فرض النزاع الدائر في سوريا منذ أكثر من عشر سنوات، على جميع السوريين/ات، الكثير من المصطلحات القانونية التي لم يكن المواطن العادي له أي دراية أو علم بها، لكن الآن بات يسمع بهذه المصطلحات ويستخدمها، نتيجة الحرب ومخلفاتها، فمنها مصطلحات تتعلق بالأمور الجنائية والجرائم التي أرتكبت في سوريا، كجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، والقتل خارج القضاء والاختفاء القسري، وغيرها الكثير من المصطلحات الجزائية، ومنها تلك المتعلقة بالمسائل المدنية وخاصة بموضوع الملكية العقارية، كـ”الحقوق العينية العقارية” و”السجل العقاري” و”العقارات الملك” و”العقارات الأميرية” و”أعمال التحديد والتحرير” وغيرها من المصطلحات.
ولأن الكثير من السوريين/ات ولا سيما غير القانونيين يستخدمون تلك المصطلحات بغير موضعها الصحيح في أحايين عديدة، علاوة على إن أصحاب الحق، يعتقدون في كثير من الأحيان بأن حقه محفوظ بناء على “أدلة” موجودة بحوزته، أو يظنون بأن الكل سيعترف له بهذا الحق، أو بأن الأدلة جميعها تتمتع بذات القوة الثبوتية، بينما الحقيقة تكون غير ذلك، لذلك ارتأينا في منظمة “سوريون لأجل الحقيقة والعدالة”، أن نوضح وبشكل مبسَّط وميسَّر، المقصود بتلك المصطلحات التي يحتاجها السوريون ويستخدمونها في الوقت الراهن، وسنكتفي بالمصطلحات الأكثر تداولاً واستعمالاً، وذلك على شكل أوراق مبسطة، تكون مساعدة للسوريين غير المتخصصين في القانون، ليكونوا قادرين على فهم حقيقة تلك المصطلحات. وسنخصص هذه الورقة للمصطلحات العقارية التالية:
- العقار وأنواعه والحقوق العينية.
- أعمال التحديد والتحرير.
- محاضر التحديد والتحرير.
- السجل العقاري.
- إشارة الدعوى.
- الوكالة
- عقد البيع.
وثمة مصطلحات أخرى ستكون موضوعات لأوراق قادمة.
-
العقار وأنواعه والحقوق العينية
عرفته المادة 84 من “القانون المدني السوري” بأنه “كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله منه دون تلف”،[1] ، وهذا يعني بأنه يشمل الأراضي والمباني والمنازل، وهذه تسمى العقارات بطبيعتها، أي ليست بحاجة إلى أي تصرّف مادي أو قانوني ليقال عنها عقار، وبالمقابل يوجد ما يسمى “العقار بالتخصيص”؛ أي إنه ليس عقاراً بطبيعته وإنما هو منقول يضعه صاحبه في عقار يملكه بهدف خدمة هذا العقار واستغلاله (المادة 84 فقرة 2)، كالجرار الزراعي والحصادة وغيرها من المنقولات التي يمكن أن ترصد لخدمة العقار، وتعامل هذه المنقولات (العقارات بالتخصيص) كالعقارات في المعاملات التي تتم بين الأطراف، ولكنه يعود لطبيعته كمنقول في حال إنهاء تخصيصه لخدمة العقار بطبيعته، مع ملاحظة إن بيوت الشعر والكرفانات المتنقلة لا تعتبر عقارات ولو كانت مجهزة للسكن، كونها قابلة للنقل بدون تلف.
كما أنّ القانون المدني السوري اعتبر الحقوق العينية التي تقع على العقار ذاته، عقاراً أيضاً، وكذلك اعتبرته الدعاوى القضائية التي تتعلق بالحقوق العينية المذكورة، وقد حددت المادة 85 من القانون المدني، الحقوق العينية بمايلي: (الملكية – التصرف – الانتفاع – السطحية – حق الأفضلية على الأراضي الخالية المباحة – حقوق الارتفاق العقارية – الرهن والتأمين العقاري – الامتياز – الوقف – الإجارتان – الإجارة الطويلة – حق الخيار الناتج عن الوعد بالبيع)، وكون هذه الورقة أعدت للقارئ غير المتخصص بالقانون سنقوم بشرح مبسط لبعض تلك المصطلحات.
