بيمان” حيث تم بموجب ذلك اعتقال الجاني وثلاث من أصدقائه، مقابل اعتقال 4 من الطلاب الكُرد من أصدقاء “شيار” من أجل التأكيد على إظهار الاعتداء بأنّه “مشاجرة”، أخلي سبيلهم جميعاً بعد أسبوع من الاعتقال، باستثناء الجاني الذي بقي معتقلاً قرابة الشهر، بجانب فصله من المدرسة.
ونتيجة للضغوط و”درئاً للمزيد من المشكلات التي قد يتعرضون لها” بحسب المصدر الذي قابلته “سوريون” فقد ارتأى ذوو الطالب “شيار” إسقاط حقهم، وحيال ذلك أضاف “بيمان علي”:
“عندما خرج شيار من المشفى، جاء وفد كبير من وجهاء حيان لطلب الصلح، ولتطلب من عائلة شيار إسقاط حقها، وقد رضي والد شيار بذلك، شريطة ألا يأتي والد الجاني إلى بيته، حيث قالت عائلة الطالب الكردي، أنهم لا يستطيعون مواجهة هؤلاء، فتوجه والد شيار إلى المحكمة، وقام بإسقاط حق ابنه، وبعد عدة أيام، استدع القاضي الابن شيار، حيث قام بإسقاط حقه، وعقبها تم الإفراج عن الجاني، بعد نحو عشرين يوماً من الحادثة”.
ليست حادثة الاعتداء على شيار وأصدقائه الوحيدة ضمن المدرسة نفسها، ولا من مجموعة المعتدين أنفسهم فقط، حيث أكد “بيمان” لـ”سوريون”، حصول محاولات مستمرة من قبل الطلاب النازحين لاستفزاز الطلاب الكُرد، سعياً لجرهم إلى نزاع مسلح، يشكلون فيه الطرف الغالب دوماً، نظراً للوقائع التي تسود المنطقة، والتي يُمنع بموجبها الطلبة الكُرد من حماية أنفسهم، فيما يحمل الطلاب النازحون الأسلحة البيضاء معهم إلى المدرسة، دون أن تتمكن إدارة المدرسة من لجمهم، وحيال ذلك أوضح “بيمان”:
“هذه الحوادث تحصل مع الطلبة الكرد فقط، وسبب الإشكالات إنهم يكرهون أي شخص كُردي، ففي كثير من الأوقات كانوا يقولون للطلاب الكُرد، بأنه يمنع عليهم أن يتحدثوا باللغة الكردية داخل الصفوف، وأنهم (الطلاب النازحون) لا يسمحون للكُرد بذلك، وهذا الأمر ليس فقط في إطار المدرسة فقط، بل في الشارع أيضاً”.
كان لحادثة الاعتداء في مدرسة معبطلي، أثراً كبيراً على حياة شيار وأصدقائه، فـ شيار مثلاً بات في جسده تسعة جروح ناجمة عن الطعنات التي تلقاها، وعن العمليات التي أجريت له لإنقاذ حياته، أما أصدقائه الأربعة، فقد تعرضوا خلال فترة أسبوع من اعتقالهم، إلى عمليات ضرب وتعذيب من قبل الشرطة المدنية، التي كانت تساوي في معاقبتهم مع الطرف الآخر المتعدي عليهم، بحسب المصدر السابق، وهو ما دفع أحد أصدقاء “شيار” إلى ترك المدرسة، فيما لم يتغير الوضع في المدرسة بعد واقعة الطعن، بل استمرت الأمور على حالها، وحيال ذلك لفت “بيمان علي”:
“في جسد شيار الآن 9 جروح، حيث توجد 5 إصابات ناجمة عن ضربات السكين، إضافة إلى عملية فتح بطن، تم إغلاقها بـ 27 غرزة جراحية، بجانب 3 جروح ناجمة عن المفجرات الجراحية، كل ذلك أثر على صحته، وهو عاجز الآن عن القيام بالأعمال كما السابق، ولا يستطيع حمل الأوزان، ولا التنقل براحته، إضافة إلى شعوره أحياناً بضيق التنفس، نتيجة طعن رئته”.
وكما في حالة شيار، حصلت حادثة اعتداء أخرى بحق يافع كُردي يدعى “رودي محمد جقل” (16 عاماً)، ينحدر من بلدة جنديرس، ويقيم في عفرين، يعمل كخياط، حيث تعرض لعملية طعن بتاريخ الخامس عشر من آذار/مارس الماضي، خلال عودته من العمل إلى منزله ليلاً، إذ اعترضه ملثم، وطعنه بسكين في فخذه، بعد أن علم بأنه كُردي، مهدداً إياه بالقتل لاحقاً.
