بتاريخ 17 و 18 تموز/يوليو 2021، قامت قوى الأمن الداخلي، والمعروفة باسم الأسايش، إضافة إلى وحدات مكافحة الإرهاب (YAT) التابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، باعتقال أربعة نشطاء معارضين وإعلاميين كُرد من أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا PDK-S، المنضوي ضمن مسمّى المجلس الوطني الكُردي في سوريا – ENKS. وقد وقعت عمليات الاعتقال تلك في مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية.
ففي مساء يوم 17 تموز/يوليو 2021، أقدمت دورية مشتركة مؤلفة من: قوات الأسايش ووحدات مكافحة الإرهاب YAT، على اعتقال كلّ من الإعلامي: “عز الدين ملا” مدير مكتب صحيفة “كُردستان” و “محمد دحام أيو” عضو الهيئة الاستشارية في الحزب الديمقراطي الكُردستاني – سوريا في مدينة القامشلي/قامشلو. وقامت دوريات أخرى تتبع لنفس الجهات الأمنية تلك وفي نفس اليوم، باعتقال “محمد صالح شلال أحمد” عضو المجلس المنطقي في الحزب المذكور في بلدة الجوادية/جل آغا.
وفي فجر يوم 18 تموز/يوليو 2021، قامت ذات الجهات الأمنية، باعتقال الإعلامي “برزان لياني” مراسل برنامج ARK الذي يُبث من فضائية “زاغروس” في أربيل (هولير) عاصمة اقليم كُردستان العراق، وذلك من منزله الكائن في بلدة معبدة/كركي لكي.
وعلمت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، من أهالي المحتجزين، إضافة إلى شهود عيان، بإنّ عناصر الأسايش ووحدات مكافحة الإرهاب YAT، الذين قاموا بعمليات الاعتقال تلك، لم يعرّفوا عن هويتهم أو يقدموا أي مذكرات توقيف قضائية أثناء عملية الاعتقال، فضلاً عن قيامهم بانتهاك حرمة منزل الإعلامي “برزان حسين محمد” وتصوير عملية اعتقاله في منتصف الليل، رغم رفض العائلة والطلب منهم بعدم التصوير.
دوافع سياسية وراء عمليات الاحتجاز
تحدّثت “سوريون” إلى عائلات المحتجزين لدى الإدارة الذاتية، حيث قالوا بإنّ دوافع عمليات الاعتقال تلك، لا يمكن أنّ تكون إلا بسبب انتمائهم السياسي، حيث ينتمي معظمهم إلى “الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا” والمعروف بمعارضته الشديدة للإدارة الذاتية.
بينما رجحت مصادر مطلعة أخرى، تحدثت إليها “سوريون”، بأن عمليات الاعتقال التي قامت بها أجهزة أمنية تتبع للإدارة الذاتية، بحق نشطاء وإعلاميين من أعضاء الحزب الديمقراطي الكُردستاني، أتت كردٍ من (الإدارة) على احتجاز ممثلين لها (من أعضاء من حزب الاتحاد الديمقراطي – PYD) في وقت سابق لعمليات اعتقال النشطاء الأربعة، من قبل حكومة إقليم كُردستان العراق التي تمول وتدعم حزب PDK-S والمجلس الوطني الكردي في سوريا.
وكانت سلطات حكومة الإقليم قد احتجزت كل من: “مصطفى عثمان خليل” و “مصطفى عزيز” عضوي مكتب علاقات PYD، و “جهاد حسن” ممثل الإدارة الذاتية في أربيل/هولير، بتاريخ 10 حزيران/يونيو 2021 أثناء توجههم إلى مطار أربيل عاصمة اقليم كُردستان لاستقبال وفد زائر. وأفرجت سلطات اقليم كُردستان العراق لاحقاً سراح كل من “مصطفى خليل” و “مصطفى عزيز”، وذلك بتاريخ 29 تموز/يوليو 2021، فيما لا يزال “جهاد حسن” ممثل الإدارة الذاتية في أربيل/هولير محتجزاً حتى لحظة إعداد هذا التقرير (بتاريخ 7 آب/أغسطس 2021).
تفاصيل عمليات الاحتجاز من قبل الإدارة الذاتية:
- مساء يوم 17 تموز/يوليو 2021، قامت وحدات مكافحة الإرهاب YAT التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، باعتقال “محمد صالح شلال أحمد”، عضو المجلس المنطقي في الحزب الديمقراطي الكُردستاني – سوريا (PDK-S)، من منزله الكائن في ريف بلدة الجوادية/جل آغا. وبحسب مصدر من عائلة “شلال أحمد” فأن مجموعة مسلحة مؤلفة من أكثر من 15 عنصراً تقلهم عدة سيارات عسكرية أقدمت على اعتقال ابنها بعد مداهمة منزله في قرية “عابرة” بحدود الساعة التاسعة مساءً، ذلك دون بيان سبب الاعتقال أو التهمة الموجهة إليه.
- تزامن اعتقال “محمد أحمد” مساء ذلك اليوم، مع اعتقال الإعلامي “عز الدين زين العابدين محمود” (30 عاماً)، المعروف باسم “عز الدين ملا“، من قبل نفس الجهة الأمنية، وذلك في وسط مدينة القامشلي/قامشلو.
ومن المعروف أنّ “عز الدين محمود” يعمل مديراً لمكتب القامشلي/قامشلو لصحيفة “كُردستان” التي يُصدرها الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا، وهو عضو في المجلس المنطقي في الحزب نفسه.
أحد أفراد عائلة “محمود” قال لـ “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” إن مسلحي جهة أمنية تابعة للإدارة الذاتية قاموا باعتقال “عز الدين” بالقوة في شارع عام وسط القامشلي/قامشلو وعلى مرأى من سكان الحيّ المحليين، وتابع حديثه قائلاً:
“كان عز الدين وزوجته عائدان من منزل والده في القامشلي، بحدود الساعة التاسعة والنصف مساءً، حيث استوقفتهم فجأةً سيارة من نوع سوناتا، ترجل منها مسلحان إثنان مُلثمان، قاما باعتقال عزالدين واقتياده إلى السيارة بالقوة، عبر تهديده بالسلاح”.
وبحسب المصدر فأن اعتقال “عز الدين” لم يتّم بموجب مذكرة رسمية، كما لم يُعرف المسلحين عن أنفسهم، فضلاً عن اتباعهم اسلوب الترهيب خلال عملية الاعتقال، وأضاف:
“لم ينفع صراخ زوجة عز الدين واستنجادها لحماية زوجها، في حين حاول الأخير مقاومة المسلحين على مرأى من أهالي الحيّ الذين اكتفوا بالمشاهدة فقط ولم يستطيعوا التدخل خوفاً من العواقب، لا سيما أن سيارة أخرى من نوع جيب، تقل أربعة مسلحين ملثمين آخرين، كانت تراقب الوضع عن كثب في نهاية الشارع، حيث رُجح أنها تابعة أيضاً للإدارة الذاتية”.
وسبق لـ “عز الدين محمود” أن تعرض للاعتقال لمدة شهرين من قبل قوات الإدارة الذاتية، بين عامي 2014-2015، وذلك على خلفية نشاطه الإعلامي والسياسي ضمن صفوف “الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا”، المُعارض لسياسة الإدارة الذاتية.
- ومع حلول نهاية يوم 17 تموز/يوليو 2021، أقدمت القوات الأمنية التابعة للإدارة الذاتية على اعتقال “محمد دحام أيو” عضو الهيئة الاستشارية في الحزب الديمقراطي الكُردستاني – سوريا، والرئيس السابق للمجلس المحلي للمجلس الوطني الكردي في القامشلي/قامشلو.
مصدر من عائلة “أيو” قال لـ”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” إن “محمد أيو” تمَّ اعتقاله من قبل مجموعة مؤلفة من أكثر من 10 مسلحين ملثمين من وحدات مكافحة الإرهاب YAT في حوالي الساعة 11:30 مساءً، وذلك خلال حفل افتتاح فرعي حلويات “زنگين” العائدة ملكيتهما لأبنه.
وبحسب الشاهد فإن عملية الاعتقال تمّت بشكل تعسفي على مرأى من الحضور، دون إبراز أي مذكرة قضائية، حيث تم اقتياد “محمد أيو” بعد عصب عينيه إلى جهة مجهولة، ولا يزال مصيره غير معلوماً، حتى لحظة اعداد هذا التقرير.
- وفي فجر يوم 18 تموز/يوليو 2021، أي بعد عدّة ساعات من اعتقال “محمد أيو”، اعتقلت قوة مشتركة من الأسايش ووحدات مكافحة الإرهاب YAT، الإعلامي “برزان حسين محمد” (48 عاماً)، المعروف باسم “برزان لياني”، وذلك من منزله في بلدة معبدة/كركي لكي بريف مدينة القامشلي/قامشلو.
ومن المعروف أنّ الناشط الإعلامي “برزان محمد” يعمل مراسلاً لبرنامج ARK الذي يُبث من فضائية “زاغروس” في أربيل (هولير) عاصمة اقليم كُردستان العراق، وهو عضو في المجلس الفرعي في “الحزب الديمقراطي الكُردستاني – سوريا، وعضو أيضاً في “اتحاد الصحفيين السوريين”، كما أنه متزوج ولديه أربعة أولاد.
كولال محمد (33 عاماً) شقيق المعتقل “برزان محمد” وصف عملية اعتقال أخيه بالتعسفية، وسرد لـ “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تفاصيل ما جرى قائلاً:
“في تمام الساعة الثانية بعد منتصف ليلة 17 – 18 تموز/يوليو 2021، اقتحم أكثر من خمسة عشر مسلحاً، بينهم امرأتين، من قوات الأسايش واستخبارات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) منزل برزان، وقاموا بالهجوم عليه واعتقاله بإسلوب همجي كما لو أنه كان ارهابياً”.
وبحسب “محمد” فأن القوات التي اعتقلت “برزان” لم تُعرف عن نفسها، أو تبرز أي مذكرة اعتقال قانونية بحقه، كما قامت بترويع أفراد عائلته، وتابع حديثه قائلاً:
“ارتدى المسلحون أقنعة لإخفاء وجوههم، لم يكشفوا عن هويتهم، وانتشروا بأسلحتهم في أرجاء المنزل بسرعة، ثم هجموا على برزان وأفزعوا زوجته وأولاده، كما أصروا على اعتقاله بلباسه الداخلي، لكن زوجته رفضت وأعطته ملابسه، والأسوء أن أحد المسلحين كان يحمل كاميرا ويصور عملية الاعتقال المُشينة”.
رفضت ابنة “برزان محمد” انتهاك حرمة منزلهم وتصوير اعتقال والدها رغماً عنهم، لا سيما في ذلك الوقت المتأخر من الليل، لكن تلك القوات لم تستجب لرفضها، وعلى العكس من ذلك، لم يحترم المسلح خصوصية أفراد العائلة في منزلهم واستمر في التصوير، وفقا لـ”كولال لياني”.
لم تبلغ عائلة “برزان” والدته بخبر اعتقاله بادئ الأمر، ذلك خوفاً على تدهور صحتها الجسدية والنفسية، لكنها علمت بالحادثة بعد مضي يوم كامل، لتصاب بجلطة دماغية حزناً وقهراً على ابنها، أدت إلى حدوث شلل في يداها وساقها اليمنى، كما أصبح لسانها عاجزاً عن النطق، وقد تحدث الشاهد “كولال محمد” حول حالة والدته قائلاً:
“كان لخبر مقتل (أمين عيسى العلي) تحت التعذيب في سجون الإدارة الذاتية وقعاً كبيراً على والدتي حين سماعها بخبر اعتقال (برزان) بتلك الطريقة العنيفة، نحن نقوم بعلاجها الآن بإستشارة الأطباء، كما نحمل الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية مسؤولية أي أذى يلحق بها، وبأخي المعتقل”.
ونددت عائلة “برزان محمد” عبر بيانٍ نشرته، يوم 20 تموز/يوليو 2021، باعتقال ابنها بشكل تعسفي، قبل أيام فقط من حلول عيد الأضحى المبارك، مناشدةً المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية بالضغط على الإدارة الذاتية لأجل اطلاق سراح معتقلي الرأي ورد الاعتبار لهم ولعائلاتهم، كما طالب البيان الإدارة الذاتية محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات المنافية لحقوق الإنسان.
وسبق أن تعرض “برزان محمد” مرات عديدة للاعتقال من قبل قوى الأمن الداخلي/الأسايش أو قوى الاستخبارات التابعة للإدارة الذاتية، كان آخرها في 13 أيار/مايو عام 2017، حيث بقي معتقلاً نحو ستة أشهر على خلفية نشاطه السياسي والإعلامي.
ردود مستنكرة لعمليات الاعتقال
في ردها على عمليات الاعتقالات المذكورة، اعتبرت الأمانة العامة للمجلس الوطني الكُردي، في بيانً صدر عنها، بتاريخ 18 تموز/يوليو 2021، عمليات اعتقال أعضائه من قبل الإدارة الذاتية “استهتاراً بالرأي العام وتعميماً لمناخ الاستبداد وقمع الرأي الآخر”، وقالت إن الهدف منها هو “نسف المفاوضات المأمولة والتي تم التمهيد باستئنافها والتفاؤل بالوصول إلى اتفاق يوحد الموقف الكُردي”.
واتهم المجلس الوطني الكُردي في بيانه قوى الأمن التابعة للإدارة الذاتية باعتقال عضوين آخرين لها في وقت سابق وهما: “فرمز عبد الكريم” في مدينة المالكية/ديريك و “عبد الغفار محمد” في بلدة الجوادية/جل آغا، وهما عضوين في الحزب الديمقراطي الكُردستاني – سوريا.
كما دعا المجلس الكُردي المنظمات الحقوقية وقيادة “قسد” والراعي الامريكي للمفاوضات الكُردية إلى التدخل لوضع حد لهذه الانتهاكات واطلاق سراح جميع المعتقلين والالتزام بمبادئ حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير.
ونددت منظمة “مراسلون بلا حدود” في تقرير لها، صدر بتاريخ 20 تموز/يوليو 2021، قيام قوى الأمن الداخلي (الأسايش) التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، باعتقال ثلاثة صحفيين في القامشلي/قامشلو، ويتعلق الأمر بكل من عز الدين الملا (مدير صحيفة كُردستان)، وبرزان لياني مراسل قناة ARK TV ومحمد صالح (المراسل السابق لتلفزيون كوردستان).
وكرد على تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود”، أصدرت دائرة الإعلام في الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا توضيحاً، بتاريخ 25 تموز/يوليو 2021 نفت فيه الاتهامات الموجهة إليها، متهمةً بدورها المنظمات والمؤسسات الدولية المدافعة عن حقوق الصحفيين باستغلال بعض الحوادث الجنائية في مناطق الإدارة الذاتية وتحويلها إلى قضايا إعلامية والترويج للأمر وكأنه استهداف للصحفيين وتضييق عليهم وعلى حرية العمل الإعلامي. وقالت دائرة الإعلام التابعة للإدارة الذاتية في توضيحها:
“تعمل هذه المنظمات سواء بقصد أو بدون قصد على تشويه الحقائق والاستناد لمصادر غير حقيقية في المعطيات التي تستند عليها في كتابة تقاريرها وهو ما يضعف من مصداقية معظم تقارير هذه المنظمات التي بدأت تعمل بعضها لأجل أجندات معينة”.
وحتى الانتهاء من كتابة هذا التقرير بتاريخ 7 آب/أغسطس، لم يتمّ الإفراج سوى عن الإعلامي “عز الدين محمود” من قبل الإدارة الذاتية، وذلك بتاريخ 5 آب/أغسطس 2021. أي بعد مضي 19 يوماً على اعتقاله. فيما لا يزال “محمد دحام أيو” و “محمد صالح شلال” و “برزان لياني” معتقلون.
كما لا يزال “جهاد حسن”، ممثل الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا في أربيل، محتجزاً لدى سلطات إقليم كردستان العراق.