بعد أنّ نظّم “المجلس الوطني الكردي في سوريا” وقفات احتجاجية في شمال شرق سوريا، رفضاً لقرار رفع أسعار المحروقات والخبز، وتنديداً بما أسموه “فرض الأتاوات” على المواطنين، إضافة إلى المطالبة الإفراج عن المعتقلين السياسيين، تعرّضت مجموعة من مقار ومكاتب المجلس إلى اعتداءات مختلفة ابتداءً من فجر يوم 25 أيلول/سبتمبر 2021، وهو اليوم الذي تلا انطلاق تلك الاحتجاجات.
أيضاً وفي اليوم ذاته، تمّ التحريض ضدّ عدد من الإعلاميين/ات العاملين في مناطق الإدارة الذاتية، وتهديد آخرين، وذلك من قبل أشخاص وصفحات موالية للإدارة، بسبب التغطيات الإعلامية التي قام بها هؤلاء الصحفيين والصحفيات للاحتجاجات التي قادها المجلس. وكان من بين هؤلاء الإعلاميين، إيفان حسيب مراسل وكالة Ruptly الروسية، وفيفيان فتاح؛ مراسلة شبكة روداو الإعلامية الكردية وفهد صبري؛ مدير مكتب قناة روداو في شمال شرق سوريا.
-
توصيات إلى الإدارة الذاتية:
يتوجب على الإدارة الذاتية:
- تأمين المناخ المناسب والآمن لضمان حق كافة الأفراد والمجموعات بالتمتع في كافة حقوقهم وحرياتهم المشروعة والمنصوص عليها قانونياً بدون أي تمييز، وحماية التعددية والتنوع الفكري في المجتمع، بالإضافة إلى ضمان حقهم في حرية الاعتقاد والتظاهر والتعبير بكافة الوسائل المتاحة ضمن اطار القانون، واتخاذ كافة التدابير المتاحة واللازمة لضمان تمتعهم بتلك الحقوق.
- ضمان الحق في العيش الآمن والسلامة الشخصية لكافة الأفراد والجماعات، وبدون أي تمييز. بالإضافة إلى العمل الجاد على منع أي اعتداء على أي فرد او جماعة وتأمين الحماية الكافية لهم ضد أي عمل او نشاط قد يهدد سلامتهم الفردية او حقهم في بيئة آمنة، قدر المستطاع وضمن اطار القانون.
- أخذ أي تهديد لسلامة أي فرد أو جماعة على محمل الجد وعدم التغاضي عن أي شكوى والتعامل معها بكل جدية لضمان سلامتهم ولمنع وقوع أي انتهاك بحقهم و بدون أي تمييز.
- التحقيق الجدي في كافة الانتهاكات الواردة في هذا التقرير والتي وقعت ضمن مناطق سيطرتها وملاحقة المنتهكين أياً كانوا ضمن إطار القانون ومحاكمتهم ومحاسبتهم أصولاً. والعمل الجاد على اتخاذ كافة التدابير اللازمة، قدر الامكان وضمن إطار القانون، لمنع تكرار هكذا انتهاكات.
-
اعتداءات ومحاولات حرق مكاتب تتبع لأحزاب المجلس الكردي:
بدأت أولى محاولات الاعتداء على مقار الأحزاب الكردية فجر يوم 25 أيلول/سبتمبر 2021، حين قام مجهولون بكتابة عبارات مسيئة بحق المجلس الوطني الكردي في سوريا، على جدران إحدى مكاتب الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا، وهو أحد الأحزاب الرئيسية للمجلس الوطني الكردي ويتمتع بعلاقات استثنائية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق.
وعلى الفور، اتهم المجلس الوطني الكردي في بيان له نُشر بتاريخ 26 أيلول/سبتمبر 2021، حركة “الشبيبة الثورية” بالوقوف وراء ذلك الاعتداء، مضيفاً أنّ تلك الحركة قامت بمحاولات حرق مكاتبها في كل من المالكية/ديريك والجوادية/جل آغا والقامشلي/قامشلو وتهديد أعضاء من المجلس المحلّية التابعة لهم. داعية قيادة قوات سوريا الديمقراطية كطرف ضامن للمفاوضات الكردية إلى حظر حركة “الشبيبة الثورية”.
3. اعتداءات على أحزاب مرخّصة ومقربة من الإدارة الذاتية:
أيضاً وبتاريخ 25 أيلول/سبتمبر 2021، قام مجھولون بحرق مكتب “الحزب الديمقراطي الكوردستاني – غرب كوردستان” الكائن في حي السياحي بمدينة القامشلي/قامشلو في شمال شرق سوریا، وهو أحد الأحزاب المرخّصة لدى الإدارة الذاتية نفسها. واقتصرت الخسائر على الأضرار المادية دون وقوع خسائر بشرية.
“بيجان إبراھیم” مسؤول العلاقات في الحزب الدیمقراطي الكوردستاني- غرب كوردستان، أكّد لـ “سوریون من أجل الحقیقة والعدالة” أن الحریق نتج عن رمي زجاجة حارقة (قنبلة مولوتوف) من قبل أشخاص مجھولین. وقال في شهادته ما يلي:
“اتصل بي أحد الجیران المقيمين بالقرب من مكتب الحزب، ف حوالي الساعة الحادیة عشر ونصف قبل منتصف اللیل، وأخبرني باندلاع حریق في مكتب حزبنا.. سارعتُ إلى المكان وكانت قوات الأسایش والإطفاء قد أخمدت الحریق بمساعدة الجیران.. لقد كانت الأضرار مادیة فقط… بعد ذلك وجدنا آثار (قنبلة مولوتوف) تبین لنا قیام أشخاص برمیھا عبر النافذة”.
وبحسب إبراھیم فإن الحزب یزاول عمله في مناطق الإدارة الذاتیة بشكل قانوني كونه من الأحزاب المرخّصة هناك. في السیاق ذاته، وفي نفس اليوم، ألقى “مجھولون” قنبلة یدویة على مكتب “حزب التغییر الدیمقراطي الكردستاني” في مدینة الحسكة حوالي الساعة الحادیة عشر من الليلة نفسها. ووفقاً لمسؤولین في الحزب المنضوي في صفوف أحزاب الإدارة الذاتیة فإن الأضرار اقتصرت على المادیة فقط.
وفي الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2021، نشر الصحفي إيفان حسيب، توضيحاً للرأي العام، كشف فيه تعرّضه لحملات ممنهجة بسبب عمله الصحفي في مناطق الإدارة الذاتية بمشال شرق سوريا، موضّحاً أنّه تقدّم بشكوى ضد بعضها، وهي مرخصة وعاملة في منطقة الإدارة الذاتية، لكن لم يتم اتخاذ أي اجراء بحقها، ولم تثمر الشكوى عن توقف تلك الحملات ضده وضد عمله.
وكانت صفحات موالية للإدارة الذاتية، قد نشرت قائمة بأسماء صحفيين آخرين تدعو فيها إلى استهدافهم، بمن فيهم: إيفان حسيب (مراسل وكالة رابتلي)، ووفيفيان فتاح (مراسلة روداو) وفهد صبري (مدير مكتب روداو في القامشلي).
وأدانت منظمة مراسلون بلا حدود – الشرق الأوسط، عبر بيان لها، الانتهاكات المتعددة ضد حرية الصحافة في الأيام الأخيرة في المنطقة التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية ودعت السلطات إلى السماح للصحفيين بممارسة المهنة بحرية وضمان بيئة عمل مواتية لهم.
وقالت بأنّ “إيفان حسيب” يتعرض بشكل خاص للخطر، وقد عانى لعدة سنوات من حملة كراهية عنيفة، محمّلة السلطات المحلية (الإدارة الذاتية) المسؤولية الكاملة عن أمنه وأمن عائلته.
4. حرق مكتب “شبكة رووداو الإعلامية” في القامشلي/قامشلو:
بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2021، وبعد منتصف ليل الإثنين، قام ثلاثة شبان ملثمین برمي “قنابل مولوتوف” على مكتب شبكة روداو الإعلامية الكائن في حي السیاحي بالقامشلي/قامشلو، بحسب ما أظهر شريط فيديو من كاميرة مراقبة، أدت إلى وقوع أضرار مادية واندلاع حريق في الطابق الأول للمكتب، قبل أن يهرع الجيران إلى المكان ويقوموا بإطفاء الحريق.
شبكة روداو” قالت في بیان لها، إن الاعتداء تسبب بإتلاف بعض المعدات وإلحاق أضرار مادیة بمحتویات المكتب.
وأشارت إلى أنّ ذلك الاعتداء على المكتب یھدد حیاة الموظفین وعملھم، ویشكل انتھاكاً في غایة الخطورة لحریة العمل الإعلامي في مناطق الإدارة الذاتیة، مطالة الإدارة الذاتیة بعدم الالتزام بالصمت وأن لا تقف مكتوفة الأیدي، كما حدث في السابق، حیث تعتبر ھذه ھي المرة السادسة التي یتعرض فیھا مكتب “شبكة رووداو الإعلامیة” في القامشلي/قامشلو لھجمات.
5. محاولة جديدة لحرق مكاتب أحزاب المجلس الوطني الكردي في سوريا:
تزامن حرق مكتب “شبكة روداو الإعلامية” مع تعرّض مقر “حزب الوحدة الدیمقراطي الكردستاني” التابع للمجلس الوطني الكردي في سوریا، والكائن في حي منير حبيب بوسط القامشلي/قامشلو، لمحاولة حرق في اللیلة نفسھا. وهما لا يبعدان مسافة طويلة عن بعضهما البعض، مما يرجّح الفرضية القائلة بوقف نفس الجهة وراء الاعتدائين.
“سلمى سلیمان”، القیادیة في حزب “الوحدة الدیمقراطي الكردستاني” الذي ترأسه “فصلة يوسف” أفادت لـ”سوریون من أجل الحقیقة والعدالة” بقیام ثلاثة أشخاص یستقلون دراجة ناریة (يُعتقد أنّهم نفس الأشخاص الذين قاموا بحرق مكتب روداو) بالقاء قنبلة مولوتوف على باب المكتب في حي منیر حبیب بالقامشلي/قامشلو، قرابة الساعة الحادیة عشر و45 دقیقة. وقالت في شهادتها:
“حرقوا علم كردستان وعلم الحزب أمام المكتب واقتصرت الأضرار على المادیة فقط، ولحسن الحظ لم تدخل النیران إلى المكتب.. نحن نستنكر ھذا العمل، وعلى الجھات المعنیة التي تدیر المنطقة متابعة وإجراء تحقیق في الموضوع، خصوصاً وأن حاجز قوى الأمن الداخلي (الأسایش) قریب من المكتب”.
بالمقابل تعرض مقر “الحزب الدیمقراطي الكردستاني – سوریا” في شارع بنك عودة بالقامشلي/قامشلو لھجوم مماثل في اللیلة نفسھا، ما خلف أضرار مادیة، وفقاً لمسؤولين في الحزب.
-
الاعتداءات المتكررة في شمال شرق سوريا والتزامات الإدارة الذاتية:
بالاستناد إلى ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة – سوريا،[1] كما ورد في ديباجتها، والتي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من العقد بحسب المادة الأولى منها، فإن الإدارة تسعى “لتحقيق العدالة والحرية والديمقراطية بالتفاهم المتبادل والعيش المشترك”[2] معتبرةً مناطق نفوذها “منفتحة على أشكال التوافق مع تقاليد الديمقراطية والتعددية، لتستطيع جميع المجموعات الاجتماعية والهويات الثقافية والأثنية والوطنية أن تعبر عن ذاتها من خلال تنظيماتها”.[3] إذ تؤمن الإدارة الذاتية، حسب المادة السادسة من عقده الاجتماعي، بأن جميع أفرادها ومكوناتها “متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات”، [4]مؤكدة في المادة 21 من العقد ذاته، على أن “الحرية أثمن ما يملكه الإنسان على صعيد الأفراد والجماعات”[5] وبأن الادارة تكفل للإنسان حقوق وقيمه العليا وفقاً للعهود والمواثيق الدولية.
كما وتعتبر الإدارة الذاتية كافة عهود ومواثيق حقوق الإنسان الدولية جزءا أساسياً ومكملاً لعقدها الاجتماعي،[6] معتمدة وبشكل خاص على “شرعة حقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية وغيرها من المواثيق ذات الشأن”.[7]
وكون الإدارة الذاتية هي السلطة الحاكمة في مناطق سيطرتها، فإنها مسؤولة أيضاً عن ضمان أمن وسلامة كافة الأفراد في تلك المناطق، بالإضافة إلى مسؤولياتها في صون كافة حقوقهم وحرياتهم، خاصة تلك التي تعهدت بالالتزام بها في عقدها الاجتماعي.
ومن الجدير بالذكر هنا بأنه، ولكي تفي بالتزاماتها أمام القانون الدولي لحقوق الانسان ومبادئ سيادة القانون، على أي دولة أو سلطة شرعية أن تتحمل نوعين من المسؤولية تجاه الأفراد والجماعات ضمن مناطق سيطرتها أو سلطتها فيما يتعلق بالحقوق الأساسية والحريات: أولاً: “مسؤوليات سلبية” تفرض عليها عدم التعرض أو منع هؤلاء الأفراد والجماعات من ممارسة حقوقهم المشروعة والمنصوص عليها قانونياً؛ ثانياً “مسؤوليات إيجابية” تلزمها بالتدخل لتمكين أو دعم أو حماية هؤلاء الأفراد أو الجماعات وحقوقهم، ضد أي انتهاك أو تدخل من أي طرف آخر قد يعيق ممارستهم لتلك الحقوق، وضمان تمتعهم بحقوقهم المشروعة ضمن إطار القانون.
ففيما يتعلق بحرية الرأي والفكر والعقيدة والتعبير، والمنصوص عليهم في المادة 18 والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،[8] فإن الإدارة الذاتية قد التزمت بضمانها واحترامها كحق أساسي لكل فرد او جماعة بما يتناسب والسلم الأهلي، بحسب المادة 24 من عقدها الاجتماعي.[9] حيث أكدت الإدارة الذاتية على أنها تضمن حرية الإعلام والصحافة والنشر، بحسب المادة 33 من العقد الذكور، متكفلة للجميع، كما ورد في المادة 35 من نفس العقد، حقهم في “حرية الحصول على المعلومات وممارسة الأنشطة المعرفية والفنية والثقافية”.[10]
أما فيما يخص حق الأفراد في حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين وكذلك حقهم في التجمع السلمي، كما نصت عليها المادتان 21 و 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،[11] فإن المادة 34 من العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية، يضمن “للمواطنين حرية التنظيم والتعبير عن الرأي والتظاهر السلمي والإضراب وفق قانون ناظم له.”[12]
_________
[1] “ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة”. الموقع الرسمي لحزب الاتحاد الديمقراطي. 6 كانون الثاني/يناير 2014. (آخر زيارة للرابط: 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021). https://pydrojava.org/%D9%85%D9%8A%D8%AB%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A/
[2] المصدر السابق.
[3] المصدر السابق.
[4] المصدر السابق.
[5] المصدر السابق.
[6] المصدر السابق، المادة 20.
[7] المصدر السابق، المادة 22.
[8] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966. اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966، تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49. (آخر زيارة للرابط: 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021). https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/CCPR.aspx
[9] “ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة”. الموقع الرسمي لحزب الاتحاد الديمقراطي. 6 كانون الثاني/يناير 2014. (آخر زيارة للرابط: 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021). https://pydrojava.org/%D9%85%D9%8A%D8%AB%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A/
[10] المصدر السابق.
[11] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966. اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966، تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49. (آخر زيارة للرابط: 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021). https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/CCPR.aspx
[12] “ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة”. الموقع الرسمي لحزب الاتحاد الديمقراطي. 6 كانون الثاني/يناير 2014. (آخر زيارة للرابط: 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021). https://pydrojava.org/%D9%85%D9%8A%D8%AB%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A/