الرئيسية صحافة حقوق الإنسان سوريا: التبعات الحقوقية والقانونية لاحتمالية طبع الوثائق الرسمية في تركيا

سوريا: التبعات الحقوقية والقانونية لاحتمالية طبع الوثائق الرسمية في تركيا

سيترتب على منح ملف طباعة الوثائق الرسمية لتركيا خروقات عدّة للقوانين المحلية والدولية لما لهذه الخطوة من أثر على جوانب مختلفة من أمن المواطنين السوريين/ات وكذلك سيادة سوريا واستقلالها

بواسطة bassamalahmed
203 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع
  1. خلفية:

نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر 2024 المنصرم، قال موقع “صحيفة تركيا” (Türkiye Gazetesi)، أن الإدارة الجديدة في سوريا بقيادة “أحمد الشرع”، طلبت المساعدة في بعض الخدمات من تركيا، بما في ذلك الدعم لطباعة الوثائق الرسمية مثل بطاقات الهوية وجوازات السفر ورخص القيادة لمواطنيها في تركيا، وذلك بسبب نقص البنية التحتية في سوريا اللازمة لطباعة مثل هذه الوثائق. وأضاف الموقع: “بدأت المؤسسات المعنية (التركية) الاستعدادات لطباعة بطاقات الهوية وجوازات السفر ورخص القيادة للسوريين في تركيا. وسيتم تطبيق نظام مماثل لنظام جواز السفر والشريحة الذكية ورخصة القيادة المستخدم في تركيا على السوريين أيضاً”.

ونقلت الخبر ذاته مواقع إعلامية تركية أخرى، مثل “سي إن إن تورك” (CNN TÜRK ) و “تيه ريه هابر” (TRHaber)، مضيفةً أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أعطى تعليماتٍ لجميع الوزراء الأتراك بشأن المطالب التي ستأتي من الإدارة السورية الجديدة.

وكانت “وكالة الأناضول”، قد قالت بتاريخ 25 كانون الأول/ديسمبر 2024، أن الرئيس أردوغان كلّف الوزراء، خلال اجتماع للحكومة، بالعمل على تلبية الاحتياجات في سوريا كل وزارة بحسب مجالها، “لضمان عودة المؤسسات والمنظمات العامة في سوريا إلى العمل وإعادة إرساء نظام الدولة”. كما ورد في تقرير الوكالة، أنّه وبعد إنشاء وزارة الداخلية في سوريا، ستقوم وزارة الداخلية التركية، بقيادة علي يرلي كايا، بـ”تقديم الدعم للاحتياجات الأساسية مثل، النفوس والأمن وطباعة جوازات السفر. وستقدم تركيا المساعدة في قضايا مثل المعدات التقنية ومشاركة المعلومات”.

وردت هذه التقارير، بعد 17 يوماً، من سقوط “نظام الأسد” بتاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، والذي تلا إطلاق إدارة العمليات العسكرية، بقيادة “هيئة تحرير الشام” (الهيئة)، المنحلة الآن، مع فصائل معارضة أخرى، من بينها تابعة لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، العملية العسكرية “ردع العدوان“، وتسلمها زمام السلطة في دمشق، تحت اسم “حكومة تصريف الأعمال السورية المؤقتة“، بقيادة محمد البشير.

من الجدير بالذكر، أنه وبتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2025، عقدت إدارة العمليات العسكرية “مؤتمر النصر“، وأعلنت خلاله عن تنصيب أحمد الشرع، قائد  الهيئة سابقاً، رئيساً لسوريا في المرحلة الانتقالية.

  1. ردود فعل سوريّة على قضية طباعة الوثائق الرسمية السورية في تركيا:

حتى الآن، لم ترد أية تصريحات رسمية من قبل الحكومة السورية، بصفتها سلطة أمر واقع سابقاً والانتقالية حالياً، بشأن التقارير الواردة عن طلبها الدعم لطباعة الوثائق الرسمية السورية في تركيا، ولكن الخبر أثار جدلاً في بعض الدوائر السورية، سواء على المواقع الإعلامية أو منصات التواصل الاجتماعي، ضمن مخاوفٍ  وتساؤلات عن المخاطر المحتملة لهذه الخطوة وكذلك أهميتها على سلم أولويات الحكومة.

فعلى منصة “فيسبوك”، تساءل الصحفي السوري عمر قصير، في منشور متاح للعامة، عن إذا ما كان “من الطبيعي تسليم بيانات ملايين السوريين لجهات أجنبية هكذا بكل بساطة؟”، مضيفاً:

 “أليس من المهم معرفة من أحرق المركز الرئيسي للهجرة والجوازات في دمشق وتسبب بكارثة لمئات الآلاف إن لم نقل الملايين من السوريين داخل وخارج سوريا؟.. أشخاص كانوا ينتظرون السفر بمنحة دراسية أو عقد عمل، أشخاص لا يمكنهم تجديد إقاماتهم إن لم يحصلوا على جوازات سفرهم الجديدة، أشخاص لا يستطيعون العودة لزيارة أحبائهم في سوريا، وغير ذلك من الأمثلة المشابهة، أليس هؤلاء الأجدر بتسيير أمورهم بـ “تصريف أعمالهم” من قبل حكومة تصريف الأعمال؟ علماً أنها كانت تسير عادي على زمن النظام السابق الذي كان ينهبهم مادياً لقاء ذلك التسيير”.   

وكانت القيادة العامة لإدارة العمليات العسكرية، القائمة على عملية “ردع العدوان”، قد أعلنت صباح الـ8 من كانون الأول/ديسمبر 2024، عن تعرض مبنى إدارة الهجرة والجوازات في منطقة الزبلطاني بالعاصمة دمشق لعمليات سرقة واسعة النطاق، تلاها حريق في المبنى. وشملت السرقات حواسيب مكتبية ومحمولة احتوت على برمجيات خاصة بعمل الدائرة، بالإضافة لوحدات تخزين خارجية، ما تسبب “في تعطيل جهود إعادة تشغيل إدارة الهجرة والجوازات في موقع جديد لاستئناف تقديم الخدمات للمواطنين في أسرع وقت”، وفقاً لبيان القيادة، والذي أشار إلى وقوع حوادث مشابهة في فروع الإدارة في محافظات سورية أخرى.

فيما استنكر دلشاد عثمان، مهندس معلوماتي سوري مختص بالتهديدات السيبرانية (الرقمية)، في منشور على فيسبوك، متاح للعامة أيضاً، احتمال “تسليم ملف سيادي (معلومات المواطنين) لدولة ثانية”، مستفسراً عن آثار القرار على جانب الخصوصية، والأهم على هوية السوريين/ات كمواطنين/ات.

فيما أشار معلقون على المنشور، بما يتعلق بموضوع الخصوصية، إلى حادثة تسريب بيانات عائدة للاجئين وطالبي لجوء سوريين/ات في تركيا، عقب هجماتٍ عنيفة لمواطنين أتراك طالت أماكن سكنهم وعملهم وممتلكاتهم في مدينة قيصري بتاريخ 30 حزيران/يونيو 2024. حيث سُرّبت على الانترنت بياناتٌ شخصيةٌ لما يقرب من ثلاثة ملايين سوري يعيشون في تركيا، وتضمّنت البياناتُ معلوماتٍ من بينها أسماؤهم وأرقام هوياتهم وجوازاتهم وعناوينهم. ونُشرت هذه البيانات على نحو واسع على مجموعات تيلغرام مقرونةً بلهجة عنيفة تدعو إلى شنّ هجمات على اللاجئين السوريين/ات الذين يقطنون تركيا.

  1. اختراقات سابقة لمواقع رسمية تركيّة زادت من مخاوف السوريين:

وفي سياق تسريب المعلومات أيضاً، والذي يعدّ مؤشراً واضحاً على ضعف الأمن الرقمي والسيبراني لدى المؤسسات التركية، وعدم قدرتها على حماية حقوق المواطنين الأتراك والأجانب على حدٍ سواء، في 9 أيلول/سبتمبر 2024، كشفت “جمعية الدراسات الإعلامية والقانونية” (MLSA) التركية، تفاصيل ما سمته “خرق كبير للبيانات”، طال المعلومات الشخصية لـ 108 ملايين مواطن تركي، بما في ذلك أرقام الهوية وعناوين المنازل وأرقام الهواتف، وقد أقرت “هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات” (BTK) التركية، المسؤولة عن حماية هذه المعلومات، بالخرق وطلبت من Google المساعدة لإزالة البيانات المخترقة.

وكانت الجمعية، قد رفعت دعوى ضد “وزارة الداخلية” التركية عام 2023، بسبب خرقٍ مماثل، حيث سرقت بيانات ما يقرب من 100 مليون شخص، أتراك وأجانب، يعيشون أو عاشوا في تركيا وعرضت للبيع عبر الإنترنت. وكان مصدر المعلومات المسروقة بوابة الحكومة التركية الإلكترونية (e-Devlet)، والتي تحتوي على معلومات عن الخلفية التعليمية والتفاصيل الصحية وبيانات الاعتماد المصرفية والحالة الضريبية للمقيمين في تركيا. فيما كشفت تقارير لـ”شبكة البلقان للتحقيقات الاستقصائية”، أن البيانات المسروقة والتي عرضت للبيع عام 2023 من قبل موقع” sorgupaneli.org”، ما تزال تعرض للبيع عام 2024 من قبل مواقع وقنوات مختلفة على تطبيق تليغرام.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2024، قال موقع “بوليتيك يول” (PolitikYol) التركي، أن البيانات الخاصة للمواطنين الأتراك تُباع عبر الإنترنت على “مجموعة تليغرام” مقابل 150 ليرة تركية فقط، متضمنةً أرقام هواتف المواطنين وعناوينهم وسجلاتهم الصحية ومعلوماتهم المصرفية وسجلاتهم التجارية، منوهاً أن “البيانات يجري تحديثها بشكلٍ متواصل على الموقع، الذي يظهر تاريخ إنشاؤه على صفحته الرئيسية على أنه تشرين الأول/أكتوبر 2023”.

بما يتعلق بامتلاك تركيا بيانات المواطنين السوريين/ات، لم تقتصر المخاطر على آثار التسريبات على خصوصية اللاجئين والأذى الذي ترتب على انتهاكها، بل شملت أيضاً تهديداً مباشراً لهوية المواطنين السوريين القاطنين في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها منذ عام 2017 في شمال البلاد، والتي يدل عليها بـ”درع الفرات”، والتي تمتد بين مدن جرابلس والباب و”غصن الزيتون”، وتشمل منطقة عفرين، بريف حلب الشمالي.

ففي عام 2019، وثقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، محاولاتٍ “لطمس الهوية” للسكان الأصليين والنازحين الوافدين إلى “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، عن طريق تغيير القيود في السجلات المدنية من مسقط رأسهم إلى منطقة عفرين وغيرها من مناطق التواجد العسكري التركي، وذلك عبر إلزام جميع السكان سواء الأصليين أو النازحين منهم بإصدار “هوية” تحمل معلومات منقوصة وبعضها “مضللة ومزورة” عن الهوية الحقيقة لحاملها، حيث تصدر تلك الهويات عبر برنامج/تطبيق خاص صممته الحكومة التركية وتنفذه المجالس المحلية التابعة للحكومة السورية المؤقتة/الإئتلاف السوري المعارض، ولا تميّز هذه البطاقة بين النازح داخلياً والمهجّر واللاجئ والمواطن المحلي حيث يتم تسجيل بيانات الجميع على أنهم من السكان الأصلين.

ناقلاً ما ورد في منشور لخبير الأمن الرقمي علاء غزال في منصة “فيسبوك” أيضاً، قال موقع “الخط الأمامي”، التابع لـ”تيار اليسار الثوري في سوريا“، أن عملية طبع الوثائق السورية، سواء تمت بالشراكة مع تركية أو دولة أخرى، ستشكل “تهديداً كبيراً للأمن القومي السوري”، لأن بيانات أي شعب تعتبر جزءاً من الأمن القومي.

وأضاف الموقع، أن “تسليم بيانات الشعب السوري لتركيا يضعنا أمام مخاطر تقنية وغير تقنية هائلة، ويجعلنا عرضة للاستهداف والمراقبة بشكل أكبر مما يمكن توقعه”، مشيراً إلى صعوبة التراجع عن خطوة مشاركة البيانات أو استعادة البيانات المشاركة، حتى في حال فك الشراكة مع تركية، واصفاً الخطوة ب”الكارثية”، مبرراً بالقول:

“لأنها قد تشكل خطراً على خصوصية السوريين، وقد تكون أداة تأثير لدولة متدخلة في الشأن السوري على مستقبل السوريين، ويعزز دورها وتأثيرها على مستقبل السوريين والسوريات، فنحن اليوم بأمس الحاجة لإعادة استقلال قرارنا وحرية بلادنا ورسم مستقبلنا”.

وبالمثل، استهجنتيار المستقبل السوري“، دعوة الحكومة السورية تركيا لاستلام ملف طباعة الوثائق السورية، ودعاها “بالمتسرعة وغير المدروسة”، معتبراً الملف “شأناً وطنياً خاصاً، مهما كانت هذه الدولة صديقة أو حليفة للشعب السوري”.

وفيما لا يرى “تيار المستقبل السوري” مانعاً من استخدام الدعم اللوجستي من قبل طرف عام أو خاص، بما يسهم بنقل الخبرات، بما في ذلك التركية، ويعود بالنفع على الشعب السوري، “بما يضمن أمنه المعلوماتي”، يرى التيار تسليم البيانات لأي دولة بغرض “طباعتها أو تنظيمها شأناً خطيراً يجب رفضه ومنعه والنظر في عواقبه على المدى البعيد”، مطالباً بتسليم الملف لدائرةٍ خاصة تتبع للدولة السورية، وتكون مسؤولةً عن البيانات، ومُساءَلةً عن أمنها وحفظها، وكذلك تأسيس بنك معلومات، مهمته حفظ الأرشيف العام للعائلات السورية وكافة المعلومات المتعلقة بذلك.

هذا ولا يمكن فصل المخاوف السورية بما يتعلق باحتمال تسليم ملف طباعة الوثائق السورية، والبيانات ذات الصلة، في تركيا، عن ممارسات الأخيرة في سوريا. حيث أعلنت وزارة الداخلية التركية، بتاريخ 19 شباط/فبراير 2025، عن اعتقال شخص تواجد على الأراضي السورية، بتهمة “نشر منشورات مسيئة للرئيس رجب طيب إردوغان”، على مواقع التواصل الاجتماعي.  وبحسب بيان وزارة الداخلية التركية، أصدرت النيابة العامة في إسطنبول مذكرة اعتقال بحق هذا الشخص، والذي كان مقيماً بمنطقة كوتشوك شكمجة بإسطنبول، وتم القبض عليه في سوريا بدعم من المديرية العامة للاستخبارات الأمنية، ورئاسة إدارة الأمن في إي جي إم، ومديرية الاستخبارات في هاتاي، مضيفة ً أن إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية لدى الوزارة باشرت إجراءات قانونية ضد 97 حساباً قامت بنشر المحتوى المذكور، وقد تم حظر جميع هذه الحسابات بأمر من المحكمة. فيما لم يشر البيان إلى وجود أي تنسيق بين السلطات التركية ونظيرتها السورية بما يخص العملية التي نفذت في سوريا.

  1. خلاصة:

تترتب على احتمالية تسليم الملف لتركيا، خروقات عدة للقوانين المحلية والدولية، لما لها من أثر على جوانب مختلفة من أمن المواطنين السوريين/ات، وكذلك سيادة سوريا واستقلالها. في حال قيام حكومة تصريف الأعمال السورية بتسليم ملفات السوريين/ات الشخصية إلى الحكومة التركية، فهذا سيشكل تنازلاً واضحاً عن السيادة السورية لدولة أخرى، هذه السيادة التي تم التأكيد عليها في الدساتير السورية المتعاقبة، وذلك لأن بيانات المواطنين/ات السوريين/ات تعتبر من “الوثائق الوطنية الأساسية الدائمة”،[1] ومن يفرط بالوثائق الوطنية يكون قد فرط بالسيادة الوطنية للدولة حتماً، وكذلك يكون تصرف الحكومة السورية مخالفاً لما تنص عليه قوانين الأحوال المدنية المتعاقبة التي أكدت على وجوب الحفاظ على وثائق السجلات المدنية وتأمين سلامتها وحمايتها من الضياع، ولا شك إن إخراج هذه السجلات إلى خارج الحدود السورية وتسليمها لدولة أخرى يشكل انتهاكاً واضحاً للقوانين السورية المذكورة.

كذلك نصت قوانين الأحوال المدنية المتعاقبة في سوريا (قانون الأحوال المدنية رقم 13 لعام 2021، وقانون الأحوال المدنية رقم 26 لعام 2007) على عدم جواز نقل سجلات الأحوال المدنية إلى خارج مراكز السجل المدني. حتى في حال وجود دعوى تزوير تتعلق بمحتويات سجل معين، فعلى هيئة المحكمة الانتقال إلى أمانة السجل المدني والاطلاع على السجل في مكان وجوده، فإذا كان نقل السجلات إلى مبنى محكمة سورية موجودة في نفس المنطقة الجغرافية التي تتواجد فيها أمانة السجل المدني أمراً محظوراً قانوناً، فكيف لنا أن ننقل محتويات هذه السجلات إلى خارج الحدود وتسليمها لدولة أخرى؟

كذلك نصت قوانين الأحوال المدنية السورية على إن استصدار الوثائق المدنية كالبطاقات الشخصية والأسرية وإخراجات القيود المدنية تكون عن طريق مراكز السجل المدني السورية حصراً، ولم تسمح باستصدارها من مراكز أخرى، ولا سيما إذا كانت غير سورية، كون الوثائق المذكورة تعتبر، كما ذكرنا، من “الوثائق الوطنية الأساسية”.

ثم إنه في حال وجود خطأ أو تزوير في قيود الأحوال المدنية وتم تصحيح ذلكْ من قبل المحكمة المختصة بقرار مبرم، أو في حال تصحيح الخطأ المادي الموجود في تلك القيود من قبل رئيس مركز السجل المدني المختص، وفق ما نصت عليه قوانين الأحوال المدنية السورية،[2] فهل سيكون هذا القرار ملزماً للدوائر الرسمية التركية لتعديل بيانات قيود الأحوال المدنية الموجودة في حوزتها؟ وإذا افترضنا أن الدوائر الرسمية التركية التي سيتم تفويضها بإصدار الوثائق الشخصية للسوريين/ات رفضت، لسبب أو لآخر، اصدار وثيقة لشخص ما، فما هي الوسائل القانونية المتاحة للمتضرر للتظلم ضد الجهة المذكورة؟ وهل سيلزم المواطن السوري بالسفر إلى الدولة التركية لمتابعة هذا الأمر أمام سلطاتها؟ الأجوبة برسم حكومة تصريف الأعمال.

ينبغي التأكيد أيضاً على أن الدولة السورية تلتزم، بموجب القانون الدولي وإعمالًا لسيادتها، باحترام وحماية حقوق الإنسان والوفاء بها. وقبل اتخاذ الدولة قرار تسليم دولة أخرى مسؤولية إصدار الأوراق الثبوتية للمواطنين السوريين، يجب تقييم هذا القرار في ضوء الواجب في احترام حقوق هؤلاء المواطنين، أي الامتناع عن التدخل في تمتعهم بحقوقهم أو الحدّ منها، وكذلك واجبها في حماية حقوق هؤلاء المواطنين من الانتهاكات من أي طرف، بالإضافة إلى واجب اتخاذ إجراءات إيجابية لتسهيل تمتع هؤلاء المواطنين بحقوقهم. ولا يجوز التذرع بالإيفاء بأي من هذه الواجبات للتنصّل من احترام الواجبات الأخرى. وبالتالي لا يمكن تبرير تسليم تركيا مسؤولية إصدار الأوراق الثبوتية باعتبار ذلك “تدبيرًا إيجابيًا” لتسهيل تمتع السوريين بحقوقهم طالما أن هذا “التدبير” لا يفي بواجبات الدولة في احترام وحماية تلك الحقوق.

وفي هذا السياق، فإن تسليم الوثائق الشخصية للسوريين/ات إلى دولة أخرى يعتبر فشلًا واضحاً في إعمال واجب احترام وحماية الحق في الخصوصية، حيث أكدت المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته. وانطلاقًا من واجب الدولة في حماية هذا الحق، فهي ملزمة بضمانه “في مواجهة جميع تلك التدخلات والاعتداءات، سواء أكانت صادرة عن سلطات الدولة أم عن أشخاص طبيعيين أو قانونيين”.[3] وتجدر الإشارة إلى أن “تشريعات الدولة هي في المقام الأول عين ما يجب النص فيه على حماية [هذا الحق]”،[4] مما يؤكد سموّ التشريعات الوطنية التي تم ذكرها في الفقرات السابقة على أية تدابير لا تتوافق معها.  بناءً على ذلك، يعتبر تسليم بيانات السوريين/ات للحكومة التركية انتهاكاً لخصوصياتهم وإغفالًا عن إنفاذ التزامات الدولة تجاه هذا الحق وفق القانون الدولي والوطني. علاوة على ذلك، “يكفل الحق في الأمن الشخصي حماية الأفراد من تعمد إلحاق الأذى البدني أو الضرر العقلي بهم، بغض النظر عما إذا كان الضحية محتجزاً أو غير محتجز”.[5] ويتوجب على الدولة اتخاذ التدابير المناسبة لحماية الأفراد من المخاطر المتوقعة وكافة أشكال العنف من قبل أية أطراف فاعلة حكومية أو خاصة.[6]

وفي ظل غياب قدرة الدولة على ممارسة سيادتها وما ينبثق عنها من سلطة وفق القانون في حال نُقلت مسؤولية إصدار الوثائق إلى تركيا، فقد يشكّل هذا الإجراء تهديداً لأمن المواطنين السوريين/ات المتأثرين به بالتزامن مع انعدام أية فرصة للدولة السورية في إعمال واجباتها بهذا الصدد نظراً لعدم ممارستها سلطاتها السيادية على السلطات التركية، وبالتالي ستخالف حكومة تصريف الأعمال التزاماتها الدولية المفروضة بموجب العهود والمواثيق الدولية، ومنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كون سوريا دولة طرف في هذه الاتفاقية.

وقد تطال التهديدات أيضاً، حق السوريين/ات في المساواة أمام القانون والوصول للقضاء، والحق في الانتصاف الفعال. فمثلاً، كيف يمكن لمواطن سوري أن يتحدى ويتظلم بخصوص انتهاك لخصوصيته قامت به السلطات التركية التي تعالج أوراقه الثبوتية؟ ومن يتحمل المسؤولية القانونية: سوريا أم تركيا؟ أين هو مجال الاختصاص القانوني والقضائي الذي يجب أن يلجأ له ذلك المواطن؟ في هذا السياق الضبابي، إن موافقة الدولة السورية على عملية طباعة الوثائق في تركيا، تعني ضياع حق المواطن السوري وإلقاء العبء على كاهله بالنسبة لالتزامات الدولة تجاهه.

وفقًا للقانون الدولي، يحق للدولة أن تفعّل لصالح مواطنيها إجراءات الحماية الدبلوماسية عندما تتسبب دولة أخرى بضرر بحقهم وذلك لضمان حمايتهم وحصولهم على الجبر على الفعل الخاطئ دوليًا الذي ارتكب بحقهم.[7] وقد عبّرت المحكمة الدائمة للعدالة الدولية – ومحكمة العدل الدولية من بعدها[8] – عن هذا الترابط بين حق الدولة وحق مواطنيها باعتباره يعكس شكلًا رئيسيًا من الإنصاف واحترام قواعد القانون الدولي. وقد نصّ أحد قرارات المحكمة على “إن من المبادئ الأولية في القانون الدولي أن الدولة لها الحق في حماية رعاياها عندما تتضرر من أعمال مخالفة للقانون الدولي ترتكبها دولة أخرى، ولم تتمكن من الحصول على تعويض منها بالطرق العادية. ومن خلال تولي قضية أحد رعاياها واللجوء إلى الإجراءات الدبلوماسية أو القضائية الدولية نيابة عنه، فإن الدولة تؤكد في الواقع على حقوقها الخاصة – حقها في ضمان احترام قواعد القانون الدولي في شخص رعاياها”.[9] وبالتالي، إذا قامت الدولة الأخرى، تركيا في هذه الحالة، بإلحاق الضرر بمواطنين سوريين/ات، ما هي إجراءات وقانونية الحماية الدبلوماسية التي ممكن أن تنفذها سوريا طالما أن الدولة السورية قد أباحت لدولة أخرى ممارسة جانب من سلطتها السيادية – إصدار الأوراق الثبوتية؟ وفي سياق ذي صلة، تجدر الإشارة إلى أنه لا يحق للدول الأطراف في اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 أن يعقدوا أية اتفاقات ذات طبيعة أو علاقة قنصلية إضافية إلا إذا كانت تؤكد أو تدعم أو تكمّل أحكام اتفاقية فيينا وفقًا للمادة 73(2) منها. بناءً على ذلك، فإن أي اتفاق بخصوص إصدار أو طباعة الأوراق الثبوتية للمواطنين السوريين من شأنه أن يحدّ أو يخالف أحكام الاتفاقية يعتبر مخالفًا لهذه المادة ولأحكام محكمة العدل الدولية المتعددة بهذا الخصوص.[10]

كما ان تفويض تركيا بعملية طباعة الأوراق الرسمية السورية سينجم عنه ارباكاً على مستوى علاقات الدول مع السوريين بخصوص وثائقهم الرسمية، ففي حال حاجة دولة ما إلى الوثائق الشخصية لشخص سوري يسكن على أراضيها، لأي سبب كان، فهل ستقوم بمخاطبة الحكومة السورية أم التركية؟

بناء على ما سبق، تطالب “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحكومة السوريّة الحالية بما يلي:

  • العدول عن مشروع طباعة الأوراق الرسمية السورية في تركيا، أو أيّ دولة أجنبية ثانية، وتوصي بإنشاء لجنة وطنية قانونية متخصصة وتتبع لرئاسة الوزراء، بحيث تكون متنوعة وشاملة لجميع السوريين/ات وتأخذ مخاوف الجميع بعين الاعتبار، للبت في هذه القضية والقضايا الوطنية الأخرى المتعلقة بأمن وسلامة وحقوق جميع السوريين/ات؛
  • الاستعانة بالخبرات الوطنية والدولية في المجالات التقنية والقانونية ذات الصلة، بالاعتماد على القوانين الوطنية الحالية، التي تحقق أعلى مستوى حماية للمواطنين السوريين/سوريات فيما يتعلق بوثائقهم الرسمية وبناءً على مراجعات وتوصيات الخبراء القانونيين؛
  • تكثيف الحراك الدبلوماسي الخارجي بما يعزز التواصل مع الدول الأخرى لمناقشة تدابير مرحلية بشأن صلاحية الأوراق الثبوتية وقبولها من الدول الأخرى؛
  • إيلاء أهمية قصوى للبعثات القنصلية لإعادة تفعيل عملها وتسريعه وإشراكها في اقتراح الحلول المرحلية.

 

[1] المادة 7 من قانون الأحوال المدنية رقم 13 لعام 2021 والمادة رقم 7 من المرسوم رقم 26 لعام 2007.

[2] المادتين 44 و45 من القانون رقم 13 لعام 2021  والمادة 46 من المرسوم 26 لعام 2007.

[3] اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 16: المادة 17 (الحق في حرمة الحياة الخاصة)، 8 نيسان/أبريل 1988، الفقرة 1.

[4] المصدر السابق، الفقرة 2.

[5] اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 35، المادة 9 (حق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه)، CCPR/C/GC/35، 16 كانون الأول/ديسمبر 2014، الفقرة 9.

[6] المصدر السابق.

[7] International Law Commission, Draft Articles on Diplomatic Protection with commentaries (2006), Article 1, Commentary, para. 2, p. 27.

[8] ICJ, La Grand (Germany v. United States of America), Judgment, I.C.J. Reports 2001, p. 466, at 493-494; Avena and Other Mexican Nationals (Mexico v. United States of America), Judgment of 31 March 2004, I.C.J. Reports 2004, p. 12, at 35-36.

[9] PCIJ, Mavrommatis Palestine Concessions, Judgment No. 2, 1924, PCIJ, Series A, No. 2, p. 12.

[10] ICJ, Jadhav (India v. Pakistan), Judgment, I.C.J. Reports 2019, para. 93.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد