1. مقدمة:
مازالت حالات التخلي عن الأطفال (حديثي الولادة)، آخذة بالازدياد في مناطق سورية مختلفة؛ حيث رصدت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” خلال الفترة الواقعة ما بين بداية عام 2021 وحتى نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر 2022، أكثر من 100 حالة، توزعت في مختلف المناطق السورية كالآتي:
- في المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب: وثقت “سوريون” ما لا يقلّ عن13 حالة في جسر الشغور وأريحا ومعرة النعمان ومدينة إدلب.
- في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري/المعارض المدعوم من تركيا بريف حلب: وثقت “سوريون” ما لا يقلّ عن11 حالة لأطفال تمّ التخلي عنهم في مناطق عفرين والباب وإعزاز ومارع.
- في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا: وثقت “سوريون” ما لا يقلّ عن 19 حالة لأطفال تمّ التخلي عنهم في مناطق الحسكة ودير الزور والرقة.
- في مناطق سيطرة الحكومة السورية: وثقت سوريون ما لا يقلّ عن 21 حالة، كان لريف دمشق النصيب الأكبر منها، ثمّ حمص وحماه وحلب ودرعا. بالإضافة لهذه الحالات، كان المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي “زاهر حجو” قد صرّح لصحيفة الوطن في 12 أيار/مايو 2022، بأنه تم تسجيل ما لا يقلّ عن 38 حالة لأطفال تمّ التخلي عنهم منذ مطلع العام 2022 وحتى تاريخ 12 أيار/مايو 2022.[1]
سبق لـ”سوريون” أن وثقتّ ما لا يقلّ عن 43 حالة لأطفال حديثي الولادة تمّ التخلي عنهم من قبل ذويهم في إدلب وريف حلب، وذلك منذ بداية النصف الثاني من عام 2019 وحتى تموز/يوليو 2020. كما وثقت في تقرير أسبق، ما لا يقلّ عن 40 حالة لأطفال تمّ التخلي عنهم في إدلب وريف حلب الشمالي خلال عام 2018 وفي النصف الأول من عام 2019.
لغرض إعداد هذا التقرير، عملت “سوريون” على مقابلة شهود وأهالي ممن تكفّلوا برعاية الأطفال المتخلّى عنهم، ولكنها واجهت صعوبة في الوصول إلى نفس الفئات في مناطق سيطرة الحكومة ومناطق الإدارة الذاتية رغم انتشار الظاهرة هناك أسوة بباقي المناطق. بينما استطاعت المنظمة الوصول إلى شهود وأهالي في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري.
بالمجمل، أجرت “سوريون” ثماني عشرة مقابلة؛ ثلاث عشرة منها مع شهود عيان أو أهالي ممن تكفّلوا برعاية أطفال عُثر عليهم في كل من إدلب وريف حلب ودرعا والحسكة والقامشلي؛ إضافة إلى مقابلة مع عاملة في إحدى فرق حماية الأطفال في إدلب وريف حلب؛ وَمقابلتين مع عاملَين في دور أيتام في إدلب؛ وَمقابلة مع ناشط في إدلب وريف حلب؛ ومقابلة مع مصدر خاص في “مكتب حماية الطفل” في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية.
أجريت هذه المقابلات خلال الفترة الواقعة ما بين شهر تشرين الأول/أكتوبر وشهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2022. وقد أجريت ثلاث مقابلات منها بصورة مباشرة (لقاءات فيزيائية مع الشهود)، بينما كانت المقابلات الأخرى (15 مقابلة) عن طريق الإنترنت.
2. التخلي عن الأطفال في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام:
شهدت مناطق محافظة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام تصاعداً ملحوظاً في حالات التخلي عن الأطفال، وذلك خلال الفترة الزمنية المشمولة بالتقرير، حيث سجّلت “سوريون” ما لا يقلّ عن 13 حالة تمّ فيها التخلي عن أطفال.
تمّ التخلي عن هؤلاء الأطفال بعد رميهم على قارعة الطريق أو بالقرب من المساجد والمشافي وأحياناً في مكبات القمامة، في مدن وبلدات مثل أريحا وجسر الشغور ومعرة النعمان في محافظة إدلب.
-
العثور عن طفل لم يمضِ على ولادته سوى ساعات في مدينة إدلب:
في فجر يوم 19 كانون الثاني/يناير 2021، عثر أهالي حي “القصور” في مدينة إدلب، على طفل حديث الولادة متروك بجوار إحدى المدارس. قابلت “سوريون” أحد أهالي الحي وقد كان حاضراً عند العثور على الطفل. قال الشاهد:
“أثناء عودتي إلى المنزل طلب مني أحد أهالي الحي مساعدته بفتح بطانية مرمية بجانب مدرسة المتنبي ويصدر منها صراخ طفل. عندما فتحناها، وجدنا طفلاً عارياً تماماً وآثار الولادة مازالت على جسده. هرعنا بالطفل إلى مشفى المدينة لتسليمه للأطباء، ولكن رفضت المشفى استلامه إلا بوجود القوى الأمنية، والذين حضروا بعد حوالي ساعة ونصف. أكدّ الأطباء أنّ درجة حرارة الطفل كانت متدنية جداً وكان هناك خطر عليه لولا إسعافه. لاحقاً علمت أنه تمّ تسليم الطفل إلى إحدى دور رعاية الأيتام”.
صورة رقم (1) – صورة تظهر الطفل الذي تمّ العثور عليه في مدينة إدلب. مصدر الصورة: صفحات محلية.
-
العثور على طفل في أحد شوارع مدينة أريحا:
عثر أهالي حي “السوق” في مدينة أريحا بريف إدلب يوم 11 كانون الثاني/يناير 2021، على رضيع حديث الولادة مرمياً على قارعة الطريق، بحسب شهادة أحد أهالي الحي لـ”سوريون”، حيث روى قائلاً:
“تمّ تسليم الطفل لمخفر البلدة التابع لهيئة تحرير الشام، والذي قام بدوره بإرساله إلى مشفى المدينة. أكّد الأطباء هناك أنّ عمر الطفل لا يتجاوز 24 ساعة. بقي الطفل خمسة أيام في المشفى، إلى أن تمّ استلامه من قبل دار رعاية أيتام في مدينة سرمدا”.
-
التخلي عن طفلة بالقرب من أحد المساجد في مخيمات حزانو:
عثر بعض سكان مخيمات بلدة “حزانو” بريف إدلب في مساء يوم 22 حزيران/يونيو 2021، على طفلة حديثة الولادة ملفوفة بغطاء ومتروكة بالقرب من أحد المساجد. تحدثت “سوريون” للشخص الذي تكفل بالطفلة، وهو من سكان المخيم. قال المصدر:
“عندما أزلت الغطاء وجدت طفلة حديثة الولادة لا يغطي جسدها سوى لباس رث. توجهت برفقة عدد من أهالي المخيم إلى النقطة الطبية للتأكد من الحالة الصحية للطفلة. أكد الأطباء هناك أنّ عمرها لا يتجاوز خمسة أيام، وبأنها بحاجة ماسة للحليب. أخبروني أنهم سيقومون بإحالتها إلى دار أيتام في سرمدا، إلا أنني قررت احتضان هذه الطفلة على الرغم من كبر سني. ذهبت في اليوم التالي للمحكمة الشرعية، ومنحوني الموافقة على التكّفل بهذه الطفلة، وقررت أن أطلق عليها اسم “هبة”، وتوجهت بها لاحقاً إلى زوجة ابني لإرضاعها”.
-
العثور على طفلة بحالة صحية حرجة تحت شجرة في بلدة قميناس:
في ظهر يوم 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، عثر أهالي بلدة “قميناس” بريف إدلب على طفلة متروكة تحت أحد الأشجار بالقرب من الطريق العام. تحدثت “سوريون” إلى الصيدلي “وليد الكترماوي”، وهو أحد أهالي الحي والشخص الذي قام بفحصها قبل نقلها إلى المشفى. قال المصدر:
“في ذلك اليوم جاء إليّ عدد من أهالي الحي، وطلبوا مني فحص طفلة حديثة الولادة كانوا قد عثروا عليها. كان جسد الطفلة مائلاً للزرقة نتيجة البرد والجوع الشديدين، فقمنا بإسعافها إلى مشفى البلدة. تبيّن هناك أنها تعاني من الجفاف، وبقيت في المشفى مدة خمسة أيام إلى أن تحسنت حالتها وتمّ إرسالها إلى أحد دور رعاية الأيتام في المحافظة”.
صورة رقم (2): صورة تظهر الطفلة الذي تمّ العثور عليها في بلدة قميناس بريف إدلب. مصدر الصورة: صفحات محلية.
-
العثور على طفلة بجانب أحد المساجد في مدينة إدلب:
عثر أهالي مدينة إدلب فجر يوم 15 آب/أغسطس 2021، على طفلة حديثة الولادة وملفوفة بغطاء على مدخل أحد المساجد. قابلت “سوريون” الرجل الذي كفل الرضيعة، وقد قال في حديثه:
“عند عثوري على الطفلة وجدت ورقة معها مكتوب عليها (هذه طفلتي ولا قدرة لي على تربيتها، أبوها وأمها متزوجان بالحلال). أخذت الطفلة على الفور إلى المنزل حيث قامت زوجتي بالاعتناء بها، ثم قررنا التكفّل برعايتها. أصبح عمرها الآن أكثر من عام، وقد باتت فرداً أساسياً من أفراد عائلتي”.
-
إيجاد طفلة في كيس بلاستيكي في مدينة أريحا:
وجد أحد سكان مدينة أريحا صباح يوم 6 شباط/فبراير 2022، رضيعة حديثة الولادة متروكة في كيس جانب الفرن الذي يعمل فيه. قال الشاهد لـ”سوريون”:
“تفاجأت بكيس بلاستيكي قرب الفرن الذي أعمل فيه، عندما فتحت الكيس صدمت لرؤيتي طفلة صغيرة حديثة الولادة. قمت على الفور بأخذها إلى المشفى، حيث تبيّن أنها تعاني حالة صحية سيئة نتيجة البرد. قام المشفى بإبلاغ عناصر المخفر، والذين بدورهم قاموا بإرسال الطفلة إلى أحد دور الأيتام”.
صورة رقم (3): صورة تظهر الطفلة الذي تمّ العثور عليها جانب الفرن في مدينة أريحا. مصدر الصورة: الرجل الذي وجد الطفلة.
-
التخلي عن طفلة عمرها شهرين في بلدة معرة مصرين:
بتاريخ 14 تموز/يوليو 2022، وجدت إحدى الفرق العاملة في مجال حماية الطفل، طفلاً رضيعاً متروكاً على قارعة الطريق في بلدة “معرة مصرين” بريف إدلب. قابلت “سوريون” إحدى العاملات في الفريق وتدعى “سمر المحمود”، ومن ضمن ما قالته في المقابلة:
“تمّ إبلاغ فريقنا عن وجود رضيع على جانب الطريق المتجه إلى بلدة الشيخ بحر. وبحسب البلاغ كان قد تركه شخصان يقودان دراجة نارية. ذهبنا إلى منزل الرجل الذي قام برعاية الطفل عدّة ساعات إلى حين وصولنا. قدرّنا عمر الطفل بحوالي الشهرين، وسلمناه لأحد دور الأيتام في سرمدا”.
-
مخاوف على مستقبل الأطفال:
تعمل عدد من الدور المخصصة لرعاية الأيتام في إدلب على استقبال الأطفال الذين تمّ التخلي عنهم من قبل عائلاتهم.
قابلت “سوريون” مدير “دار رعاية الأيتام الأولى” في ريف إدلب “مراد الإدلبي”، حيث روى لـ”سوريون” بأنه ومنذ العام 2018، استقبلت الدار 36 طفلاً تمّ التخلي عنهم. عبر “الإدلبي” عن مخاوفه على الأطفال ذاكراً أنه ورغم سعي الدار المستمر إلى توفير الرعاية للأطفال، إلا أنّ مستقبلهم يثير القلق، فمنهم من أتمّ الخمس سنوات ولا يزال دون أوراق ثبوتية، وخاصةً مع عدم السماح بتسجيل هؤلاء الأطفال في دوائر النفوس المحلية في إدلب، بالإضافة إلى صعوبة تسجيلهم في دوائر الأحوال المدنية الحكومية، نتيجة الخوف من الذهاب هناك والاحتجاز على يد الأجهزة الأمنية السورية.
في شهادة أخرى، قال “شاهر العيسى” وهو أحد العاملين في مركز “بيت الطفل” في إدلب، بأنّ المركز استقبل 28 طفلاً تمّ التخلي عنهم منذ العام 2020، تتراوح أعمارهم ما بين سنة وخمس سنوات، تحدّث “العيسى” عن مخاوفه لـ”سوريون” قائلاً:
“من الصعوبات التي تواجهنا في تعاملنا مع الأطفال أنهم كثيراً ما يفتقدون جو الألفة ودائماً ما تندلع المشاكل بينهم مما يشكّل تحدياً كبيراً لنا. هذا ولا توجد رؤية واضحة لمستقبل هؤلاء الأطفال بعد بلوغهم سن 15 عاماً. نحن لا نعرف إن كانت الدار ستبقى قائمة حتى ذلك الوقت لاحتضانهم، ولا نعرف إن كان الأطفال سيبقون فيها حتى ذلك الحين. لا يوجد أي تصوّر واضح عن مستقبل الأطفال”.
-
إجراءات قاصرة عن منح الأطفال أبسط حقوقهم المدنية:
مازال دور الجهات المسؤولة (قوى الأمر الواقع) في إدلب مقتصراً على وضع الأطفال الذين تمّ التخلي عنهم إما في دوراً مخصصة لرعاية الأيتام، أو في عهدة من يود كفالتهم، دون تسجيلهم في دوائر الأحوال المدنية المحلية. وعن الإجراءات بعد العثور على الطفل، روى أحد الناشطين الإعلاميين لـ”سوريون”:
“أولاً يتم إبلاغ مخفر المنطقة بالحادثة، ثمّ يتم تحويل الملف للمحكمة الشرعية. إن وجِد من الأهالي من يرغب بكفالة الطفل، يقوم بالتوجه إلى المحكمة الشرعية لإجراء تعهّد بالرعاية، حيث يقسم الوالدان اليمين بألا يعطيا نسبهما للطفل، وألا يخبراه بأصله إلا حين بلوغه سن الرشد. أمّا في حال عدم وجود من يرغب بكفالة الطفل، فيتم إرساله إلى أحد دور الأيتام لرعايته”.
3. التخلي عن الأطفال في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري:
أمّا في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا في ريف حلب، فقد سجّلت “سوريون” ما لا يقلّ عن 11 حالة لأطفال تمّ التخلي عنهم، خلال الفترة المشمولة بالتقرير، وقد توزعت تلك الحالات في مناطق عفرين والباب وإعزاز.
-
إيجاد طفلة حديثة الولادة في ريف حلب:
في صباح يوم 20 أيلول/سبتمبر 2021، عثر أهالي بلدة “قبتان” في منطقة أخترين، على طفلة حديثة الولادة وضعت بالقرب من مسجد البلدة، بحسب ما أفاد به أحد أهالي البلدة لـ”سوريون” قائلاً:
“تمّ إسعاف الطفلة إلى المشفى، وبحسب ما أخبرنا به الأطباء لاحقاً، فقد كان قد مضى على ولادتها يوم كامل دون أن ترضع. لم يتم التعرف على ذويها. بعد حوالي 48 ساعة في المشفى، تمّ إرسالها إلى دار أيتام للاعتناء بها”.
-
العثور على طفل في مدينة الباب بحالة صحية حرجة:
وفي مدينة الباب، تمّ العثور على طفل حديث الولادة في أوائل شهر نيسان/أبريل 2022. بحسب شهادة أحد الأطباء الذين قاموا بفحص الطفل، والذي تحدّث لـ”سوريون” عن الأمر:
“كان الطفل مصاباً بحالة صحية سيئة، فقد كان يعاني من الجوع والبرد الشديدين، كما كان مصاباً بحالة إسهال قوية كان من الممكن أن تتسببّ بوفاته لولا إسعافه في اللحظات الأخيرة. تمّ العثور على الطفل أمام باب أحد الجمعيات الخيرية في المدينة، وقد بقي في المشفى مدة 10 أيام، قبل أن يكفله أحد أهالي القرية”.
-
العثور على طفلة قرب مدرسة في عفرين:
وفي حادثة أخرى، عثر أهالي قرية “عمارة” في منطقة عفرين بريف حلب، على طفلة حديثة الولادة مرمية بالقرب من مدرسة القرية، وذلك في منتصف شهر آب/أغسطس 2022.
تحدثت “سوريون” لأحد الناشطين الإعلاميين في القرية وقد أكد أنّه تمّ إبلاغ المجلس المحلي في المدينة عن الطفلة، فنُقلت إلى أحد المشافي، ثمّ إلى أحد دور رعاية الأيتام في المنطقة.
-
أرقام أقل من الواقع:
تحدثت “سوريون” إلى “نادية السمسوم” وهي عاملة في إحدى الفرق العاملة في مجال حماية الأطفال في ريف حلب وإدلب. ترى “السمسوم” أن الفقر يشكل عاملاً مهماً في ازدياد حالات التخلي عن الأطفال في عموم هذه المناطق. وقد قالت:
“سجل فريقنا خلال عامي 2021 و2022 ما لا يقلّ عن 63 طفل تمّ التخلي عنهم في إدلب وشمالي محافظة حلب، من بينهم 39 طفل كانوا قد فارقوا الحياة لحظة العثور عليهم. والأعداد الحقيقية قد تكون أكثر خاصةً أنّ بعض من يعثرون على الأطفال، لا يقومون بالإبلاغ بل يحتفظون بهم سراً، مما يشكل خطراً عليهم. إنّ ظروف النزوح والفقر كلها أدت بشكل او بآخر إلى تنامي ظاهرة التخلي عن الأطفال، وخاصةً أنّ معدلات الفقر تستمر في الارتفاع، وهذا أدى بدوره لتخلي بعض الأشخاص عن أبنائهم بسبب عجزهم عن إعالتهم”.
وأضافت “السمسوم” أنّ 20% من الحالات التي وثقها فريقها خلال العامين الماضيين، كانت نتاج تعرّض بعض النساء لابتزاز جنسي أو نتاج علاقات غير شرعية، مشيرة إلى أنه ومع تشديد الرقابة الأمنية والطبية على عمليات الإجهاض في المشافي، اضطرت بعض النساء للمضي بالحمل ثم التخلي عن مولودها بهذه الطريقة.
-
دور الجهات المسؤولة في ريف حلب:
لا يختلف دور الجهات المسؤولة في ريف حلب الخاضع لسيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، عن دور الجهات المسؤولة في إدلب، حيث يقتصر دورها أيضاً على وضع الأطفال الذين تمّ التخلي عنهم في عهدة من يود كفالتهم، أو نقلهم إلى أحد دور الأيتام في المنطقة، وبحسب ما أفاد به أحد الناشطين الإعلاميين ممن قابلتهم “سوريون” عن الإجراءات، فإنّه يتم تحويل ملف الطفل إلى المحكمة الشرعية التابعة للحكومة السورية المؤقتة، والتي تبتّ حول ما إذا كان سيتم كفالة الطفل من قبل أحدهم، أو سيتم وضعه في عهدة أحد الدور المخصصة لرعاية الأيتام، دون أن يتم أيضاً تسجيله في السجلات المدنية المحلية.
4. التخلي عن الأطفال في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية:
شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا نصيباً كبيراً من حالات التخلي عن الأطفال، حيث سجّلت “سوريون” ما لا يقلّ عن 19 حالة لأطفال تمّ التخلي عنهم خلال الفترة الزمنية السابقة، في مناطق الحسكة ودير الزور والرقة.
في ريف ناحية “مركده”، جنوبي الحسكة، عثر الأهالي على طفلة حديثة الولادة مرمية على قارعة الطريق، في صباح يوم 12 تموز/يوليو 2022، بحسب ما روى رئيس “كومين” المنطقة لـ”سوريون” قائلاً:
“تمّ العثور على الطفلة مرمية بجانب مدرسة القرية ولم يكن قد مر على ولادتها سوى ساعات، وكانت بقايا الولادة واضحة عليها. على الفور توجهت إلى مركز قوى الأمن الداخلي “الأسايش” في ناحية “مركدة” ونظمت ضبطاً مفصلاً حول الحادثة. تبيّن لاحقاً أنّ الطفلة ولدت في ناحية “مركدة”، حيث أنّ رجلاً وامرأة قصدا قابلة قانونية في الناحية مستخدمين أسماء وهمية، ثم بعد ولادتها رُميت الطفلة على قارعة الطريق”.
وتابع الشاهد بأنه تكفّل برعاية الطفلة وأطلق عليها اسم “هبة الله”، وقرر عدم تسليمها لدور الأيتام إلى حين تسليمها إلى ذويها أو أن يقوم أحد بالسؤال عنها، حيث أصبح عمرها اليوم عدّة أشهر.
صورة رقم (4): صورة تظهر الطفلة التي تمّ العثور عليها في ريف مركدة. مصدر الصورة: العائلة التي قامت بتكفل الطفلة.
وفي مدينة القامشلي/قامشلو، في صباح يوم 24 نيسان/أبريل 2021، عثر الأهالي على طفل حديث الولادة مرمي أمام “دار الرحمة” لرعاية الأطفال الأيتام في القامشلي. روت “انتصار العلي” مديرة الدار لـ”سوريون”:
“كان من الواضح أنّه لم يمضِ على ولادة الطفل سوى بضع ساعات، فقمنا بإبلاغ الجهات المسؤولة بعثورنا عليه. بعد كتابة ضبط بالحادثة في مخفر الشرطة، تمّ تحويل الطفل لإحدى المشافي لتلقي العلاج اللازم ومن ثم أعيد إلى الدار. يبلغ الآن من العمر ستة أشهر ولم يسأل عنه أحد حتى اليوم”.
صورة رقم (5): صورة تظهر الطفل الذي تمّ العثور عليه في مدينة القامشلي/قامشلو. مصدر الصورة: مديرة “دار الرحمة”.
أما عن الإجراءات بعد إيجاد الطفل، فقد قابلت “سوريون” مصدراً من مكتب حماية الطفل في الإدارة الذاتية، والذي قال أنه وفي حال العثور على أي طفل تمّ التخلي عنه، يتم أولاً تنظيم ضبط بالحادثة، ثمّ يتم فحصه من قبل طبيب شرعي أو لجنة طبية للتأكد من سلامته. وبناءاً عليه، يتم إما تحويله إلى المشفى أولاً، أو يُرسل مباشرة إلى أحد مراكز رعاية الأيتام. أضاف المصدر أنه وبالتعاون مع منظمة الهلال الأحمر يتم تسجيل الأطفال في دوائر الأحوال المدنية التابعة للحكومة السورية. كذلك أشار المصدر إلى أنّ الأطفال يبقون في مراكز رعاية الأيتام إلى حين إنهائهم الدراسة الجامعية.
5. التخلي عن الأطفال في مناطق سيطرة الحكومة السورية:
شهدت مناطق سيطرة الحكومة السورية هي الأخرى ارتفاعاً ملحوظاً في حالات التخلي عن الأطفال خلال الفترة الزمنية السابقة، حيث وثقت “سوريون” ما لا يقلّ عن 21 حالة لأطفال تمّ التخلي عنهم، وخاصةً في ريف دمشق وحمص وحماه ودرعا.
وكان المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي “زاهر حجو” قد صرّح لصحيفة الوطن المقرّبة من الحكومة السورية في 12 أيار/مايو 2022، عن تسجيل ما لا يقلّ عن 38 حالة لأطفال تمّ التخلي عنهم، من ضمنهم 17 أنثى و21 ذكراً، منذ مطلع العام 2022، وحتى تاريخ 12 أيار/مايو 2022.[2]
هذا وقد وثقت “سوريون”، في حي “السحاري” في مدينة درعا، عثور الأهالي على طفلة حديثة الولادة، ملفوفة بقطعة قماش ومتروكة بالقرب من أحد الأفران، وذلك في 31 أيار/مايو 2022. بحسب شهادة أحد الناشطين الإعلاميين لـ”سوريون” تمّ نقل الطفلة إلى مشفى درعا الوطني لتلقي العلاج اللازم، بعد أن كانت مصابة بحرارة مرتفعة. تمّ لاحقاً نقلها إلى أحد الدور المخصصة لرعاية الأطفال في ريف دمشق.
تحدث المصدر أيضاً عن حادثة مشابهة وقعت في 27 نيسان/أبريل 2021، عندما عثر أهالي حي “الكاشف” في مدينة درعا على طفل رضيع قدّر سنه حينها بأقل من شهر، وقد كان متروكاً أمام أحد الأبنية، موضحاً بأنّ الأهالي قاموا بتسليمه لعناصر الشرطة التابعة للحكومة السورية.
كذلك تمّ العثور في ريف دمشق، في 26 أيار/مايو 2022، على طفل حديث الولادة في منطقة معضمية الشام، ملفوفاً بقطعة قماش بداخلها ورقة كتب عليها “الأم توفت عند الولادة”. تم تسليم الطفل إلى الجهات المعنية بحسب ما نشرت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية السورية على “فيس بوك”.[3]
صورة رقم (6) – صورة لمنشور وزارة الداخلية السورية على منصة فيسبوك.
أما عن الإجراءات في حال تمّ العثور على طفل تخلى عنه والداه، فيتم تنظيم الضبط من قبل مخفر الشرطة، وبدوره يحيله إلى النيابة العامة. تقوم الأخيرة بإرسال الطفل إلى المركز المخصص في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومن ثمّ يتم فحص الطفل طبياً للتأكد من حالته الصحية. بعدها يتم تسجيله في السجل المدني الذي يختار له الاسم والوالدين والنسب، ويتمتع الطفل بكامل حقوقه المدنية، ولا يجوز أن يطلّع أحد -سوى السجل المدني- على أنه مجهول النسب.[4]
6. رأي قانوني:
علاوة على الأثر النفسي والاجتماعي لظاهرة التخلي عن الأطفال، فإن هذا السلوك محظور قانوناً، وتقع المسؤولية الأولى على عاتق الوالدين، لأن كلاهما مسؤول عن تربية الطفل وتنشئته بالشكل الذي يكون فيه قادراً على الاعتماد على نفسه والتأثير بشكل ايجابي في محيطه مستقبلاً، ولهذا السبب فقد اعتبر قانون العقوبات السوري ترك الطفل بدون معيل جريمة يعاقب عليها.
نصت المادة 484 من قانون العقوبات السوري بأن “من طرح أو سيب ولداً دون السابعة من عمره أو أي شخص آخر عاجز عن حماية نفسه بسبب حالة جسدية أو نفسية عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، وإذا طرح الولد أو العاجز أو سيب في مكان قفر كان العقاب من سنة إلى ثلاث سنوات”.
وشددت المادة 486 العقوبة إذا كان المجرم أحد أصول الولد أو العاجز أو أحد الأشخاص المولين حراسته أو مراقبته أو معالجته أو تربيته.
وترى “سوريون” بأن ما يؤخذ على النصوص السابقة هي أنها حددت عمر الطفل بسبع سنوات، وكان من الأجدر أن يكون الجرم واقعاً بغض النظر عن عمر الطفل ما دام لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره.[5]
كما يؤخذ على هذه النصوص أنها أعفت الأم من العقوبة إذا كانت قد أقدمت على ترك الولد وتسييبه إتقاءاً للعار أو حماية لشرفها، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 486 الآنفة الذكر بأنه “لا يطبق هذا النص على الوالدة التي أقدمت محرضة أو فاعلة أو متدخلة على طرح مولودها أو تسييبه صيانة لشرفها”. فمن غير المقبول أن يجازف القانون بحياة طفل مراعاة لعادات وأعراف اجتماعية لا شأن للضحية فيها ولم يشارك أصلاً في ترسيخها.
لكن ما ذكر لا يعني بأي حال من الأحوال انتفاء مسؤولية الدولة في القيام بمهامها بهذا الخصوص. فإن كان الوالدين غير قادرين على رعاية الطفل وتربيته لأي سبب من الأسباب، فمن واجب الدولة إيجاد الحلول التي تراعي مصلحة الطفل. وعلى هذا الأساس نص الدستور السوري في المادة 20 على أن “1ــ الأسرة هي نواة المجتمع ويحافظ القانون على كيانها ويقوي أواصرها، 2ــ تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه، وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه، وتحمي الأمومة والطفولة، وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم”.
لكن يبدو أن هذا النص، كالعديد من نصوص الدستور السوري، مجرد نص شكلي الهدف منه تزيين الدستور بنصوص براقة لا أكثر، وإلا ما هو تفسير انتشار ظاهرة ترك الأطفال في مناطق سيطرة الحكومة السورية في السنوات الأخيرة، مع ملاحظة عدم اتخاذ الحكومة لأي إجراءات تراعي فيها مصلحة الطفل، كما هو واضح في الحالات المذكورة في هذا التقرير.
كما أن قوى الأمر الواقع في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية تتحمل ذات المسؤولية، وذلك بناء على القوانين والأنظمة التي وضعتها لنفسها والتي من المفترض الالتزام بها.
مثلاً، في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري التابع للحكومة السورية المؤقتة المدعومة من الحكومة التركية، يتم تطبيق القوانين السورية من قبل المحاكم المحدثة في تلك المناطق، وبالتالي ما تم ذكره بخصوص الحكومة السورية ينطبق أيضاً على المناطق التي تدعي الحكومة المؤقتة إنها تحت سيطرتها، خاصة مناطق عفرين والباب وسري كاني/رأس العين وتل أبيض.
وفي مناطق الادارة الذاتية في الحسكة والرقة ودير الزور، يفترض على السلطة القائمة القيام بواجباتها بخصوص رعاية الأطفال وتنشئتهم خاصة في حال عجز الوالدين عن ذلك، أو في حال عدم التعرف على الوالدين أصلاً كما هو واضح في الحالات المذكورة في هذا التقرير، وهذا الالتزام مستمد من ميثاق العقد الاجتماعي الصادر عن الإدارة الذاتية عام 2014 حيث نص هذا العقد على ضمان حق الطفولة وضمان حماية الأمومة والطفولة ورعايتها (المواد 29 و30).
إضافة إلى النصوص القانونية المذكورة أعلاه، فإن إتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 نصت على ضرورة إيلاء الإهتمام والرعاية والحماية لحقوق الطفل الفضلى، حيث نصت المادة 3 من الاتفاقية على ما يلي: “1ـ في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى. 2ـ تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن للطفل الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهه، مراعية حقوق وواجبات والديه أو أوصيائه أو غيرهم من الأفراد المسؤولين قانونا عنه، وتتخذ، تحقيقاً لهذا الغرض، جميع التدابير التشريعية والإدارية الملائمة. 3ـ تكفل الدول الأطراف أن تتقيد المؤسسات والإدارات والمرافق المسؤولة عن رعاية أو حماية الأطفال بالمعايير التي وضعتها السلطات المختصة، ولاسيما في مجالي السلامة والصحة وفي عدد موظفيها وصلاحيتهم للعمل، وكذلك من ناحية كفاءة الإشراف”.
[1] “أكثرها في ريف دمشق بـ9 حالات وفي القنيطرة لم تسجل أي حالة … الطب الشرعي يوثق 38 حالة عثور على لقطاء خلال العام الحالي”، صحيفة الوطن السورية، في 12 أيار/مايو 2022. آخر زيارة للرابط بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. https://alwatan.sy/archives/303127
[2] “أكثرها في ريف دمشق بـ9 حالات وفي القنيطرة لم تسجل أي حالة … الطب الشرعي يوثق 38 حالة عثور على لقطاء خلال العام الحالي”، صحيفة الوطن السورية، في 12 أيار/مايو 2022. آخر زيارة للرابط بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. https://alwatan.sy/archives/303127
[3] الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية السورية على “فيس بوك”، بتاريخ 26 أيار/مايو 2022. آخر زيارة بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. https://www.facebook.com/264301457287719/posts/pfbid0dyYfCN4DB3FfDXHjRMmWzXwF23JowtFZfjC1qdGkQrWcnqh6qtNugHW8BPd32Xfzl/?d=n&mibextid=0x7PCD
[4] “السجل المدني يختار اسمه ووالديه … 300 طفل مجهولي النسب مسجلون خلال الأزمة … مجهول النسب يتمتع بحقوقه المدنية ولا يجوز إفشاء سره إلا أمام القضاء” في 19 آذار/مارس 2018. آخر زيارة للرابط بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. https://alwatan.sy/archives/143738
[5] انظر المادة الأولى من قانون الأحداث الجانحين رقم 18 لعام 1974 والمادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989.