1. مقدمة:
حق الملكية واحدٌ من الحقوق الأساسية المصانة في دساتير وقوانين دول العالم التي تسعى لحماية هذا الحق بمختلف التشريعات.[1] إلا أن الحروب والنزاعات المسلّحة والكوارث قد تتسبب في انتهاك هذا الحق، ويرجع ذلك للدمار الذي قد يلحق بالأملاك العامة والخاصة، أو نتيجة ضياع أو تلف الأوراق الثبوتية التي تحمي تلك الحقوق بسبب الهجرة والنزوح والاعتداء على الدوائر الرسمية التي توثق الملكيات، بالإضافة إلى ازدياد مستوى العنف الذي قد يؤثر سلباً على المنظومة الحقوقية والقانونية في البلاد ويُضعف سيادة القانون على المعتدين على حقوق المواطنين/ات.
هذا وتنصّ المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي على وجوب “حماية ما يملكه، وما يحوزه الأشخاص النازحون داخلياً ويتركونه خلفهم، من التدمير، أو الاستيلاء، أو الاحتلال، أو الاستخدام التعسفي وغير الشرعي”.[2]
وبسبب الحرب المدمرة التي ما زالت تشهدها سوريا منذ عام 2011، ونتيجة تضرر دوائر السجل العقاري والوثائق العقارية، فقد أصدر الرئيس السوري بشار الأسد في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 القانون رقم 33 الناظم لإعادة تكوين الوثيقة العقارية المفقودة أو التالفة جزئياً أو كلياً، ما أتاح فرصة إعادة إنشاء الوثائق العقارية المتضّررة عن طريق إجرائين إداري أو قضائي.[3]
الوثائق العقارية: يُقصد بها جميع الوثائق المضمَّنة في السجل العقاري لكل عقار، وهي دفتر الأملاك والوثائق المتممة (دفتر اليومية ومحاضر التحديد والتحرير وخرائط المساحة والرسوم المصورة بواسطة الطيارات وورسوم المسح والأوراق المثبتة).[4] أما الصحيفة العقارية: فهي سند التمليك أو ما يسمّى بالطابو الأخضر، ويُعطى لكل مالك نسخة عن الصحيفة العقارية لعقاره، وتعدّ أقوى أنواع وثائق الملكية، وتتضمن الصحيفة العقارية رقم العقار واسم المنطقة التي يقع فيها ومساحته ووصفه ونوعه الشرعي واسم المالك وحصته، وجميع الحقوق المترتبة له وعليه، وتكون الصحائف العقارية لعقارات كل منطقة عقارية مجموعة في سجل يسمى بسجل الملكية[5]. ويكون لكل عقار صحيفة عقارية واحدة (سند تمليك واحد)، ومجموعة من الوثائق العقارية. |
منح الإجراء الإداري المصالح العقارية الحقّ بإعادة تكوين الصحيفة العقاريّة التالفة بشكل إداري إذا توفرت لديها الوثائق الكافية لذلك.[6] بينما تجري إعادة التكوين بشكل قضائي في حال الاعتراض على أعمال إعادة التكوين بالطريقة الإدارية، أو في حال عدم وجود وثائق ثبوتية كافية.
تتم حينها أعمال إعادة التكوين بواسطة القضاء العقاري، ويعتبر عندئذ العنصر المعاد تكوينه مؤقتاً، وتعتبر جميع القيود المدونة عليه مؤقتة أيضاً، وتبقى بهذه الصفة حتى يتم تثبيتها.[7] لذا يتوجب على الموظف أن يشير في كل نسخة إلى أنها مؤقتة وأن المعلومات التي تحتويها مؤقتة أيضاً.
ينظر القضاء العقاري (القضاة العقاريون) في الخلافات الناجمة عن أعمال التحديد والتحرير،[8] كما كانت لجان إزالة الشيوع (المرتبطة إداريا بالمديرية العامة للمصالح العقارية) تنظر في دعاوي إزالة الشيوع بالنسبة للعقارات الواقعة خارج المخطط التنظيمي للوحدة الإدارية حتى عام 2014. لكن بعد صدور القانون رقم 1 لعام 2014، عاد اختصاص النظر في دعاوى إزالة الشيوع إلى القضاء المدني العادي، سواء كان العقار موضوع الدعوى داخل المخطط التنظيمي أم خارجه. ويتبع القضاء العقاري للمديرية العامة للمصالح العقارية، بينما يخضع القضاء العادي لمجلس القضاء الأعلى. ويتم تعيين قضاة القضاء العادي بمرسوم من قبل رئيس الجمهورية بصفته رئيس مجلس القضاء الأعلى، بينما يتم تعيين القضاة العقاريين بقرار من وزير العدل بناء على اقتراح من قبل المدير العام للمصالح العقارية. |
2. مراحل إعادة تكوين الوثيقة العقارية التالفة قضائياً:
يباشر القاضي العقاري إعادة تكوين العنصر المفقود أو التالف عند استلامه قوائم الوثائق التي تساعد على إعادة تكوين الوثائق العقارية قضائياً.[9] ولا بدّ قبل ذلك من إعلان جدول بهذه الوثائق والملكيات المطلوب إعادة تكوينها، ليتمكّن أصحابها من أخذ العلم بالفقدان أو التلف.[10] وعليه يتخذ القاضي العقاري في معرض هذه العملية عدداً من القرارات الهامّة:
أ – قراراً إعدادياً[11] يبين فيه ماهية الوثيقة العقارية المفقودة أو التالفة، والأجزاء والعناصر المطلوب إعادة تكوينها، ورقم ومنطقة العقار، مع كامل المعلومات التي تسهّل على أصحاب العلاقة معرفة العقار المقصود وعلاقتهم به، ويفسح المجال لهؤلاء لتقديم الوثائق المؤيدة للحقوق العينية المدونة في الوثيقة العقارية المتضرّرة خلال مدة ستة أشهر من تاريخ نشر القرار الإعدادي في الجريدة الرسمية وفي صحيفتين محليتين.[12]
ترى “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أنه ولصالح المواطن، من الأفضل أن يتمّ النشر في مديرية المصالح العقارية وفي جميع المراكز التابعة للمديرية، كما في مراكز المحافظة أو المنطقة أو البلديّة، وتبليغه كذلك للمختار، بالإضافة للجريدة الرسميّة والجرائد المحليّة حتى يتم التّأكد من حصول العلم بشكل شبه قطعي. كما تلفت “سوريون” إلى أهمية مواكبة التطور التكنولوجي وإحداث موقع إلكتروني للمديرية العامة للمصالح العقارية، يتم فيه نشر جميع القوانين والقرارات والتعليمات التنفيذية ذات الصلة بالملكيات العقارية -ومنها هذا القانون رقم 33- والنص على الإعلان عن البدء بأعمال إعادة التكوين على الموقع الالكتروني بالاضافة إلى الوسائل الأخرى المذكورة آنفاً. |
ب- يصدر القاضي العقاري قرارات تثبيت الوثائق العقارية الأولية غير المعترض عليها فور انتهاء مدة الاعتراض وتكون هذه القرارات قطعية.[13]
ج- يصدر القاضي قرارات بتثبيت الوثائق العقارية المطلوب إعادة تكوينها بعد البت بالاعتراضات.[14]
2.1 الاعتراضات:
أوجب المشرع على المعترض أنْ يدعم طلب الاعتراض بالوثائق التي تؤيّد ادّعاءه، وعندئذ يتمّ النظر بالطلب في غرفة المذاكرة[15] ويُصدر القاضي قراره خلال مدة أقصاها شهرين بعد انتهاء مدة الاعتراض.[16]
فإذا استحال على المعترض تقديم ما يثبت مطالبه، أو لم يكن يملك ما يُثبتها، هنا فقط تُعيّن له جلسة علنية لدراسة الاعتراض، ويتوجب عليه حضورها بنفسه أو بواسطة وكيله القانوني، تحت طائلة ترقين الاعتراض.
