استجابة لكارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا يوم 6 شباط/فبراير 2023، ونظراً لبدء عمليات الإبلاغ عن انتهاكات مرافقة لعمليات الإنقاذ وإيصال المساعدات الإنسانية ولاحقاً توزيعها، تنشر “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” هذه الورقة المختصرة للحديث عن تلك الخروقات المحتملة على شكل أسئلة وأجوبة، وما يجب التركيز عليه عند توثيقها، مع التخصيص على مسؤوليات أطراف النزاع والمنظمات الإنسانية المنخرطة بعمليات الإغاثة.
1. ما هي مبادئ العمل الإنساني التي يجب الالتزام بها أثناء الإغاثة الإنسانية؟
يشير القانون الدولي الإنساني لمبدأيّ الإنسانية و عدم التحيّز لتحديد العمل الإنساني والفاعلين الإنسانيين، أما مبدأي الحياد و الاستقلال فهما جوهريان لضمان الالتزام بمبدأي الإنسانية وعدم التحيز.
- الإنسانية: أي السعي للوقاية من ومعالجة المعاناة الإنسانية أينما وجدت.
المعيار الأساسي للاستجابة هو الحاجة الإنسانية، والأولوية في تقديم المساعدة لمن هم أكثر حاجة. توزع المساعدات بحسب الحاجة فقط بغض النظر عن أي اعتبار آخر.
- عدم التحيّز: يجب توزيع المساعدات الإنسانية على جميع الضحايا دون أي تمييز ضار على أساس العرق، أو الديانة، أو الرأي السياسي، أو الانتماء إلى طرف أو آخر من أطراف النزاع أو أي أساس آخر.
هذا المبدأ نابع من مبدأ الإنسانية، فالمعاناة هي الأساس الوحيد الذي يحدد الاستجابة وأولوياتها.
- الحياد: عدم تبني المنظمات لموقف يدعم طرف من الأطراف ضد الآخر.
- الاستقلال: عدم استخدام المساعدات لتنفيذ أجندات سياسية أو مالية أو عسكرية أو أيديولوجية.
إن احترام هذه المبادئ هو الذي يضمن للفاعلين الإنسانيين حقهم في التواجد في الميدان والوصول إلى الضحايا. حين تكون هذه المبادئ مُصانة، لا يحق لأطراف النزاع منع أو عرقلة وصول الإغاثة الإنسانية. |
2. ما هو دور الدولة صاحبة السيادة تجاه الساكنين في المناطق المتضررة من الزلزال؟
الدولة صاحبة السيادة هي المسؤولة قانونياً عن أحوال المقيمين في أراضيها أو تحت سلطتها (سوريا/حكومة دمشق). بحال لم تكن الدولة قادرة أو راغبة في تقديم المساعدات، يصبح واجبها حينها أن تضمن وصول المساعدات المقدمة من جهات أخرى وأن تسهل مرورها وتحميها، ولا يكفي ألا تمنع مرور المساعدات لتكون قد أدت التزامها.
لا يمكن للدولة أن تتذرع بعدم سيطرتها على منطقة/مناطق لتقوم بمنع أو عرقلة الوصول الإنساني للسكان المدنيين الذين تثبت معاناتهم بسبب النزاع المسلح أو أية أوضاع أخرى. طالما يستوفي العمل الإنساني مبادئه الأساسية، يجب أن تعطي الدولة الأولوية لمبدأ الإنسانية والاستجابة لمعاناة السكان.
3. ما هي مسؤولية تركيا القانونية تجاه المقيمين في شمالي غرب سوريا؟
يقع على عاتق دولة الاحتلال (تركيا) واجب ضمان توفير الإمدادات الكافية من الغذاء والإمدادات الطبية والملابس والفراش والمأوى والإمدادات الضرورية لبقاء المدنيين في الأراضي المحتلة على قيد الحياة. على الرغم من عدم وجود قائمة شاملة ومعتمدة تفصّل “الإمدادات الضرورية”، ففي الوضع الراهن يمكن اعتبار –بالإضافة إلى الإمدادات مذكورة أعلاه– معدات الإنقاذ ورفع الأنقاض والوقود وفرق الإنقاذ وكل ما يلزم لعمليات الإغاثة من تبعات الزلزال، إمدادات لا يمكن الاستغناء عنها، بل طارئة، للحفاظ على حياة السكان المدنيين. لذلك، يتوجب على دولة الاحتلال تأمين هذه الاحتياجات كجزء من واجباتها في ضمان توفير الإمدادات الكافية في المناطق المحتلة.
ليس لقوة الاحتلال خيارات إلا توفير الإمدادات الكافية لسكان المناطق المحتلة أو تيسير وصولها من أطراف أخرى إذا لم تكن هي قادرة على القيام بذلك. |
لا تتمتع قوة الاحتلال بحرية قبول أو رفض المساعدات الإنسانية في حل لم تكن قادرة على تقديمها. ويعتبر النظام القانوني الناظم للاحتلال الأساس القانوني الناظم لهذه الحالة، ولا يمكن التذرع بأية أنظمة أخرى لمنع أو تأخير أو عرقلة الوصول الإنساني لسكان المناطق المحتلة. فعلى سبيل المثال، لا يمكن التذرع بوجود عقوبات أو إغلاق للمعابر لتأخير مرور المساعدات الإنسانية.
4. هل يشترط الحصول على إذن/موافقة الجهة المسيطرة على مرور المساعدات الإنسانية؟
- موافقة الدولة صاحبة السيادة: مما لا شك فيه أن موافقة الدولة المعنية مفروض في القانون الدولي الإنساني لمرور المساعدات الإنسانية. ولكن ليست الغاية من هذا الإذن إعطاء الحق المطلق للدولة بأن تتحكم بهذا المرور، إنما لضمان حماية الدولة للمساعدات وتأمين وصولها. وبحال رفض الدولة بلا مبرر، يعتبر هذا رفضاً تعسفياً وغير قانوني.
- موافقة المجموعات المسلحة: على الرغم من عدم وجود أحكام قانونية صريحة بهذا الخصوص، وعلى الرغم من خضوع هذا الموضوع للكثير من الجدل والتفسيرات القانونية، إلا أن العديد من الفقهاء القانونيين والممارسات الفعلية تثبت أنه يكفي الحصول على موافقة المجموعات المسلحة المسيطرة على مرور المساعدات. وأيضاً، بحال رفض المجموعة المسلحة بلا مبرر، يعتبر هذا تعسفاً وجرماً بحسب القانون الدولي.
- موافقة دولة الاحتلال: لا تحوي القوانين المتعلقة بالاحتلال مواد خاصة بطلب الموافقة على مرور المساعدات، بل على العكس يتوجب على دولة الاحتلال أن توافق على المرور لأنها أصلاً بنظر القانون الدولي سلطة مؤقتة، وبالتالي لا تملك سلطة إعطاء الموافقة على أساس تبرير مبدأ السيادة، فلا يمكن الاعتراف بسيادة قوة الاحتلال على أراضي دولة أخرى.
دولة الاحتلال هي المسؤولة عن الاستجابة لحاجات سكان المناطق المحتلة، وبحال كانت غير قادرة على ذلك، فيجب عليها على الأقل أن تيسر مرور المساعدات كما تفعل مع مواطني دولتها. ولا يمكن لدولة الاحتلال أن تعطي سكان الدولة المحتلة حقوقاً أقل مما تعطي مواطني دولتها. |
- لا يكفي أن تدعي تركيا أنها لم تغلق المعابر، بل عليها أن تخصص جزءاً مناسباً من المساعدات التي وصلتها وترسلها لمناطق سيطرتها شمالي سوريا.
- إذا ثبت أن المساعدات الإنسانية ستؤدي إلى دعم القوة العسكرية أو الاقتصادية للعدو يكون رفض تسهيلها/مرورها مبرَراً، لأن المساعدات في هذه الحالة لا تتوافق مع مبادئ العمل الإنساني (انظر السؤال رقم 1).
5. ما هي حقوق أطراف النزاع فيما يتعلق بمرور المساعدات؟
لأطراف النزاع عدة حقوق:
- الإذن/الموافقة (انظر السؤال رقم ٤).
- تفتيش المساعدات: شرط ألا يكون التفتيش بشكل تعسفي أو بهدف التأخير.
- تنسيق مرور المساعدات وخط سيرها وكيفية تأمينها: ليس المقصود هنا توجيه المساعدات لمنطقة أو لوجهة محددة. عادة ما تقوم الجهة التي توصل المساعدات بتحديد الجهة المستفيدة بشكل مسبق، وذلك بناءً على تقييم مسبق يبين من هم المتضررين الأكثر حاجة. ليس من حق طرف النزاع تغيير وجهة المساعدات، ولكن عليه الحفاظ على أمن المواد والعاملين عليها وضمان وصولها. أي على سبيل المثال، يجب على طرف النزاع أن يختار الطرق الأفضل والأسرع والأكثر أمناً لعبور المساعدات.
6. ما هي المحظورات على أطراف النزاع فيما يتعلق بمرور المساعدات؟
يحظر على أطراف النزاع:
- وضع شروط سياسية أو مالية أو أيديولوجية أو غيرها من الشروط على مرور المساعدات.
- تحويل المساعدات: يجب أن تقوم أطراف النزاع بتسهيل مرور المساعدات، ولكن لا يمكنها تحويل وجهتها لأن هذا يخالف مبدأي الإنسانية وعدم التحيز في تقديم المساعدات (انظر السؤال رقم ١). على سبيل المثال، لا يمكن لطرف نزاع ما أن يخصص بعض المساعدات لمقاتليه أو لعائلاتهم. (هنا يمكن النظر إلى مقدار الحاجة. هل هناك حاجة ملحة لدى العائلات؟ أم أن المساعدات ستتحول من الأشخاص الأكثر حاجة لجهات أخرى).
- فرض نسبة أو حصة أو ضريبة: لا يجوز فرض نسبة أو حصة أو ضريبة على المساعدات مقابل ضمان مرورها أو وصولها للمستفيدين.
- فرض من هم المستفيدون: لا يمكن لأطراف النزاع أن تطلع على قائمة المستفيدين وأن تطلب تغييرها.
- التمييز: لا يجوز التمييز عند تحديد وجهة المساعدات، سواء كان التمييز على أساس الدين أو الجنسية أو الموقع الجغرافي أو غيره من الأسس، لأن هذا يخالف مبدأي الإنسانية وعدم التحيز القائمين على الاستجابة الإنسانية على أساس مستوى الحاجة.
7. هل يمكن لطرف من أطراف النزاع أن يرفض مساعدة إنسانية مقدمة من طرف آخر؟
حاجة السكان المدنيين لهذه المساعدات هي العامل الحقيقي الذي يحدد ما إذا كان يتوجب على طرف النزاع الآخر قبولها أو رفضها.
فمثلاً، لو أرسلت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا المساعدات لمنطقة غصن الزيتون الواقع تحت سيطرة جهة ثانية، ولم تشترط الإدارة الذاتية أن توزع المساعدات بطريقتها، يجب على الجهة الثانية المسيطرة على منطقة غصن الزيتون أن تأخذ هذه المساعدات وتوصلها بدورها للمتضررين، وذلك لأن الحاجة للمساعدات كبيرة جداً حالياً. يجب ألا ننسى أن واجب الاستجابة لحاجات السكان المدنيين يقع على عاتق الأطراف المسيطرة أساساً.
وانطلاقاً من نفس المبدأ، يمنع على أطراف النزاع أن ترفض المساعدات التي تصلها من مناطق الحكومة السورية.
- يجب في كل الأحوال ضمان أن تكون المساعدات الإنسانية تستوفي مبدأي الإنسانية وعدم التحيز بشكل أساسي. لا يمكن اعتبار المساعدات الواردة من طرف في النزاع مستوفية لمبدأي الحياد والاستقلال، إلا أن الجهة المتلقية لهذه المساعدات عليها واجب أن تتأكد من كونها إنسانية وغير منحازة، أي عليها أن تستجيب لمعاناة السكان المدنيين ولا تميز في إيصال هذه المساعدات لهم إلا على أساس مقدار الحاجة.
- على الفاعلين الإنسانيين أن يتأكدوا من أن نشاطهم الإنساني غير متحيز وأنهم لا يرتكبون التمييز تحت أي ظرف. من حق أطراف النزاع أن ترفض المرور الإنساني إذا ثبت أنه قد لا يستوفي شرطَي الإنسانية وعدم التحيز، أو أنه قد يساهم في القوة العسكرية أو الاقتصادية للعدو.
- على الجانب الآخر، لا يمكن لأطراف النزاع اعتبار مجموعات بشرية –إثنية أو دينية أو لغوية أو غيرها– عدواً، وبالتالي أن تتذرع بأن المساعدات الإنسانية المخصصة لتلك المجموعات تساهم في قوة العدو. إن مفهوم الخصم أو العدو مقتصر على القوات المسلحة وما يرتبط بها من عناصر أو كيانات أو أعيان، وليس السكان المدنيين لمجرد اعتبارهم موالين لذلك العدو.
8. كيف يتم تحديد مقدار الحاجة والأشخاص الأكثر احتياجاً؟
هذه مسؤولية مشتركة بين السلطة القائمة والمنظمات الدولية والفاعلين الإنسانيين، وعليهم تحديد الحاجات والأولويات. بحال قيام السلطة وحدها بتحديد أصحاب الأولوية سيكون هذا مثيراً للشك لعدم وجود ما يضمن امتناع السلطات عن تفضيل أطرافها على غيرهم. على سبيل المثال، لو قامت المنظمات الإنسانية في مدينة جنديرس بتقييم الأشخاص الأكثر احتياجاً، ورفضت القوات المسيطرة الأخذ برأي هذه المنظمات وتوجهت إلى بيوت من اختيارها، في هذه الحالة، تكون القوات المسيطرة قد ارتكبت انتهاكاً لأنها انتهكت مبادئ العمل الإنساني (انظر السؤال رقم 1).
عادة ترسل الدول المساعدات بناءً على تقييمات تصلها من هيئات إنسانية أو من قبل منظمات تعمل معها، أو من خلال الدولة بناءً على تفاهمات أو ترتيبات فيما بينها. على الدول التي ترسل المساعدات واجب التأكد من وصولها لمن يستحق.