قال أمين سيدو[2] (اسم مستعار) وهو قريب لعائلة اليافع الكردي، إنه “في يوم الحادثة، كان رودي يأتي من العمل (كخياط) في الساعة الثامنة ليلاً، فخرج له على الطريق شخص ملثم وسأله من أين أنت، فأجابه رودي بإنه كردي من جنديرس، فقام الملثم بصفع رودي على وجهه، وعقب ذلك قام بطعنه في فخذه الأيمن، وقال له: “اذهب وودّع اهلك، لأننا سنقتلك”.
لم تتمكن عائلة رودي من تحديد “غريمها”، خاصة في ظل وجود صلة قرابة بينهم وبين عائلة “بيشمرك”، التي فقدت أربعة من أفرداها في نوروز العام 2023، فيما لم يكن للأجهزة الأمنية الموجودة في عفرين، من هدف سوى منع العائلة من نشر خبر الاعتداء على ابنهم، وهو ما أخفقت به مع انتشار الخبر سريعاً، لكن لم تمض ثلاثة أيام حتى أضحت القضية طي النسيان، وتُرك غريم اليافع الكردي طليقاً دون مساعي جادة للقبض عليه، إذ يقول “أمين”:
“في ليلة طعن رودي، لم ينم أحد من الأجهزة الموجودة في عفرين، وتوجّه الجميع إلى منزل عائلته، من الشرطة المدنية والعسكرية والسياسية والمخابرات، وتعهدوا بإلقاء القبض على الجاني، لكنهم طلبوا من العائلة ألا تخبر وسائل الإعلام بالواقعة، وفي اليوم التالي، جاء بعض المسؤولين إلى العائلة، وفي اليوم الثالث ضاعت القضية”.
وأضاف: “بعد تعرض رودي للطعن، وخلال سيره للمشفى القريب، صادف شخصاً كردياً (بالغاً)، وطلب منه المساعدة، لإيصاله إلى المشفى، لكنه تخوّف من مساعدة رودي وهرب، ليتوجه رودي بمفرده إلى المشفى”.
صورة للطفل “رودي” بعد علاجه في إحدى المستشفيات في عفرين. المصدر: نشطاء محليون.
ليس شيار ورودي إلا قصتين عُرضتا على وسائل الإعلام، في الوقت الذي يتعرض فيه الكثير من اليافعين الكُرد غيرهم للاعتداء، دون أن تعرف أسمائهم، ودون أن يتجرأ أحد على مد يد العون إليهم، حتى لو كانت عملية الاعتداء تتم في وضح النهار، ، وبحضور ذوي المستهدفين أنفسهم، إذ روى أمين قائلاً:
” فقبل أيام قاموا بضرب شاب كردي في إحدى الحدائق، ونكلوا به بشدة، حيث تجمع نحو 15 شخصاً من محافظة دمشق عليه لضربه، بينما لم يجرأ أحد من الكُرد على مساعدته، رغم المناشدات التي كانت تطلقها أم الشاب الكردي واستغاثتها، حوادث الاعتداء هذه، تقع على المواطنين الكُرد فقط، لأن البقية لديهم ظهر يحميهم، ولديهم أبناء في سلطة الأمر الواقع، ولو لم يكن المُعتدى عليه كردياً، فإن أبناء المنطقة التي ينحدر منها، سوف يتدخلون لمساعدته، أما المواطنون الكُرد فلا يجرأ أحد منهم على مساعدة الآخر، لأنهم يخشون من تحول الأمر لضدهم، عبر تحويلها لقضية سياسية”.
وقد شهدت المنطقة في خضم العام الجاري، جريمة قتل بحق يافع كُردي، في الثالث عشر من مارس الماضي، عندما قتل شاب نازح يدعى” يامن أحمد إبراهيم” يبلغ من العمر 18 عاماً، يافعاً كردياً اسمه “أحمد خالد معمو\مده” ذو 16 ربيعاً، عندما طعنه بسكين، ومن ثم رمى به في بئر ماء بعمق حوالي 30 متراً، وقد طالب حينها، مكتب “المجلس الوطني الكردي في سوريا” بعفرين، كلاً من الائتلاف السوري المعارض وتركيا، بإنهاء الانتهاكات في عفرين.
وقال المجلس في بيان له عبر صفحته على فيس بوك: “إن هذه الحادثة تتزامن مع قرب الذكرى السنوية الأولى لارتكاب المجزرة الإرهابية الوحشية بحق عائلة بيشمرك ليلة عيد نوروز بإطلاق المسلحين الرصاص على الشبان لإشعالهم شعلة نوروز”، ودعا تركيا إلى تحمل مسؤولياتها في اتخاذ مواقف حاسمة تجاه كل الانتهاكات والمظالم، والمجتمع الدولي للقيام بدوره القانوني والأخلاقي تجاه تلك المنطقة، بحسب ما جاء في نص البيان.
____________________________________________________________________________________________________________
[1] تم إجراء المقابلة عبر الانترنت خلال شهر أيار/مايو 2024.
[2] تم إجراء المقابلة عبر الانترنت خلال شهر أيار/مايو 2024.