- كُتبت هذه الورقة بدعم وتمويل من منظمة Legal Action Worldwide. إنّ محتوى هذه الورقة من مسؤوليات “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وهذا المحتوى لا يمثّل بالضرورة وجهات نظر Legal Action Worldwide.
1. خلفية:
اندلعت في 10 آب/أغسطس 2024 مشاجرة حادّة خلال اجتماع الهيئة العامة لـ”نقابة المحامين الأحرار” فرع حلب الذي عُقد في مدينة عفرين، في مقرّ جامعة غازي عنتاب التركية. الخلاف الأساسي كان حول نتائج انتخابات تموز/يوليو 2023، التي أثارت الكثير من الجدل إثر التشكيك بنزاهتها وأدت إلى انقسام داخل النقابة. خلال الاجتماع، اشتبك بعض المحامين بالأيدي وتبادلوا الشتائم، مما استدعى تدخل الشرطة لفض النزاع. بعد تهدئة الأجواء، استؤنف الاجتماع وتمّ التصويت على عدة قرارات أهمّها تحديد موعد انتخابات مجلس نقابة المحامين في حلب في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2024، وإقرار آلية التصويت الإلكتروني.
بدأت التوترات عندما شكّك بعض المحامين في شرعية المجلس الحالي، معتبرين أنه جاء بدعم من “الحكومة السورية المؤقتة” المنبثقة عن “الائتلاف السوري المعارض”، وبإملاءات خارجية، بينما طالب آخرون بتثبيت شرعية الانتخابات. يمثل هذا الصدام جزءً من الأزمة الأوسع التي تعصف بنقابة المحامين الأحرار، خاصة مع تدخل الحكومة المؤقتة في شؤون النقابة. وتعكس هذه الخلافات التباينات في الرؤى القانونية داخل النقابة إضافة إلى التوترات السياسية الأكبر في شمالي غرب سوريا، حيث تسعى الحكومة السورية المؤقتة إلى تثبيت قوتها وتعزيز نفوذها، من خلال القوة العسكرية للاحتلال التركي وفصائل الجيش الوطني الخاضعة للسيطرة التركية، كما تحاول شرعنة نفوذها على الأرض من خلال العمليات الانتخابية أو القرارات التنظيمية.
تعرض هذه الورقة ملخصاً عن الخلافات داخل النقابة، وعن تدخل الحكومة السورية المؤقتة في عمل النقابات. إضافة إلى توضيح مسؤولية الدولة التركية وذكر أهم القوانين السورية والدولية التي تتناول مسألة التنظيم النقابي واستقلال النقابات.
وكانت قد تأسست نقابة المحامين الأحرار في سوريا عام 2019، بعد عمليات التهجير الكبيرة التي نفذتها الحكومة السورية خلال عامي 2017 و2018، عندما أدرك المحامون المعارضون الحاجة لتأسيس كيان ينظم عملهم ويمثل حقوقهم. لذا تم إطلاق النقابة في تسع محافظات تشمل حلب، حمص، حماة، اللاذقية، دمشق وريفها، درعا، الرقة، الحسكة، ودير الزور.
2. خلافات وانقسامات في النقابة بسبب نتائج الانتخابات:
في 24 أيار/مايو 2023، أصدرت النقابة المركزية للمحامين الأحرار القرار رقم /32/ والذي حدد موعد انتخابات مجلس فرع حلب في 24 حزيران/يونيو 2023. إلا أن التوترات بدأت بالتصاعد حينما أعلن فرع حلب، الذي شهد انقسامات داخلية، عن تأجيل الانتخابات إلى 8 تموز/يوليو 2023، ثم مجددًا إلى 15 تموز/يوليو 2023 بسبب غياب عدد من المحامين لأداء فريضة الحج.
لتنظيم الانتخابات، قرر مجلس فرع نقابة المحامين الأحرار في حلب (القرار رقم 210) بتاريخ 9 تموز/يوليو اعتماد فتح أربعة صناديق اقتراع: صندوق رئيسي في مدينة أعزاز، وصندوقين في مدينتي جرابلس والباب داخل سوريا، وصندوق آخر في مدينة غازي عنتاب التركية، حيث يقيم عدد كبير من المحامين السوريين خارج البلاد. جاء هذا التوجه بعد مناقشات محتدمة حول استخدام التصويت الإلكتروني، وهو ما رفضته بعض الأطراف التي فضلت الاعتماد على التصويت الفيزيائي عبر صناديق الاقتراع المتعددة. هذا التوزيع أثار اعتراض بعض المحامين الذين كانوا يفضلون استخدام صندوق اقتراع واحد في مقر النقابة الرئيسي في أعزاز لضمان نزاهة العملية الانتخابية.
في ظل هذا الخلاف، أصدر عدد من أعضاء مجلس فرع حلب وأعضاء الهيئة العامة بيانًا أعلنوا فيه مقاطعتهم للانتخابات المقررة في 15 تموز/يوليو 2023. وذكروا أن السبب يعود إلى الخروقات المتكررة للقانون من قبل المجلس القائم بتسيير الأعمال، مثل إنشاء صناديق انتخابية تتعارض مع النظام الداخلي وقرارات المؤتمر العام والهيئة العامة. بالإضافة إلى ذلك، أشار المحامون إلى أن المجلس قد تجاوز فترة ولايته القانونية، وأن استمرار اتخاذه للقرارات يجعله غير شرعي، مما دفعهم إلى رفض المشاركة في الانتخابات المعلن عنها، ليعود بعضهم ويتراجع عن قراره لاحقاً.
أُجريت الانتخابات في موعدها المحدد في 15 تموز/يوليو 2023، وتقدمت قائمتان رئيسيتان للتنافس على مقاعد مجلس النقابة الأولى تدعى “التجديد” (بقيادة المحامي حسن الموسى، الذي كان يشغل منصب رئيس فرع حلب)، والثانية تدعى “الاستقامة” ومثلت الفريق المعارض.
عند فرز أصوات الصندوقين في اعزاز وجرابلس، كانت النتائج متساوية تقريبًا، ولكن النتيجة تغيرت كلياً عند فرز أصوات صندوقي غازي عنتاب والباب، حيث فاز جميع الأعضاء من قائمة “التجديد” باستثناء مرشح واحد من قائمة “الاستقامة” وهو المحامي “عمر طيجان”. هذا التحول “غير المنطقي” في النتائج بحسب آراء، أثار شكوكًا حول نزاهة الانتخابات، ودفع المحامين المعارضين إلى الطعن في العملية واتهام الفائزين بالتلاعب بالنتائج.
بعد إعلان نتائج الانتخابات، قام الأعضاء الجدد بتسلم مهامهم وفق الإجراءات الرسمية. وأعلن الفائز الوحيد من قائمة “الاستقامة” عن تجميد عضويته احتجاجًا على سير الانتخابات ونتائجها. أدى هذا التطور إلى تصاعد التوترات، وانشق عدد من المحامين عن مجلس فرع حلب وأسسوا فرع جديد يُعرف باسم “فرع ريف حلب”.
3. تفاقم الانقسام النقابي نتيجة تدخل “الحكومة السورية المؤقتة”:
اعتمدت “الحكومة السورية المؤقتة” نتائج الانتخابات وأعربت عن دعمها لمجلس حلب المنتخب، مما زاد من تعميق الانقسام بين المحامين، حيث دعا كل من الفرعين المتنازعين في أيلول/سبتمبر 2023 إلى انتخابات جديدة للنقابة المركزية. نتيجة لذلك، ظهرت نقابتان مركزيتان متنافستان: الأولى بقيادة المحامي “أنور عيسى” من فرع ريف حلب، والثانية برئاسة المحامي “محمد خير أيوب” من فرع حلب.
زاد هذا الانقسام بين النقابتين من تعقيد المشهد النقابي في شمالي غرب سوريا خاصة مع تدخل الحكومة السورية المؤقتة ودعمها للنقابة المركزية التي يترأسها “محمد خير أيوب”، مما عزز “شرعية” الأخيرة في مواجهة فرع ريف حلب. ثم أصدرت وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة القرار رقم /308/ في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 الموجه إلى إدارة القضاء العسكري، والذي نص في متنه على “عدم قبول وكالات الفروع غير المنضوية في النقابة التي يرأسها المحامي الأستاذ محمد خير أيوب”. جاء القرار بمثابة ضربة قوية لفرع ريف حلب، الذي أصبح غير معترف به رسميًا، ما أدى إلى عدم قدرته على إصدار الوكالات في المحاكم التي تشرف عليها الحكومة المؤقتة.
تسببت هذه الإجراءات في زيادة الاحتقان داخل المجتمع القانوني، حيث نظم المحامون المنشقون من فرع ريف حلب اعتصامات مفتوحة احتجاجًا على التدخلات الحكومية، مطالبين بالكف عن تضييق الخناق عليهم والاعتراف بنقابتهم ككيان قانوني مستقل.
تقدّم في كانون الأول/ديسمبر 2023 المحاميان “جمال جاسم” كمرشح للمؤتمر العام لنقابة المحامين الأحرار، و”صالح عبد الله” كعضو هيئة عامة ومرشح للانتخابات في فرع نقابة المحامين الأحرار، بطعن أمام محكمة النقض مدعيين حدوث تزوير في الانتخابات. وعليه، أصدرت المحكمة القرار رقم /99/ لعام 2023، بإبطال انتخابات فرع حلب وحلّ فرع ريف حلب، نظرًا لعدم مشروعيته. كما قررت المحكمة إعادة المجلس السابق لتسيير الأعمال إلى حين إجراء انتخابات جديدة.
وإمعاناً في التدخل في شؤون النقابة، أصدر وزير العدل في الحكومة السورية المؤقتة في 14 أيار/مايو 2024، القرار رقم /29/ القاضي بإلغاء النقابات التي لا تحقق النصاب العددي المطلوب، وأبطل الوكالات الصادرة عنها. تلا ذلك مظاهرات ووقفات احتجاجية نظمها المحامون المعارضون، خاصة بعد أن دعمت إدارة الشرطة العسكرية التابعة للحكومة المؤقتة قرارات وزارة العدل من خلال قرار مماثل (القرار 189/ص بتاريخ 16 أيار/مايو 2024).
بينما رحب مجلس فرع النقابة في حلب بالقرار رقم /29/، أثار الأخير استياء مجموعة من فروع النقابة في سوريا، حيث أصدروا بياناً تناول اعتراضهم على القرار. وفقًا للبيان، اعتبرت النقابات هذا القرار تدخلاً غير قانوني في شؤون النقابات من جهة غير مختصة، وأكّدت أنه يتعارض مع استقلالية النقابة وحقوقها. أشار البيان أيضًا إلى أن القضاء، ممثلاً بالنائب العام التمييزي، صادق على هذا القرار رغم بطلانه المطلق، مشددًا على أن هذه الصلاحيات تعود فقط لمجلس النقابة وفقًا للمادة رقم /46/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة. دعت النقابات في بيانها إلى رفض هذه القرارات والمطالبة بالاستقلال التام للنقابة بعيدًا عن أي تدخلات حكومية أو قضائية.
4. العمل النقابي في التشريعات السورية:
منذ عقود طويلة فقدت النقابات السورية استقلالها، فمع استلام حزب البعث للسلطة في عام 1963، وخصوصًا بعد إعلان حالة الطوارئ وتوسيع سيطرة الحكومة المركزية، بات استقلال النقابات مقيدًا بشدّة، وتمّ استغلالها لتعزيز السيطرة على القطاعات المختلفة، من خلال ربطها بالسلطة التنفيذية وحزب البعث الحاكم بدلًا من أن تكون منظمات حرة تمثل مصالح أعضاءها. كذلك، بات قادة النقابات يعينون وفقًا لتوجيهات الحزب، وتوجب على الأعضاء أن يكونوا جزءً من الحزب أو داعمين له، ما ألغى دور النقابات في تمثيل مصالح العمال بشكل فعلي وجعلها أداة للترويج لأهداف الحكومة. سعت الأخيرة لقوننة هذه السيطرة من خلال إصدار عدة قوانين أفقدت النقابات استقلالها الفعلي وجعلتها جزءً من البنية المؤسسية للنظام الحاكم.
يتناول الدستور السوري لعام 2012 مسألة حرية العمل النقابي بشكل صريح في المادة رقم /10/ التي تنص على أن “المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات هيئات تضم المواطنين من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أعضائها، وتضمن الدولة استقلالها وممارسة رقابتها الشعبية ومشاركتها في مختلف القطاعات والمجالس المحددة في القوانين، وذلك في المجالات التي تحقق أهدافها ووفقًا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون“.
بحسب الدستور، على الدولة أن تضمن استقلال النقابات، مما يعني أن هذه الهيئات يجب أن تعمل بحرية ودون تدخل مباشر من السلطة التنفيذية أو السلطات الأخرى. كذلك يشير النص إلى أن النقابات تمارس “رقابتها الشعبية”، وهو إقرار بدور النقابات في مراقبة السلطة والمشاركة في اتخاذ القرار في المجالات التي تتعلق بمصالح أعضائها، مما يعزز من استقلالية العمل النقابي، كما إن دستور عام 1950 قد اكد على ان التنظيم النقابي حر، وكان على الحكومة المؤقتة أن تضمن حرية العمل النقابي في المناطق الخاضعة لنفوذها عملاً بدستور 1950 حيث تزعم هذه الحكومة أنها تخضع للقوانين السورية النافذة قبل عام 2011، بما لا يتعارض مع دستور عام 1950.
لكن دستور 2012 أفسح المجال للسلطة بالتحكم بعمل النقابات وإصدار تشريعات تحد من عملها، حيث على أن يكون عمل النقابات “وفقًا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون”، مما يفتح الباب أمام تشريعات تحد من هذه الحرية، ونذكر على سبيل المثال قانون التنظيم النقابي رقم /84/ لعام 1968 وتعديلاته، الذي منح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة للتحكم في هيكل النقابات وعملها. حيث فرض قيودًا على كيفية تشكيل النقابات وإدارتها، مما جعل النقابات تحت سيطرة الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر. أما تعديلات هذا القانون في العقود اللاحقة فقد زادت من تحكم السلطة التنفيذية في النقابات حيث اشترطت وجوب توافق النقابات مع سياسات الحكومة، مما أدى إلى فقدانها لمهمتها الأصلية في الدفاع عن حقوق العمال أو المهنيين.
وفي مثال آخر، نجد قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم /30/ لعام 2010 قد تعامل مع نقابة المحامين وكأنها أحد الفروع التابعة لحزب البعث العربي الاشتراكي، حيث ألزم النقابة –بالتنسيق مع القيادة القطرية لحزب البعث– بحشد طاقات الجماهير في سبيل تحقيق أهداف الأمة العربية (المادة رقم 4)، والتي هي أهداف الحزب ذاتها.
هذا النوع من القوانين يعكس كيف أصبحت النقابات أدوات للسلطة التنفيذية، بدلاً من أن تكون مؤسسات مستقلة. كما أعطت السلطات التنفيذية وحزب البعث القدرة على التدخل في شؤون النقابات وتحديد سياساتها وتوجهاتها بما يتنافى مع المبادئ الأساسية لاستقلالية العمل النقابي، التي تتطلب حرية النقابات في اتخاذ قراراتها دون تدخل حكومي مباشر، وبشكل يتناقض مع نص المادة رقم /10/ من الدستور السوري المذكورة آنفاً.
وبدلاً من إلغاء هذه القوانين أو تعديلها بما يحقق حرية العمل النقابي، وفق المعايير والأسس المنصوص عليها في العهود والمواثيق الدولية ذات الصلة، وبدلاً من تنفيذ ما نصت عليه المادة /154/ من دستور 2012، التي أكدت على ضرورة تعديل كافة التشريعات النافذة قبل إقرار الدستور بما يتوافق مع أحكامه،[1] فإن السلطات السورية بما فيها حزب البعث العربي الاشتراكي تسعى لإصدار مشروع صك تشريعي موحد للنقابات المهنية، بشكل يتعارض صراحة مع استقلال النقابات المهنية، ويكرس تبعيتها للسلطة التنفيذية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تفوض المادة رقم /48/ رئيس الوزراء بإمكانية حل المؤتمر العام أو المجلس أو مجالس الفروع في حالة “انحراف أي من هذه الأجهزة عن مهامها وأهدافها“، مما يفتح المجال لسلب استقلالية النقابات المنتخبة من خلال منح السلطة التنفيذية الحق بالتحكم باتخاذ قرار الحل والانتخاب ضمن المؤتمر العام للنقابات لتصبح الأخيرة أحد الأذرع التنفيذية الإدارية للحكومة السورية. كذلك يعطي مشروع الصك التشريعي الاختصاص لمجلس الدولة للنظر في القضايا التأديبية والمسلكية النقابية (المواد رقم 39، 40، 44، 52) رغم أن اختصاص المجلس ينحصر في محاكمة الموظفين العموميين ومن في حكمهم لدى الجهات العامة فقط دون غيرهم. بالتالي يضع مشروع القانون النقابيين بحكم الموظفين العموميين وهو ما لا يمكن قبوله لكونهم جميعاً أصحاب مهن حرَّة.[2]
5. تهديد استقلال النقابات في ظل تدخل الحكومة المؤقتة وتقاعس تركيا عن أداء واجباتها:
تؤكد الاتفاقيات الدولية[3] على الحقّ بتشكيل النقابات دون تدخل أو قمع من الدولة أو أي سلطة حاكمة، كما تضمن الحق في تشكيل وإدارة النقابات بشكل مستقل، وتحمي النقابات والعمال من أي تمييز بسبب نشاطهم النقابي. وهو ما خالفته الحكومة المؤقتة بتدخلها الذي عرضنا بعض تفاصيله في هذه الورقة.
يمثل تدخل الحكومة السورية المؤقتة في العمل النقابي تهديداً مباشراً لاستقلالية النقابات وقدرتها على القيام بدورها الحيوي في تمثيل مصالح أعضائها بحرية ودون الخضوع لأية ضغوط. أضف إلى ذلك أن تدخل الحكومة في شؤون النقابات يقوض قدرتها على القيام بدورها الأساسي في الدفاع عن الحقوق المهنية والاجتماعية لأعضائها، مما يحولها من أداة لخدمة المجتمع إلى أداة لتمرير أجندات السلطة، ومثل هذه التصرفات تتشابه إلى حد كبير مع تصرفات الحكومة السورية في دمشق، وتُحاكي القوانين المتعلقة بالعمل النقابي هناك والمذكورة آنفاً.
يُعد استقلال النقابات حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي، حيث تشكل جزءً أساسياً من نظام الضوابط والتوازنات الذي يمنع استفراد السلطة بالحكم، وتستمد النقابات المستقلة شرعيتها من انتخاباتها الحرة ومساهمتها في الدفاع عن الحقوق العامة والسياسية. بالتالي فإن تدخل الحكومة المؤقتة في انتخابات نقابة المحامين الأحرار يؤدي إلى تقليص دور الأخيرة في مراقبة السلطة ودعم سيادة القانون، ويقوض التحول نحو الديمقراطية الحقيقية.
ومن الجدير بالذكر أن سلطة الاحتلال التركي تتحمل مسؤولية مزدوجة فيما يتعلق بحقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها في شمالي سوريا. فبالإضافة إلى واجبها بالامتناع عن ممارسة أي انتهاك لحقوق الإنسان في هذه المناطق، يقع على عاتقها أيضاً واجب اتخاذ تدابير فعالة لمنع وقوع هذه الانتهاكات من أي طرف آخر، ويتضمن ذلك الحكومة السورية المؤقتة. وعليه، تتحمل تركيا مسؤولية كبيرة في حماية استقلال النقابات واستقلالية انتخاباتها في المناطق التي تسيطر عليها شمالي سوريا حيث تتواجد الحكومة المؤقتة. وفقًا للمادة رقم /43/ من اتفاقية لاهاي لعام 1907، يقع على عاتق تركيا واجب الحفاظ على الأمن والنظام في الأراضي المحتلة، ويتضمن ذلك حماية استقلال المؤسسات المدنية، بما فيها النقابات، من أي تدخل عسكري أو سياسي قد يؤثر على نزاهة عملياتها الانتخابية. يجب أن تضمن تركيا إجراء هذه الانتخابات بشكل حر ونزيه، دون تدخل من السلطات المحلية المدعومة أو القوات المسلحة. ويترتب عليها أيضًا منع التأثيرات السياسية والعسكرية التي قد تعيق سير الانتخابات النقابية أو تؤثر على نتائجها. علاوة على ذلك، عليها الامتثال للمعايير الدولية (مثل اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم /87/ لعام 1948)، التي تضمن الحرية النقابية وحق إجراء الانتخابات بحرية. يمكن لتركيا تعزيز الشفافية في هذا السياق من خلال دعوة منظمات حقوقية دولية للإشراف على العمليات الانتخابية، بما يضمن استقلالية النقابات وحماية حقوق العمال في هذه المناطق.
_______________________________________________________________________________________________________________________
[1] خاصة مع إلغاء المادة رقم /8/ من دستور عام 1973، وبالتالي لم يعد حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع من الناحية القانونية، الأمر الذي يقتضي تعديل وإلغاء كافة القوانين والنصوص التي تعطي ميزات لهذا الحزب أكثر من غيره.
[2] للاطلاع على تفاصيل مشروع القانون، انظر سوريا: مسودة قانون للنقابات المهنية يفقدها الاستقلالية ويكرس هيمنة السلطة التنفيذية عليها. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 29 آب/أغسطس 2022. أو انظر سوريا: مشروع الصك التشريعي الموحد للنقابات المهنية مازال معلقاً. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 24 أيار/مايو 2023.
[3] انظر الاتفاقية رقم /87/ لمنظمة العمل الدولية (1948) (المادة رقم 2)، الاتفاقية رقم /98/ لمنظمة العمل الدولية (1949)، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) (المادة رقم 23)، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) (المادة رقم 8)، الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (1950) (المادة رقم 11)، الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان (1969):(المادة رقم 16).