- الملكية: وهو حق طبيعي وأساسي من حقوق الانسان، وقد تكون الملكية عامة للدولة وإداراتها ومؤسساتها، أو خاصة لشخص أو عدة أشخاص أو لمؤسسات غير حكومية، والملكية تردّ على العقار كما تردّ على المنقول، ولمالك الشيء وحده في حدود القانون، حقّ استعماله واستغلاله والتصرف فيه، ويكون له الحق في كل ثماره ومنتجاته وملحقاته، ولا يجوز أن يحرم أحد من ملكه إلاّ في الأحوال التي يقررها القانون وبالطريقة التي يرسمها، ومقابل تعويض عادل[2].
- التصرف: وهذا الحقّ يمكن أن يكون مادياً، كالانتفاع بالعقار ومنتجاته وإشادة الأبنية عليه أو هدمها، كما يكون قانونياً كحقه بالبيع والتأجير وإجراء حق الرهن عليه والتأمين والمقايضة، وغير ذلك من الحقوق الناجمة عن الملكية.
- الانتفاع: عرفته المادة 936 من القانون المدني بأنه “حق عيني باستعمال شيء يخص الغير واستغلاله”، وهذا يعني أن حقّ الانتفاع يمكن أن يرد على منقول أو عقار سواء كان العقار مبنياً أم لا، ويمنح المنتفع حق الاستعمال والاستغلال، بينما تبقى رقبة العقار (ملكية العقار) للمالك[3]، وقد يكون الانتفاع بمقابل أو بدون مقابل، وقد يكون حق الانتفاع لمدى الحياة أو لمدة محددة، ويسقط حق الانتفاع بموت المنتفع أو تلف العقار تلفاً كاملا أو بتنازل المنتفع عنه، أو بطلب من المالك بسبب سوء الاستخدام، ويجب تسجيل هذا الحق في السجل العقاري.
- الارتفاق: عرفت المادة 960 من القانون المدني حق الارتفاق بأنه: “تكليف مفروض على عقار (العقار الخادم) لمنفعة عقار معين (العقار المخدوم) جار في ملكية شخص غير مالك العقار الأول”، وهذا الحق لا يكون إلا على العقار بطبيعته ولا يمكن أن ينصب على المنقول أو العقار بالتخصيص، كحق المسيل (تصريف المياه) للأراضي العالية على الأراضي الواطئة، وكذلك حق مالك العقار المحاصر بالمرور من عقار جاره للوصول إلى الطريق العام، بشرط أن يكون ذلك بأقل الأضرار ومقابل تعويض عادل.
-
الرهن والتامين العقاري: وثمة نوعين من الرهن هما : الرهن الحيازي والرهن التأميني (التأمين العقاري)؛
- الرهن الحيازي: وهذا الرهن قد يرد على المنقول وقد يرد على العقار، وما يهمنا هنا هو الرهن الوارد على العقار، فالرهن الحيازي العقاري هو عقد يضع بموجبه المدين عقارا في يد دائنه، أو في يد شخص آخر يتفق عليه الطرفان، ويخول الدائن حق حبس العقار إلى أن يدفع له دينه تماما، وإذا لم يدفع له الدين فله الحق بملاحقة نزع ملكية مدينه بالطرق القانونية (المادة 1055 قانون مدني)،
- الرهن التأميني (التأمين العقاري): وهو حق عيني يتم بموجب عقد بين المدين الراهن المالك للعقار وبين الدائن المرتهن، ويتم بموجبه تأمين العقار لوفاء دين الدائن، ويبقى العقار في يد المدين المالك، وفي حال حلول الأجل المتفق عليه وعدم قيام المالك بالوفاء يحق للدائن القيام بالاجراءات القانونية لبيع العقار واستيفاء دينه من ثمن العقار، وما زاد عن مبلغ الدين وعن تكاليف الدعوى القضائية يكون من حق المالك المدين، ويجب تسجيل هذا الحق في السجل العقاري، والرهن التاميني لا يمنع المالك من التصرف بالعقار المرهون وبيعه، طالما إن الدائن قادر على تحصيل دينه من العقار المرهون في أي يد كانت. وهذا حال أغلب القروض التي تمنحها البنوك والمصارف لشراء العقارات.
إضافة إلى الحقوق العينية المذكورة أعلاه، فان العقارات ليست واحدة في القانون السوري، وانما توجد عدة أنواع منها، وهي كالتالي:
- العقارات الملك: وهي القابلة للملكية المطلقة والكائنة داخل مناطق الأماكن المبنية المحددة الإدارية، ويكتب على إخراج القيد العقاري في حقل “النوع الشرعي” للعقار بأنه ملك، وفي هذه العقارات توزع التركة على أساس القاعدة الشرعية، للذكر حظ الأنثيين، وحصر الإرث الذي يصدر بخصوص هذه العقارات يسمى حصر الإرث الشرعي، وفي حال كان العقار محدداً ومحرراً يحصل المالك على سند التمليك الدائم (الطابو الأخضر)، أما ان لم تكن أعمال التحديد والتحرير قد تمت بعد فيحق للمالك الحصول على سند التمليك المؤقت (سند التصرف)[4].
- العقارات الأميرية: وهي التي تكون رقبتها (ملكيتها) للدولة ويجوز أن يجري عليها حق التصرف، وليس للمتصرف بالعقار الأميري سوى الانتفاع بالعقار كون رقبة العقار للدولة، ويكتب على إخراج القيد العقاري بأن نوعه الشرعي “أميري”، وهنا تكون الحصص في الإرث متساوية بين الذكر والأنثى، وهنا يطبق حصر الإرث القانوني، ويسقط حق المتصرف بالتصرف في العقار الأميري بعدم حراثة الأرض أو بعدم استعمالها مدة خمس سنوات،[5] وفي حال دخول العقار الأميري ضمن مناطق الأماكن المبنية المحددة الإدارية، فهنا يمكن للمالك أو أحدهم اللجوء الى المحكمة المختصة بدعوى تسمى “تصحيح النوع الشرعي للعقار”، وفي حال توفر بيان من مجلس المدينة أو البلدية التي يقع فيها العقار مبيناً فيه أن العقار يقع ضمن المنطقة المحدد ادارياً والمأهولة بالسكان، تصدر المحكمة قرارها بتصحيح نوعه الشرعي ليصبح ملكاً.
وهذا المصطلح “أميري أو ميري” قد استخدِمَ كون جميع الأراضي كانت مملوكة للدولة العثمانية، أي تعود ملكية رقبتها للدولة مع إعطاء الحق للأفراد بالتصرف بها، إذ جرى توزيعها بعد عام 1856 على السكان من دون أن يكون لهم حق تملّكها.[6]
- العقارات المتروكة المرفقة: وهي التي تخصّ الدولة ويكون لجماعة ما حق استعمال عليها تحدد مميزاته ومداه الأنظمة الادارية، كالبيادر والمراعي التي تستعمل من قبل أهل قرية ما أو عدة قرى، دون أن يكون لها الحق باستغلاله أو التصرف فيه، إلا أنّ حق الاستعمال هذا لا يمنح أي حق لصاحبه مهما طالت مدة الاستعمال، وهذا هو الحال أيضاً بالنسبة للعقارات المتروكة المحمية (المادة 926 القانون المدني)،
- العقارات المتروكة المحمية: هي التي تخصّ الدولة أو المحافظات أو البلديات، وتكون جزءاً من الأملاك العامة، كالطرق والشوارع العامة والحدائق، وهذه العقارات لا تسجل في السجل العقاري ولا تعطى أرقام عقارات، وكل عقار مسجل يحذف قيده من السجل إذا دخل ضمن الأملاك العامة.[7]
- العقارات الخالية المباحة أو الأراضي الموات: وهي الأراضي الأميرية التي تخصّ الدولة، إلا انها غير معينة ولا محددة، فيجوز لمن يشغلها أولاً أن يحصل بترخيص من الدولة على حق أفضلية ضمن الشروط المعينة في أنظمة أملاك الدولة، والاستيلاء على العقار يخول أول من أشغله بترخيص قانوني من الدولة حق تفضيله على من سواه لاكتساب حق التصرف في العقارات المحلولة الخالية.[8]
إضافة إلى أنواع العقارات المذكورة، فقد فرضت الحياة المدنية والتطور العمراني تصنيفات أخرى للعقارات، حيث توجد عقارات داخل المخطط التظيمي[9] للبلدة وأخرى خارجه، ويقصد بتلك الداخلة ضمن المخطط التنظيمي، هي تلك العقارات التي تصبح جزءاً من العقارات المخصصة للتجمعات السكنية، إستناداً إلى أسس التخطيط العمراني[10] وفقاً لقانون التخطيط العمراني الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 5 لعام 1982، والمعدل بالقانون رقم 41 لعام 2002، وما عداها من العقارات تكون خارج التنظيم.
-
أعمال التحديد والتحرير:
وهي الأعمال التي تتم بناء على أحكام القرار 186 لعام 1926 ( قانون نظام التحرير والتحديد العقاري)، وتتم بإشراف القاضي العقاري بمساعدة مهندس أو أكثر وكاتب، حيث يتم الإعلان عن افتتاح هذه الأعمال في كل منطقة، ووذلك بقرار من القاضي العقاري بناء على اقتراح الأشغال الفنية في دائرة المساحة، وتتم الأعمال في كل محافظة قرية قرية وفي كل مدينة منطقة منطقة، ويتوجه الفريق المذكور برئاسة القاضي العقاري الى عقارات المنطقة، ويتوجهون بالأسئلة إلى الأهالي الموجودين عن مالك كل عقار، ويقومون بتحديد حدود كل عقار بناء على أقوال الموجودين، ويتم وضع تصميم لكل منطقة عقارية يسمى بالكروكي، وبناء على عمل فرق التحديد والتحرير يتم تصميم خرائط المساحة بعد التثبت من تطابقها مع قرارات القاضي العقاري.[11]
ويكون مختار المحلة (المنطقة) موجوداً أثناء ذلك، وفي حال وقوع خلاف على الملكية فيتم تسجيل اسم شاغل العقار في حقل المالك المفترض، وكل من يدعي بحق ما، فيسجل في حقل المعترض، وفي حال عدم معرفة شاغل العقار فيتم تسجيل جميع المدعين كمعترضين، وفي حال عدم تواجد المالك أثناء أعمال التحديد فيتم التسجيل بناء على أقوال المختار والجوار الحاضرين، ويقوم المهندس بوضع التخوم لكل عقار بناء على وضع اليد الحقيقي للمالك المفترض.
والسبب في كتابة إسم مدعي الملكية بالمالك المفترض هو إن ما يسجل على المحضر الأولي (المؤقت) ليس نهائيا بل سيتم البت في الادعاء بالملكية والاعتراضات في مكتب القاضي العقاري، وذلك بموجب قرار يتخذ على ظهر محضر التحديد والتحرير.
-
محضر التحديد والتحرير:
وهي الوثيقة التي تنظم لكل عقار بعد الانتهاء من أعمال التحديد، ويشمل هذا المحضر وصف العقار (موقعه وقوامه ونوعه الشرعي وحدوده المصرح بها)، واسم وشهرة وعمر ومهنة وجنسية المالكين والشركاء في العقار المصرح بهم، وذكر الحقوق العينية المترتبة على العقار أو له، والاعتراضات على الحدود وعلى وجود ومدى حق الملكية أو الحقوق العينية الأخرى، وتعداد الوثائق والسندات التي يبرزها ذوو الشأن، تعيين محل الإقامة المختار للملاكين والشركاء في الصك والمعترضين ومدعي الحقوق. [12]
ويحق لكل المدعين بحق ما، والذين لم يحضروا أثناء التحديد الوجاهي، أن يقدموا اعتراضاتهم أو طلباتهم ويبرزوا لدعمها سنداتهم أو وثائقهم الإثباتية، ويقوم القاضي العقاري بالبت في تلك الاعتراضات بقرار يصدر عنه، ويكون قراره قابلا للاستئناف أمام محكمة الاستئناف المدني في المنطقة أو المحافظة التي يتبعها العقار، وقرار محكمة الاستئناف يكون مبرماً، وتكون هذه الأحكام هي الأساس لتنظيم الصحيفة العقارية للعقار.
ويحقّ لكل من يدعي حقا في العقار الذي صدر بشأنه قرار مبرم من القاضي العقاري أو محكمة الاستئناف، ولم يكن هذا الشخص ممثلاً في الدعوى أن يتقدم، وخلال مدة سنتين من تاريخ اكتساب القرار الدرجة القطعية، بدعوى مبتدئة أمام محكمة البداية المدنية في المنطقة التي يتبعها العقار، ويكون قرار الأخيرة قابلاً للاستئناف ويكون قرار محكمة الإستئناف مبرماً ولا يقبل أي طريق من طرق المراجعة.[13]
وبعد إنقضاء مدة السنتين المذكورتين لا يمكن المطالبة بأي حق عيني على العقار، كونها مهلة سقوط، لكن يحق لمن يدعي بحق ما المطالبة بالتعويض على مسبب الضرر أو الغبن،[14] وذلك خلال مدة أقصاها خمس سنوات.[15]
-
السجل العقاري:
هو مجموعة الوثائق التي تبيّن أوصاف كل عقار وتعين حالته الشرعية، وتنص على الحقوق المترتبة له وعليه، وتبين المعاملات والتعديلات المتعلقة به، ويتم مسك السجل العقاري لكل منطقة عقارية، والمنطقة العقارية تتألف من كل قرية أو مدينة ضمن حدودها، ويسمى في مصر بالشهر العقاري، أي يقصد منه شهر حالة العقار وجعل كل المعلومات المتعلقة بالعقارات متاحة للعامة.
ويتألف هذا السجل من دفتر الأملاك والوثائق المتممة (دفتر اليومية، محاضر التحديد والتحرير، خرائط المساحة، الرسوم المصورة بواسطة الطيارات، ورسوم المسح، والأوراق المثبتة).
يجري تسجيل العقارات في السجل العقاري للمنطقة التابعة لها تلك العقارات، وفقاً للشروحات المذكورة في محاضر التحديد والتحرير، وطبقاً للخرائط كما هي مثبتة في قرار القاضي العقاري، ويسجل كل عقار في السجل العقاري تحت الرقم المعطى له في دائرة المساحة.
ويكون لكل عقار صحيفة عقارية واحدة في سجل الملكية، ويعطى لكل مالك نسخة عن الصحيفة العقارية لعقاره، وهي ما تسمى بسند التمليك (الطابو الأخضر)، ويعد أقوى أنواع وثائق الملكية، تضمن سند التمليك رقم العقار، واسم المنطقة التي يقع فيها، ومساحته، ووصفه، ونوعه الشرعي، واسم المالك، وحصته، وجميع الحقوق المترتبة له وعليه، وتكون الصحائف العقارية لعقارات كل منطقة عقارية مجموعة في سجل يسمى بسجل الملكية، ويمكن أن يكون لكل منطقة عقارية أكثر من سجل ملكية واحد، وتسجل عقارات كل منطقة في سجل الملكية وفقاً لتسلسل أرقامها.[16]
الأملاك العمومية (العامة) لاتسجل، إلا إذا كان لها أو عليها حقوق عينية يجب تسجيلها، وبالعكس، فكل عقار مسجل، يحذف قيده من السجل إذا دخل ضمن الأملاك العمومية.
ولا يسري التقادم على الحقوق المسجلة في السجل العقاري،[17] ولا يجوز إخراج السجل العقاري من دائرة التسجيل العقاري المختصة التابعة للمديرية العامة للمصالح العقارية لأي سبب كان،[18] ويجوز الاطلاع عليه في الدائرة المختصة باشراف الموظف المسؤول اذا طلبت ذلك الجهات القضائية او الرسمية لأغراض معينة.[19]
إضافة إلى السجل العقاري توجد سجلات أخرى تسجل فيها بعض العقارات، كالسجل المؤقت، وسجلات الاتحاد التعاوني السكني، وسجلات المؤسسة العامة للإسكان ومؤسسة الإسكان العسكرية، وسجلات الجمعيات السكنية، وتكون لهذه السجلات ذات القوة الثبوتية التي يتمتع بها السجل العقاري.
-
إشارة الدعوى:
وهي تدبير تحفظي مؤقت يوضع على صحيفة العقار في السجل العقاري، والتي يمارسها مدعي الحق للحفاظ على حقّه حتى يتم حسم النزاع لمصلحته، وتعتبر من أهم التدابير التحفظية من حيث الآثار القانونية المترتبة عليها.[20]
وقد أوجب القانون وضع إشارة الدعوى على صحيفة العقار عندما يكون الأخير محلاً لدعوى عينية عقارية، وفي حال عدم وضع هذه الإشارة فالمحكمة لن تسمع الدعوى،[21] وذلك بهدف حماية حق المدعي ومنع الخصم من تهريب العقار، وكذلك لحماية الغير وإطلاعهم بأن هذا العقار مثقل بإشارة الدعوى العينية لمصلحة المدعي، وذلك لأنه حتى ولو تم بيع العقار لأشخاص آخرين، فيحق للمدعي بعد حصوله على الحكم القضائي المكتسب الدرجة القطعية استرداد حقه في العقار في أي يد كانت، ما دامت إشارة الدعوى التي وضعها على صحيفة العقار هي الأسبق في التاريخ من باقي الإشارات، أي في حال تزاحم الإشارات تكون الأفضلية للإشارة الأسبق تاريخاً باليوم والساعة والدقيقة، وتوضع الاشارة بواسطة مكتب التوثيق العقاري التابع لمديرية المصالح العقارية، وتوضع نسخة من كتاب الاشارة في ملف الدعوى.
ومصير اشارة الدعوى مرتبط بمصير الدعوى حيث تنتهي الإشارة بإنتهاء الدعوى، سواء صدر الحكم لمصلحة المدعي(تثبيت الحق المدعى به)، أو ضد مصلحته (رد الدعوى لأي سبب كان)، بشرط إكتساب الحكم الدرجة القطعية، ويكون الحال كذلك حتى لو تم شطب الدعوى.
-
الوكالة
وهي عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل،[22] وتنظم هذه الوكالة لدى الكاتب بالعدل المتواجد في المحاكم، والذي يعمل تحت اشراف رئيس محكمة البداية المدنية في المناطق والمدن، وقاضي صلح المنطقة في النواحي التي لا توجد فيها محكمة بداية مدنية، ويتبع إدارياً للنيابة العامة حيث يصادق النائب العام على صحة توقيع الكاتب بالعدل وخاتمه، ويلجأ الناس إلى تنظيم وكالة خاصة ببيع العقار لدى الكاتب بالعدل توفيراً للوقت والجهد والمال، كونها لا تحتاج إلى الإجراءات المطلوبة في المحاكم عادة وتنظم الوكالة خلال ساعات أو دقائق، بينما الدعاوى أمام المحاكم قد تأخذ شهوراً أو سنين أحياناً، والوكالة المطلوبة لبيع العقار لابد أن تكون وكالة خاصة يحدد فيها رقم العقار والمنطقة العقارية والحصة السهمية إذا كان محل البيع هو حصة سهمية، أي تحديد العقار أو العقارات أو قسم منها بشكل ينفي الجهالة ولا تكون الوكالة محلا للشك او التأويل، وعليه فإن الوكالة الواردة بألفاظ عامة لا تخصيص فيها، تخول الوكيل فقط الصفة في أعمال الإدارة، وبيع العقار لا يدخل ضمن أعمال الإدارة بل هو من ضمن أعمال التصرف[23]، على الرغم من ورد عبارات تتعلق بأعمال التصرف كالبيع والشراء والرهن والتبرع وغيرها في الوكالة العامة، إلا إنها لا تخول الوكيل بتلك التصرفات، لأن الوكالة كما ذكرنا هي عقد ومحل العقد يجب أن يكون معلوماً وواضحاً.
والوكالة قد تنظم لمصلحة الوكيل نفسه، وهي الحالة الغالبة في الوكالات الخاصة ببيع العقار، بحيث تمنحه الوكالة الحق ببيع العقار لنفسه، وقد تنظم لمصلحة شخص معين، وفي هذا النوع من الوكالات لا يجوز للموكل أن ينهي الوكالة أو يقيدها، لذلك سميت بـ”الوكالة غير القابلة للعزل”، لكن يجوز ذلك فقط في حال قبول من صدرت الوكالة لمصلحته بذلك، أما الوكيل فيحق له التنازل عن الوكالة في أي وقت وذلك بإبلاغ الموكل بذلك، لكن لا يجوز له ذلك إذا كانت الوكالة قد صدرت لصالح أجنبي (شخص ثالث)، إلا إذا وجدت أسباب جدية تبرر ذلك، على أن يخطر الأجنبي بهذا التنازل وأن يمهله وقتاً كافياً ليتخذ ما يلزم لصيانة مصالحه.[24]
لكن ما يؤخذ على وكالة بيع العقار، أنه لا يتم وضع إشارة الدعوى على صحيفة العقار، كما هو حال الدعوى أمام المحكمة، وبذلك يبقى حق الوكيل أو الشخص الثالث (الغير) مهدداً، حيث يمكن أن يقوم المالك بعد تنظيم الوكالة، ببيع العقار لشخص آخر حسن النية ويتم وضع اشارة الدعوى لمصلحة هذا الأخير، وبالتالي سيفقد من نظمت الوكالة لمصلحته حقه في المطالبة بعين العقار، وسينحصر حقه في مطالبة المالك باسترداد ثمن العقار إضافة إلى ما لحقه من ضرر من فعل المالك.
لقد حاول “المشرّع” إضفاء قوة ثبوتية أكثر على وكالة بيع العقار المنظمة لدى الكاتب بالعدل، عندما أخضع قانون الكاتب بالعدل رقم 15 لعام 2014، الاختصاص المكاني للكاتب بالعدل بخصوص وكالات بيع العقار للنظام العام، بمعنى ليس لكاتب العدل في منطقة ما تنظيم وكالة بيع لعقار يقع خارج منطقته الإدارية، وألزم الكاتب بالعدل بإرسال نسخة من وكالة بيع العقار إلى مديرية المصالح العقارية لتدوينها على صحيفة العقار.
-
عقد البيع:
وقد عرفه القانون المدني السوري بأنه “عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حق مالي آخر في مقابل ثمن نقدي”.[25]
وما يهمنا في هذه الورقة هو عقد بيع العقار الذي يتفق بمقتضاة مالك العقار أووكيله القانون ببيع العقار أو جزء منه إلى المشتري، وهو عقد ملزم لطرفي العقد، فالبائع يلتزم بنقل ملكية العقار (المبيع) إلى المشتري، ويلتزم الأخير بدفع الثمن المتفق عليه، ويتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة مايقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لإنعقاد العقد، والتعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة وبالإشارة المتداولة عرفاً، كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود.[26]
وقد درجت العادة على أن يكون عقد البيع خطياً بين الطرفين ويسمى باللغة العامية بـ”عقد البيع القطعي”، وقد لاحظنا في الفقرة السابقة إنه ليس بالضرورة أن يكون عقد البيع كتابياً، إذ يمكن أن يكون شفهياً أيضا، لكن الغالبية العظمى من المتعاقدين يفضلون العقود الكتابية، كونها أكثر وضوحاً وضماناً، وقد درجت العادة على تسمية عقد بيع العقاربـ “عقد بيع عقار قطعي أو عقد البيع القطعي أو النهائي”، وكي يضمن الشاري حقه في العقار موضوع العقد عليه تثبيت البيع وتسجيل العقار باسمه في السجل العقاري، وفقاً للأصول والقانون، ومثل هذه العقود يكون البائع قد استلم كامل الثمن والمشتري استلم المبيع (العقار)، وأحيانا يتم تأجيل دفع جزء من الثمن أو كامله إلى حين تسليم العقار المبيع، أو إلى حين الإقرار بالبيع أما القضاء أو الكاتب بالعدل، وهذه العقود لا رجعة فيها، لكن أحياناً يتم وضع مبلغ معين متفق عليه كعربون، وهذه العربون يعطي أي من الطرفين الحق في التراجع عن العقد، قبل استكمال الثمن وتسليم المبيع ونقل ملكيته للمشتري بشكل رسمي، وفي حال تراجع دافع العربون فإنه يفقد ما دفعه، وفي حال تراجع الطرف الآخر فإنه يلتزم برد الضعف إلى الطرف الآخر.
وثمة نوع حديث من العقود فرضته كثرة استخدام الوسائط الالكترونية في الحياة اليومية، وهو ما يسمى بـ”عقد البيع الالكتروني”، وهو لا يختلف في أساسياته عن عقد البيع التقليدي من حيث ضرورة توافر أركان انعقاده وشروط صحته والأثر المترتب عليه من حيث المسؤولية، وإنما يختلف عنه في الوسيلة التي يتم بها إبرامه، إذ يكتسب الطابع الالكتروني بالطريقة التي ينعقد بها، حيث يتم التعاقد عبر الوسائل الالكترونية، وقد نص قانون التوقيع الالكتروني وخدمات الشبكة الصادر في سوريا عام 2009، على أنّ “للتوقيع الالكتروني المصدّق، المدرج على وثيقة إلكترونية، في نطاق المعاملات المدنية والتجارية والإدارية، ذات الحجية المقررة للأدلة الكتابية في أحكام قانون البينات،..”.[27]
ونعتقد بأنه من المهم الإشارة إلى مصطلح كثير التداول بخصوص البيوع العقارية وهو ما يسمى بـ”بيع الوفاء”، ويقصد به أن يقوم المالك للعقار ببيع عقاره إلى شخص آخر (المشتري)، بمبلغ يتم الاتفاق عليه، ويحتفظ البائع (المالك) لنفسه بحق استرداد العقار في حال دفع للشاري المبلغ المذكور، وقد اعتبرت المادة 433 من القانون المدني السوري هذا العقد باطلاً، إذ نصت بأنه ” إذا احتفظ البائع عند البيع بحق استرداد المبيع خلال مدة معينة، وقع البيع باطلاً”.
______
[1] القانون المدني. موقع مجلس الشعب السوري (آخر زيارة للرابط: 16 تشرين الثاني/ نوفمبر2021). http://parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=12162&ref=tree&
[2] انظر المواد 768 و 769 و 770 و 771 من القانون المدني السوري.
[3] ويعني “حق الرقبة” أن يكون مالك العقار شخص والمنتفع به شخص آخر، ويكون لمالك الرقبة سلطة التصرف في ملكه بنقل ملكيته بأحد الطرق الناقلة للملكية، كالبيع أو الهبة على أن لا يكون ذلك التصرف مضراً بمالك حق الانتفاع، وأن لا يحدث أي تغيير في حق المنتفع، بل يظل الأخير شاغلاً للعقار ما لم يتنازل عن حقه تنازلاً صريحاً. (المادة 958 – القانون المدني السوري).
[4] ثمّة شرح مفصل لأعمال التحديد والتحرير في الأسطر التالية.
[5] انظر المادة 775 القانون المدني السوري.
[6] انظر أيضاً: مصطلحات عقارية.. العقار الأميري. جريدة عنب بلدي. 13 تموز/يوليو 2020 (آخر زيارة للرابط: 16 تشرين الثاني/ نوفمبر2021). https://www.enabbaladi.net/archives/400319
[7] القرار 188 لعام 1926.
[8] المادة 833 من القانون المدني السوري.
[9] وثمة مخطط تنظيمي عام وآخر تفصيلي، ويقصد بالعام، المخطط الذي يوضح الرؤية المستقبلية للتجمع السكاني وتوسعه ويتم ذلك عن طريق تحديد الحدود العمرانية وشبكة الطرق الرئيسية واستعمالات كافة الأراضي الواقعة ضمنه ومنهاج ونظام بناء كل منها بما لا يتعارض مع أسس التخطيط العمراني العام ونظام البناء. ويقصد بالمخطط التنظيمي التفصيلي هو الذي يحدد كافة التفاصيل التخطيطية لشبكة الطرق الرئيسية والفرعية وممرات المشاة والفراغات العامة وكافة التفاصيل العمرانية للأراضي حسب الاستعمال المرسوم لها كل ذلك بما لا يتعارض مع المخطط التنظيمي العام ونظام البناء. (قانون التخطيط العمراني الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 5 لعام 1982)، متوفر على الرابط التالي (موقع الشعب السوري/ (آخر زيارة للرابط: 16 تشرين الثاني/ نوفمبر2021). http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=6590&ref=tree&
[10] ويقصد بالتخطيط العمراني مجموعة المبادئ التي تنظم عملية تخطيط التجمعات السكنية وتتضمن الأسس العلمية الهندسية العامة للتخطيط العمراني والبناء، والخطوات والمراحل الواجب اتباعها في تحضير البرنامج التخطيطي الخاص بدراسة المخطط التنظيمي العام والتفصيلي ونظام البناء. (قانون التخطيط العمراني رقم 5 لعام 1982، المصدر السابق).
[11] نظام التحديد والتحرير الصادر بالقرار رقم 186 لعام 1926.
[12] ويقصد بمحل الاقامة المختار هو العنوان الذي يختاره المالك المفترض أو المعترض أو مدعي الحقوق على العقار، وذلك ليصار إلى تبليغهم عند اللزوم.
[13] المادة 31 من القرار 186 لعام 1926.
[14] المادة 17 من القرار 188 لعام 1926.
[15] المرسوم التشريعي رقم 48 لعام 2008 المعدل للمادة 17 من القرار 188 لعام 1926. موقع مجلس الشعب السوري (آخر زيارة للرابط: 16 تشرين الثاني/ نوفمبر2021). http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=5588&cat=4785
[16] القرار 189 لعام 1926.
[17] قانون السجل العقاري رقم 188 لعام 1926.
[18] لدى قراءة الموضوع العقاري في سوريا سيجد القارئ اختلاف المرجعية التي تتبعها المديرية العامة للمصالح العقارية، والسبب في ذلك، هو أن هذه المديرية كانت تتبع وزارة العدل حتى عام 1959، ومن ثم صارت تتبع لوزارة الزراعة والاصلاح الزراعي، وفي عام 2010 أصبحت تتبع لوزارة الإدارة المحلية.
[19] قانون التسجيل العقاري رقم 43 لعام 1971.
[20] للمزيد انظر: “ما هي اشارة الدعوى وما هي آثارها القانونية”. محاماة نت (آخر زيارة للرابط: 16 تشرين الثاني/ نوفمبر2021). https://www.mohamah.net/law/%d9%85%d8%a7-%d9%87%d9%8a-%d8%a5%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b9%d9%88%d9%89-%d9%88%d9%85%d8%a7-%d9%87%d9%8a-%d8%a2%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88/
[21] المادتين 9 و47 من القرار 188 لعام 1926.
[22] المادة 665 – القانون المدني السوري.
[23] المواد 667 و668 – القانون المدني السوري.
[24] المواد 681 و682 – القانون المدني السوري.
[25] المادة 386 – القانون المدني السوري.
[26] المواد 92 و93 قانون مدني سوري
[27]القانون 4 لعام 2009 قانون التوقيع الإلكتروني وخدمات الشبكة. المادة 2 من القانون. موقع مجلس الشعب السوري. 25 أيار/مايو 2009 (آخر زيارة للرابط: 16 تشرين الثاني/ نوفمبر2021): http://parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4732&ref=tree&