ترى منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أنّ الوثائق المعترض عليها تعني وجود نزاع على الحق سواء كان لدى الأطراف ما يؤيّد ادعائهم أم لا، وبالتالي يجب أن تدرس الاعتراضات في جلسة علنية بحضور الأطراف المتنازعة، يصدر على أثرها القاضي قراراً بتثبيتها. |
كما تؤمن “سوريون” بأن قواعد العدالة والإنصاف تفرض عقد جلسة إعادة التكوين وفق الأصول المتبعة في التقاضي أمام القضاء العقاري، حيث عادة يُشرع القاضي بالإعلان عن محتويات العقار والقيود والطلبات المتعلقة به، ويترك للحاضرين تقديم ما لديهم من معلومات أو مطالب، ويعتبر توقيعهم على المحضر في ختام الجلسة بمثابة تبليغ، وبانتهاء الجلسات والمناقشات يحدد القاضي هوية العقار وحدوده والحقوق التي تثقله، فيكون قراره هذا قابلاً للطعن وفق طرق الطعن المحددة أيضاً في القضايا العقارية.
2.2 الاستئناف:
جاء في المادة 8(ز) أنه “تصدر قرارات تثبيت الوثائق العقارية المطلوب إعادة تكوينها بعد البت بالاعتراضات وتعلن هذه القرارات في مقر القاضي العقاري لمدة خمسة عشر يوماً وتنشر في الجريدة الرسمية وفي إحدى الصحف الرسمية وتعد بمثابة تبليغ شخصي وتكون قابلة للاستئناف أمام محكمة الاستئناف المدنية خلال هذه المدة من اليوم الذي يلي تاريخ نشرها”.
تطرح هذه المادة احتمالين، الأول أن تنقضي المدة دون استئناف القرار، مما يعني أن ينفّذ القرار فوراً بواسطة القاضي، بتدوينه على الصحيفة العقارية التي تم إعادة تكوينها. وتعتبر عندئذ المستند الجديد والنهائي عوضاً عن التالف أو المفقود في جميع المعاملات والأوراق المتعلقة بالعقار.
والاحتمال الثاني هو أن يتمّ استئناف هذا القرار، وبحسب اللائحة التنفيذيّة فإن استئناف قرارات القاضي العقاري بإعادة تكوين الوثيقة العقارية المتضررة لا يوقف قيدها في السجل، ولا يوقف الحقوق العينية اللاحقة عليها،[17] ويجب أن يدوّن الاستئناف في الجزء المخصص له من الصحيفة مع شروحاته كافة.[18]
هذا يعني أن قرار القاضي العقاري ينفّذ تنفيذاً مؤقتاً، وفقط بعد انقضاء مهلة الاستئناف، وعندما تصدر محكمة الاستئناف حكمها، يغدو هذا القرار مبرماً.[19]
ولا بد من ملاحظة أنه ورغم القوة الثبوتية التي أعطاها المشرع لقيود السّجل (إذ لا يمكن أن تكون عرضة لأي دعوى كانت بعد انقضاء مدة سنتين ابتداءاً من التاريخ الذي يصبح فيه قرار المصادقة وقرارات القاضي الفرد العقاري قابلة للتنفيذ)،[20] فقد سمح القانون رقم 33 لعام 2017 لكل من يدّعي حق مسجل المطالبة به بالادعاء أمام المحاكم المدنية خلال خمس سنوات، تبدأ من تاريخ اكتساب القرار الدرجة القطعيّة، وينتهي بنهايتها الحق بأي ادعاء وتسقط الإشارة المسجلة على السجل حكماً، ويبقى للمتضرر فقط حق المطالبة بالتعويض المادي وذلك خلال خمس عشر سنة.[21]
3. الإشكاليات المتعلقة بترميم الوثائق العقارية قضائياً:
3.1 الإشكالية الأولى: الكوادر القضائية واستقلالها:
يعاني الجسم القضائي من نقص عدد القضاة وعدد الموظفين في العدليات، وعدم تجهيز المحاكم بشكل مناسب لممارسة العمل القضائي بالسرعة اللازمة، لذلك من الضروري تجهيز السلطة القضائية بالكوادر الكافية لمتابعة دعاوى إعادة التكوين القضائية.
كما نجد من الضروري ضمان استقلال القضاة ونزاهتهم، وعدم تدخل السلطة التنفيذية في أعمالهم، لما في ذلك من تأثير كبير ليس على عمليات إعادة تكوين الوثائق العقارية فقط، بل على إعادة بناء الثقة بالقضاء وبوجود رغبة حقيقية في كفالة وضمان حقوق المواطنين.
3.2 الإشكالية الثانية: مراعاة حقوق الغائبين والمهجرين والفئات المهمشة:
اشتراط اقتران الاعتراض على عملية إعادة التكوين بحضور صاحب المصلحة أو وكيله القانوني في حال عدم وجود الوثائق المؤيدة للحق قد يصطدم بالإجراءات المتبعة لتنظيم الوكالات في سوريا، حيث أنها متغيرة وغير ثابتة، فتارة يتم طلب سند إقامة للموكل وتارة موافقات لجهات معينة قد تعيق أصحاب الحقوق من الغائبين أو النازحين. كان من الواجب تخصيص موقع أو بريد إلكتروني للمحاكم لتسجيل الاعتراضات التي قد ترد على قرارات مديرية المصالح العقارية ليكون الوصول لها متاحاً من قبل الجميع.
كما تجدر الإشارة إلى أن القانون 33 لعام 2017، كغيره من القوانين الصادرة في سوريا، لم يحتوِ على إجراءات خاصة بالنساء وبالفئات المهمشة، والتي تتضاعف معوقات وصولها للحق بسبب عوامل مختلفة.
3.3 الإشكالية الثالثة: عدم استقرار الحقوق وعدم تثبيتها أصولاً:
قد يؤدي ترك باب الاعتراض مفتوحاً على مصراعيه إلى عرقلة استقرار الحقوق واحتمال التلاعب بها خاصة في ظل حالة الفوضى التي تعيشها سوريا والتي تفاقمت خلال النزاع.
الكثير من الملكيات غير موثقة في السجلات العقارية لأسباب عديدة منها اكتفاء الشخص بعقد البيع بينه وبين البائع وعدم تسجيله أصولاً، أو عدم نقل الملكية لتجنب دفع ضريبة انتقال الأموال وغيرها من الضرائب. من أسباب عدم انتقال الملكيات وتوثيقها أيضاً الجهل بالقانون، كالاعتقاد أن الوكالة الخاصة بالبيع الغير قابلة للعزل تغني عن عملية نقل الملكية، وكذلك الأمر بالنسبة لقرارات المحكمة بنقل الملكية وتثبيت البيع، والحقيقة أن هذه الوثائق تحتاج لتنفيذ حتى يتم تسجيل الحق المضمون بها في السجلات العقارية.
لقد ازدادت بعد عام 2011 حالات عدم توثيق الحقوق لأن نقل الملكية وتسجيلها على اسم المشتري يحتاج إلى موافقات أمنية للبائع وللمشتري وللوكيل إن وجد، وهذا يعرقل في كثير من الأحيان عملية نقل الملكية وتسجيلها، حيث أن الموافقة الأمنية قد لا تمنح لأحد أطراف العقد لأسباب عديدة وغير محصورة قد يكون منها التهرب من خدمة العلم أو الخدمة الاحتياطية أو التهرب الضريبي أو كون الشخص مطلوب لجهة أمنية أو قضائية أو غيرها من الأسباب، بالإضافة إلى مشكلة انتشار العشوائيات وهي عقارات غير مفرزة وغير مسجلة بشكل دقيق بأسماء شاغليها، لذلك يصعب حصر الملكيات فيها.
3.4 الإشكالية الرابعة: الملكية الشائعة:
تشكل الملكية الشائعة[22] تحدياً أمام إثبات ملكية الأبنية المشادة عليها. والملكية الشائعة هي عبارة عن أراضٍ زراعية شيدت عليها أبنية سكنية بحيث يصبح لكل مالك عدد من الأسهم تثبت ملكيته لجزء من العقار المكون من 2400 سهم، لكن لكي يكون وضع تلك العقارات صحيحاً قانونياً يجب أن يتم فرز العقار وإزالة حالة الشيوع لتصبح كل حصة سهمية هي عبارة عن 2400 سهم كاملة، كما يجب أن تتم المصالحة على تلك العقارات لأن غالبيتها بنيت كما ذكرنا على أراضٍ زراعية وبدون رخص بناء.
تكثر هذه الظاهرة في سوريا بسبب عدم دخول الأراضي الزراعية المتاخمة للمدن ضمن الأراضي المحددة إدارياً، وبسبب تأخر تنفيذ المخططات التنظيمية للمدن، فيلجأ مالكو العقارات الزراعية تلك لإشادة أبنية مخالفة وبيعها كشقق سكنية كل منها عبارة عن بضعة أسهم. في حال بقيت تلك العقارات مملوكة على الشيوع بين أصحاب الحصص على أنها ملكية أسهم زراعية سيكون من الصعب إثبات ملكية الشقق المشادة على تلك الأرض الزراعية في حال تلف أو تضرر السجل العقاري، فالملكية هنا هي ملكية أمتار من أرض زراعية وليست ملكية لعقار سكني.
بالإضافة إلى أن الكثير من أصحاب تلك الشقق يكتفون بعقود بيع من مالك الأرض الزراعية أو المتعهد الذي بنى الشقق، وعقود البيع تلك غير موثقة، ولا تؤدي لنقل الملكية في السجل العقاري، وتحتاج لمعاملة لنقل ملكية الأسهم المضمونة بها، مع الأخذ بعين الاعتبار التكاليف الباهظة لإزالة الشيوع وإفراز العقارات، والتي تمنع الكثير من مالكي الحصص السهمية من إجراء معاملات نقل الملكية. تختلف تلك التكاليف بحسب وضع كل عقار ومساحته وعدد المالكين للحصص السهمية، لكن بالعموم دعوى إزالة الشيوع هي من الدعاوى طويلة الأمد في المحاكم وتزداد تكلفتها بسبب حاجتها لتبليغ وحضور كل المالكين على الشيوع، كما تحتاج لخبرة فنية للكشف على العقار وإزالة شيوعه، وتحتاج لتخمين مالي لتحديد الضريبة المترتبة على كل مالك، بالإضافة إلى رسوم المحاكم وأتعاب المحاماة ورسوم تصديق القرارات ورسوم انتقال الملكيات.
كل تلك الإجراءات والتكاليف أدت لتراخي المواطنين في فرز عقاراتهم وإزالة شيوعها، ويزداد الأمر سوءاً في حالة الأبنية المدمرة التي لم تعد موجودة أصلاً، ولم يتبقَ منها إلا الأرض الزراعية التي كان البناء عليها.
4. قصور القانون رقم 33 لعام 2017 بالنسبة للحقوق غير المسجلة:
تتجلى المشكلة الأكبر فيما يتعلق بالحقوق غير المسجلة في السجلات العقارية، حيث يمنع القانون رقم 33 القاضي العقاري من النظر في أي اعتراض على تكوين وثيقة بخصوص حق غير مسجل في السجل العقاري.
وقد ذكرنا آنفاً حالة الأرض الزراعية المشاد عليها أبنية وتأثير وضعها القانوني على إثبات ملكيتها، فتلك الحقوق بالإضافة إلى عقود البيع والوكالات الخاصة بالبيع الغير منفذة، جميعها تُعد حقوقاً غير مسجلة في السجل العقاري، بالتالي تحتاج لرفع دعاوى قضائية لإثبات صحة السندات المتعلقة بها كالوكالة الخاصة بالبيع أو عقد البيع لحصة سهمية.
وهنا يعود أمر الفصل في ذلك للقضاء العادي الذي إما أن يقرر صحة السند ويعطي القرار بنقل الملكية وتسجيلها في السجل العقاري، أو يرد الدعوى المرفوعة لإثبات الحق وبالتالي لا يمكن تسجيله.
لا بد أن نلفت الانتباه هنا إلى أن بعض المحاكم في سوريا أيضاً تعرضت للتدمير وإلى تلف الوثائق الموجودة فيها، وبسبب انتشار حالة البيع بواسطة وكالة خاصة صادرة عن الكاتب بالعدل، أصبح العديد من الناس لا يملكون أي توثيق لحقوقهم سوى صورة عن وكالة لا أصل لها في المحكمة، بالتالي يجب إيجاد آلية لترميم الوكالات القضائية الموثقة لدى كتاب العدل تجنباً لضياع الحقوق المضمونة فيها.
ومن أشكال الملكية الغير قانونية الأبنية المشادة على أراضٍ تعود ملكيتها للدولة، تلك الأبنية بيعت للناس بموجب عقود لكن لا يمكن تسجيلها لأنها أصلاً مملوكة للدولة. تنتشر هذه الحالة في العشوائيات الكبرى كمنطقة المزة 86 في دمشق على سبيل المثال لا الحصر، فقسم كبير من الملكيات هناك يوثقه وجود ساعة كهرباء أو ماء باسم حائز البناء فقط لا غير.
كما ترك القانون للقضاء العادي أمر البت بالحقوق غير المسجلة على أصل الوثيقة المطلوب إعادة تكوينها، والقضاء العادي يحتاج لوسائل إثبات، ولحضور أطراف الدعوى، كما أن تكاليفه مرتفعة لإثبات الحق، ويحتاج لوقت طويل لحسم الدعوى وتثبيت الملكية.
وهنا علينا النظر إلى مسألتين، تتمثل الأولى بمدى إمكانية إثبات ما إذا كان الحق مسجلاً أم لا، وهو أمر بسيط في حال وجود السجلات، أما في حال تلفها فلا يمكن الرجوع لها للتأكد من وجود الحق أو عدم وجوده، ويبقى أمام صاحب الحق طريق اللجوء للقضاء العادي ورفع دعوى قضائية لإثبات حقه. تتعلق المسألة الثانية بالحقوق الغير مثبتة كعقود البيع والوكالات الخاصة غير القابلة للعزل، والتي تفيد معنى البيع المنجز. وهنا على أصحاب تلك الحقوق اللجوء للقضاء لإثبات أن وثائقهم صحيحة، والحصول على قرارات لنقل الملكية وتوثيقها في السجلات العقارية، وقد ترك القانون 33 لعام 2017 للمحاكم العادية مسألة البت بتلك الحقوق غير المسجلة.
5. عدم استقلالية القضاء السوري:
لا يتمتع القضاء بمجمله في سوريا بالاستقلالية المطلوبة لممارسة المهام الملقاة على عاتقه، بسبب وجود أشخاص يعتبرون من ركائز السلطة التنفيذية في تركيبة الجهاز القضائي السوري، وقد يكون القرار الأول والأخير لهؤلاء في بعض الأحيان، فمجلس القضاء الأعلى يترأسه رئيس الجمهورية وينوب عنه وزير العدل.[23]
ترى “سوريون” بأن عدم استقلالية أو حيادية القضاة العقاريين يتجلى بشكلٍ أكثر وضوحاً إذا ما نظرنا إلى قانون القضاة العقاريين رقم 16 لعام 2014، حيث يتم تعيينهم بقرار من وزير العدل بناءاً على اقتراح من المدير العام للمصالح العقارية، ويرتبطون به إدارياً فيما يتعلق بممارستهم لعملهم. ويكون قرار نقل القضاة العقاريين أو عزلهم أو معاقبتهم بيد وزير العدل دون المرور بمجلس القضاء الأعلى، كونهم لا يتبعون أصلاً لهذا المجلس، بل هم من ملاك المديرية العامة للمصالح العقارية. هذا وتمنح الإجازات بأنواعها لهم من قبل المدير العام للمصالح العقارية، وفق أحكام نظام العاملين الأساسي في الدولة الصادر بالقانون رقم 50 لعام 2004 وتعديلاته،[24] أي لا يخضعون لقانون السلطة القضائية رقم 98 لعام 1961.
وبالتالي فإن عدم استقلالية هذا القضاء، الذي من مهمته إصدار القرارات المتعلقة بإعادة تكون الوثائق العقارية، يشكل خطراً ولا سيما على المهجّرين، لإمكانية استخدامه من قبل الحكومة السورية للتضييق على المواطنين لتهديد حقوقهم المتعلقة بالملكية والسكن من خلال التلاعب بالوثائق المؤيدة لتلك الحقوق.
[1] ومنها الدستور السوري لعام 2012 والذي تنص المادة 15 منه على: 1- الملكية الخاصة من جماعية وفردية، مصانة وفق الأسس الآتية:
أ- المصادرة العامة في الأموال ممنوعة.
ب- لا تنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون.
ج- لا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم.
د- تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون لقاء تعويض عادل.
2- يجب أن يكون التعويض معادلاً للقيمة الحقيقية للملكية.
[2] المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي، المبدأ 21.
[3] المادة 3 (أ) من القانون رقم 33 لعام 2017.
[4] المادة رقم 1 من قانون السجل العقاري رقم 188 لعام 1926.
[5] المواد 1 و3 و4 من القرار رقم 189 لعام 1926 المسمى باللائحة التنفيذية لقانون السجل العقاري.
[6] “قراءة في القانون 33 لعام 2017 الناظم لإعادة تكوين الوثائق العقارية في سوريا”. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. نشر في 17 كانون الثاني/يناير 2023.
[7] المادة 8 (د،ز) من القانون رقم 33 لعام 2017.
[8] للمزيد من التفصيل راجع ورقة “سوريا: شرح مبسط لأبرز المصطلحات القانونية الخاصة بالملكيات العقارية”، والمنشورة على الرابط التالي:
[9] المادة 8 (أ) من القانون رقم 33 لعام 2017.
[10] المادة 8 (ب) من القانون رقم 33 لعام 2017.
[11] القرار الاعدادي هو القرار الذي تصدره المحكمة أثناء سير الدعوى، كإجراء خبرة فنية أو تكليف لأحد الخصوم بإبراز وثيقة ما أو دعوة شهود أو أي إجراء يستلزمه البت في الدعوى.
[12] المادة 8 (ج) من القانون رقم 33 لعام 2017.
[13] المادة 8 (د) من القانون رقم 33 لعام 2017.
[14] المادة 8 (ز) من القانون رقم 33 لعام 2017.
[15] القرارات التي تصدر بغرفة المذاكرة محددة حصراً بنص القانون، وهي وضع إشارة الدعوى وإلقاء الحجز الاحتياطي وإجراء الكشف المستعجل لوصف الحالة الراهنة. كذلك الأحكام الصادرة في غرفة المذاكرة تقبل الاعتراض ولا تقبل الطعن استئنافاً أو نقضاً بخلاف الأحكام الصادرة في قضاء الخصومة والتي تقبل الطعن استئنافاً ونقضاً حسب المحكمة التي أصدرتها.
[16] المادة 8 (هـ) من القانون رقم 33 لعام 2017.
[17] “وزارة الإدارة المحلية تصدر التعليمات التنفيذية لقانون إعادة تكوين الوثيقة العقارية“. موقع وزارة الإدارة المحلية والبيئة. نشر في 25 آذار/مارس 2018.
[18] المادة 8 (ح) من القانون رقم 33 لعام 2017.
[19] المادة 8 (ز) من القانون رقم 33 لعام 2017.
[20] المادة 17 من القرار رقم 188 لعام 1926 قانون السجل العقاري وتعديلاته.
[21] المادة 9 من القانون رقم 33 لعام 2017.
[22] عرفت المادة 780 من القانون المدني السوري الشيوع على أنه “إذا ملك إثنان أو أكثر شيئاً، غير مفرزة حصة كل منهم فيه، فهم شركاء على الشيوع. وتحسب الحصص متساوية إذا لم يقم دليل على غير ذلك”. ويُعتبر الشيوع صورة من صور الملكية يكون فيها الشيء مملوكاً لعدة أشخاص، دون تعيين مكان حصة كل منهم بالذات.
[23] “سوريا: حصانة نظرية للقضاة في ظل ضغوط السلطات التنفيذية والأجهزة الأمنية”. سوريون لأجل الحقيقة والعدالة. نشر في 28 تموز/يوليو 2022.
[24] المواد 1 و2 و4 و8 و9 من قانون القضاة العقاريين رقم 16 لعام 2014.