خلال السنوات الأخيرة القليلة، خرّبت أطراف النزاع السوري ودمرت العديد من المقابر والمواقع التاريخية والتحف الدينية. واستمرت أطراف النزاع في بعض الحالات بممارسة العنف من أجل الانتقام. وفي حالات أخرى مثيرة للقلق قاموا بتدنيس المواقع الثقافية لأسباب دينية وأيديولوجية. و تقدمت المنظمات السوريّة التالية: المركز السوري للعدالة والمسائلة، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بيل – PÊL الأمواج المدنية، رابطة “ تآزر – Hevdestî” شكوى لمقرري الأمم المتحدة الخاصين المعنيين بحرية الدين والمعتقد وحقوق الشعوب الأصلية ومجال الحقوق الثقافية حول تدمير القبور والمقابر من قبل أطراف متعددة في النزاع السوري. وقدمت المنظمة في تقاريرها تفاصيل حول 12 حادث منفصل تضمنت تدمير وتدنيس المقابر والمواقع التاريخية والتحف الدينية.
وفي القضايا التي سلطت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الضوء عليها في تقاريرها، تم تدنيس القبور والأضرحة بشكل متعمد بدافع الانتقام عن طريق إحراق هذه المواقع وتخريبها وسرقة محتوياتها. كما تم طمس معالم بعض المقابر بشكل كلي عندما دمرها الجناة بالجرافات، محولين هذه المواقع إما إلى أسواق لبيع المواشي أو مواقع عسكرية. وهناك ثلاثة أطراف رئيسية مسؤولة عن حالات التخريب هذه: القوات النظامية السورية، القوات التركية والمجموعات العسكرية التابعة للمعارضة والمدعومة من قبل الجيش الوطني السوري وكذلك الحزب الإسلامي التركستاني.
ففي عام 2020، على سبيل المثال خربت القوات النظامية السورية والميليشيات التابعة لها ضريح الخليفة “عمر بن عبد العزيز” في ريف إدلب. وفي حوادث أخرى، خربت القوات النظامية السورية وسحقت وأحرقت شواهد القبور والقبور التي تعود لمدنيين وأفراد مليشيات مؤيدة لقوى المعارضة. وكذلك خربت القوى المدعومة من قبل تركيا القبور والشواهد في شمال شرقي وشمال غربي سوريا. لا سيما أن القوات التركية دمرت مقبرة “الشهيدة أفيستا خابور” الواقعة في قرية “كفرشيل” بمنطقة عفرين بالجرافات وحولتها لسوق لبيع المواشي عام 2018.
وقامت مجموعات مرتبطة أو محمية بالجيش الوطني السوري المدعوم من قبل تركيا باقتحام وسرقة العديد من المزارات في منطقة عفرين أثناء بحثها عن التحف، ومن أهم المزارات التي تعرضت للاعتداء، تحديداً في شهر آب عام 2018، هو مزار “حنان” الواقع في قرية “مشعلة” في منطقة عفرين حيث يضم هذا المزار مقبرة لرمز كردي معروف، يدعى “نوري ديرسمي” بالإضافة إلى قبور شخصيات كردية أخرى. وفي أيار/مايو 2020، تم الاعتداء في حادث مماثل على مزار أيزيدي في قرية “قيبار” بريف عفرين يدعى “جيل خانه” حيث يعتبر هذا المعبد بمثابة مزار تقصده العديد من العائلات بهدف “التبرّك والتصوف والعبادة”.
وليست الحوادث المؤكدة في تقاريرنا الوحيدة التي اعتدت فيها القوات المدعومة من تركيا على المقابر ودمرت المزارات. فعند السيطرة على عفرين بعد أسبوع من المعارك الطاحنة ضد وحدات حماية الشعب في الإدارة الذاتية ضمن عملية “غصن الزيتون”، دهست القوات التركية قسماً كبيراً من “المقبرة الفوقانية” في قرية “سنارة” التابعة لناحية “الشيخ حديد” في ريف مدينة عفرين، حيث تم تدمير مزارها الأثري المسمّى “علي داده”.
وتظهر الحالات التي وثقتها تقارير المنظمة بأن أطراف النزاع السوري على اختلافها دمرت أماكن العبادة وبذلك ارتكبت انتهاكات بحق حقوق الإنسان الخاصة بمجموعات السكان الأصلية. ففي حالات عديدة، كانت المواقع المخربة ذات أهمية ثقافية في حياة المجتمع المحلي وللسياحة وأساسية في تاريخ المنطقة. ويعتبر الاعتداء الممنهج على أماكن العبادة الخاصة بمجموعات السكان الأصلية انتهاكاً لحقوقهم المعلن عنها في الإعلان الخاص بحقوق الشعوب الأصلية. كما أنه ينتهك الحرية الدينية التي تحميها المادة رقم 18 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة رقم 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك الإعلان المتعلق بالقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد.
وهكذا تحض كل من منظمات “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” و”المركز السوري للعدالة والمساءلة” و”منظمة بيل – الأمواج المدنية” و”رابطة تآزر” مقرري الأمم المتحدة الخاصين لتذكير كل من تركيا وسوريا بالتزامات القوى الخاضعة لسيطرتهما في ضوء قانون حقوق الإنسان فيما يخص الحقوق الدينية والثقافية وكذلك حقوق الشعوب الأصلية. وكذلك تدعو المنظمات المقررين الخاصين إلى توثيق انتهاكات الحقوق الدينية والثقافية التي يرتكبها جميع الأطراف كجزء من النزاع القائم في سوريا، ووجوب تنفيذ تحقيق من خلال زيارات للمناطق المعنية من أجل القيام ببحث وعمل ميداني. وأخيراً تناشد المنظمات الأربع مقرري الأمم المتحدة الخاصين لمشاركة منظمات المجتمع المدني السورية في عملها من خلال تقديم التدريب والتعاون مع هذه المنظمات لتمكينها وضمان امتلاكها الأدوات والمقدرة على توثيق تلك الانتهاكات.