Home صحافة حقوق الإنسان سوريا: مرسوما تنظيم التعامل بغير الليرة السورية والصرافة: المتهم مُدان حتى تثبت براءته

سوريا: مرسوما تنظيم التعامل بغير الليرة السورية والصرافة: المتهم مُدان حتى تثبت براءته

يمنع المرسومان الجديدان إخلاء سبيل المتهمين خلال التحقيق و المحاكمة ويفرض عقوبات مشددة للمحكوم عليهم مع صلاحيات استثنائية لموظفي المصرف المركزي

by communication
287 views تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع
إحدى محلات الصرافة في العاصمة السورية دمشق - صفحات محلية

بداية العام الجاري، وتحديداً في 20 كانون الثاني/يناير 2024، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد المرسومين التشريعيين رقم 5 و 6 لعام 2024، اللذين تناولا مسألة “منع التعامل بغير الليرة السورية”، و”مزاولة الصرافة دون ترخيص، ونقل أو تحويل العملات الأجنبية خارج سوريا”. جاء هذان المرسومان في محاولة للتحكم بكافة تعاملات القطع الأجنبي في سوريا ولزيادة دخل الخزينة العامة وضبط سعر الصرف الذي ما زال في ارتفاع مستمر رغم صدور العديد من القوانين (آخرها المرسومان موضوع الورقة) التي تشدد العقوبات بشكل غير مسبوق على كل من ثبت تعامله بالقطع الأجنبي مهما كان المبلغ بسيطاً وبغض النظر عن سبب أو غاية هذا الفعل.

في ذات الوقت، يرى مدير الشؤون القانونية في مصرف سوريا المركزي، مجدي أبو الفخر، أن المرسومين ضرورة ملحة “للحفاظ على السيادة الوطنية” لأن المرحلة “الانتقالية” التي تشهدها سوريا حالياً تتطلب تشديد الإجراءات عبر “الملاحقة”. وبحسب أبو الفخر فإن عمل الشركات غير المرخصة التي تقوم بتحويل القطع الأجنبي “يقيم شبهات بجرم غسل الأموال وتمويل الإرهاب لأن الحوالات خارج الرقابة تؤدي إلى هذا النوع من الشبهات” التي تحتاج إلى “ردع”.[1]

تحديد العقوبات بناءً على قيمة القطع الأجنبي ومضاعفة جزاء مزاولة الصرافة دون ترخيص:

رغم إلغائه المرسومين التشريعيين رقم 54 لعام 2013 ورقم 3 لعام 2020،[2] المتعلقين بمنع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، استمر المرسوم رقم 5 لعام 2024 بمنع السوريين والمقيمين الأجانب أو غير المستثمرين منهم من التعامل بغير الليرة السورية ومعاقبتهم على “هذا الجرم”.[3] كذلك نص المرسوم على جعل مصرف سورية المركزي مدعياً شخصياً يحق له التعويض المدني الذي تحدده المحكمة.[4]

ورغم منع المرسوم التعامل بغير الليرة السورية، فقد حدد العقوبة الواقعة على المدعى عليه بقيمة المبلغ الذي تم تداوله بالقطع الأجنبي أو المعادن الثمينة لا بقيمة الليرة الوطنية. كذلك تم تقسيم العقوبة إلى عدة فئات، بحيث يتغير الوصف الجرمي للفعل من جنحة بسيطة إلى جناية جسيمة (أي أنّ عقوبتها أشدّ) وذلك بحسب المبلغ محل الجرم. أي إذا كان المبلغ الذي تم ضبط التعامل به أقل من عشرة آلاف دولار أمريكي (أو ما يعادله من عملات أجنبية أخرى أو معادن ثمينة) يعاقب المتهم بالحبس من سنة لثلاثة سنوات. وتصبح هذه الجريمة جناية في حال كان المبلغ بين عشرة آلاف وخمسين ألف دولار أمريكي (أو ما يعادله) وتكون العقوبة هي السجن المؤقت، ولم يحدد المرسوم مدة السجن بشكل صريح. أخيراً، بحال كان المبلغ أكبر من خمسين ألف دولار  أمريكي (أو ما يعادله) تصبح العقوبة السجن المؤقت سبع سنوات على الأقل، ولا يذكر المرسوم الحد الأقصى للعقوبة. كذلك يتوجب على المتهم في كل الحالات دفع غرامة تعادل ضعفي قيمة المبلغ الذي تم تداوله.[5]

إضافة لما سبق، جاء المرسوم التشريعي رقم 6 لعام 2024 بعقوبات أشد، حيث عدل الأخير القانون رقم 24 لعام 2006 الخاص بإحداث مؤسسات تقوم بمزاولة أعمال الصرافة، وبالتحديد المادة 25 منه (المعدلة سابقاً بالقانون رقم 29 لعام 2012) لتصبح العقوبة خمسة أضعاف ما كانت عليه سابقاً. فبناءً على المرسوم الجديد، باتت عقوبة من يمارس مهنة الصرافة أو يقوم بنقل أو تحويل العملات الأجنبية أو الوطنية دون ترخيص هي السجن المؤقت من خمس إلى خمس عشرة سنة. كذلك أصبحت الغرامة ثلاث أمثال المبالغ المضبوطة على ألا تقل عن 25 مليون ليرة سورية.[6] وذلك بعد أن كانت العقوبة سابقاً هي الحبس بين سنة وثلاث سنوات، وغرامة مالية مقدارها مليون ليرة سورية فقط.[7]

استثناء “منع إخلاء سبيل المتهم” أصبح القاعدة:

رغم ما نص عليه الدستور السوري لعام 2012 من أن “الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم”[8]، واصل المرسومان حرمان المتهم من حقه بطلب إخلاء السبيل[9] (وقد كان المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2020 قد نص على هذا المنع أيضاً).[10]

تجدر الإشارة إلى أن قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 112 لعام 1950 وضح حالات إخلاء السبيل وقسمها إلى قسمين؛ الأول هو إخلاء السبيل بحق (الوجوبي)، وفي هذه الحالة يتوجب على القاضي تخلية سبيل الموقوف متى توافرت الشروط المذكورة في القانون، وليس له خيار في إبقاء المتهم موقوفاً ولا يتوقف هذا الإخلاء على تقديم طلب من الموقوف.[11] أما القسم الثاني من الحالات فهو إخلاء السبيل بناءً على طلب الموقوف (الجوازي). حيث يمكن في الأحوال التي لا تجب فيها تخلية السبيل بحق، أن يقرر قاضي التحقيق تخلية السبيل بكفالة أو بدونها.[12]

وبحسب القانون المذكور، للمدعى عليه أن يطلب تخلية السبيل أياً كان نوع الجرم وفي جميع أدوار التحقيق والمحاكمة،[13] وهو ما نص المرسومان رقم 5 و6 على منعه، رغم أن قبول طلبات تخلية السبيل أو ردها يجب ألا يتوقف على مدى ثبوت الجريمة بحق المدعى عليه.[14]

وحيث أن التوقيف الاحتياطي كما يشير اسمه هو تدبير احترازي وليس عقوبة، وهو استثناء لممارسة الحق في الحرية، يرى الفقه الجزائي أن للتوقيف الاحتياطي عدة مبررات لا يجوز تجاوزها وإلاّ أضحى حجزاً للحرية بشكل غير مشروع، وتتمثل في حماية المتهم وتهدئة الرأي العام ومنع المتهم من التواصل مع الشهود أو التأثير عليهم وخشية هروبه أو طمسه لمعالم الجريمة.[15] وعليه، فإن التوقيف الذي لا يخدم هذه الشروط هو تعسف في استخدام الحق من قبل السلطة. والتأكيد على أهمية الالتزام بأهداف التوقيف الاحتياطي ليس بجديد، فقد جاء في بلاغ وزارة العدل رقم 37 الصادر بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 1965 “لاحظنا في ضوء تقارير التفتيش كثرة عدد الموقوفين في السجون، وأنه يفوق عدد المحكومين، الأمر الذي يخالف الغاية التي أنشئت من ورائها دور السجون، كما أنه يخالف الهدف الذي ابتغاه الشارع من وراء إقرار نظام التوقيف الاحتياطي”. وأضاف البلاغ “يرجى من السادة القضاة التقيد بأهداف التوقيف الاحتياطي كما يطلب من قضاة النيابة العامة حسن تطبيق القواعد والمبادئ القانونية السابقة وسلوك طرق الطعن في كل حالة يخرج فيها التوقيف عن هذه الأهداف”.

وهذا أيضاً ما قرره الاجتهاد القضائي الذي نص على أن “التوقيف ليس نوعاً من أنواع العقوبات وإنما هو تدبير احتياطي، والقانون يسمح للمدعى عليه في جميع أدوار التحقيق والمحاكمة أن يطلب إخلاء سبيله”.[16] خاصة إن أخذنا بعين الاعتبار طول أمد التقاضي أمام المحاكم السورية، وبالتالي قد يستمر توقيف المتهم لأشهر أو سنوات قبل صدور الحكم المبرم بحقه، والذي قد يقضي ببراءة المتهم من الجرم المسند إليه.

إضافة لما سبق، لا بد من الإشارة إلى أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ينص على وجوب أن “يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية سريعاً إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانوناً بمباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يُحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه. ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة”[17]، لأن حرية الإنسان هي الأصل وحجزها هو الاستثناء، لا العكس.

التسوية أمام القضاء:

خلافاً للمرسوم رقم 6 لعام 2024، نص المرسوم رقم 5 على حق المتهم بإجراء تسوية أمام المرجع القضائي الناظر في الدعوى، ويحدد مبلغ التسوية بقرار من هذا المرجع بما يساوي قيمة المدفوعات والمبالغ التي تم التعامل بها والمضبوطة عيناً والمدونة في القيود الورقية والإلكترونية وفي الأسناد والأوراق التي تحمل قيماً مالية، أو قيم السلع والمنتجات والخدمات والتعاملات التجارية المعروضة بغير الليرة السورية.[18] هذا ويعد ما ضُبط عيناً جزءً من قيمة التسوية.[19]

ويمكن إجراء التسوية سواء قبل صدور الحكم القضائي المبرم أو بعده. في الحالة الأولى، تسقط الدعوى العامة ويعفى المتهم من دفع التعويض المدني للمصرف ويكون مبلغ التسوية معادلاً لقيمة المبلغ محل الجرم. أما في الحالة الثانية، فتسقط العقوبة المانعة للحرية بحال تسديد الغرامة (وهي ضعفي قيمة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها) إضافة إلى الالتزامات المدنية والتعويضات المحكوم بها.[20]

وأكد ذات المرسوم على عدم تجريم أعمال التجارة الخارجية أو حيازة القطع الأجنبي.[21] وعليه، أصدر مصرف سوريا المركزي بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2024 القرار رقم 112/ل.إ لتوضيح المقصود بأعمال التجارة الخارجية في معرض تطبيق المرسوم التشريعي رقم 5.

ومن الجدير بالذكر أن ما يتم مصادرته من قطع أجنبي أو معادن ثمينة أو غرامات مالية أو مبالغ تسوية، كلها مكاسب تؤول مباشرة لتغذية خزينة الدولة.[22]

صلاحيات استثنائية لموظفي المصرف المركزي (إطالة أمد توقيف المتهمين قبل عرضهم على القضاء):

أعطى المرسوم رقم 5 لعام 2024 الضابطة العدلية مهمة ضبط الجرائم المنصوص عليها في المرسوم، وذلك حيث يتوجب على حاكم مصرف سورية المركزي تكليف عدد من العاملين في المصرف يخولون بصلاحية الضابطة العدلية، ويتولى هؤلاء ضبط الجرائم، بعد تأدية اليمين أمام رئيس محكمة البداية المدنية في المحافظة.[23]

كذلك نص المرسومان موضوع الورقة على سريان المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2011 [24] الذي يعطي الضابطة العدلية أو المفوضين بمهامها الحق باستقصاء الجرائم وجمع أدلتها والاستماع إلى المشتبه بهم واحتجازهم مدة تصل إلى الستين يوماً، وهو ما يتعارض مع موقف لجنة حقوق الإنسان التي اعتبرت أن شرط “الفورية” في العرض على جهة قضائية يجب أن يكون في حدود 48 ساعة، وأن هذا ينطبق في كل الأحوال سواء كانت هناك تهم جنائية أم لا.[25]

ورغم أن الدستور السوري لعام 2012 نص على مبدأ “سيادة القانون أساس الحكم في الدولة”[26] ويحدد مهام وصلاحيات السلطات الثلاث بما يوحي بأنه يتبنى مبدأ الفصل بينها، إلا إنّ الصلاحيات الممنوحة للسلطة التنفيذية تخل بهذا المبدأ، إضافة إلى الصلاحيات الممنوحة للضابطة العدلية (متضمنة الأجهزة الأمنية) التي لم يرد لها ذكر في الدستور. وتعتبر التدخلات غير المشروعة من قبل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية، مخالفة للمبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1985.

فشل القرارات والمراسيم العديدة في إيقاف تدهور قيمة الليرة السورية:

صدرت خلال السنوات الأخيرة عدة قوانين وقرارات متعلقة بضبط التعامل بغير الليرة السورية، من أهمها (على سبيل المثال لا الحصر) المرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2013 الخاص بمنع التعامل بغير الليرة السورية والمعدل بالمرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2020، وقرار مجلس النقد والتسليف رقم 210/م ن لعام 2023 المتضمن التعليمات الخاصة بحيازة وإدخال وإخراج الليرة السورية والعملات الأجنبية من وإلى خارج سوريا.

رغم ذلك، لم تؤثر هذه القوانين بشكل ملموس على سعر صرف العملة السورية التي ما تزال تفقد قيمتها الشرائية باستمرار، كما لم تستطع –رغم تشديدها العقوبات– إيقاف المواطنين (ومنهم التجار) من اللجوء للسوق السوداء بسبب الفرق الكبير في سعر صرف الليرة السورية بينها وبين سعر المصرف المركزي. بحسب موقع الليرة اليوم المحلي، يبلغ سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي 14700 شراء 14850 مبيع، بينما تشير نشرة السوق الرسمية إلى سعر صرف 12500 شراء 12625 مبيع.[27]


[1] قناة السورية على يوتيوب. ندوة خاصة عن المرسومين / 5_6 / الخاصين بالتعامل بغير الليرة السورية. 21 كانون الثاني/يناير 2024

[2] المادة رقم 10(أ) من المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 2024

[3] المادة رقم 5 من المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 2024

[4] المادة رقم 1(ج) من المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 2024

[5] المادة رقم 1(ب) من المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 2024

[6] المادتان رقم 1 ورقم 2 من المرسوم التشريعي رقم 6 لعام 2024

[7] المادة رقم 1 من القانون رقم 29 لعام 2012

[8] المادة رقم 33 من الدستور السوري لعام 2012

[9] المادة رقم 2 من المرسوم رقم 5 لعام 2024 والمادة رقم 3 من المرسوم رقم 6 لعام 2024

[10] المادة 2 من المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2020

[11] المادة رقم 117(2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية لعام 1950

[12] المادتان رقم 117(1) ورقم 118 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لعام 1950

[13] المادة رقم 120(1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية لعام 1950

[14] بلاغ وزارة العدل الصادر في 27 أيار/مايو 1954

[15] الموسوعة القانونية المتخصصة. التوقيف الاحتياطي.

[16] المجموعة الجزائية لقرارات محكمة النقض السورية. ياسين دركزلي

[17] المادة رقم 9(3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

[18] المادة 3(ب) من المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 2024

[19] المصدر السابق

[20] المادتان رقم 3(أ) ورقم 4 من المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 2024

[21] المادتان رقم 6 ورقم 7 من المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 2024

[22] المادة رقم 3(ب) من المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 2024

[23]  المادة رقم 8 من المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 2024

[24] المادة رقم 9 من المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 2024 والمادة رقم 3 من المرسوم التشريعي رقم 6 لعام 2024

[25] اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 35: المادة 9 (حرية الشخص وأمنهCCPR/C/GC/35. الفقرة رقم 33. 16 كانون الأول/ديسمبر 2014

[26] المادة رقم 50 من الدستور السوري لعام 2012

[27] تم تحديد الأسعار بتاريخ 25 نيسان/أبريل 2024

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد