مقدمة:
بتاريخ 5 تموز/يوليو 2022، وزّعت الحكومة السورية (رئاسة مجلس الوزراء) نسخة عن “مشروع الصكّ التشريعي الموحد للنقابات المهنية”، والذي تمّ إعداده بحسب “الرئاسة” من قبل لجنة مشتركة (لم يتم الكشف عن ماهيتها والأعضاء الذين شاركوا فيها) أنشأت بموجب قرار حمل الرقم (1489) وصدر بتاريخ 5 أيلول/سبتمبر 2021.
وقد طلبت رئاسة الوزراء من “الأمين العام المساعد” في حزب البعث العربي الاشتراكي، بالاطلاع على المسودة وتعميمها على مختلف النقابات المهنية في سوريا (نقابة المحامين – الأطباء – الصيادلة ..إلخ). وتقديم الملاحظات خلال 5 أيام عمل.
وبتاريخ 7 تموز/يوليو 2022، تمّ توجيه كتاب رسمي من قبل رئيس مكتب المنظمات الشعبية والنقابات المهنية المركزي في حزب البعث العربي الاشتراكي (المهندسة هدى الحمصي) إلى نقابات تابعة لحزب البعث، من أجل الاطلاع على نسخة المشروع المذكور وإبداء الرأي خلال المدّة المحددة.
وقد تضمن بريد رئاسة الوزراء الأسباب الموجبة التي دفعت الحكومة السورية لإعداده، حيث بررت الحكومة السورية بأنّه و”نظراً لتطور عمل النقابات وأهمية العمل الذي تقوم به على نحو أصبحت رديفة للجهات العامة في تقديم الخدمات العامة للمواطنين الأمر الذي اقتضى” تأطير” عمل النقابات وتنظيمه وفق أحكام عامة موحدة.”
علاوة على ذلك، فقد ذكرت رئاسة مجلس الوزراء بأن الغرض من المشروع هو “توجيه عمل النقابات” بما يحقق المرونة والكفاءة في أداء عملها وإزالة التباين في الاحكام الناظمة لعمل كل النقابات مع الاخذ بالحسبان طبيعة كل مهنة وتوحيد مراجع الطعن(التظلم) بالقرارات الصادرة عن أجهزة النقابة ومجالس التأديب.”
الدستور السوري النافذ رقم 94 لعام 2012، يضمن نظرياً الحد الأدنى من “استقلالية النقابات”:
من الناحية النظرية، يعتبر الدستور في سوريا هو القانون الأعلى والأسمى في الدولة والمجتمع ولا يجوز لأي قانون (القواعد القانونية المحلية) أو مشروع قانون أو مسودة قانون (بأن يتعارض مع الدستور الحالي أو أي من أحكامه.
فمن المفترض أن تكون جميع القوانين والتشريعات أو مسودات القوانين متوائمة مع مواد الدستور النافذ روحاً ومضموناً.
وبناء عليه فقد ألزمت المادة (154) من الدستور النافذ لعام 2012، الدولة السورية بتعديل كافة التشريعات الصادرة والنافذة قبل إقرار ذلك الدستور بما يتوافق مع أحكامه على أن يتم التعديل خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية.
وعلى الرغم من الإشكاليات القانونية التي يحتويها الدستور الحالي، وبخاصة تلك المتعلقة بفصل السلطات وتكثيفها بحكم الواقع والقانون بيد السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية) على حساب السلطتين التشريعية والقضائية؛ إلا أنه تضمن بعض المبادئ الأساسية التي تسمح للنقابات المهنية باستقلالية هشة ومساحة محدودة بحيث يمكن للنقابات المهنية تمثيل الفئات امام الحكومة السورية.
فقد نصت المادة (10) الواردة ضمن الفصل الأول من الباب الأول منه تحت عنوان “المبادئ الأساسية”، والتي اعتبرت أنَّ مبدأ استقلالية النقابات المهنية هو أحد المبادئ الدستورية الأساسية التي تقوم عليها الجمهورية العربية السورية، وذلك بقولها الواضح والصريح:
“المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات، هيئات تضم المواطنين من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أعضائها، وتضمن الدولة استقلالها وممارسة رقابتها الشعبية ومشاركتها في مختلف القطاعات والمجالس المحددة في القوانين، وذلك في المجالات التي تحقق أهدافها، ووفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون.”
من الناحية القانونية، يعتبر هذا النص الدستوري خطوة متقدمة في إعطاء النقابات المهنية هامش من الحرية بحيث يمكن الاستناد عليها ومحاججة السلطات التنفيذية وأجهزتها في حال تدخلت في اعمالها، وهذا النص كان على عكس المادة (9) من الدستور السوري السابق الصادر في العام 1973 التي اكتفت بالقول:
” المنظمات الشعبية والجمعيات التعاونية تنظيمات تضم قوى الشعب العاملة من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أفرادها.”
وبهذا فقد تميّز النصّ الدستوري الجديد الوارد ضمن المادة العاشرة من الدستور الصادر في العام 2012، النافذ حالياً عن النصوص السابقة، بأنه قد أقرَّ استقلالية النقابات ومنحها الحَقّ في الرقابة الشعبية بلّ وألزم الدولة بضمان ذلك، مما يؤكد ويجزم بأنه وسنداً للنص الجديد الوارد ذكره آنفاً، فإن كافة النِقابات وكمبدأ دستوري أساسي ورد ضمن المبادئ الدستورية الأساسية الأخرى التي تقوم عليها الدولة السورية تتمتع بالاستقلالية والحَقّ في الرقابة الشعبية دون أية تابعية.
لقراءة التقرير كاملاً وبصيغة ملف PDF يرجى الضغط هنا.