الرئيسية أوراق قانونية سوريا: صلاحيات وزير العدل في الحكومة الانتقالية بين متطلبات الإصلاح وحدود المشروعية القانونية

سوريا: صلاحيات وزير العدل في الحكومة الانتقالية بين متطلبات الإصلاح وحدود المشروعية القانونية

يجب أن يكون استقلال القضاء وسيادة القانون ضامناً أساسياً أثناء محاولات تحقيق العدالة في المرحلة الانتقالية مع ضـرورة صدور القرارات المؤثرة على القضاء عن سلطة تشريعية مخوّلة وفق إجراءات قانونية سليمة

بواسطة s.hasan
43 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

1.     مقدمة:

في ظل المرحلة الانتقالية التي تعيشها سوريا، تبرز تساؤلات جوهرية حول مدى قانونية عدد من القرارات الصادرة عن حكومة تسيير الأعمال برئاسة المهندس محمد البشير،[1] وخاصة تلك المتعلقة بالسلطة القضائية. حيث يكتسب هذا النقاش أهمية خاصة نظرًا لأن الحكومة الحالية تُعد كيانًا مؤقتًا لا يتمتع بشرعية دستورية كاملة، مما يفرض قيودًا على نطاق صلاحياتها، لاسيما فيما يتعلق بإجراء تعديلات جوهرية على البنية القضائية. كما أن استقلال القضاء/السلطة القضائية يُعد مبدأ أساسيًا في أي نظام قانوني حديث، وهو ما يطرح إشكاليات حول مدى مشروعية تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء خلال هذه المرحلة.

تهدف هذه الورقة إلى تحليل الإطار القانوني لصلاحيات وزير العدل شادي الويسي في حكومة تسيير الأعمال، مع التركيز على مدى توافق بعض القرارات الصادرة مع المبادئ الدستورية والقانونية، مثل إلغاء مناصب قضائية، وعزل القضاة، وتعليق مهل الطعن، إضافة إلى تقييم تأثير تطبيق الأحكام الشرعية بدلًا من القوانين الوضعية.

كما تتناول الورقة المخاطر القانونية والسياسية الناجمة عن هذه القرارات، ومدى تأثيرها على استقلال القضاء وسيادة القانون.

بناءً على التحليل القانوني، تقدم الورقة توصيات إلى الحكومة السورية الجديدة، تركّز على ضرورة احترام المشروعية القانونية، وتعزيز مبدأ استقلال القضاء، وضمان الالتزام بالقوانين الوطنية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما يضمن عدم تجاوز السلطة التنفيذية لصلاحياتها، ومنع أي تدخل قد يُضعف من دور القضاء كمؤسسة مستقلة في تحقيق العدالة وضمان سيادة القانون خلال المرحلة الانتقالية.

2.     الإطار القانوني والدستوري لحكومة تسيير الأعمال:

بعد انهيار النظام السابق والإطاحة بالحكومة السورية السابقة، تشكلت حكومة سوريّة مؤقتة، وهي بطبيعتها حكومة تسيير أعمال لا تملك شرعية دستورية راسخة، مما يفرض قيودًا على نطاق صلاحياتها. وهي تُعرف، أيّ الحكومات المؤقتة أو حكومات تسيير الأعمال، في الأنظمة القانونية والدستورية المقارنة، بأنها سلطات انتقالية لا تتمتع بكامل صلاحيات الحكومات الدائمة، بل يقتصر دورها على الإشراف على العملية الإدارية والقضائية دون إدخال تعديلات جوهرية على البنية القانونية للدولة.[2]

أي ومن الناحية القانونية، يُفترض أن تكون الحكومة المؤقتة مقيدة بالمبادئ القانونية المستقرة في الفقه الدستوري وأهمها مبدأ “تصريف الأعمال” الذي يقيد الحكومات المؤقتة بإدارة الشؤون اليومية دون إجراء تغييرات جوهرية، مما يعني أنها لا تمتلك سلطة سنّ تشريعات جديدة أو إجراء تغييرات هيكلية دائمة على سبيل المثال، خاصة فيما يتعلق بالسلطة القضائية. وهذا يتماشى مع مبدأ “استمرارية الدولة”، والذي يفرض على السلطات الانتقالية الالتزام بالقوانين السارية وعدم تجاوزها إلا في الحالات التي تستدعي تدخلاً تشريعيًا استثنائيًا، ويجب أن يكون هذا التدخل محدودًا زمنيًا وموضوعيًا.[3]

وبالتالي، فإنَّ حكومة تصريف الأعمال تهدف بصورة أساسية إلى ضمان سير المرافق العامة في الدولة، ويقتصر دورها على الأعمال الروتينية، وليس الأعمال المنشئة أو المعدلة للأنظمة القانونية في الدولة، سواء كان ذلك باقتراح القوانين أو تعديل الدستور، أو الأعمال التي من شأنها أن ترتب التزامات دولية على الدول، مثل إبرام الاتفاقيات الدولية، أو اتفاقيات منح أو الحصول على قروض.

وبما أن القضاء هو سلطة مستقلة عن الجهاز التنفيذي وفقًا لمبادئ سيادة القانون،[4] فإنّ أيّ تدخل من قبل حكومة تسيير الأعمال في شؤون القضاء، سواء من خلال تعيينات أو عزل أو إصدار قرارات تؤثر على بنيته، يُعد تجاوزًا قانونيًا لصلاحياتها. كما أن أي محاولة لإحلال الأحكام الإسلامية محل القوانين الوضعية دون سند قانوني واضح تُعد مخالفة لمبدأ المشروعية، الذي يقضي بوجوب استناد أي تصرف حكومي إلى قاعدة قانونية قائمة.

3.     صلاحيات وزير العدل في حكومة تسيير الأعمال:

في النظم الدستورية الحديثة، تُعتبر الحكومات المؤقتة كيانات إدارية انتقالية تخضع لقيود قانونية صارمة تمنعها من اتخاذ قرارات دائمة تؤثر على البنية القانونية للدولة أو على توزيع السلطات فيها. وكما ذكرنا آنفاً، تستمد هذه الحكومات شرعيتها من “مبدأ المشروعية الدستورية”، الذي يفرض على جميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك السلطة التنفيذية، الالتزام بالنصوص القانونية النافذة وعدم تجاوزها.

وبناءً على ذلك، فإن وزير العدل في حكومة مؤقتة لا يمتلك سلطة اتخاذ قرارات تُغيّر النظام القضائي بشكل جذري، بل يقتصر دوره على إدارة شؤون الوزارة، والإشراف الإداري على المحاكم والنيابات العامة، والتنسيق مع الجهات القضائية دون التدخل في اختصاصاتها.

وفي ظل غياب إطار دستوري واضح يحدد حدود صلاحيات حكومة تسيير الأعمال في سوريا، يظل تطبيق هذه المبادئ خاضعًا لاجتهادات سياسية وقانونية غير مستقرة، مما يثير إشكاليات حول مدى قانونية بعض القرارات التي صدرت عن وزير العدل خلال الأسابيع الماضية.

من هذه القرارات على سبيل المثال القرار رقم 89 الصادر بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2025، والقاضي بإلغاء منصب المحامي العام الأول في دمشق وحلب، واستحداث منصب رئيس العدلية في كل محافظة، والذي يُعد تعديلًا مباشرًا للهيكل القضائي، حيث يؤثر بشكل جوهري على تنظيم السلطة القضائية وتوزيع الصلاحيات داخل النظام القانوني، وما يلفت الانتباه أن القرار استند في مبرراته على قانون السلطة القضائية السوري، والأخير لم ينص على هذا المنصب أصلاً، ولم يمنح وزير العدل صلاحيات إحداثه.

تاريخيًا، كان منصب المحامي العام جزءًا أساسيًا من النيابة العامة، حيث يتولى الإشراف على أعمال الادعاء العام داخل المحافظات، مما يضمن استقلالية النيابة العامة عن السلطة التنفيذية. إنّ إلغاء هذا المنصب وإحلال منصب جديد لم يكن موجودًا سابقًا يعني إعادة توزيع الصلاحيات بين الجهات القضائية، وهو ما يُعد تغييرًا هيكليًا يتجاوز كونه مجرد تعديل إداري.

إنّ مثل هذه القرارات لا يمكن أن تصدر بقرار وزاري، بل تتطلب تشريعًا واضحًا من السلطة التشريعية، باعتبارها الجهة المخولة بوضع القوانين التي تنظم عمل السلطة القضائية. إنّ فرض هيكل جديد بقرار تنفيذي يُعدّ سابقة خطيرة تتعارض مع مبدأ المشروعية القانونية. وإلى جانب الأثر القانوني، يشكل هذا القرار تهديدًا لاستقلال القضاء من خلال منح السلطة التنفيذية قدرة أكبر على التأثير في التعيينات والمسارات القضائية داخل المحافظات.

إن استحداث منصب رئيس عدلية قد يفتح المجال أمام تدخل وزارة العدل في شؤون القضاء، خاصة إذا كان المعينون في هذه المناصب يتبعون إدارياً لوزير العدل بدلاً من مجلس القضاء الأعلى، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف استقلالهم القضائي، مما يجعلهم أكثر عرضة لتلقي توجيهات من السلطة التنفيذية بدلاً من العمل وفق معايير قضائية مستقلة تخضع لإشراف السلطة القضائية نفسها.

وفي ظل غياب إطار قانوني واضح يحدد طبيعة هذا المنصب الجديد وصلاحياته، يظل الخطر قائمًا بأن يكون مجرد أداة لتعزيز نفوذ السلطة التنفيذية داخل السلطة القضائية، وهو ما يتناقض مع مبدأ الفصل بين السلطات، الذي يعد أحد أهم أسس أي نظام قانوني ديمقراطي.

ومن بين القرارات المثيرة للجدل، القرار رقم 120 الصادر في 28 كانون الثاني/يناير 2025، والذي ينص على عزل عدد من القضاة ممن شغلوا مناصب في حزب البعث العربي الاشتراكي أو مجلس الشعب.

من حيث المبدأ، فإن هذا العزل يتوافق مع مبدأ فصل السلطات ويهدف إلى منع تضارب المصالح، كما يتوافق مع المبدأ القائل بضرورة حياد القضاء وحظر القضاء من العمل بالسياسة. ومع ذلك، يجب التأكد من أن إجراءات العزل تمت وفقًا للقوانين والأنظمة المعمول بها، وبما يضمن حقوق القضاة المعنيين في الدفاع عن أنفسهم، حيث يفترض أن يكون العزل بقرار من مجلس القضاء الأعلى بعد محاكمة تأديبية عادلة، وهو ما لم يحدث.

كما أن إصدار القرار رقم 75 في 16 كانون الثاني/يناير 2025، والقاضي بتعليق مهل ومواعيد الطعن في القضايا المنظورة أمام المحاكم يعتبر من حيث المبدأ مساسًا بالحق في التقاضي،[5] وهو حق أساسي مكفول بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة رقم 8) العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (المادة رقم 14). هذا القرار قد يكون له مبررات استثنائية عملياً.

ومع ذلك، فإن إيقاف مهل الطعن قد يؤثر على حقوق التقاضي وضمانات المحاكمة العادلة. وبحسب قانون السلطة القضائية رقم 98 لعام 1961، لا يملك وزير العدل سلطة التدخل في الإجراءات القضائية أو تعليق حقوق التقاضي، إلا بموجب نص قانوني صادر عن السلطة التشريعية أو بموجب حالة طوارئ قضائية معلنة رسميًا.

وفي صعيد مشابه، أصدرت وزارة العدل السورية القرار رقم 74 بتاريخ 14 كانون الثاني/يناير 2025، والذي يقضي بتنظيم آلية تقديم الشكاوى والطلبات، حيث نصّ على أن تُرفع الشكاوى المتعلقة بالشؤون الإدارية للقضاة، ومحامي الدولة، وموظفي وزارة العدل إلى وزير العدل مباشرةً، بينما تُقدم الشكاوى والطلبات المتعلقة بالأعمال القضائية إلى مجلس القضاء الأعلى.

يعكس هذا القرار محاولة لتحديد نطاق الصلاحيات بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، بحيث يتم التعامل مع القضايا ذات الطابع الإداري ضمن اختصاص وزير العدل، بينما تبقى الشؤون القضائية من اختصاص مجلس القضاء الأعلى، باعتباره الهيئة المختصة بالإشراف على عمل القضاة واتخاذ الإجراءات التأديبية بحقهم عند الضرورة.

من الناحية القانونية، يتماشى هذا القرار مع مبدأ الفصل بين السلطات، إذ يحدد دور وزارة العدل في الإشراف على الإدارة القضائية دون التدخل في جوهر العمل القضائي ذاته. غير أن التطبيق العملي لهذا القرار قد يثير تساؤلات حول مدى استقلالية مجلس القضاء الأعلى، وما إذا كان سيتمكن بالفعل من معالجة الشكاوى ذات الطابع القضائي بحرية تامة بعيدًا عن تأثيرات السلطة التنفيذية.

وفي حال تم استخدام هذا القرار بطريقة تمنح وزير العدل نفوذًا غير مبرر على القضاة من خلال تصنيف بعض الشكاوى القضائية على أنها شكاوى إدارية، فقد يشكّل ذلك تهديدًا لاستقلال القضاء، ويضعف من قدرة القضاة على أداء مهامهم بعيدًا عن التدخلات التنفيذية. علاوة على ذلك، فإن الغموض الذي قد يحيط ببعض القضايا قد يؤدي إلى تداخل في الصلاحيات بين مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل، خاصة إذا لم تكن هناك معايير واضحة لتحديد طبيعة الشكاوى والطلبات.

ومن هذا المنطلق، يتطلب تنفيذ هذا القرار رقابة صارمة وآليات واضحة لضمان عدم استغلاله كوسيلة للضغط على القضاء، أو كأداة لإعاقة تقديم الشكاوى ضد قرارات السلطة التنفيذية.

كما يُثير القرار رقم 88 الصادر بتاريخ 21 كانون الثاني/يناير 2025، والقاضي بتعيين أنس منصور سليمان رئيساً لمحكمة النقض تساؤلات قانونية حول معايير تولي هذا المنصب، خاصة في ظل عدم توفر خلفية قضائية واضحة له. حيث يُعد رئيس محكمة النقض أعلى منصب قضائي في البلاد، ويتطلب توليه خبرة قضائية واسعة نظرًا لدوره في ضمان توحيد الاجتهادات القضائية والإشراف على القضايا الكبرى.

إن تعيين شخص دون مسار قضائي واضح يُخالف القاعدة القانونية الراسخة في الأنظمة القضائية المقارنة، والتي تشترط أن يكون رئيس محكمة النقض قاضيًا مشهودًا له بالكفاءة والخبرة.

من الناحية القانونية، يُفترض أن يكون شاغل منصب رئيس محكمة النقض قد تدرج في الوظائف القضائية، بدءًا من المحاكم الابتدائية، ثم الاستئناف، وصولًا إلى محكمة النقض، إذ إن هذه المسيرة المهنية تمنحه الخبرة الضرورية للتعامل مع القضايا المعقدة وصياغة المبادئ القانونية التي تُشكل مرجعًا للنظام القضائي. حيث ينص قانون السلطة القضائية السوري على معايير واضحة للمناصب القضائية العليا، حيث تشترط المادة رقم 70 أن يكون جميع القضاة، سواء في قضاء الحكم أو النيابة العامة، حاصلين على الإجازة في القانون، مما يستبعد إمكانية تعيين شخص من خلفية غير قانونية في هذا المنصب الحساس.

أما فيما يتعلق برئاسة محكمة النقض، فقد حددت المادة رقم 76 أن مجلس القضاء الأعلى يختار رئيس المحكمة من بين فئات محددة تشمل: نواب رئيس محكمة النقض، النائب العام، معاون وزير العدل (بموافقته)، رئيسي محكمتي استئناف دمشق وحلب، أو المحامين الذين مارسوا المهنة لمدة لا تقل عن ستة عشر عامًا.

يُظهر النص السابق بوضوح أن القانون يشترط أن يكون رئيس محكمة النقض إمّا قاضيًا مخضرمًا شغل مناصب عليا داخل السلك القضائي أو محاميًا ذا خبرة قانونية طويلة، مما يجعل أي تعيين من خارج هذه الفئات مخالفة صريحة لقانون السلطة القضائية.

بناءً على ذلك، فإن تعيين السيد أنس منصور سليمان رئيسًا لمحكمة النقض، رغم عدم انتمائه إلى أي من هذه الفئات وعدم حيازته لإجازة في القانون، يُعد خروجًا عن الضوابط القانونية الناظمة للسلطة القضائية. علاوة على ذلك، يُخالف هذا التعيين مبادئ الأمم الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية، التي تؤكد على ضرورة أن يتمتع القضاة بالمؤهلات القانونية المناسبة لضمان كفاءة وحيادية السلطة القضائية. إن تجاوز هذه المعايير القانونية لا يُهدد فقط شرعية التعيين، بل قد يُؤثر أيضًا على مصداقية المؤسسة القضائية، ويُضعف ثقة المواطنين في استقلال القضاء كجهة تُفترض فيها النزاهة والحياد.

علاوة على ذلك، فإن تعيين شخص دون خبرة قضائية كافية قد يُشكل تهديدًا لاستقلال القضاء، حيث إن افتقاره إلى الخلفية القانونية يجعله أكثر عرضة للتأثر بالسلطة التنفيذية أو الجهات السياسية التي منحته هذا المنصب، مما قد يؤدي إلى تقويض حياد المحكمة وتأثيرها على تفسير القوانين وضمانات المحاكمة العادلة.

ويُشكل هذا التعيين سابقة خطيرة، إذ إنه قد يفتح الباب أمام تسييس القضاء وتمكين شخصيات غير متخصصة من شغل مناصب حساسة، ويعتبر هذا الأمر محظوراً بموجب المادة رقم 81 من قانون السلطة القضائية في سوريا، التي حظرت على القضاة إبداء الآراء والميول السياسية أو الاشتغال بالسياسة، مما يُضعف ثقة المجتمع في النظام القضائي وقدرته على تحقيق العدالة وفق أسس قانونية راسخة.

 بناءً على ذلك، فإن تعيين رئيس محكمة النقض يجب أن يكون محكومًا بمعايير صارمة تستند إلى الكفاءة القضائية والخبرة الطويلة في العمل القانوني، لضمان استقلال القضاء وتعزيز الثقة في العدالة. وأي انحراف عن هذه المعايير قد يؤدي إلى إضعاف السلطة القضائية وتحويلها إلى أداة تنفيذية، بدلًا من أن تكون مؤسسة مستقلة تُشرف على تطبيق القانون وتحقيق العدالة.

كذلك تجدر الإشارة إلى القرار رقم 204 الصادر بتاريخ 12 شباط/فبراير 2025، حول إحالة 87 قاضي زاولوا مهام قضائية ضمن محكمة قضايا الإرهاب، إلى إدارة التفتيش القضائي للتحقيق معهم حول أدائهم منذ تأسيس المحكمة. حيث يُعد هذا القرار من الناحية القانونية إجراءً يدخل ضمن نطاق صلاحيات وزير العدل، فهو يملك سلطة الإشراف الإداري على القضاة، بما في ذلك إحالتهم إلى الجهات المختصة للتفتيش والتحقيق في أدائهم المهني. إلاّ أنّ إدارة التفتيش القضائي، بوصفها الجهة المخولة بمراقبة عمل القضاة وضمان التزامهم بالمعايير المهنية والأخلاقية، تتحمل مسؤولية إجراء تحقيقات تضمن نزاهة القضاء وعدم إساءة استخدام السلطة القضائية. مع ذلك، لا بد من احترام مبدأ استقلال القضاء وضمان الشفافية والموضوعية في هذه الإجراءات والذي يُعد أمرًا حاسمًا للحفاظ على مصداقية النظام القضائي، ومنع أي استغلال لهذه التحقيقات لتصفية حسابات أو فرض توجهات معينة داخل السلطة القضائية.

في ضوء هذه الإشكاليات القانونية، يمكن القول إن أي قرارات تصدر عن وزارة العدل الحالية يفترض أن تلتزم بمبادئ المشروعية القانونية والفصل بين السلطات.

إنّ أي تعديلات جوهرية في النظام القضائي يجب أن تكون من اختصاص الجهات المختصة، وليس وزير العدل المؤقت الذي يُفترض أن تقتصر سلطته على تصريف الأعمال العادية. ومن الضروري ضمان أن جميع الإجراءات التي تؤثر على القضاء تحترم القوانين النافذة، ولا تُتخذ وفقًا لاجتهادات سياسية قد تؤدي إلى تقويض النظام القانوني للدولة خلال المرحلة الانتقالية.

4.     توصيات من “سوريون”:

يفترض على وزارة العدل ضمان التقيد بالمبادئ القانونية التي تحكم صلاحياتها، مع ضمان استقلال القضاء واحترام القوانين النافذة. بناءً عليه، توصي “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الوزارة بما يلي:

  1. الالتزام بالمشروعية القانونية: يجب عدم اتخاذ قرارات تؤثر على البنية القضائية للدولة إلا من خلال الأطر التشريعية المناسبة، والامتناع عن إلغاء أو استحداث مناصب قضائية دون سند قانوني واضح.
  2. حماية استقلال القضاء: يجب أن تظل جميع المسائل المتعلقة بتعيين أو عزل القضاة ضمن اختصاص مجلس القضاء الأعلى، دون تدخل من وزارة العدل، لمنع أي تأثير سياسي أو تنفيذي على القضاء، إلى أن يتم تعديل قانون السلطة القضائية السوري من قبل الجهات المختصة، بهدف تحرير مجلس القضاء الأعلى من هيمنة السلطة التنفيذية.
  3. ضمان حقوق التقاضي والمحاكمة العادلة: يجب عدم تعليق مهل الطعن أو تقييد إجراءات التقاضي إلا وفق نصوص قانونية واضحة صادرة عن سلطة تشريعية مختصة أو في حالات طوارئ محددة بمرسوم قانوني.
  4. وقف تطبيق الأحكام الشرعية المخالفة للقوانين الوضعية: يجب على جميع المحاكم الالتزام بالقانون السوري النافذ، ومنع فرض عقوبات تخالف القوانين الوطنية والمعايير الدولية، مثل الجلد وغيره من العقوبات الجسدية.
  5. تحديد صلاحيات الحكومة المؤقتة بوضوح: يجب وضع إطار قانوني انتقالي يُحدد مهام وزارة العدل، بحيث يقتصر دورها على الإشراف الإداري دون المساس باستقلال القضاء أو التدخل في عمل المحاكم، وفق ما هو منصوص عليه في قانون السلطة القضائية.
  6. الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان: يجب أن تتوافق جميع القرارات القضائية وإجراءات سير المحاكمات مع الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها سوريا، مثل اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذلك مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية.

 

[1] بحسب السيرة الذاتية المنشورة على موقع حكومة الإنقاذ في محافظة إدلب، شغل محمد البشير منصب رئيس الوزراء في حكومة الإنقاذ في كانون الثاني/يناير 2024، وذلك بعد توليه سابقًا منصب وزير التنمية والشؤون الإنسانية في الحكومة ذاتها. يحمل البشير شهادة في الهندسة الكهربائية والإلكترونية من قسم الاتصالات في جامعة حلب (2007)، بالإضافة إلى شهادة في الشريعة والحقوق من جامعة إدلب (2021). وُلد محمد البشير عام 1983 في جبل الزاوية بمحافظة إدلب.

[2] د. أحمد حسانين إيهاب، النظام الدستوري لحكومة تصريف الأعمال، دراسة مقارنة، من منشورات كلية الحقوق، جامعة المنوفية، مصر.

[3] يمكن الاطلاع على أمثلة مشابهة في العديد من الدساتير المؤقتة حول العالم، مثل الدستور العراقي المؤقت لعام 2004 والدستور التونسي المؤقت لعام 2011، حيث وضعت هذه الوثائق حدودًا واضحة لصلاحيات الحكومات الانتقالية، مقيّدة إياها بإدارة الشؤون اليومية دون إحداث تغييرات جوهرية دائمة. في سوريا، ورغم غياب نص دستوري محدد يوضح نطاق اختصاصات الحكومة المؤقتة، فإن المبادئ الدستورية العامة وقواعد القانون العام تفرض عليها الالتزام بحدود تصريف الأعمال وعدم تجاوز صلاحياتها في غياب تفويض تشريعي واضح.

[4] المبادئ والقواعد القانونية والدستورية التي تضمن أن يبقى القضاء مستقلاً، وأن أي تدخل حكومي في شؤونه يجب أن يكون ضمن حدود القانون، وإلا كان غير مشروع، وأهمها مبدأ فصل السلطات، ومبدأ استقلال القضاء، مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل التعسفي، مبدأ الشرعية والمشروعية القانونية.

[5] يشمل الحق في التقاضي الوصول إلى العدالة، والمحاكمة العادلة، وعدم حرمان أي شخص من حقه في رفع دعوى قضائية أو الدفاع عن نفسه، وهو الحق المكفول لكل فرد في اللجوء إلى المحاكم لحماية حقوقه وحرياته أو المطالبة بها، دون أي قيود غير مشروعة. يُعد هذا الحق من الضمانات الأساسية لسيادة القانون.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد