- تم إنجاز هذا العمل بدعم من قبل الاتحاد الأوروبي. إن محتويات هذا العمل هي مسؤولية “مركز سيسفاير لحقوق المدنيين/ Ceasefire Centre for Civilian Rights” و “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وحدهما، ولا تعكس بالضرورة اَراء الاتحاد الأوروبي.
أعاد نزوح اللاجئين/ات السوريين/ات من لبنان إلى سوريا، جدل قضية “إجراءات العودة” إلى الواجهة، وقد أثار عدم إعفاء هؤلاء العائدين منذ البداية، من إجراء تصريف مبلغ الـ100 دولار الإلزامي تساؤلات حول الصعوبات التي يواجهها السوريون عند رغبتهم بالعودة إلى بلادهم.
وفي ضوء تلك الأسئلة المطروحة، قامت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بإجراء مقابلات مع أشخاص سوريين عادوا إلى سوريا عبر مختلف المنافذ الجوية والبرية للبلاد، وذلك خلال الفترة من سبتمبر/أيلول إلى تشرين الأول/أكتوبر 2024، لغرض هذا التقرير، ووثّقت الشهادات التي تمّ جمعها تفاصيل دقيقة للصعوبات والانتهاكات التي يتعرض لها الزائرون أو من يرغبون بالعودة إلى وطنهم، بما في ذلك الإجراء الإلزامي الذي يقضي بتصريف 100 دولار أمريكي، وعمليات التفتيش التعسفية، والابتزاز المالي من قبل الموظفين والضباط، بالإضافة إلى المعاملة المهينة وظروف الانتظار القاسية.
وبحسب المصادر التي التقتها “سوريون “، لم تقتصر هذه الممارسات على منفذ واحد، بل تمتد عبر مختلف نقاط الدخول إلى سوريا، مما يشير ربّما إلى وجود سياسة في التعامل مع الداخلين إلى البلاد.
وفي تطور لافت، لم تُعفِ الحكومة السورية اللاجئين السوريين الهاربين من لبنان من إجراء التصريف على الحدود، بل قامت فقط بتعليقه لفترة قصيرة، وجاء هذا التعليق المؤقت بعد ضغوط من شخصيات لبنانية، مما يؤكد استمرار هذه الممارسة وعدم وجود نية حقيقية لإلغائها بشكل دائم، حتى في ظل الظروف الإنسانية الصعبة التي يمر بها اللاجئون. ووفق ذات المصادر، بدأت هذه الإجراءات بالتفاقم مع تزايد أعداد العائدين إلى سوريا في السنوات الأخيرة، حيث تستغل السلطات حاجة المواطنين للعودة لزيارة ذويهم لفرض المزيد من القيود والرسوم، وجاء هذا الاستغلال في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعاني منها البلاد، مما يجعل العائدين هدفاً سهلاً للابتزاز والاستغلال المالي.
في هذا التقرير الموجز، ترصد “سوريون” عدداً من الانتهاكات التي يتعرض لها السوريون عند دخولهم إلى البلاد (فرض الرسوم الإلزامية، الابتزاز المالي، المعاملة المهينة، الاعتقالات التعسفية، والتعقيدات الإدارية)، مستندة إلى مقابلات مفصلة أجراها الباحثون من “سوريون” مع خمسة أشخاص دخلوا إلى سوريا عبر منافذ مختلفة، إذ أجريت جميع اللقاءات باستخدام تطبيق تواصل آمن، وأطلعت فيها المصادر على الطبيعة الطوعية للمقابلة، وطرق استخدام المعلومات التي شاركوها، ومن ضمنها نشر هذا التقرير، خلال أخذ موافقتهم المستنيرة، علماً أن جميع الأسماء المستخدمة في هذا التقرير هي أسماء مستعارة، حفاظاً على سلامة الشهود.
-
تصريف 100 دولار مقابل الدخول لبلدي:
في 8 تموز/ يوليو 2020، أصدرت رئاسة مجلس الوزراء في الحكومة السورية/دمشق قراراً ألزمت من خلاله جميع المواطنين السوريين/ات الراغبين/ات بالدخول إلى سوريا، بتصريف مبلغ 100 دولار أمريكي أو ما يعادلها من العملات الأجنبية المعترف بها، وفقاً لسعر الصرف المحدد من قبل مصرف سوريا المركزي، وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها السلطات السورية، وكان الهدف منه زيادة إيرادات الحكومة من العملات الأجنبية، حيث أن سعر الصرف الرسمي أقل بكثير من السعر في السوق السوداء، مما أدى إلى خسارة مالية للمسافرين العائدين. (انظر/ي الصورة رقم 1).
بحسب الشهادات التي حصلت عليها “سوريون”، فإنّ ذلك الإجراء يتسبب بخسارة مالية كبيرة للشريحة المستهدفة، خاصة أولئك الذين يعودون مع عائلاتهم، ومنهم وفاء علي[1] (اسم مستعار)، وهي سيدة سورية تعيش في السويد، عادت لزيارة عائلتها عبر معبر نصيب، وهو معبر حدودي يربط بين الأردن وسوريا، حيث تصف وفاء تجربتها مع هذا الإجراء فتقول:
“هناك تصريف مبلغ مئة دولار على الحدود قبل دخول سوريا حيث هناك كوة صغيرة فيها بعض الموظفين العائدين إلى المصرف التجاري وكل مسافر عليه بالإجبار أن يصرف 100 دولار بخسارة عن تصريف السوق السوداء حيث المبلغ يصرّف بـ 13000 ليرة سورية للدولار الواحد وفي السوق السوداء بمبلغ 14500، أي بفارق 1500 ليرة سورية، وصلنا هناك وكان الازدحام رهيباً والانتظار في الدور، وهناك من يتفق معه فيمررك بمبلغ مالي يبلغ خمسين دولار حتى تتجاوز الدور الكبير، وهناك من لديه ضباط ومعارف أيضا يساعدونه في تجاوز الدور بدون الانتظار.”
شارك مرهف الخالدي[2] (اسم مستعار)، وهو مواطن سوري يعمل في الإمارات وعاد عبر مطار دمشق الدولي، تجربته مع الإجراء، وتبريرات السلطات له:
“استقليت الطائرة وانطلقنا وذلك في تاريخ 5 أيلول/سبتمبر 2024، وعندما وصلنا المطار وإذ هناك قرار جديد صادر عن الحكومة السورية بتصريف مئة دولار، تفاجئت بالقرار وكذلك بعض ركاب الطائرة انصدموا من قرار، وعندما سألنا عن السبب للضابط المسؤول كان جوابه حتى يعود على البلاد بقطع اجنبي، فهناك نقص ولا تحتاج الى تفكير أكثر، والتصريف حصرياً على النشرة التي تصدرها الحكومة السورية من خلال المصرف السوري المركزي وهو سعر أقل من سعر السوق السوداء كما هو معروف، في الحقيقة شعرت بالامتعاض الشديد من هذا القرار ليس لأننا لا نملك هذا المبلغ ولكن القرار غير صائب وتشعر انه سرقة، خاصة انه تصريف بأقل من سوق سوداء”.
وتشير الشهادات إلى أن التكلفة الإجمالية للدخول إلى سوريا قد تصل إلى مبالغ كبيرة، تتجاوز بكثير القدرة المالية للعديد من السوريين، إذ يقول خورشيد سالم،[3] موظف في مطار دمشق الدولي:
“هذا القرار مرهق للعوائل فمن لديه مثلاً أربعة أفراد أو خمسة، وهي الحد الأدنى للعوائل السورية كما هو معروف، فهناك 400 إلى 500 دولار تدفع، وبإمكانك البحث عن أعداد الداخلين إلى سوريا وضربها بـ100 دولار ومعرفة حجم الوارد الكبير من هذا القرار”.
مضيفاً:
“هذا القرار تم اعتماده بسبب تزايد عدد الوافدين إلى سوريا من السوريين، ففي كل سنة يزداد عدد الوافدين عن السنة التي قبلها، وهذا يعود إلى ابتعاد الحرب عن المدن المركزية كدمشق وحلب وحماة وحمص، والسنوات الطويلة التي حرم السوريين من رؤية أحبائهم”.
-
الابتزاز المالي والمعاملة المهينة:
إضافة إلى إجراء التصريف الإلزامي، يتعرض العديد من العائدين/ات السوريون لمعاملة مهينة أثناء إجراءات الدخول، مما يضيف عبئاً نفسياً إلى جانب العبء المالي، ويصف أيوب خيزران[4] (اسم مستعار)، وهو مواطن سوري كان مقيماً في لبنان، ونتيجة ظروف الحرب الأخيرة، اضطر للعودة إلى سوريا، عبر معبر المصنع، الظروف غير الإنسانية التي يضطر العائدون لتحملها، بما في ذلك الانتظار لساعات طويلة في ظروف قاسية، وعدم مراعاة حالات المرضى والأطفال وكبار السن، بالقول:
“الناس تنام على الحدود حتى يأتيك الدور، هناك أناس تبسط أمتعتها وتفرشها على الطريق، هناك مرضى يفقدون وعيهم على الطريق دون منقذ واحد يساعدهم، هناك عجز وأطفال لا يستطيعون الوقوف، ولا يوجد استثناء مهما كان وضعك، مريض طفل امرأة، لا يهم، يجب عليك انتظار التفتيش ثم التفتيش ومن ثم الذهاب الى دفع مئة دولار، كما هناك ضرب لبعض الأشخاص السوريين”.
بالإضافة إلى ظروف الانتظار غير الإنسانية، يتعرض العديد من السوريون/ات الراغبون بدخول البلاد لابتزاز مالي من قبل الموظفين والضباط؛ وتأخذ هذه الممارسة أشكالاً متعددة، من طلب “عمولات” أو رشاوى، إلى طلب هدايا من الوافدين مقابل تسريع الإجراءات أو تجنيبهم المضايقات، وحول ذلك يقول مأمون السيّد،[5] وهو مواطن سوري يعيش في لبنان وعاد لزيارة سوريا عبر معبر المصنع الحدودي بين البلدين:
“هناك دور طويل وازدحام كبير الجو حار والشمس تحرقنا ونحن ننتظر الموظف الذي يعمل ببطء، وعلينا كذلك تحمل الشتائم من قبل حرس حدود (السوري) والموظفين بشكل لا يوصف، لا يمكن لك أن تخرج من الدور لأنه سوف يأخذه غيرك، الكل متذمر من المعاملة السيئة والكلام البذيء، العمل بطيء جداً، ونحن ننتظر الفرج، بعد مضي حوالي الأربع ساعات، وصلت الى دوري أعطيته مئة دولار من فئة الخمسين، فنظر إلي وقال هذه الخمسين لا تصلح انها قديمة، ولن يأخذ إلا مئة كاملة أما خمسين فرماها إلي، وقال لي أما تعطني مائة دولار كاملة مع عمولة دفع خمسين ألف ليرة أو أعود لأقف على دور من جديد، أو العودة من حيث أتيت”.
مضيفاً:
“ما كان لدي حل إلا أن أخرج مئة دولار من جيبي مع عمولة خمسين ألف سورية وأعطيته إياها، فأخذها وقال لي انتظر، وبقي يطبع إشعار المصرف حوالي ربع ساعة لأن الحاسب والكمبيوتر كان فيهم مشكلة ومن النوع القديم كما بدى لي، وكان يوجه الشتائم للحاسب والطابعة ويصفهم انهم من العصر الحجري، مع نظرات غير لائقة تجاهي”.
أما في مطار دمشق الدولي، فتكشف الشهادات عن وجود انتشار كبير للرشاوى والمحسوبيات، حيث يتم التمييز بين المسافرين بناءً على قدرتهم على دفع رشاوى أو تقديم هدايا للموظفين والضباط، وحيالها يقول خورشيد سالم[6] (اسم مستعار)، وهو يعمل في المطار، حول تفاصيل عن نظام الرشاوى المعقد في المطار:
“هناك من المسافرين مَن يعقد صداقة مع ضباط المطار كي يمر بسرعة، فمنهم من يدفع له والآخر يأتي له بهدية كجوال او غيره من الهدايا الثمينة، والأخر يعزمهم على أحد مطاعم الفاخرة بوجبة عشاء، أما من لا يعرف أحد فعليه الخضوع الإجراءات الاعتيادية من الوقوف في الدور والتفتيش بشكل اعتيادي ويبقى التفتيش إلي ساعات والوقوف في طابور التصريف الى ساعات أخرى فلا يخرج المسافر قبل نصف النهار إن لم يكن بأكمله، وطبعا مع ذلك لا يخلو الأمر من الدفع حيث يمكن أن يصل دفع الرشاوي داخل مطار للضباط الى نصف مليون ليرة سورية”.
وتؤكّد الشهادات التي حصلت عليها “سوريون” على تغلل الفساد في إجراءات المطار، حيث يتم توزيع الرشاوى بين مختلف المستويات الإدارية في المطار، إذ يوضح خورشيد سالم آلية لتوزيع الرشاوى في المطار، فيقول:
“في المطار كل موظف وضابط له دور معين يؤديه، وهذا الدور يجعله ضمن توزيع الرشاوى، فمثلاً الرشاوى التي تدفع من قبل العوائل للشرطة، هناك جزء صغير منها للشرطي لا يزيد عن عشرة بالمئة، بينما يوزع المبلغ على ضباط الحكومة المتواجدين في المطار”.
ولا يقتصر الابتزاز المالي على نقطة الدخول فقط، بل يمتد عبر الطريق إلى الوجهة النهائية، مما يضاعف التكلفة الإجمالية للرحلة بشكل كبير، وهو ما تشدد عليه وفاء علي منوهة إلى حجم الابتزاز المالي الذي يتعرض له العائدون:
“بلغت تكلفة رحلتي من السويد الى معبر نصيب ومن ثم الى دمشق ما يقارب 600 دولار، بين رشوات على المعبر والحواجز التابعة للحكومة السورية والمعارضة المتبقية في درعا، مع خسارة في التصريف حتى تمشي أموري بسلاسة، فعلى كل حاجز كنت أدفع ما يقارب 50 دولار أمريكي، ورغم ذلك كان هناك تعامل سيء ونظرات سيئة وتعامل مهين”.
-
الاعتقالات التعسفية:
إضافة إلى المعاناة المالية والنفسية، يواجه عدد من العائدين خطر الاعتقال التعسفي أو الإجبار على الخدمة العسكرية، وعن ذلك يقول أيوب خيزران:
“تم اعتقال بعض الأشخاص أمامي وجرّ آخرين إلى الخدمة العسكرية (الاحتياط) أو الخدمة الإجبارية، عدا عن من وجدت تقارير أمنية بحقهم، هناك ضباط من الأمن العسكري لأخذ الناس للجيش، وضباط من فرع الأمن الجوي لجرّ الناس الذين لديهم تشابه أسماء أو مكتوب فيهم تقارير أمنية، الوضع مخيف تضع يدك على قلبك وتبدأ بالاستغفار والتسابيح عسى الله ينجيك من أيديهم”.
ويضيف أيوب:
“بقيت على الحدود ثلاثة أيام متوالية حتى جاءني الدور، دفعت مئتي الف ليرة لتمرير أغراضي، أما التفييش (وهي عملية البحث عن اسم محدد إن كان مطلوباً لأحد الأجهزة الأمنية داخل سوريا)، فدفعت مئة ألف ليرة سورية كي استطيع المرور بسرعة، تم اعتقال ثلاثة أشخاص أمامي بتهم مختلفة، احتياط وخدمة عسكرية إلزامية وأحدهم كان يوجد تقرير ضده”.
أشار أيوب كذلك إلى التكاليف الإضافية المتغيرة التي قد يواجهها الداخلون إلى سوريا:
“لكل منهم مبلغه والمبلغ يبدأ من مئتي ألف الى المليون، حيث إن كان عليك احتياط تستطيع المرور بمليون ليرة سورية، أما كي تحافظ على أغراضك خلال التفتيش، فعليك أن تدفع مئتي ألف ليرة سورية، أما أن تتعرض للتفييش ولا تملك المال لدفعه، فإن أمورك ستكون متعسرة جداً ومن الممكن أن تصل إلى الاعتقال.”
-
التعقيدات الإدارية والتكلفة الإجمالية للعودة:
بالإضافة إلى الصعوبات السابقة، يواجه العائدون سلسلة من التعقيدات الإدارية التي تزيد من معاناتهم وتطيل فترة إجراءات الدخول، حيث البنية التحتية غير الكافية والإجراءات البيروقراطية المعقدة التي تضيف المزيد من العقبات أمام العائدين، مما يجعل عملية العودة أكثر إرهاقاً وإحباطاً، وحيالها يقول مرهف الخالدي:
“عندما خرجت من المطار، ذهبت إلى أحد فروع المصرف التجاري، وإذ قالوا لي لا يمكنني التصريف لعدم وجود شبكة انترنت في المصرف، ولا يعلمون متى تعود، فعدت إلى المنزل بعد أن انتظرت ساعتين لعل الشبكة تعود، وفي اليوم التالي عاودت الذهاب إلى المصرف، وكان الأمر نفسه، الشبكة غير متوفرة، وفي اليوم الثالث، كانت الحجة أن أيقونة البرنامج لا تفتح، وعند الظهيرة سوف يعمل البرنامج، حيث انتظرنا في ذلك اليوم لكن دون نتيجة، وعدنا بلا شيء”.
كما إن الآثار النفسية والعاطفية لهذه الإجراءات على العائدين لا تقل أهمية عن الآثار المالية، حيث يشير مرهف الخالدي [2] إلى الأثر النفسي لهذه الإجراءات قائلاً:
“صار همي أن أدفع وينتهي الأمر، فكل ما أذهب المصرف أشعر بأني مذنب ومخطئ خطيئة عظيمة بقدومي إلى سوريا”.
-
رأي قانوني وتوصيات:
يعتبر الحق في حرية التنقل من الحقوق الأساسية للإنسان ولا يجوز تقييد هذا الحق أو حرمان الشخص منه إلا لأسباب قانونية مشروعة، وبشكل يتوافق مع ما تم النص عليه في العهود والمواثيق الدولية والتشريعات الداخلية ذات الصلة.
وعليه فإن فرض رسوم أو إجراءات لا مبرر لها كما هو الحال بالنسبة لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 46 لعام 2020، موضوع هذا التقرير، يعتبر مخالفاً لمبدأ حرية التنقل الذي تم التأكيد عليه في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، والذي يعتبر ملزماً لسوريا كونها صادقت عليه عام 1969، ولا يجوز تقييد هذا الحق إلا لأسباب محددة وحصرية وفق ما نصت عليه المادة المذكورة “لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه (التنقل بحرية داخل البلاد ومغادرة البلد) بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متمشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد”، ولا يمكن أن يكون المبرر لإلزام السوري الراغب في دخول بلده بتصريف مبلغ مئة دولار إلى الليرة السورية وفق السعر الذي تحدده الحكومة السورية، هو بهدف حماية الامن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة أو غيرها من الأسباب الواردة في المادة المذكورة، ووفق ما يفهم من القرار المذكور فإنه في حال عدم توفر المبلغ المطلوب مع الشخص المعني فإن هذا الأمر قد يحرمه/ا بشكل تعسفي من دخول بلدهـ/ا، وهذا يناقض مضمون الفقرة الرابعة من المادة 12 المذكورة التي أكدت بأنه “لا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من حق الدخول إلى بلده”.
ووفقاً للمصادر التي تمّ الاستماع إليها لغرض هذا التقرير، فإن إجراءات العودة والتفييش (إجراءات التأكد من كون الشخص غير مطلوب للأفرع الأمنية)، وتصريف المبلغ المطلوب بالليرة السورية لم تكن تخلو من المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة الإنسانية، بشكل يتناقض مع وجوب الاعتراف بأن الكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، وفقاً لما تم التأكيد عليه في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك في ديباجة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
كما إن تقييد حق المواطن في الدخول إلى بلده وبشروط مجحفة يتناقض مع ما تم النص في المادة 38 من الدستور السوري النافذ والتي نصت على انه “لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن، أو منعه من العودة إليه”، كما يتناقض مع الحق الممنوح للمواطن السوري بضرورة صون كرامته وفقا للمادة 19 من الدستور المذكور التي نصت على انه ” يقوم المجتمع في الجمهورية العربية السورية على أساس التضامن والتكافل واحترام مبادئ العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وصيانة الكرامة الإنسانية لكل فرد“.
ووفقاً لما ورد في هذا التقرير على لسان الأشخاص الذين دخلوا إلى سوريا، سواء عبر المطار أو عبر المنافذ الحدودية البرية، كان لزاماً عليهم ــ بالإضافة إلى تصريف المئة دولارــ دفع مبالغ مالية إضافية او هدايا قيِّمة إلى ضباط و/أو عناصر شرطة و/أو موظفين بقصد تسهيل مرورهم وعدم عرقلة دخولهم، وهذه الأفعال تعتبر من باب الرشوة المعاقب عليها بموجب المواد 340 -341-342 من قانون العقوبات السوري.
إضافة إلى ما ذكر فإن قرار رئيس مجلس الوزراء يعتبر باطلاً بشكل مطلق، كونه صدر خلافاً لأحكام الدستور النافذ كما ذكرنا أعلاه، حيث ان الدستور هو القانون الاسمى في البلد ولا يجوز لأي قانون سابق أو لاحق له، أن يتعارض معه، وفقاً لمبدأ تدرج القواعد القانونية، الذي يعني عدم جواز مخالفة أو تعارض القاعدة القانونية الأدنى للقاعدة الأعلى، ولا يجوز لأي قرار إداري أن يخالف القوانين النافذة ومن باب أولى الدستور، سيما وان القرارات الإدارية، ومنها قرارات رئاسة مجلس الوزراء، تصدر عن السلطة التنفيذية.
وعليه فإنّ “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” توصي بالوقف الفوري لفرض الرسوم الإجبارية على العائدين وضمان حرية التنقل للمواطنين/ات السوريين/ات، وعدم منعهم أو تقييد حقهم في العودة إلى وطنه، وضمان معاملة العائدين بما يتناسب مع كرامتهم الإنسانية، وفقا لما هو منصوص عليه في العهود والمواثيق الدولية والدستور السوري النافذ.
وتطالب بإنهاء جميع أشكال الابتزاز المالي والمعاملة المهينة في المعابر والمطارات، وإجراء تحقيق شامل ومستقل في الانتهاكات الموثقة ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان معاملة جميع العائدين بكرامة واحترام، وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. إ ضافة إلى تبسيط الإجراءات الإدارية وضمان شفافيتها للعائدين، ومكافحة نظام الرشاوى والمحسوبية في المعابر والمطارات. وتوفير آليات فعالة للشكاوى والتظلم للعائدين الذين يتعرضون لانتهاكات.
كما تدعو “سوريون” باحترام مبدأ تدرج القواعد القانونية، ومنع نفاذ أي قرار إداري أو نص قانوني يتعارض مع أحكام الدستور، وضمان استقلالية وحياد المحكمة الدستورية العليا وتحريرها من هيمنة السلطة التنفيذية، كي تكون قادرة على الدور المنوط بها فيما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين.
وتحثّ “سوريون” المجتمع الدولي على الضغط على الحكومة السورية لاحترام التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، وحثها على الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، والاعتراف بسمو تلك المعاهدات ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على القوانين الداخلية، ومنحها الأولوية في التطبيق امام القضاء في حال تعارضها مع التشريعات السورية.
صورة رقم (1) – نسخة من قرار رئاسة مجلس الوزراء القاضي بفرض تصريف 100 دولار أو ما يعادلها من العملات الأجنبية على المواطنين/ات السوريين/ات عند دخولهم للأراضي السورية.
____________________________________________________________________________________________________________
[1] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ما بين أيلول/سبتمبر إلى تشرين الأول/أكتوبر 2024.
[2] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ما بين أيلول/سبتمبر إلى تشرين الأول/أكتوبر 2024.
[3] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ما بين أيلول/سبتمبر إلى تشرين الأول/أكتوبر 2024.
[4] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ما بين أيلول/سبتمبر إلى تشرين الأول/أكتوبر 2024.
[5] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ما بين أيلول/سبتمبر إلى تشرين الأول/أكتوبر 2024.
[6] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ما بين أيلول/سبتمبر إلى تشرين الأول/أكتوبر 2024.