في العشرين من كانون الثاني/يناير للعام 2018، بدأت تركيا عملية عسكرية واسعة النطاق تحت مسمّى “غصن الزيتون” في منطقة عفرين السوريّة، ساهم فيها نحو 25 ألف مسلّح من مقاتلي “الجيش الوطني السوري/المعارض”، والتي استمرت لـ58 يوماً، وانتهت بسيطرة المهاجمين على المنطقة ذات الغالبية الكردية الساحقة، لتنضم بذلك عفرين إلى قائمة واسعة من المدن والمناطق الخاضعة للنفوذ والاحتلال التركيين شمال غرب سوريا، من جرابلس عبوراً بالباب والراعي ومارع وإعزاز.
ومنذ ذلك الحين، بدأ الجانب التركي عبر الفصائل السورية المُعارضة والمجالس المحلية والأجسام السياسية الموالية له، بعملية تغيير معالم تلك المناطق الخاضعة لسيطرته، كانت أشدّها وقعاً في منطقة عفرين شمال غرب سوريا، التي تعرضت منذ سيطرة تركيا عليها في آذار/مارس العام 2018، إلى واحدة من أكبر عمليات التغيير الديموغرافي التي شهدتها الحرب في سوريا، عندما هُجّر الغالبية العظمى من سكانها الأصليين الكرد، وتم إحلال مئات الآلاف النازحين القادمين من مناطق سورية داخلية كأرياف دمشق وحمص وغيرها عوضاً عنهم، لكن دون أن يعني ذلك مُحافظة باقي المناطق الخاضعة للسيطرة التركية على هويتها، إذ نال التتريك كثيراً من جوانب الحياة فيها أيضاً.
وبحسب المصادر المحلية التي التقتهم “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” لغرض هذا التقرير، شملت عمليات تغيير المعالم الرئيسية في عفرين، أغلب المرافق العامة، بما فيها من ساحات ودوارات ودوائر تُعتبر “حكومية”، واستبدلت أبرز معالم المدينة التي كانت تشير إلى كُرديتها، بأخرى إسلامية أو تركية، أو مُرتبطة بالعملية العسكرية التي نفذت ضد عفرين في يناير العام 2018، تحت مُسمى “غصن الزيتون”.
ووفق ذات المصادر، بدأت تلك الخطوات منذ الأيام الأولى لسيطرة تركيا على المنطقة، من خلال استهداف أبرز معالمها التي عُرفت بها بعد العام 2011، وهو دوار “كاوا الحداد”، واجهة المدينة المُستقبلة للقادمين إلى المنطقة من الطريق الرئيسي القادم من حلب فإعزاز فعفرين، علماً أن الطريق قُطع منذ بدايات الحرب السورية، بحكم عمليات عسكرية كانت تشهدها مناطق ريف حلب الشمالي، بين قوات الحكومة السورية وقوات المعارضة التي كانت تُعرف بمُسمى “الجيش الحر” آنذاك.
في هذا التقرير الموجز، ترصد “سوريون” أربعة صور لمعالم وأوجه كُردية دمّرت أو تم تتريكها في عفرين، وهي (دوار كاوا ودوار نوروز وساحة السراي والمحال التجارية الكردية)، مستندة إلى مقابلات أجراها الباحثون من “سوريون” مع ثلاثة مصادر محلية في عفرين، كان أحدهم مقيماً حتى العام 2022 في عفرين، والآخران لا يزالان موجودان فيها، وشهادة واحدة في الباب تتطرق لتتريكها هي الأخرى، إذ أجريت جميع اللقاءات باستخدام تطبيق تواصل آمن، وأطلعت فيها المصادر على الطبيعة الطوعية للمقابلة، وطرق استخدام المعلومات التي شاركوها، ومن ضمنها نشر هذا التقرير، خلال أخذ موافقاتهم المستنيرة، لكن جميع الشهود طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم أو أي تفاصيل قد تدل عليها، خوفاً من أية عمليات انتقامية قد تطالهم، من قبل الفصائل المسيطرة على مناطقهم.
وخلال عمليات تغيير المعالم الكردية البارزة عن عفرين، لم يكن هناك ردة فعل من أهالي المنطقة، رغم الامتعاض الذي كان يُسيطر عليهم، بيد أنهم كانوا ولا يزالون عاجزين عن البوح عما يجول في خاطرهم، في ظل عمليات الاعتقال المتواصل التي تطالهم، بزعم وجود صلات بينهم وبين حزب العمال الكردستاني، الذي يُعتبر حجة يُبرر من خلاله اعتقال المدنيين الكُرد، في حال وجود أي إشارة إلى عدم رضاهم عن الحال المزرية التي يعيشونها.
من دوار كاوا الحداد إلى غصن الزيتون:
بدأ تغيير معالم عفرين، بعد أشهر قصيرة من السيطرة التركية عليها، وتمت عبر طرق مختلفة، هدفت إلى تغيير البنية الديموغرافية والثقافية للمنطقة، تضمنت تغيير أسماء الأماكن واستبدالها بأسماء تعكس الهوية التركية أو الإسلامية، بجانب تهجير السكان الأصليين واستبدالهم بنازحين من مناطق سورية أخرى، إضافة إلى تغيير البنية المجتمعية، عبر العمل على نشر التشدد الديني، والتي تؤدي بمجملها لمحو الهوية الكردية، وتحويلها إلى منطقة تطغى عليها المظاهر التركية والعربية أو الإسلامية على حساب هويتها الكردية.
وآخر المعالم التي تم ترسيخ استبدالها، كان في أيار/مايو الماضي، عبر نصب مُجسم لعدد من حبات الزيتون، كرمز لدوار غصن الزيتون، عوضاً عن تمثال كاوا الحداد، الذي كان قد دمر يوم الثامن عشر من مارس العام 2018، عبر وضع الأغلال في رقبته وجره بآلية تركس.
صورة لدوار “كاوا الحداد” بعد تحويله إلى دوار “غصن الزيتون”. المصدر: موقع كورد أون لاين.
وكاوا الحداد شخصية أسطورية رئيسية في عيد نوروز لدى الكُرد، ووفقًا للأساطير، كان كاوا حداداً ثار ضد الحاكم المستبد ضحاك، المعروف بـ”زوهاك” بالكُردية، وبعد هزيمة ضحاك، أشعل حريقاً ضخماً يمكن رؤيته من جميع أنحاء البلاد، ومنذ ذلك الحين، أصبح الكُرد يشعلون النيران ويحتفلون بهذا اليوم كعيد نوروز، في 21 مارس من كل عام.
يقول آلان سعيد[1] وهو محامي من سكان مدينة عفرين، لـ”سوريون” في تعقيبه على تغيير تلك المعالم بمنطقته:
“الكُرد مرتبطون بتلك الرموز التي تم تدميرها، وكانت المنطقة ُتعرف بها، قاموا بتدميرها ليس لأن لديهم خلافات مع الإدارة السابقة، بل كانت تلك حجة فقط حتى يدخلوا بها إلى عفرين، وخلافهم هو مع الكُرد ككل، وهو ما يفسر الوحشية التي جاءوا بها ودمروا تمثال كاوا الحداد، رغم أنه ليس ملكاً لحزب أو ممثلاً له، بل هو مرتبط بالشعب الكردي منذ القِدم، ويعرف به وبنوروز”.
إضافة إلى ذلك، تم تغيير مسمى “دوار نوروز” إلى دوار “صلاح الدين الأيوبي”، وهو قائد إسلامي تشير مصادر تاريخية إلى أصوله الكردية، وتغيير مسمى “ساحة السراي” التي كانت أمام مقر “المجلس التشريعي لمقاطعة عفرين“، إلى مسمى ساحة “الرئيس رجب طيب أردوغان“، علماً أن الاسماء الكردية أطلقت على معالم عفرين عَقب انسحاب المؤسسات الحكومية التابعة للمركز في دمشق منها، خلال العام 2011-2012، حيث استلمت إدارة المنطقة وحدات حماية الشعب YPG، إلى أن تشكلت الإدارة الذاتية بشكل رسمي في العام 2014.
وكما آلان، أشار ولات خلو[2] الذي يعيش كذلك في مركز مدينة عفرين، إلى تغيير المعالم التي كانت رمزاً لعفرين، بما فيها دوار كاوا ودوار نوروز، فقال:
“بالنسبة إلى المعالم داخل المدينة، فقد قاموا بتدمير أجزاء من دوار نوروز، وأطلقوا عليه مسمى دوار صلاح الدين، أما الدوار الموجود عند السراي الحكومي، فقد أطلق عليه اسم أردوغان، بينما قاموا في مكان دوار كاوا بإجراء تعديلات واسموه دوار غصن الزيتون”.
كان من اللافت أن مجموعة مسلّحة مثل فصيل “جيش الشرقية” والمعروف بانتهاكاته الواسعة لحقوق الإنسان في المنطقة، قام هو الآخر بإنشاء دوار وأسماه باسم السياسي الكردي الراحل “مشعل تمو” وذلك في محاولة “لتبييض” سجلها المرّوع لحقوق الإنسان.
صورة لساحة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”. المصدر: وسائل إعلام محلية سورية و vdc-nsy.
بجانب ذلك، تم استبدال أسماء الكثير من المحال التجارية في مركز عفرين، والتي كان معظمها يحمل أسماءً كردية، بأسماء أخرى تحمل غالباً مسميات المناطق التي ينحدر منها المهجرون الذين استولى عدد كبير منهم على تلك المَحال، في ظل عدم وجود أصحابها الأصليين وانعدام طرق شفافة لتحصيل وإعادة الحقوق، وحيالها يوضح آلان:
“الشارع الرئيسي من المحمودية، نزولاً إلى شارع المحكمة، وبالتوجه إلى شارع جنديرس والشارع الأساسي المتوجه إلى السرايا القديم، وكل الشوارع قد تم تبديل أسمائها، خاصة الشوارع التي تم فيها افتتاح المحلات من قبلهم، وكلها سميت بأسماء لا تحمل أي طابع كردي نهائياً، بل أصبحت عربية، كالغوطاني والحمصي والحموي وغيرها من الأسماء”.
وحيال ذلك، قال ولات:
“بالنسبة إلى المحلات التي افتتحها الغرباء القادمون إلى عفرين، فقد افتتحوا محال أهالي عفرين المُهجرين، عقب أن قاموا بالاستيلاء عليها، وجعلوها محلات للمواد الغذائية والألبسة والمطاعم، كلها بتسميات لأحياء دمشق، كالغوطة وجرمانة وغيرها، لدرجة أننا بتنا نشعر بأننا موجودون في دمشق”.
ولدى أهالي عفرين بالداخل، يقين حول الغاية من إنهاء المعالم الكردية عن مدينتهم، والمصاحب بتغيير ديموغرافيتها، ويوضّح حولها ولات قائلاً:
“الهدف من تغيير معالم عفرين، هو التغيير الديموغرافي الكامل، والتغيير الثقافي حتى الوصول إلى مرحلة يقال فيها بأن عفرين ليست منطقة كُردية، فعندما تتغير كل معالمها وتصبح معالم بأسماء دمشق، ويضحى غالبية سكانها بنسبة 70% من الغرباء، لن نكون قادرين على القول بأن عفرين كردية، وبالتالي فإن الهدف هو محو الهوية الكُردية لعفرين”.
ولا يمكن لأهالي عفرين إبداء المقاومة لا لتغيير معالم مدينتهم، ولا للتغيير الديموغرافي، الحاصل في الوقت الراهن، كونهم معرضون للاعتقال على أهون سبب، لمجرد أن يُشك بأحدهم من قبل مسلحي فصائل المعارضة السورية الموالية لتركيا، وحيال ذلك، لفت شيار عيسى[3] إلى ذلك بالقول:
“الكُرد كالأسرى، معرضون لسرقة بيوتهم أو خطفهم من أجل الحصول على فدى مالية، والتُهم جاهزة بشهادة شخص يدعى رامي طلاس، كان قد ترأس جهاز الشرطة المدنية في فترة زمنية سابقة، حيث تصادف وجودي معه في أحد الأماكن بعفرين، وقال لنا حينها بأنهم يمتلكون أوامر باعتقال أي شخص كردي تعامل مع الإدارة الذاتية السابقة، وممارسة كل ما يطيب لنا به، من سجنٍ وتعذيب وتحصيل فدية، وحتى مَن لم يكن لك أي علاقة معها، يمكن اعتقاله لأنه كردي، عبر تلفيق تهمة له والاستيلاء على محله، أو سجنه أو حتى قتله تحت التعذيب”.
التتريك بالباب في “درع الفرات”:
ولا يتوقف الأمر على تغيير المعالم الكردية في عفرين، بل يتواصل على شكل تتريك في باقي المدن حتى تلك ذات الغالبية العربية، الخاضعة لسيطرة فصائل “الجيش الوطني السوري”، وهو الحال مثلاً مع مدينة الباب، التي يجري فيها استبدال أسماء رموز عربية (شخصيات) بأخرى تركية، إضافة إلى رفع الأعلام التركية فوق المؤسسات والدوائر العامة.
صورة تُظهر وفد الائتلاف الوطني السوري المعارض خلال زيارة المجلس المحلي في مدينة إعزاز 16 آب/أغسطس 2023، وتُظهر وضع العلم التركي على اللوحة التعريفية للمجلس المحلي ضمن الأراضي السورية. المصدر: موقع الائتلاف المعارض.
صورة تُظهر وضع الأعلام التركية على اللوحة التعريفية لمؤسسة تعلمية في الشمال السوري. مصدر الصورة: مركز اعزاز الإعلامي.
صورة تُظهر افتتاح “الثانوية الصناعية” في مدينة الباب بحضور معاون مدير تربية غازي عنتاب التركية. ويظهر العلم التركي على اللوحة التعريفية للثانوية. مصدر الصورة: المجلس المحلي لمدينة الباب.
وكان من ضمن الحوادث التي جرت في مدينة الباب، هو استبدال اسم عربي لمدرسة بآخر تركي، حيث تمّ تغيير مسمى مدرسة “آمنة بنت وهب” في تموز/يوليو العام 2023 إلى “دوران كسكين” ما دفع شاباً في المدينة، يدعى “خليل أبو شيخو” لمواجهة الأمر، حيث قام بإزالة اسم ضابط تركي تم وضعه بدلاً من الاسم السابق للمدرسة، لكن ذلك لم يمر دون عواقب، حيث تم اعتقاله بعد شكوى تقدم بها المجلس المحلي في المدينة ضده.
بالصدد، بيّن رامي شفيق[4] وهو شاب ينحدر من مدينة الباب، وكان مطلعاً على حيثيات اعتقال “خليل أبو شيخو”:
“فوجئنا بتغيير اسم المدرسة من قبل المجلس المحلي للمدينة بأمر من الوالي التركي، حيث لا يستطيع المجلس أن يتصرف دون إدارته، إذ تم تغيير اسم المدرسة من آمنة بنت وهب إلى اسم قتيل تركي على الأراضي السورية، يدعى “دوران كسكين”.
صورة تُظهر مدخل مدرسة “آمنة بنت وهب” بعد إزالة الاسم التركي (الذي تم إعادته لاحقاً وتثبيته). مصدر الصورة: المرصد السوري
وذكر رامي بأنه في الوقت الذي جرى فيه استبدال اسم المدرسة بمدينة الباب، كان يجري إزالة الكتابات العربية من على واجهات المحال التجارية السورية في الداخل التركي، مؤكداً:
“بدأ التحقيق مع خليل أبو شيخو، بشكل مباشر فيما كان الوالي التركي على الخط مع المحققين، حيث جرى السؤال منه عن الجهة التي تلقى منها الدعم كي يقوم بذلك التصرف، وإن كان قد مزق الاسم رداً على إزالة اللافتات العربية في تركيا، حيث رد خليل بالنفي، معتبراً أن الأرض سورية وليست تركية، لافتاً إلى أن السبب لكونهم أزالوا اسم والدة الرسول (ص) عن المدرسة”.
وبعد إبقاء الاسم التركي الجديد على المدرسة، تم في اليوم التالي للاعتقال، الإفراج عن الناشط “خليل أبو شيخو”، نتيجة الرفض الشعبي الواسع لعملية اعتقاله، إذ كان قيام المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة “الجيش الوطني”، بتغيير بعض أسماء المدارس، مثيراً للجدل بشكل واسع، عبر تبديل الأسماء من أسماء ذات دلالة تاريخية ودينية ومحلية باللغة العربية، إلى أخرى تركية من بينها أسماء لقتلى الجيش التركي.
هذا وأصدرت “نقابة المعلمين السوريين الأحرار“، بياناً عقب تغيير اسم المدرسة في الباب، أدانت خلاله إعادة تسمية المدارس، وقالت إنه “عمل لا يخلو من الاستفزاز وينم عن جهل وعدم إدراك للواقع وعدم احترام الرموز الدينية والتاريخية”، معتبرةً أن ذلك يشير إلى “عدم احترام لثورة ولشعب قدم أكثر من مليون شهيد ومئات الآلاف من المعتقلين والمصابين والملايين من المهجرين”، حيث قامت مديرية تربية الباب وبزاعة بتغيير أسماء مدارس موجودة منذ عشرات السنين.
صورة تُظهر مدخل مدرسة “آمنة بنت وهب” التي تم تغيير اسمها إلى “دوران كسكين” في مدينة الباب. المصدر: نشطاء محليون.
رأي وتحليل قانوني:
إن السياسات التمييزية التي تتتبعها سلطات الأمر الواقع المسيطَر عليها فعلياً من قبل تركيا، لا تختلف كثيراً عن تلك التي انتهجها حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا طوال العقود الماضية، وإذا كانت الحكومة السورية قد اتبعت سياسة التعريب كجزء من ممارساتها الاقصائية ضد المكونات الأخرى وبالأخص المكون الكردي،[5] فإن سلطات الأمر الواقع في مناطق النفوذ التركي تتبع سياستي التتريك والتعريب معاً، كتغيير أسماء الساحات العامة والمدارس إلى أسماء عربية أو تركية لا تمت للهوية السورية بصلة، وفقاً لما تم سرده في هذا التقرير.
ومثل هذه السياسات تعتبر تعدياً على التنوع الثقافي والعرقي واللغوي والديني الذي تتميز به سوريا، هذا التنوع الذي كفل الدستور السوري حمايته باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية لسوريا،[6]كما إنها تتعارض مع مبدأ المساواة بين جميع المواطنين السوريين الذي تم التأكيد عليه في الدساتير السورية المتعاقبة، ومنها دستور عام 1950 الذي تدعي الحكومة المؤقتة التزامها بمضمونه، لأنه “ممثل الثورة” وفق ما ورد على لسان وزير العدل في الحكومة السورية المؤقتة.[7]
ومن الواضح إن السياسات الاقصائية التي تمارسها الحكومة التركية على الأراضي السورية عبر الفصائل العسكرية والمجالس المحلية التابعة للحكومة السورية المؤقتة تهدف ــ وفق ما ورد على لسان مصادر هذا التقريرــ إلى طمس الهوية الكردية للمناطق التي تتم فيها هذه الممارسات، وهذا الأمر يتعارض مع ما تم النص عليه في المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 التي أكدت على عدم جواز حرمان الأشخاص المنتمون لأقليات من حق التمتع بثقافتهم الخاصة، كما ويتعارض مع ما تم النص عليه في المادة الأولى من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية أو إلى أقليات دينية ولغوية لعام 1992، التي أكدت على وجوب حماية وجود الأقليات وهويتها القومية أو الإثنية، وهويتها الثقافية والدينية واللغوية، وضرورة تهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية.
وفي هذا السياق، أكد المقرر الخاص المعني بقضايا الأقليات على أن حماية وتعزيز هويات الأقليات على النحو المنصوص عليه في المادة الأولى من إعلان الأمم المتحدة المذكور آنفاً، ليس مطلوباً فقط لصالح الأشخاص المنتمين إلى أقلية، وإنما أيضاً لصالح المجتمع بأسره، وبالتالي فالاعتراف بهويات الأقليات وحمايتها وتعزيزها ليس مسألة تقتصر فائدتها على الأشخاص المنتمين إلى مجموعات الأقليات فحسب، بل تشكل مساهمة كبيرة في تكوين هوية وطنية متنوعة ونابضة بالحياة، وأكثر استقراراً.[8]
[1] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 27 أيار/أمايو 2024.
[2] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 29 أيار/مايو 2024.
[3] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 11 حزيران/يونيو 2024.
[4] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 16 حزيران/يونيو 2024.
[5] للمزيد يرجى الاطلاع على تقرير صادر منظمة سوريون من اجل الحقيقة والعدالة بعنوان “التمييز القائم على أساس الأصل القومي في الدستور السوري”، متوفر على الرابط التالي:
[6] المادة 9 من دستور سوريا لعام 2012.
[7] ثلاثة أنظمة قضائية في الشمال السوري.. ما مدى شرعيتها ونزاهتها – عنب بلدي (enabbaladi.net)