الرئيسية أوراق قانونية حقوق ذوي الإعاقة في سوريا: تشريعات لا تطبق ومعاناة مستمرة

حقوق ذوي الإعاقة في سوريا: تشريعات لا تطبق ومعاناة مستمرة

رغم ما يقدمه القانون الجديد رقم 19 من نصوص قانونية متقدمة نسبياً إلا أن غياب التفاصيل التنفيذية وضعف الرقابة والمساءلة وعدم مواءمة بعض البنود مع معايير الاتفاقية الدولية يحدّ من فعاليته وجدواه

بواسطة communication
18 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع
  • كُتبت هذه الورقة بدعم وتمويل من منظمة Legal Action Worldwide. إنّ محتوى هذه الورقة من مسؤوليات “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وهذا المحتوى لا يمثّل بالضرورة وجهات نظر Legal Action Worldwide.
  1. الإعاقة في سوريا: تفاقم في المعاناة وقصور في التشريعات:

تسببت النزاع في سوريا منذ عام 2011 في ارتفاع حادّ في نسبة الإعاقات، حيث أصيب مئات الآلاف بإعاقات جسدية أو ذهنية نتيجة النزاع. ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإن 1.5 مليون شخص من أصل 3 ملايين موثقين عام 2019 يعانون من إعاقات دائمة، بينما تمّ بتر أطراف أكثر من 86 ألف شخص. وعلى الرغم من هذا الواقع، لم يقدم المشرع السوري أي استجابة تشريعية تذكر خلال السنوات الماضية لمعالجة هذه التحديات.

تضيف الأوضاع الاقتصادية المتردية في سوريا عبئًا هائلًا على الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يصعب عليهم الحصول على العلاج أو الأجهزة التعويضية. بحسب مفوضية الأمم المتحدة أيضاً، فإن تكلفة تركيب طرف صناعي بدائي تبلغ حوالي 1500 دولار، بينما تصل تكلفة الطرف الذكي إلى 60,000 دولار، وهي أرقام خيالية مقارنة بدخل الأسر السورية. أما جلسات العلاج الفيزيائي، فتبلغ تكلفتها في المناطق الحكومية حوالي 24 دولارًا، مما يجعلها بعيدة عن متناول الكثيرين. ويُضاف إلى ذلك قيمة التعويض الزهيدة التي تُمنح لأفراد الجيش الذين لديهم نسبة عجز تفوق 40%، والتي لا تتجاوز 15 دولارًا، ما يعكس ضعف الدعم المقدم حتى ضمن إطار محدود.

رغم ذلك، لم تُولِ الحكومة السورية هذه الفئة الأولوية المستحقة في السياسات العامة أو التشريعات على مدار 50 عامًا، حتى أن الدستور السوري لعام 2012، لم ينصّ على حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وجاءت المادة 22 منه – وهي مقتبسة من المادة 46 من دستور عام 1973- بنصّ عام مفاده كفالة كل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليتم والشيخوخة، ثمّ اكتفت الحكومة السورية بالقانون رقم 34 لعام 2004 الذي لا يضمن حقوق ذوي الإعاقة بشيء، ولم تصدر قانوناً شاملاً يحمي حقوقهم، يضمن لهم الحياة الكريمة، أو يضعهم في مقدمة أولوياتها. كما لم يتم اتخاذ أي خطوات جدية لتيسير حياتهم أو توفير الدعم اللازم لدمجهم في المجتمع، سواء من خلال التعليم أو العمل، أو الوصول إلى الخدمات الصحية. هذا التأخير الطويل يعكس غياب الشعور الحقيقي بجدية القضية وعدم إدراك الدولة السورية لحجم معاناة هذه الفئة وتأثير ذلك على استقرار المجتمع وتماسكه وتطوره، في ظل عدم الاستفادة من قدرات هؤلاء وخبراتهم.

وأخيرًا، أصدرت الحكومة السورية بشهر يوليو/تموز الفائت القانون رقم 19 لعام 2024، الذي يفترض أن يكون خطوة نحو تحسين أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة. ومع ذلك، فإن القانون يواجه انتقادات كبيرة بسبب افتقاره إلى آليات واضحة للتطبيق وعدم صدور التعليمات التنفيذية بخصوصه، مما يجعله في خطر البقاء نظريًا دون تحقيق تغييرات ملموسة على أرض الواقع.

انضمت سوريا إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بالتوقيع عليها عام 2007، والمصادقة عام 2009، ما يجعلها ملزمة قانونيًا بتنفيذ أحكامها. وتؤكد المادة (11) من الاتفاقية على التزام الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الخطر، بما في ذلك النزاع المسلح، وذلك بموجب القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي. كما تنص المادة (4) على ضرورة مواءمة التشريعات والسياسات الوطنية مع أحكام الاتفاقية، لضمان الاعتراف الكامل بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

إلى جانب الاتفاقية، يوفر البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة آلية إضافية تتيح للأفراد تقديم شكاوى فردية، مما يعزز ضمانات حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

  1. القانون السوري رقم 19 لعام 2024: خطوة للأمام أم تكرار للثغرات؟

على الرغم من التقدم الذي يمثله القانون رقم 19 لعام 2024 مقارنة بالقوانين السابقة، إلا أنه يواجه تحديات تعوق تنفيذه الكامل والتزامه التام بمعايير اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادقت عليها سوريا عام 2009.

بدايةً، يفتقر القانون إلى خطة تنفيذ واضحة ومصادر تمويل مستدامة. على الرغم من النصوص التي تلزم الجهات بتوفير الترتيبات التيسيرية (المواد 14-71) والتعليم الدامج (المادة 5)، إلا أن غياب آليات التطبيق وتحديد الميزانيات يجعل هذه الالتزامات عرضة للتأخير والتنفيذ الجزئي. المادة (4) من الاتفاقية الدولية تلزم الدول الأطراف بوضع خطط شاملة لضمان التنفيذ، وهو ما لم يتحقق هنا.

إضافة إلى ذلك، لا يحدد القانون جدولًا زمنيًا لتنفيذ البنود المختلفة، مما قد يؤدي إلى إهمال الأولويات. في الوقت نفسه، يركز القانون على مساءلة الأفراد (المواد 35-45) الذين يرتكبون التمييز أو الإساءة ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، لكنه يغفل وضع آليات واضحة لمساءلة المؤسسات العامة التي تتقاعس عن التزاماتها مثل ضمان التعليم الدامج، أو توفير الترتيبات التيسيرية، أو تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية. هذا التوجه يترك فجوة قانونية ويقلل من فعالية النصوص، خاصةً أن المادة (33) من الاتفاقية تنص على ضرورة وجود آليات رقابة مستقلة تتابع تنفيذ الالتزامات.

فيما يتعلق بالتعليم، يقرّ القانون بأهمية التعليم الدامج (المادة 5)، لكنه يسمح بإنشاء مؤسسات تعليمية متخصصة، مما قد يؤدي إلى عزل الأشخاص ذوي الإعاقة بدلاً من دمجهم في المدارس العامة، في تعارض واضح مع المادة (24) من الاتفاقية التي تنص على أن التعليم الدامج يجب أن يكون الأساس في جميع مراحل التعليم. هذا التوجه يعزز الفجوة بين الممارسات المحلية والمعايير الدولية.

أمّا في مجال العمل، يحدد القانون نسبة 2% لتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في المؤسسات (المادة 12)، لكنه لا يلزم الجهات بتوفير بيئات عمل دامجة أو ترتيبات تيسيرية، مما يتعارض مع المادة (27) من الاتفاقية التي تؤكد ضرورة خلق بيئات عمل عادلة ومتكافئة. كما يغفل القانون الحق في الحياة المستقلة (المادة 19 من الاتفاقية)، حيث لا يقدم نصوصًا تضمن الدعم المجتمعي للأشخاص ذوي الإعاقة أو تمكنهم من العيش بشكل مستقل.

وبالنسبة للمشاركة السياسية، يشير القانون (المادة 21) إلى دعم مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة، لكنه لا يقدم آليات ملموسة تضمن لهم حق التصويت والترشح في الانتخابات، ما قد يعيق ممارسة هذا الحق عمليًا. على صعيد الحماية الاجتماعية، تنص المادة (8) على صرف إعانات مالية للأسر الفقيرة التي ترعى أشخاصًا ذوي إعاقات شديدة، لكنها لا تقدم معايير واضحة لتحديد الفئات المستحقة، مما قد يؤدي إلى تفاوت في التنفيذ.

على الرغم من الإشارة إلى أهمية دور المنظمات غير الحكومية (المادة 22)، فإن القانون لا يمنحها دورًا محوريًا في إعداد السياسات أو متابعتها، مما يتناقض مع المادة (4) من الاتفاقية التي تدعو إلى إشراك منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة في صياغة وتنفيذ التشريعات والسياسات. غياب هذا الدور يعزز المخاوف من أن تكون القرارات متخذة بمعزل عن الاحتياجات الحقيقية للأشخاص ذوي الإعاقة.

يتطلب تنفيذ القانون طاقمًا مدربًا في جميع القطاعات (التعليم، الصحة، العدالة، النقل)، بينما تعاني سوريا من نقص في الكوادر المتخصصة. مما يشكل تحدياً كبيراً خاصة أن القانون لم يحدد كيفية تأهيل العاملين/ات في هذه القطاعات للتعامل مع احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة. أضف إلى ذلك، أن تطبيق بنود القانون تتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية والخدمات، بينما تعاني سوريا من أزمة اقتصادية خانقة. مما يطرح التساؤل حول تخصيص الحكومة ميزانية كافية لضمان تنفيذ القانون في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وما إن كانت ستستغل أصحاب الإعاقات للحصول على تبرعات ومصادر تمويل بحجة دعمهم.

وعلى صعيد آخر، يحدد القانون رقم 19 لعام 2024 المجلس الوطني لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة كجهة مسؤولة عن الإشراف على تنفيذ أحكام القانون وضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (المادة 26). ومع ذلك، فإنه يغفل تحديد آليات واضحة لتقييم أداء هذا المجلس ومراقبة مدى التزامه بتنفيذ مهامه. إن غياب آليات رقابة مستقلة على المجلس الوطني يثير مخاوف بشأن الشفافية والمساءلة، ويترك مجالًا لعدم الفاعلية أو التأخير في تحقيق الأهداف المرسومة. لضمان الالتزام الحقيقي بحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يجب أن يتضمن القانون نصوصًا صريحة تضع إطارًا لتقييم أداء المجلس، مثل إنشاء هيئة مستقلة لرصد أعماله، أو وضع تقارير دورية إلزامية تخضع للتدقيق من قبل منظمات مستقلة. هذه الخطوة ليست فقط ضرورية لضمان فعالية المجلس، بل هي أيضًا متماشية مع المادة (33) من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تؤكد على أهمية وجود آليات رقابية مستقلة وفعالة تضمن تنفيذ الالتزامات القانونية.

رغم ما يقدمه القانون من نصوص متقدمة من الناحية النظرية مقارنة بالقوانين السابقة، إلا أن غياب التفاصيل التنفيذية، وضعف الرقابة والمساءلة، وعدم مواءمة بعض البنود مع معايير الاتفاقية الدولية، يحد من فعاليته. سد هذه الفجوات من خلال آليات تنفيذية واضحة، وجداول زمنية، ومعايير ملزمة، سيعزز من حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ويضمن توافق القانون مع الالتزامات الدولية، هذا مع الإشارة إلى أنه وحتى تاريخ كتابة هذه الورقة لم تصدر التعليمات التنفيذية لهذا القانون وفق ما نصت عليه المادة رقم 53 من القانون المذكور، على الرغم من مرور أكثر من أربعة أشهر على صدوره، مما يدل على عدم إيلاء الحكومة السورية الاهتمام المطلوب لتنفيذ بنود هذا القانون رغم الحاجة الملحة لتطبيقه في سوريا.

في تقريرها المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان في كانون الثاني/يناير 2024، أشارت المقررة الخاصة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، هبة هجرس، إلى ضرورة تعديل القوانين الوطنية للدول الأطراف، بما في ذلك القوانين المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة، لضمان توافقها مع المعايير الدولية التي حددتها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. شدد التقرير على أن التشريعات الوطنية يجب أن تعكس النهج الحقوقي الذي تتبناه الاتفاقية، بدلاً من الاقتصار على تقديم الخدمات أو الامتيازات، مع تعزيز النصوص القانونية المتعلقة بمبدأ عدم التمييز، وضمان إمكانية الوصول، وتوفير الحماية القانونية الكاملة. كما دعا إلى إنشاء آليات وطنية فعالة لرصد تنفيذ هذه القوانين وتقييم مدى انسجامها مع الالتزامات الدولية. وأشار إلى أن غياب مثل هذه المواءمة القانونية يساهم في استمرار التهميش والانتهاكات التي يتعرض لها الأشخاص ذوو الإعاقة.

  1. القانون السوري رقم 34 لعام 2004: كارثة استمرت عقدين من الزمن:

ظل القانون السوري رقم 34 لعام 2004 ساريًا لعقدين من الزمن دون أي تعديلات تُذكر، رغم توقيع سوريا على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عام 2007 ومصادقتها عليها في 2009. خلال هذه الفترة، اندلعت الحرب السورية التي خلفت مئات الآلاف من المصابين، مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في عدد الأشخاص ذوي الإعاقة. ومع ذلك، لم يتم اتخاذ أي خطوات جادة لتطوير التشريعات الوطنية بما يتماشى مع الالتزامات الدولية أو مع الواقع المتغير الذي فرضته الحرب.

اتصف القانون رقم 34 برؤية محدودة للإعاقة، حيث اقتصر التعريف على الجوانب الجسدية والعقلية، متجاهلًا الأبعاد الحسية والنفسية والاجتماعية التي تعد جوهرية لفهم احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل شامل. علاوة على ذلك، غاب عن القانون مبدأ منع التمييز تمامًا، مما حال دون وضع ضمانات حقيقية لتحقيق المساواة وحماية هذه الفئة من التمييز المجتمعي والمؤسسي. كما جاءت النصوص المتعلقة بتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الوصول إلى الخدمات العامة والخاصة غير ملزمة، مما أدى إلى استمرار عزلهم وإعاقة اندماجهم الكامل في المجتمع. وفيما يتعلق بالتعليم، أشار القانون إلى حق الأطفال ذوي الإعاقة في التعليم، لكنه لم يضع آليات تضمن التعليم الدامج، مما أدى إلى تهميشهم في النظام التعليمي. بالإضافة إلى ذلك، غابت الحقوق الأساسية للحياة المستقلة عن نصوص القانون، مما كرس تبعية الأشخاص ذوي الإعاقة بدلًا من تعزيز استقلاليتهم، في تناقض واضح مع المعايير الدولية. كذلك اقتصرت الحماية القانونية على بعض الامتيازات دون ضمان الوصول المتكافئ إلى العدالة، ما جعل الأشخاص ذوي الإعاقة عرضة لانتهاكات حقوقية دون وسائل قانونية فعالة للردع أو المساءلة. وأخيرًا، افتقر القانون إلى آليات رقابة وتقييم واضحة، مما أعاق متابعة تنفيذ النصوص وضمان التزام الجهات المسؤولة.

هذا التأخر في تعديل القانون يعكس غياب الإرادة الحقيقية لمعالجة قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة ووضعها ضمن أولويات السياسات العامة. وبدلًا من أن يكون القانون أداة لتعزيز حقوقهم، ظل لعقدين من الزمن إطارًا نظريًا غير قادر على تلبية احتياجاتهم أو تحسين أوضاعهم، مما فاقم معاناتهم في ظل الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة.

  1. حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية:

ظهرت في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية محاولات لتطوير أطر قانونية ومؤسسية تهدف إلى حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، رغم التحديات الكبيرة المتعلقة بالصراع والنقص في الموارد. فأقرت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا “العقد الاجتماعي” كإطار قانوني يحكم المناطق الواقعة تحت سيطرتها، والذي يتضمن إشارات إلى حقوق “الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة” (المادة 53) ومبادئ المساواة وعدم التمييز. كذلك تم إنشاء عدد من الهيئات والمؤسسات تعنى برعاية شؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، منها هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل ومراكز التأهيل المجتمعي ومديرية الرعاية الاجتماعية. إضافةً إلى منظمات المجتمع المدني، مثل “الهلال الأحمر الكردي”. ولكن هذا ليس كافياً حيث يعاني الأشخاص ذوو الإعاقة من ظروف صعبة تفاقمت بسبب سنوات النزاع وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية. على سبيل المثال، يشير الواقع في دير الزور إلى تدهور شديد في الخدمات الأساسية، لا سيما الصحية والتعليمية، حيث يواجه ذوو الإعاقة نقصًا حادًا في الخدمات العلاجية والأجهزة المساعدة، مما يزيد من معاناتهم اليومية. على الرغم من وجود عدد من المبادرات المجتمعية، إلا أن غياب الاهتمام الجدي من قبل السلطات المحلية المتعاقبة يعمق مشكلاتهم ويعوق إدماجهم في المجتمع. هذا ويعاني الأطفال من صعوبة في الحصول على تعليم مناسب بسبب نقص المدارس المجهزة، كما يعاني الكبار من صعوبة في الوصول إلى فرص العمل والرعاية الصحية. في ظل هذه الظروف، يظل ذوو الإعاقة في دير الزور فئة مهمشة، تحتاج إلى تدخلات عاجلة لتحسين أوضاعهم وضمان حقوقهم الأساسية.

أما في شمال غرب سوريا، لم يتم تبني إطار قانوني واضح وشامل لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. ومع ذلك، أُطلقت عدة مبادرات مدعومة من المنظمات الإنسانية والمجتمع المدني، تهدف إلى تحسين أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصة مع ارتفاع أعداد المصابين نتيجة النزاع، مثل “الهلال الأحمر السوري الحر” و”المنتدى السوري”، التي تقدم خدمات إعادة التأهيل البدني والنفسي، بما في ذلك تركيب الأطراف الصناعية. كما تقدم بعض المدارس برامج الدمج للأطفال ذوي الإعاقة، لكنها غالبًا ما تعتمد على مبادرات فردية دون خطة تعليمية شاملة.

بينما تُظهر المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة محاولات لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال الأطر المؤسسية والمبادرات المحلية، فإن غياب الموارد المالية والقانونية يجعل هذه الجهود غير كافية لتلبية احتياجاتهم المتزايدة. تحتاج هذه المناطق إلى دعم أكبر من الجهات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان لضمان حماية ودمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع بشكل كامل.

  1. التوصيات:

بناءً على ما تقدم، وعلى الواقع العملي في سوريا الذي يفرض إعطاء أولوية خاصة لذوي الإعاقة في ظل الحرب المستمرة، توصي “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بما يلي:

  1. النص في الدستور السوري الجديد على حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل واضح، ووضع محددات لحقوقهم بحيث لا يمكن لأي قانون أو قرار لاحق أن يحد منها.
  2. وضع خطة تنفيذ وطنية شاملة تتضمن جدولًا زمنيًا واضحًا، وتحديد الموارد المالية والبشرية المطلوبة، لضمان تطبيق بنود القانون، وتخصيص ميزانية مستدامة لضمان تنفيذ القانون، مع التركيز على تحسين البنية التحتية وتوفير الأجهزة التعويضية والخدمات الصحية والاجتماعية بأسعار معقولة، ووضع سياسة داعمة لمصلحة ذوي الإعاقة تضمن حصولهم على الخدمات والاحتياجات بشكل يتوافق مع الإعاقة التي يعانون منها.
  3. تعزيز استقلالية المجلس الوطني لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال إنشاء آليات رقابية مستقلة وعدم الاكتفاء بالنص على إلزامه “بإعداد تقارير عن الإعاقة وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”، بل يجب أن يكون ملزمًا بإعداد ونشر تقارير دورية تتضمن تقييمًا واضحًا لمدى التزام المؤسسات الحكومية، وخاصة تلك المشار إليها في القانون، بتنفيذ التزاماتها وتوفير الدعم والخدمات المطلوبة بموجب القانون المذكور.
  4. ضمان التعليم الدامج من خلال تعديل النصوص التي تسمح بإنشاء مؤسسات تعليمية متخصصة، والتركيز على تهيئة المدارس العامة لتكون دامجة للجميع، مع توفير الترتيبات التيسيرية والتدريب اللازم للكوادر التعليمية. وتعزيز الحق في الحياة المستقلة من خلال النص على توفير الدعم المجتمعي اللازم لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من العيش باستقلالية. كذلك ضمان المساواة في العمل من خلال إلزام المؤسسات العامة والخاصة بتوفير بيئات عمل دامجة وترتيبات تيسيرية.
  5. إدماج منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل أساسي في صياغة السياسات ومتابعة تنفيذها، بما يعزز التشاركية ويعكس الاحتياجات الحقيقية للأشخاص ذوي الإعاقة. وإنشاء آليات واضحة للمشاركة السياسية تضمن حق الأشخاص ذوي الإعاقة في التصويت والترشح دون عوائق، بما يعزز إدماجهم الكامل في الحياة السياسية، مع تخصيص نسبة معينة (كوتا) لهم في مراكز صنع القرار، كمجلس الشعب ومجلس الوزراء والقضاء.
  6. تعزيز الأطر القانونية والمؤسسية في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، من خلال العمل على صياغة قرارات تحمي حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتضمن إدماجهم في المجتمع وفقًا للمعايير الدولية، مع توفير الدعم المالي والتقني اللازم لتفعيل الهيئات المحلية ومراكز التأهيل. بالإضافة إلى تعزيز التنسيق بين المنظمات الإنسانية والجهات المحلية لضمان استدامة الخدمات المقدمة لهذه الفئة.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد