ملّخص تنفيذي:
منذ منتصف شهر كانون الثاني/يناير 2020، صعّدت القوات النظامية السورية وحلفاؤها من الهجمات على مدن وبلدات ريف حلب الغربي، تلك الواقعة بالقرب من الطريق الدولي الواصل ما بين دمشق وحلب M5، حيث رصدت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا التقرير، وقوع هجومين طالا أحياء سكنية، وأسفرا عن مقتل وجرح العديد من المدنيين من بينهم نساء وأطفال.
ففي 21 كانون الثاني/يناير 2020، نفذّ طيران حربي يُعتقد أنه روسي، هجوماً على بلدة “كفرتعال” بريف حلب الغربي، حيث طال الهجوم منزلاً لإحدى العائلات ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص، من عائلة واحدة، بينهم أربعة أطفال مع والديهم.
وعقب ساعات فقط من هذا الهجوم، وقع هجوم آخر طال الأحياء السكنية في بلدة “كفرنوران” بريف حلب الغربي، ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص من ضمنهم نساء وأطفال، وجرح 12 آخرين.
تسبّب الهجومان في نزوح العديد من الأهالي إلى المناطق الحدودية الشمالية، ما يشير إلى أنّ القوات النظامية السورية ربما كانت تسعى إلى إفراغ هذه المناطق من سكانها ودفعهم للنزوح، من أجل تمهيد السيطرة على تلك المناطق، وخاصةً تلك الواقعة بالقرب من الطريق الدولي الواصل ما بين دمشق وحلب M5، والذي تمّ السيطرة عليه فعلياً بشكل كامل بتاريخ 11 شباط/فبراير 2020.
في الوقت ذاته، تزامن الهجومان مع معارك عنيفة دارت ما بين القوات النظامية السورية من جهة وبين وتنظيمات مسلّحة[1] (منها مجموعات معارضة مسلّحة ومنها ما هو مصنّف على لوائح الإرهاب العالمي) من جهة أخرى، بريف حلب الجنوبي والغربي، ففي 26 كانون الثاني/يناير 2020، نجحت القوات النظامية السورية في التقدّم على عدّة محاور بريف حلب الجنوبي، مثل قرى وبلدات (خلصة والقراصي وخان طومان)، وفي 27 كانون الثاني/يناير 2020، تمكنت الفصائل المعارضة من استعادة السيطرة على مستودع الكابلات في (بلدة الصحفيين غرب حلب) بالإضافة للسيطرة على عدّة نقاط في بلدة (الراشدين الخامسة) غرب حلب، لكنّ القوات النظامية السورية قامت في 29 كانون الثاني/يناير 2020، بشن هجوم معاكس، وسيطرت على عدّة نقاط مثل (مستودعات خان طومان، وبلدة الزيتون وأطراف بلدة الصحفيين)، تلا ذلك سيطرتها على (حي الرشدين الخامسة والخالدية والقراصي والحميرة والقلعجية ومعراته) بريف حلب الغربي، في 31 كانون الثاني/يناير 2020.
جرت هذه المعارك بالتزامن مع معارك أخرى درات رحاها ما بين الطرفين، في ريف إدلب الجنوبي والشرقي الواقع بالقرب من الطريق الدولي الواصل ما بين دمشق وحلب M5، حيث تمكنت القوات النظامية السورية في 28 كانون الثاني/يناير 2020، من السيطرة على مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، ثمّ تلاها سيطرتها على عدّة قرى وبلدات في ريف إدلب الجنوبي والشرقي مثل (ببيلا ومعصران وجرادة وخان السبل ومعردبسة وكفربطيخ والنيرب وأبو جريف والنيرب وحزان)، بالإضافة إلى سيطرتها على مدينة سراقب وريفها في 6 شباط/فبراير 2020.
سوريون من أجل الحقيقة والعدالة كانت قد أصدرت بتاريخ 14 شباط/فبراير 2020، إحاطة لأبرز الأحداث التي رافقت التصعيد الذي بدأت به القوات الروسية والسورية مع بداية العام 2020.[2]
رافق هذا التصعيد العنيف الذي شهدته مناطق ريف حلب الغربي الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلّحة والواقعة بالقرب من الطريق الدولي الواصل ما بين دمشق وحلب M5، تساقط عدد من القذائف الصاروخية على عدّة أحياء من مدينة حلب الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، حيث رجّح شهود عيان بأنّ مصدرها الجهة الغربية لمحافظة حلب، (معامل الليرمون وحي الراشدين وريف حلب الغربي) والخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى معارضة،[3] وقد وقعت عمليات القصف هذه، وسط تداول أنباء حول نية هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة، شن هجومٍ على أحياء مدينة حلب رداً على العمليات العسكرية والقصف التي تقوم بها الحكومة السورية في محافظة إدلب وريف حلب.
تلا هذه الأنباء، قيام فصائل المعارضة المسلّحة متمّثلة بغرفة عمليات “الفتح المبين”، بإصدار بيان في 20 كانون الثاني/يناير 2020، (انظر في التفاصيل)، توّعدت من خلاله باستهداف مواقع وثكنات القوات الحكومية السورية والميليشيات المساندة لها في مدينة حلب، وطالبت الأهالي في المدينة بالابتعاد عن تلك المواقع.
تساقطت القذائف الصاروخية على ثلاثة أحياء خاضعة لسيطرة القوات النظامية السورية في مدينة حلب، حيث طالت بصورة ملحوظة حي “جمعية الزهراء” أولاً، ثمّ حي “حلب الجديدة” ثمّ حي “السكري”، وقد تسببّت بحسب ما سجلته الباحثة الميدانية لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بمقتل 11 شخصاً، من بينهم طفلان وأربعة نساء وطالب جامعي وثلاث رجال، كما أدت لجرح قرابة 29 أخرين، وذلك خلال شهر كانون الثاني/يناير 2020.
من جانب آخر، أفاد ناشطون إعلاميون في ريف حلب، بأنّ القذائف الصاروخية التي سقطت على حيي “حلب الجديدة وجميعة الزهراء” لربما كان مصدرها فصائل المعارضة المسلّحة، ويعود ذلك إلى وجود جبهات للقتال في هذين الحيين، وخاصةً أنّ القوات النظامية السورية كانت قد استخدمت مدفعياتها للقصف وسط تجمّعات المدنيين في هذين الحيين بحسب تعبيرهم، في حين أكدوا خلو حي “السكري” من أي جبهة للقتال، واستبعدوا مسؤولية المعارضة المسلّحة عن الهجمات التي طالت هذا الحي.
من جانبها كانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد وثقت في تقرير سابق لها، وقوع أربع هجمات عنيفة طالت أسواق شعبية مكتظة بالسكان وخاصةّ في منطقة جبل الزاوية الواقعة بالقرب من الطريق الدولي M5، حيث أودت هذه الهجمات بحياة العديد من المدنيين بينهم نساء وأطفال، وذلك خلال الفترة الواقعة اعتباراً من بداية شهر كانون الأول/ديسمبر 2019 وحتى أوائل كانون الثاني/يناير 2020.[4]
صورة رقم (1) – خارطة تظهر توزع قوى السيطرة العسكرية في محافظة حلب وإدلب حتى 14 شباط/فبراير 2020. المصدر: Syrialivemap
منهجية التقرير:
اعتمد التقرير في منهجيته على أكثر من (13) شهادة ومقابلة بالمجمل تمّ إجراؤها مع شهود عيان في محافظة حلب من قبل الباحثات الميدانيات لدى المنظمة، وذلك خلال شهر كانون الثاني/يناير 2020، إضافة إلى ذلك تمّ الرجوع إلى العديد من المصادر المفتوحة والتي قامت بعملية توثيق لتلك الأحداث. وقد تمّ التواصل مع بعض الشهود عبر الهاتف/الانترنت.
-
هجومان عنيفان على أحياء سكنية في ريف حلب الغربي:
رصدت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في يوم 21 كانون الثاني/يناير 2020 وحده، وقوع هجومين عنيفين على تجمّعات سكنية في مدن وبلدات ريف حلب الغربي، الواقعة بالقرب من الطريق الدولي الواصل ما بين دمشق وحلب M5، حيث أدى هذان الهجومان إلى نزوح العديد من أهالي تلك البلدات، باتجاه المناطق الحدودية، كما لوحظ عدم وجود نشاطات عسكرية قتالية على مقربة من أماكن تلك الهجمات.
-
-
-
مقتل عائلة بكاملها في قصف على أحد المنازل في بلدة “كفرتعال”:
-
-
تقع بلدة كفرتعال[5] بريف حلب الغربي بالقرب من الطريق الدولي الواصل ما بين دمشق وحلب M5، وتعتبر منطقة زراعية يعمل سكانها في الزراعة، وتضمّ البلدة العديد من العوائل النازحة من ريف إدلب الجنوبي والشرقي، وتبعد عن مدينة الأتارب حوالي 10كيلو متر، وكانت البلدة قد شهدت هدوءً نسبياً منذ مدة، حيث أسفر الهجوم الأخير عن نزوح العديد من سكان البلدة، ولم يبقَ فيها سوى 25% من السكان المتواجدين حالياً.
صورة رقم (2) صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي تظهر موقع بلدة كفرتعال بالنسبة للطريق الدولي الواصل ما بين دمشق وحلب M5.
تفاصيل الحادثة:
في حوالي الساعة (11:38) ظهراً من 21 كانون الثاني/يناير 2020، تعرّض منزل إحدى العائلات في البلدة لقصف طيران حربي يُعتقد أنه روسي، ما أسفر عن مقتل جميع أفراد العائلة، بحسب ما روى أحد أقارب الضحايا “محمد حدود ” لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
“وقعت أول غارة في ظهيرة ذلك اليوم، حيث استهدف القصف منزل ابن عمي الواقع في طرف القرية، فسقط الصاروخ في منتصف المنزل، وحوّل جميع أفراد العائلة إلى أشلاء، حيث قُتل نتيجة هذه الغارة ابن عمي “عبد القادر” وهو يعمل كمزارع، وزوجته “داليا عبد الحي”، بالإضافة إلى أطفالهم الخمسة “منار العمر” 16سنة و “مروى” 14 سنة و”فدوى” 12سنة و”عبدو” 10 سنوات و”آية” 3 سنوات، وقد وقع هذا الهجوم فجأةً وخاصةً أنّ المنطقة لم تتعرض للقصف منذ مدة طويلة، ومن شدّة هول المجزرة نزح أهالي القرية بأكملهم ولم يبقَ سوى أعداد قليلة نزحت إلى المناطق الحدودية.”
لقراءة وتحميل التقرير بشكل كامل (29) صفحة وبصيغة ملف PDF يرجى الضغط هنا.
[1] من أبرز الفصائل المشاركة في معارك حلب: “هيئة تحرير الشام” و “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، و “أنصار التوحيد” بالإضافة إلى “حركة نور الدين الزنكي” والتي انضمت لاحقاً لغرفة العمليات هذه.
[2] ” إحاطة موجزة حول الأوضاع الإنسانية والعسكرية في محافظة إدلب”. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 14 شباط/فبراير 2020. (آخر زيارة للرابط 14 شباط/فبراير 2020). http://bit.ly/37q0DK6 .
[3] مثل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.
[4] ” قصف الأسواق في إدلب من قبل القوات السورية وحلفاؤها نمط متكرر” في 14 كانون الثاني/يناير 2020. آخر زيارة في 6 شباط/فبراير 2020. https://stj-sy.org/ar/%d9%82%d8%b5%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d9%88%d8%a7%d9%82-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%af%d9%84%d8%a8-%d9%85%d9%86-%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%b1/
[5] تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام.