تستمر “حكومة الإنقاذ” التابعة لهئية تحرير الشام، بالتضيق على آلاف النازحين في محافظة إدلب، عبر إجبار عائلات على دفع مبالغ مالية سنويّة لقاء السماح لها بالسكن ضمن مخيمات في مناطق الدانا وسرمدا وحارم بشكل خاص، علاوة على اقتطاع حصة/نسبة من المساعدات الإغاثية التي تقدّمها بعض الجمعيات الخيرية/الإغاثية بشكل شهري للنازحين، مقابل السماح لها بالاستمرار بالعمل، في حين يقوم عناصر آخرون من “هيئة تحرير الشام” باستغلال الموارد المائية واحتكارها ومنع النازحين من الاستفادة منها دون دفع مقابل مادي.
ويتعبر”المكتب الزراعي”[1] ومكتب “إدارة المهجّرين”[2] التابعين لحكومة الإنقاذ المسؤولان الأساسيان عن سياسية التضييق على النازحين واستغلال الجمعيات الخيرية/الإنسانية، إضافة إلى استغلال نفوذ بعض عناصر “هيئة تحرير الشام” لاحتكار الموارد المائية في منطقة المخيمات.
التضييق على سكان المخيمات:
التقى الباحث الميداني لدى “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بثمان عائلات نازحة مقيمة في مخيمات مختلفة ضمن “منطقة تجمع المخيمات” التي تضم نحو 50 ألف عائلة قرب قرية دير حسان في منطقة الدانا بريف محافظة إدلب، وتحدثت العائلات عن قيام “المكتب الزراعي” بفرض دفع أجر سنوي قدره 20 ليرة تركية عن ما مساحته 70 متراً لكل خيمة أو مسكن مؤقت (أبنية غير مسقوفة بالاسمنت).
وفي السياق ذاته، فرضت الهيئة على أصحاب المحال التجارية في المنطقة نفسها دفع أجر شهري عن ما مساحة 24 متر لكل محل تجاري، حيث تراوحت المبالغ ما بين 50 إلى 100 ليرة تركية تبعاً لنوع البضاعة المباعة، وذلك بعد تهديد النازحين بإخراجهم من المخيمات والحرمان من المساعدات الشهرية وإغلاق المحل في حال رفضهم الدفع.
وبحسب النازحين الذين تحدثت معهم “سوريون” فإنّ منطقة “تجمع المخيمات” قرب قرية دير حسان هي عبارة عن مخيمات عشوائية تم إنشاؤها على أراض تعود ملكيتها للدولة السورية قامت “هيئة تحرير الشام” بوضع يدها عليها، ومن ثم تمّ بيعها من قبل عناصر الهيئة كأمتار متفرقة (بحسب حصة كل قيادي في التنظيم) من هذه الأراضي للنازحين الذين قاموا لاحقاً ببناء غرف/منازل غير مسقوفة ومحلات تجارية.
وأفادت العائلات أن موظفين من “المكتب الزراعي” قاموا بتقسيم منطقة المخيمات إلى قطاعات وأحصوا عدد المنازل والمحال ورقموها، ومن ثم بلغوا السكان بوجوب دفع أجور سنوية عن المنازل وأجور شهرية عن المحال التجارية.
تتم عملية جباية الأجور عبر إرسال “المكتب الزراعي” مندوبين بشكل شهري، وفي حال تخلّف صاحب المنزل/ المحل عن الدفع يتم إغلاق المحل وإخراجه من المخيم وحرمانه من المساعدات الغذائية الشهرية. وفي هذا الصدد قال أحد النازحين الذين التقاهم الباحث الميداني ما يلي:
“إن قيمة السلة الغذائية الشهرية تبلغ نحو 170 ليرة تركية، وهي مصدر الرزق الوحيد لمعظم العائلات هنا، لذلك اخترنا أن ندفع 20 ليرة في السنة أجار المنزل كي لا يتم حرماننا من هذه السلة على الرغم من أنها تأتي ناقصة وقد أخذت منها بعض المواد التي يُفترض أن نحصل عليها.”
التضييق على الجمعيات الخيرية/الإغاثية:
ومن ناحية أخرى، تعرضت جمعيات خيرية للابتزاز المالي، وأجبرت على دفع مبالغ مالية وأجزاء من المساعدات العينية لجهات/مكاتب/هيئات تتبع لهيئة تحرير الشام، وذلك لقاء السماح باستمرار عمل الجمعيات وتقديم المساعدات للنازحين في منطقتي الدانا وحارم.
ففي منطقة الدانا، قام “مكتب إدارة المهجرين” بوضع يده على جزء من مخيم للنازحين واقتطع بشكل شهري جزءاً من المساعدات الغذائية المقدمة للنازحين. وقال أحد العاملين -الذين رفضوا الكشف عن هويتهم لأسباب أمنية- في جمعية خيرية في منطقة الدانا في حديثه للباحث الميداني ما يلي:
“لقد تم انشاء المخيم على قطعة أرض من أملاك الدولة على مساحة 50 دونم، وتم بناء 500 وحدة سكنية عليها بالإضافة إلى مسجد ومدرسة وحديقة، ومقابل السماح للجمعية بإنشاء المخيم والعمل فيه، قام مكتب إدارة المهجّرين بوضع يده على 20 بالمئة من الوحدات السكنية في المخيم أي على 100 وحدة سكنية، وقد تم إسكان عناصر من هيئة تحرير الشام في بعض هذه الوحدات وتم تأجير الوحدات الأخرى، إضافة إلى ذلك قام هذا المكتب بالاستيلاء وبشكل شهري على 20 بالمئة من المساعدات الشهرية التي تدخل المخيم بما في ذلك السلل الغذائية والمياه والمحروقات.”
في حادثة مشابهة، تعرضت جمعية خيرية ثانية في منطقة حارم لضغوطات وابتزاز من عناصر يتبعون لـ”هيئة تحرير الشام”، حيث تم إجبار الجمعية على شراء المياه اللازمة للمخيم من بئر يملكه أحد القادة في “هيئة تحرير الشام”، وتم منع الجمعية من تشغيل بئر ماء خاص بها حفرته للتخلص من الاستغلال المالي. وقال أحد موظفي الجمعية في حديثه مع الباحث الميداني في هذا الصدد ما يلي:
“قامت الجمعية بشراء قطعة أرض من مالكها المباشر لبناء مخيم في منطقة حارم، لقد دفعت الجمعية مبلغاً كبيراً لقاء قطعة الأرض كونها مسجلة تحت فئة (الطابو الأخضر) وذلك لتجنب التعامل مع هيئة تحرير الشام عبر شراء أرض مشاع من أراضي الدولة المستولى عليها ولمنعها من الاستيلاء على حصص الإغاثة الشهرية المخصصة للنازحين، وتم بناء مخيم يتسع لحوالي 700 عائلة وفيه مسجد ومدرسة ونقطة طبية، ولكن واجهتنا مشكلة في تأمين المياه حيث تم اجبارنا على شراء المياه من بئر يملكه أحد قادة هيئة تحرير الشام ويكلف ذلك في اليوم الواحد مبلغ 200 دولار أمريكي.”
وتابع الشاهد:
“إن تكلفة تأمين المياه للمخيم تبلغ 6000 دولار أمريكي شهرياً، يتم دفعها لصاحب البئر والذي هو قيادي في هيئة تحرير الشام، ومن أجل توفير هذا المبلغ، تقدمنا إلى مديرية الأراضي الزراعية التابعة لحكومة الإنقاذ بطلب لحفر بئر، وتم رفض الطلب مرات عدة بحجة أن هناك بئر في المنطقة، وبعد الوساطات تم السماح بحفر البئر، ولكن لم يتم السماح بتشغيله، وما زلنا ندفع ثمن المياه حتى الآن لهذا القيادي.”
_____
[1] يتبع المكتب الزراعي إلى وزارة الزراعة والري التابعة لحكومة الإنقاذ ومقرها مدينة إدلب، ويكون للوزارة مكتب زراعي في كل منطقة/ناحية. https://syriansg.org/tag/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D9%8A/
[2] “تتبع “أدارة المهجرين” لوزارة التنمية والشؤون الإنسانية في حكومة الإنقاذ، وهي مسؤولة عن تسيير أمور المخيمات العشوائية وغير العشوائية في محافظة إدلب.