- كُتبت هذه الورقة بدعم وتمويل من منظمة Legal Action Worldwide. إنّ محتوى هذه الورقة من مسؤوليات “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وهذا المحتوى لا يمثّل بالضرورة وجهات نظر Legal Action Worldwide.
بتاريخ 11 أيار/مايو 2024، صُدر المرسوم رقم 99 الذي حدد يوم 15 تموز/يوليو 2024، موعداً لانتخاب أعضاء مجلس الشعب الذي يضم 250 مقعداً، جرى تقسيمها بحسب المرسوم بين قطاع العمال والفلاحين (127 مقعداً) وقطاع باقي فئات الشعب (123 مقعداً). علماً أن هذه هي الدورة الرابعة لانتخابات المجلس منذ صدور الدستور السوري الجديد لعام 2012، ومنذ بداية النزاع السوري وما ترافق معه من نزوح وهجرة لملايين السوريين/ات عام 2011.
-
هيمنة “حزب البعث العربي الاشتراكي” الفعلية على مجلس الشعب:
ألغى دستور عام 2012 المادة الثامنة من دستور عام 1973 والتي كانت تنصّ على أن “حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد للدولة والمجتمع”، ومع ذلك ظلّ الحزب متمتعاً بالعدد الأكبر من مقاعد مجلس الشعب حيث شكل حوالي ثلثي أعضائه.[1]
أما عن آلية اختيار أعضاء قائمة الحزب للانتخابات، فهي تتم عبر ما يسمّى بعملية “الاستئناس الحزبي”، وما هي إلاّ صورة أخرى من تحكم القيادة القطرية وسيطرتها حتى داخل حزب البعث نفسه، حيث أن اعتماد القائمة الأخيرة من الأسماء يكون من قبلها بشكل منفرد. فبعد قيام أعضاء الحزب الراغبين بالترشح بتقديم أسمائهم إلى قيادات الفروع، ترسَل النتائج إلى قيادة الحزب القطرية، التي تختار بدورها من تريد من القائمة، ولكنّ يحق لها أن تضيف أسماء أخرى ليست مدرجة فيها، لأن عملية “الاستئناس” وكما هو اسمها، ليست ملزمة للقيادةـ ويبقى القرار النهائي بيد الأخيرة.
تمّ تطبيق عملية “الاستئناس الحزبي” لأول مرة عام 2020، خلال انتخابات مجلس الشعب. قال حينها الرئيس السوري بشار الأسد أن “تجربة الاستئناس شكّلت انعكاساً للواقع العام بإيجابياته وسلبياته”،[2] وأكد على أهمية “توسيع قاعدة المشاركة إلى أوسع مدى ممكن، بحيث تكون تلك القاعدة قادرة على الفرز الصحيح، والحد من الخلل والسلبيات، وتقليص دور الفساد الانتخابي أو الولاءات الضيقة وغير الموضوعية، وبالتالي النجاح في إيصال الممثلين الأفضل ليس لتلك القواعد الناخبة فقط بل لكل الوطن”.[3]
بالإضافة للأعضاء المرشحين عن الحزب، حددت المادة رقم 2 من المرسوم رقم 99 لعام 2024 عدد مقاعد العمال والفلاحين مقابل مقاعد القطاعات الأخرى على نحو يضمن للحزب عدد أكبر من المقاعد.[4] حيث استطاع الحزب خلال العقود الماضية السيطرة الفعلية على المجتمع من خلال إقامة المنظمات والاتحادات المهنية والمجموعات الشعبية ونقابات العمال، إلا أن السياسة التنظيمية الأهم كانت تستهدف الشرائح الأوسع في المجتمع، أي العمال والفلاحين والنقابات الأخرى. لذا أعاد الحزب مبدأ الانتخاب في مجالس اتحادات العمال ونقاباتها، ثم طرد المجالس التنفيذية وعين مجالس أخرى مؤيدة له.[5]
وكان الحزب قد استطاع في نهاية عام 1964 وضع الاتحاد العام لنقابات العمال تحت سيطرته التامة، وكذلك كان الحال مع الفلاحين، فقد سعى النظام الحاكم إلى دمجهم بنفس الأسلوب المُتَّبع مع اتحاد نقابات العمال.[6] بهذا باتت هذه النقابات والاتحادات أدوات في يد حزب البعث العربي الاشتراكي للسيطرة ولتنفيذ سياساته دون الاضطرار لذكر اسمه بشكل مباشر.
كذلك فقد ورد في الأسباب الموجبة لقانون التنظيم النقابي رقم 84 لعام 1968 “تأكيداً للدور التاريخي للطبقة العاملة في تفجير الثورة الاشتراكية وحمايتها، وتنفيذاً لمقررات مؤتمرات حزب البعث العربي الاشتراكي التي أكدت على حرية المنظمات الشعبية ضمن الخط القومي الاشتراكي وتعميق الحريات الديمقراطية لهذه المنظمات، وخاصة منظمات العمال والفلاحين..”. يؤكد هذا أن نقابات العمال والفلاحين في سوريا ليست إلا أداة لتنفيذ سياسات حزب البعث، ولا يزال هذا الأخير من الناحية العملية هو الحزب القائد للدولة والمجتمع.
-
غياب الشفافية والنزاهة في الانتخابات السورية:
تعدّ سوريا من الدول ذات المعدلات الأدنى في العالم من حيث النزاهة والديمقراطية، وذلك بحسب تقرير الحريات المدنية والحقوق السياسية الذي نشرته منظمة “بيت الحرية – فريدوم هاوس” عام 2021، بعد الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب (عام 2020). يؤكد التقرير على “عدم وجود شفافية أو مساءلة تحيط بالعملية الانتخابية الرسمية. تقوم السلطات التنفيذية، من خلال الأجهزة الأمنية العسكرية، بمنح أو حجب الإذن بالمشاركة في الانتخابات في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة”.
مبدأ الفصل بين السلطات هو أحد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها سيادة القانون والأنظمة الديمقراطية، وهو أمر بعيد عن الواقع في سوريا حيث تتحكم السلطة التنفيذية في كل مفاصل الحياة، ومجلس الشعب ليس استثناءً من هذه القاعدة.
فبحسب قانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014 (المادتان رقم 8-9)، تتولى اللجنة القضائية العليا للانتخابات الإشراف الكامل على انتخابات عضوية مجلس الشعب، وتتألف من سبعة أعضاء (ومثلهم احتياطاً) لا يمكن عزلهم، يسميهم مجلس القضاء الأعلى من مستشاري محكمة النقض. كذلك ينص ذات القانون على تولي المحكمة الدستورية العليا البت في الطعون الخاصة بصحة انتخاب أعضاء مجلس الشعب (المادة رقم 83).[7]
وبما أن الدستور السوري لعام 2012 ينصّ على تولي رئيس الجمهورية رئاسة مجلس القضاء الأعلى (المادة رقم 133)، ويسمي أيضاً أعضاء المحكمة الدستورية العليا (المادة رقم 141)، فهو يسيطر على السلطة التشريعية بشكل كامل، والتي يفترض أن تكون هيئة مستقلة، حيث أن منح رئيس الجمهورية سلطات مطلقة في تعيين واختيار أعضاء المحكمة الدستورية العليا يجعل من أعضائها موظفين إداريين بحكم الواقع وليس هيئة مستقلة، كما تجعلهم تحت رحمة الاستبدال في أي وقت، دون وجود أي ضوابط ومعايير تضمن استقلالية قرارهم عن السلطة التي عينتهم. الأمر عينه ينطبق على مجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه رئيس الدولة. وعليه، فالأخير قادر على الهيمنة على أعضاء المجلس وعلى انتخابهم.
ومن جهة أخرى، يقوم رئيس الجمهورية بتقدير عدد أعضاء مجلس الشعب المخصصين لكل محافظة حيث لا يوجد معيار أو قانون يحدد هذا العدد. وعند الاطلاع على المادة رقم 2 من المرسوم رقم 99 لعام 2024 التي تحدد عدد أعضاء كل دائرة انتخابية ومقارنته بعدد سكان الدائرة، يتبين أنه (وكما كان الحال في الدورات الثلاث السابقة) لم تتم مراعاة التغييرات الديموغرافية التي شهدتها سوريا منذ عام 2011،[8] ولا المساحة الجغرافية للمحافظات وعدد سكانها، حيث يمكننا أن نلحظ التمييز ضد الناخبين/ات في المحافظات الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية كالرقة (8 أعضاء) والحسكة (14 عضو) ودرعا (10 أعضاء) مقارنة بغيرها من المحافظات الأصغر مساحةً أو الأقل سكاناً.
تجدر الإشارة إلى أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أوردت في قائمة المسائل المتعلقة بالتقرير الدوري الرابع لسوريا بتاريخ 5 نيسان/أبريل 2024 (الفقرة 27) عدة أمور تتعلق بغياب نزاهة الانتخابات البرلمانية وهي:
(أ) انعدام بيئة آمنة ومحايدة للحملات الانتخابية ومشاركة الناخبين، و:
(ب) الاحتيال وحشو صناديق الاقتراع والتدخل السياسي، و:
(ج) تخويف الناخبين وإكراههم.
وجاء رد الحكومة بتقرير قدمته في 2 شباط/فبراير 2024 أجابت من خلاله أن الحديث عن انعدام بيئة آمنة في الانتخابات “سببه غياب النزاهة والموضوعية في بعض المصادر التي اعتمدت عليها اللجنة في إعداد بعض الأسئلة وسعيها لتشويه الجهود التي تبذلها سوريا لتنفيذ استحقاقاتها الدستورية”.
-
انتخابات لا تراعي المعايير والقرارات الدولية:
كما ذكرنا آنفاً، تفتقد انتخابات مجلس الشعب لأهم معايير النزاهة والشفافية الاساسية، وهو ما يناقض نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حق كل مواطن/ة، دون أي وجه من وجوه التمييز في أن يَنتخب ويُنتخب، في انتخابات نزيهة تجري دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، والتي تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين (المادة رقم 25).
كذلك نص قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 لعام 2015 على وجوب أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة، تستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين يحق لهم المشاركة يمن فيهم من يعيش في المهجر. وهو ما لم يتحقق في أي من الانتخابات البرلمانية التي جرت منذ صدور القرار.
-
مجلس لا يمثل الشعب:
بحسب الدستور السوري لعام 2012 فإن “عضو مجلس الشعب يمثل الشعب بأكمله” (المادة رقم 58)، ولكن هذه القاعدة غير صحيحة عملياً، حيث لم تراعِ الانتخابات ووجود مناطق ودوائر انتخابية خارجة عن سيطرة الحكومة السورية بشكل كامل أو جزئي، ولا لحق أولاء بانتخاب ممثليهم في المجلس، ولا لوجود أكثر من 6.4 سوري خارج سوريا حيث لا يمكنهم الانتخاب.[9]
وعلى صعيد آخر، سمح القانون رقم 8 لعام 2016 (الذي جاء معدلاً لقانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014) للعسكريين وقوات الأمن الداخلي بالمشاركة في الانتخابات (مع وقف حق الترشح خلال وجودهم في الخدمة)، مما زاد عدد مؤيدي الحكومة الناخبين وساهم في زيادة تمثيل فئات محددة من مناصري الحكومة السورية على حساب معارضيها.
كما أن الحكومة السورية تحرص دائماً على أن تكون الانتخابات في يوم دوام رسمي بهدف إلزام العاملين والموظفين بالمشاركة وبالتالي ضمان زيادة نسبة المشاركة وكسب أصواتهم لصالح مرشحي الحزب والحكومة، مع إنه من المفترض أن تجري الانتخابات في يوم عطلة رسمية لكفالة حرية واستقلالية وحياد الناخبين.
بالإضافة لذلك، لا بد من الإشارة إلى أنه كان قد شارك في الانتخابات التشريعية السابقة لعام 2020 (كمرشحين أو فائزين) عدد من المطلوبين للعدالة أو المتهمين بارتكاب جرائم بحق السوريين، منهم ضباط وقادة ميليشيات ومجرمين ومذكورين في قوائم العقوبات الدولية وضباط متقاعدين.[10]
-
انتخابات صورية ونواب ينفذون أوامر السلطة التنفيذية:
لا يمكن أن تختلف انتخابات هذا العام عن سابقاتها، حيث من المتوقع أن يستمر تدخل الأجهزة الأمنية في توجيه الناخبين للتصويت لأشخاص محددين ترضى عنهم الحكومة وفرض هذه “التوجيهات”، وانضمام مطلوبين لقائمة أعضاء المجلس المحصنين.
من المتوقع أيضاً، أن يكون أكثر الناخبين من عناصر الجيش والأمن، وأكثر المقاعد من حصة حزب البعث، وألا تشارك النساء بشكل ملحوظ كمرشحات أو كناخبات. كذلك، سيحرم الكثير من السوريين/ات من حقهم في المشاركة بالانتخابات إما لأنهم في مناطق خارج سيطرة الحكومة أو في بلاد المهجر، أو لأنهم “مطلوبون أمام العدالة” بسبب معارضتهم للحكومة.
كذلك ثمة تخوف مشروع من أن تكون المهمة الأساسية لمجلس الشعب القادم هي تعديل الدستور حتى يتمكن الرئيس الأسد من الترشح مرة أخرى في عام 2028.[11] وهو أمر سبق أن حدث عام 2000 عندما عدل مجلس الشعب المادة رقم 83 من الدستور في غضون دقائق وخفض سن الترشح للرئاسة من أربعين عاماً إلى أربعة وثلاثين، كي يتمكن بشار الأسد من الترشح للرئاسة، ثم عاد دستور عام 2012 ليعيد سن الترشح للأربعين عاماً كما كان سابقاً.
[1] انظر مثلاً تقرير الانتخابات التشريعية في سوريا ما بين 2012-2020. إدراك للدراسات والاستشارات. تشرين الأول/أكتوبر 2020. ص 28.
[2] الرئيس الأسد يترأس اجتماعاً للقيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي: تجربة الاستئناس الحزبي نجحت في خلق حراك وحوارات على المستوى الوطني العام. الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا). 02 تموز/يوليو 2020.
[3] الرئيس الأسد يترأس اجتماعاً للقيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي: تجربة الاستئناس الحزبي نجحت في خلق حراك وحوارات على المستوى الوطني العام. الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا). 02 تموز/يوليو 2020.
[4] تنص المادة 22 من قانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014 على وجوب أن تكون نسبة ممثلي قطاع العمال والفلاحين خمسين بالمائة على الأقل من مجموع مقاعد مجلس الشعب.
[5] ستيفن هايدمان. التسلطية في سوريا: صراع المجتمع والدولة. دار رياض الريس للكتب والنشر في بيروت. ترجمة: عباس عباس، ومراجعة د. رضوان زيادة. 2011.
[6] ستيفن هايدمان. التسلطية في سوريا: صراع المجتمع والدولة. دار رياض الريس للكتب والنشر في بيروت. ترجمة: عباس عباس، ومراجعة د. رضوان زيادة. 2011.
[7] كذلك تنص المادة رقم 146 على اختصاص المحكمة في “النظر في الطعون الخاصة بصحة انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشعب والبت فيها”.
[8] عدد النازحين/ات داخلياً في سوريا بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هو 7.2 مليون نسمة. انظر الاتجاهات العالمية 2023. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. 13 حزيران/يونيو 2024
[9] الاتجاهات العالمية 2023. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. 13 حزيران/يونيو 2024
[10] انظر مثلاً تقرير ديمقراطية البعث.. انتخابات 2020 ومقاربات تكريس المادة الثامنة. مركز عمران للدراسات. ص 6-11. 20 تشرين الأول/أكتوبر 2020
[11] الانتخابات البرلمانية السورية على الأبواب. هل ينبغي لأحد أن يهتم؟ (The Syrian parliamentary elections are coming up Should anyone care). أتلانتيك كاونسل. 25 نيسان/أبريل 2024.