بتاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر 2021، هاجمت مجموعة ملثمة تابعة لحركة “الشبيبة الثورية” أو ما يعرف باسم “جوانين شورشگر – Ciwanên Şoreşger”، المرخّصة لدى سلطات الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، على مقر المجلس الوطني الكردي في مدينة الدرباسية، وذلك عقب الانتهاء من احتفالية للمجلس بيوم العلم الكردي (يوم علم كردستان)،[1] حيث استخدم المهاجمون قنابل مولوتوف أسفرت عن إحراق محتويات المقر، كما قاموا بالاعتداء ضرباً على ستة أعضاء للمجلس، نقل أحدهم وهو “نظام الدين عليكو”، إلى مشفى العلي في المدينة.
وجاء هذا الاعتداء بعد يومين، من هجوم أعضاء من الحركة نفسها على معبر فيشخابور – سيمالكا الحدودي مع إقليم كردستان العراق، بقنابل المولوتوف والحجارة، وجرح بعضاً من موظفي المعبر، ما أدى بحكومة الإقليم إلى إغلاق المعبر، بحسب بيان لإدارة المعبر في الإقليم.
على إثرها، أدان القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في تغريدة على تويتر، تعرّض مقر المجلس لاعتداء من قبل من وصفهم بـ”المخربين المخالفين للقانون”، مشيراً إلى أن هذا العمل هو استهداف للإدارة الذاتية، مضيفاً أن قوى الأمن الداخلي الأسايش تلاحق المتسببين لاعتقالهم وتقديمهم للعدالة.
وقد جاءت هذه الأحداث بعد سلسلة اعتداءات سابقة قامت بها حركة “الشبيبة الثورية” خلال العام 2021، ففي تاريخ 24 و25 أيلول/سبتمبر 2021، قام عدد من أفراد الحركة بالاعتداء على مجموعة من المعتصمين أمام مقر الأمم المتحدة في “الحي السياحي” بمدينة القامشلي/قامشلو، عقب اعتصام دعا إليه المجلس الوطني الكردي (المنضوي في صفوف الائتلاف السوري)، للتنديد ورفض ما سمّاه “قرارات رفع أسعار المحروقات والخبز وفرض الإتاوات على المواطنين والإفراج عن المعتقلين السياسيين”. أعقبه سلسلة اعتداءات أخرى على مكاتب ومقار لأحزاب كردية.
تفاصيل الهجوم:
قال مصدر من “مشفى العلي” الخاص في مدينة الدرباسية، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، إنهم استقبلوا في المشفى بتاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر، الشاب “نظام الدين”، في العقد الثالث من العمر، والذي أصيب بجروح في الرأس، نتيجة الضرب بالعصي، وتم خياطة جروحه بستة أقطاب، وفقاً للمصدر.
مصدر مقرب من عائلة الشاب المصاب “عليكو”، وهو شاهد عيان وأحد المشاركين في الاحتفالية بيوم العلم الكردي، قال لسوريون، أنهم خرجوا اليوم بنشاط سلمي احتفاءً بالمناسبة، وبعد أن انتهوا من الاحتفالية، اتجه المحتفلون لزيارة ضريح أحد أعضاء المجلس في سنويته الأولى وبقي عدد من الأعضاء في مقر المجلس، من بينهم “عليكو”، لتهجم بعدها مجموعة تابعة لتنظيم “الشبيبة الثورية”، كانت تستقل سيارة من نوع فان، على المقر بالمولوتوف وإغلاق باب المكتب على الأعضاء، بحسب المصدر. وأضاف المصدر:
“بعد أن تمكّن نظام الدين من فتح الباب تعرض لضربة عصي في الرأس، أسفرت عن جروح في الرأس، فيما أصيب خمسة آخرون، اثنان منهم من عائلته، وهما أخوه عبد الحميد عليكو وابن اخيه ماجد، وهم ينتمون لحزب يكيتي الكردستاني- سوريا، المنضوي في المجلس الوطني الكردي“. مشيراً إلى أن الأسايش رغم وجود مركز لها على مقربة من المقر لم تستطع رد الحركة ومنعها من الاعتداء.
وتحدث أحد المصابين، والذي فضّل عدم ذكر اسمه، لسوريون، حول الحادثة أيضاً، قائلاً:”
“بعد الانتهاء من احتفالية العلم الكردي، اتجه المحتفلون إلى مقبرة المدينة لزيارة ضريح “أكرم الملا” في مقبرة الدرباسية، بذكرى سنويته الأولى وهو كان أحد الكتاب والصحفيين الكرد وقيادي في المجلس.”
وأضاف الشاهد:
“بقينا ستة في المقر وبينما كنا ندخل تجهيزات الاحتفال إلى المقر، خرجت مجموعة تابعة لتنظيم الشبيبة الثورية كانوا يستقلون سيارة من نوع فان، وألقوا قنابل مولوتوف داخل المقر وأغلقوا الأبواب علينا ولولا أن أسرع نظام الدين لفتحه كنا اختنقنا داخل المقر، وما إن تم فتح الباب حنى انهالوا علينا بالضرب بالحجارة والعصي والقضبان الحديدية.”
وأشار إلى أنه تعرض لرضوض خفيفة هو رفاقه، فيما تعرض نظام الدين لضربة في الرأس نقل إلى أحد مشافي المدينة.
وتحدث شاهد آخر، “ماهين شيخاني”، وهو عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، المنضوي في صفوف المجلس الوطني الكردي، وأحد المشاركين في احتفالية المجلس، قائلاً لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة:
“شاركت مع قرابة خمسين شخصا من أنصار المجلس في الاحتفالية التي دعا إليها الأخير، بذكرى يوم العلم الكردي، في جو ساده الهدوء وألقيت كلمات متوازنة، دون انتقاد لأي طرف، وكانت الأسايش على مقربة من المقر، دون أي اعتراض.“
وتابع شيخاني قوله:
“كان يبدو أن الشبيبة يراقبون المقر من بعيد، وما أن انتهت الاحتفالية وقل عدد المتبقين في المقر حتى هاجمت مجموعة منهم أعضاء المجلس، اعتدوا عليهم بالضرب وأحرقوا محتويات المقر بالمولوتوف.“
وأشار شيخاني في قوله، إلى أن هناك من مسؤولي الإدارة الذاتية، دون الكشف عن أسمائهم ومناصبهم، أبدوا امتعاضهم من تصرفات الشبيبة الثورية، واصفاً أن الاستهداف يؤثر بشكل سلبي على الإدارة الذاتية ومؤسساتها الأمنية في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.
مسؤوليات الإدارة الذاتية:
بالاستناد إلى “ميثاق العقد الاجتماعي” للإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة – سوريا،[2] كما ورد في ديباجتها، والتي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من العقد بحسب المادة الأولى منها، فإن الإدارة تسعى “لتحقيق العدالة والحرية والديمقراطية بالتفاهم المتبادل والعيش المشترك”[3] معتبرةً مناطق نفوذها “منفتحة على أشكال التوافق مع تقاليد الديمقراطية والتعددية، لتستطيع جميع المجموعات الاجتماعية والهويات الثقافية والأثنية والوطنية أن تعبر عن ذاتها من خلال تنظيماتها”[4]. إذ تؤمن الإدارة الذاتية، حسب المادة السادسة من عقدها الاجتماعي، بأن جميع أفرادها ومكوناتها “متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات” [5]مؤكدة، في المادة 21 من العقد ذاته، على أن “الحرية أثمن ما يملكه الإنسان على صعيد الأفراد والجماعات”[6] وبأن الادارة تكفل للإنسان حقوق وقيمه العليا وفقاً للعهود والمواثيق الدولية. كما وتعتبر الإدارة الذاتية كافة عهود ومواثيق حقوق الإنسان الدولية جزءا أساسيا ومكملا لعقدها الاجتماعي،[7] معتمدة وبشكل خاص على “شرعة حقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من المواثيق ذات الشأن”[8].
وكون الإدارة الذاتية هي السلطة الحاكمة في مناطق سيطرتها، فإنها مسؤولة أيضاً عن ضمان أمن وسلامة كافة الأفراد في تلك المناطق، بالإضافة إلى مسؤولياتها في صون كافة حقوقهم وحرياتهم، خاصة تلك التي تعهدت بالالتزام بها في عقدها الاجتماعي. ومن الجدير بالذكر هنا بأنه، ولكي تفي بالتزاماتها أمام القانون الدولي لحقوق الانسان ومبادئ سيادة القانون، على أي دولة أو سلطة شرعية أن تتحمل نوعين من المسؤولية تجاه الأفراد والجماعات ضمن مناطق سيطرتها أو سلطتها فيما يتعلق بالحقوق الأساسية والحريات: أولاً، “مسؤوليات سلبية” تفرض عليها عدم التعرض أو منع هؤلاء الأفراد والجماعات من ممارسة حقوقهم المشروعة والمنصوص عليها قانونياً؛ ثانياً “مسؤوليات إيجابية” تلزمها بالتدخل لتمكين أو دعم أو حماية هؤلاء الأفراد أو الجماعات وحقوقهم، ضد أي انتهاك أو تدخل من أي طرف آخر قد يعيق ممارستهم لتلك الحقوق، وضمان تمتعهم بحقوقهم المشروعة ضمن إطار القانون.
ففي المادة 10 من عقدها الاجتماعي تعهدت الإدارة الذاتية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ومراعاة مبادئ حسن الجوار، والعمل على حل النزاعات بالوسائل السلمية.[9]
إنّ تهجم “حركة الشبيبة الثورية” على المعبر الإنساني الحدودي الوحيد، يعتبر خرقاً لقوانين الذاتية، بما يؤثر سلباً على احترام الإدارة الذاتية لمسؤولياتها التي تعهدت بالالتزام بها في عقدها الاجتماعي. لذا ينبغي على الإدارة الذاتية الالتزام بمسؤولياتها ومنع هكذا تصرفات وضمان محاسبة المسؤولين عنها.
ففيما يتعلق بحرية الرأي والفكر والعقيدة والتعبير، والمنصوص عليهم في المادة 18 والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،[10] فإن الإدارة الذاتية قد التزمت بضمانها واحترامها كحق أساسي لكل فرد او جماعة بما يتناسب والسلم الأهلي، بحسب المادة 24 من عقدها الاجتماعي.[11]
أما فيما يخصّ حقّ الأفراد في حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين وكذلك حقهم في التجمع السلمي، كما نصت عليها المادتان 21 و 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،[12] فإن المادة 34 من العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية، يضمن “للمواطنين حرية التنظيم والتعبير عن الرأي والتظاهر السلمي والإضراب وفق قانون ناظم له.”[13] وعليه فإنه ينبغي على الإدارة الذاتية الالتزام بتعهداتها السلبية والإيجابية لحماية وضمان حق كافة الافراد والجماعات في التمتع بحقوقهم التي يضمنها لهم القانون.
إنّ اعتداء ما يسمّى بحركة “الشبيبة الثورية “على المواطنين واستخدام العنف بما يهدد سلامة هؤلاء الأفراد بالإضافة إلى تهديد السلم الأهلي، يشكّل خرقاً وانتهاكاً واضحاً لقوانين الإدارة الذاتية نفسها، مما يلزمها بالقيام مباشرةً بفتح تحقيق في تلك الاعتداءات ومحاسبة مرتكبيها واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار هكذا انتهاكات مجدداً.
وفي حال عدم فتح تحقيق شفاف وعلني ونزيه، ومحاسبة والمتورطين، فإنّ الإدارة الذاتية تكون قد خالفت “التزاماتها الإيجابية” تجاه الأفراد والمجموعات في مناطق سيطرتها، بما يخالف عقدها الاجتماعي.
_____
[1] في عام 2009 قرر برلمان كردستان تحديد يوم 17 كانون الأول/ديسمبر، من كل عام يوماً للعلم، الذي يتزامن مع إزالة علم جمهورية مهاباد الكردية عام 1946 من قبل النظام الإيراني آنذاك.
[2] “ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة” ، الموقع الرسمي لحزب الاتحاد الديمقراطي. 6 كانون الثاني/يناير 2014. (آخر زيارة للرابط: 30 كانون الأول/ديسمبر 2021).
[3] المصدر السابق.
[4] المصدر السابق.
[5] المصدر السابق.
[6] المصدر السابق.
[7] المصدر السابق، المادة 20.
[8] المصدر السابق، المادة 22.
[9] المصدر السابق، المادة 10.
[10] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966، تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49. (آخر زيارة للرابط: 30 كانون الأول/ديسمبر 2021).
https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/CCPR.aspx
[11] “ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة” ، الموقع الرسمي لحزب الاتحاد الديمقراطي. 6 كانون الثاني/يناير 2014. (آخر زيارة للرابط: 30 كانون الأول/ديسمبر 2021).
[12] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966، تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49. (آخر زيارة للرابط: 30 كانون الأول/ديسمبر 2021).
https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/CCPR.aspx
[13] “ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة” ، الموقع الرسمي لحزب الاتحاد الديمقراطي. 6 كانون الثاني/يناير 2014. (آخر زيارة للرابط: 30 كانون الأول/ديسمبر 2021).