الرئيسية تعليقات ورأي جهود محاربة جائحة كوفيد-19 في سوريا وضرورة عدم استثناء أحد رغم التحديات

جهود محاربة جائحة كوفيد-19 في سوريا وضرورة عدم استثناء أحد رغم التحديات

بواسطة bassamalahmed
577 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

تواجه سوريا تحديات استثنائية إزاء التصدي لجائحة فيروس كورونا أو (كوفيد-19) المستجد، الأمر الذي يتطلب من السلطات الصحية في كل أنحاء البلاد إلى وجوب تنسيق جهودها لمواجهة هذا الخطر وإنقاذ الأرواح، وكذلك يستدعي من الجهات الفاعلة الخارجية -كمنظمة الصحة العالمية وحكومات الدول- تنفيذ تدابير عملية والبدء بالتعامل مع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في سوريا على حدٍ سواء.

إنَّ التحديات التي تواجهها سوريا في التصدى لانتشار وباء كوفيد-19، أكبر من تلك التي تواجهها دول العالم الأخرى، وذلك بسبب الحرب الطاحنة التي تشهدها البلاد منذ تسع سنوات والتي أدت إلى تردّي الأوضاع على جميع الأصعدة وفي جميع أنحاء البلاد، ولكن أكثر الأوضاع سوءاً تلك التي يعيشها المهجّرون/النازحون داخلياً؛ في المخيمات والبيوت التي لا تتوفر فيها خدمات الصرف الصحي، وكذلك أوضاع المعتقلين/المخطوفين في السجون.

ونظراً لصعوبة تطبيق التوصيات التي قدّمتها منظمة الصحة العالمية للدول والأفراد في سوريا، فمن الضروري أن لا توفر السلطات القانونية القائمة في البلاد أي جهد في سبيل حماية شعوبها بدون استثناء أي فئة منهم والدعوة للتعاون والعمل المشترك لمواجهة انتشار الوباء على المستوى الوطني السوري.

 

1. صعوبات تطبيق الإجراءات الأساسية:

مع بدء انتشار الجائحة، ما فتئت منظمة الصحة العالمية تساعد الدول والأفراد لحماية أنفسهم منها وتنشر مجموعة من التوصيات الإرشادية بشأن التعامل مع هذا الوباء وهي كالتالي:

 

توصيات منظمة الصحة العالمية للهيئات الصحية وللعاملين فيها و في سياقات تقديم المساعدة الإنسانية

1.        الحد من انتشار العدوى بين الأشخاص، بما فيها العدوى الثانوية بين المخالطين الوثيقين والعاملين في مجال الرعاية الصحية، والحد من الأحداث التي تضخم انتقال العدوى، وتعزيز المرافق الصحية.

2.        تحديد شكل الرعاية المطلوبة وتقديمها بشكل مبكر وعلى الوجه الأمثل للأشخاص المصابين.

3.        الإبلاغ عن المخاطر الحرجة وإيصال المعلومات لجميع المجتمعات المحلية ومكافحة المعلومات المضللة.

4.        ضمان أن تكون الوقاية هي محور الاستجابة للمرض والعمل على تحقيقها من خلال التعاون فيما بين القطاعات والشركاء، والكشف عن التحديات التي تقف بوجه اتخاذ الإجراءات الوقائية وتحديدها لتسهيل الاستجابة لها.

5.        الحدّ من الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية للفيروس من خلال إقامة شراكات متعددة القطاعات. [1]

توصيات منظمة الصحة العالمية للجمهور

1.        اغسل اليدين بانتظام.

2.        تجنب الاقتراب كثيراً من الناس.

3.        تجنب لمس عينيك وأنفك وفمك.

4.        احرص على ممارسات النظافة التنفسية.

5.        إذا كنت تعاني من الحمى والسعال وصعوبة التنفس، التمس المشورة الطبية على الفور.

6.        احرص على متابعة آخر المستجدات بشأن مرض كوفيد 19، واتبع النصائح التي يقدمها لك مقدم الرعاية الصحية. [2]

 

ولعلّ أكثر الإجراءات الأساسية الوقائية المطلوبة لكبح انتشار هذا الوباء هي: الغسل المستمر للأيدي وتجنّب الاقترب من الناس، لكن وعلى القدر الذي تبدو فيه هذه الإجراءات ممكنة على قدر ما هو من المستحيل أن يتم تطبيقها عملياً في الغالبية العظمى من السياقات في سوريا.

 

أ. دولة مقسمة:

أدَّت الحرب الدائرة في سوريا إلى تقسيم البلاد لمناطق نفوذ تخضع لسيطرة جهات مختلفة، مع وجود اتصال وتنسيق فيما بينها ولكن في الحد الأدنى. حيث تسيطر الحكومة السورية على جزء كبير من الأراضي، بما فيها مدن ومحافظات حلب والسويداء واللاذقية والعاصمة دمشق.

أما مناطق شمال شرق سوريا فهي تقع تحت سيطرة جهات متعددة، لكن معظمها يقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية مع تواجد للقوات الروسية وقوات النظام في مناطق محدودة. وقد أدَّت عملية نبع السلام التي شنَّتها تركيا في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019 إلى احتلال تركيا للمنطقة الواقعة ما بين مدينتي رأس العين/سري كانييه وتل أبيض.

في حين أنَّ مناطق الشمال الغربي وتحديداً محافظة إدلب، تقع حالياً تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة وهيئة تحرير الشام بشكل أساسي. ويُذكر أنَّ مديرية صحة إدلب تقوم بتهيئة القطاع الصحي وتعمل بالتعاون مع تركيا على الإعداد للتصدي لفيروس كورونا المستجد. وتسيطر تركيا على مدينة عفرين التي احتلتها خلال عملية “غصن الزيتون” العسكرية في آذار/مارس 2018، وبالتالي فإنَّ تركيا هي المسؤولة اليوم عن حماية سكان هذه المدينة، كما أنها مسؤولة أيضاً عن حماية سكان كل من مدينتي الباب وجرابلس اللتان ضمتهما لمناطق سيطرتها إثر عملية “درع الفرات”.

 

خريطة توضح توزع السيطرة والقوى  في سوريا. مصدر الصورة: https://syria.liveuamap.com

 

هذا التشرذم من شأنه أن يؤدي إلى يتم اتخاذ القرارات وتنفيذها ضمن الإطار المحلي وبالتالي منع تنفيذ أي خطة تطرحها الإدارة العالمية للأزمة في هذه المناطق.

 

ب. الأوضاع الاقتصادية الصعبة تجبر المواطنين على الذهاب إلى العمل:

لا يبدو أنَّ الحكومة السورية أو غيرها من السلطات القائمة تمتلك القدرة بعد تسع سنوات من الحرب المدمرة والباهظة الثمن على توفير الدعم الكافي للرعاية الاجتماعية للسوريين. وليس الحرب وحدها بل هناك عوامل أخرى أنهكت اقتصاد البلاد كالحرائق التي التهمت محاصيل القمح، والأزمة المالية في لبنان التي بدأت عام 2019 وقانونُ قيصر لحماية المدنيين في سوريا الذي صادق عليه الرئيس الأمريكي في  20 ديسمبر/كانون الأول 2019، والذي شكَّل ضربة لاقتصاد البلد المنهار أصلاً.[3]  والنتيجة البديهية لذلك هي تضرَّر المواطنين السوريين من الظروف الاقتصادية الصعبة للبلد، فهم الآن لا يستطيعون الاعتماد على الدعم الرعائي الحكومي ولم يكن باستطاعة معظمهم تكوين مدخرات احتياطية على مدى العقد الماضي ولذلك سوف يكون من المستحيل  على أرباب الأسر توفير لقمة العيش لعائلاتهم في ظل هذه الظروف في حال توقفوا عن العمل لفترة طويلة من الزمن الأمر الذي من شأنه أن يضر بفعالية أي إجراءات حجر تتخذها السلطة الشرعية أوسلطات الأمر الواقع.

ت. الفئات السكانية الأكثر تأثراً وضعفاً:

هناك فئتان من فئات الشعب السوري هما الأكثر عرضة لخطر تفشي الوباء بين صفوفهما؛ الأولى: هي فئة النازحين/المهجرين داخلياً، حيث أنَّه وعلى مدى التسع سنوات الماضية، أدَّى الصراع الدائر في البلاد إلى تشريد عدد كبير جداً من السكان، وصل عددهم إلى 6.1 مليون مهجر، حسب إحصائيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة التي نشرها في شهر حزيران/يونيو 2019. حيث يعيش أكثر من مليون نازح منهم في مخيمات ذات ظروف صحية متردية تجعل من المستحيل عملياً على السكان هناك تطبيق التدابير الصحية الأساسية، بما في ذلك تجنب الاقتراب كثيراً من الناس وغسل اليدين بانتظام.[4] وبالمثل فإنَّ النازحون داخلياً الذين لجأوا إلى بيوت أقاربهم أو سكنوا في منازل لا توجد فيها خدمات صرف صحي لائقة، هم أيضاً عرضة لفاشية كوفيد-19.

ومن الفئات المعرضة للخطر بشكل خاص أيضاً فئة المعتقلين/المخطوفين، حيث قامت المنظمات غير الحكومية بالإبلاغ على نطاق واسع عن حدوث اعتقالات واحتجازات تعسفية مؤخراً، الأمر الذي من شأنه أن يثير القلق فعلاً نظراً لكون مراكز الاحتجاز تفتقر أدنى المعايير الصحية ما يعني تعرُّض أكبر لخطر التلوث مع عدم وجود أي أمل في العلاج من جانب الحكومة.[5]

 

ث. النظام الصحي منهار تقريباً في جميع أنحاء البلاد:

تسع سنوات من الحرب كانت كفيلة بترسيخ الخوف وعدم الثقة بين السكان والحكومة السورية وسلطات الأمر الواقع، ما أدى إلى غياب الشفافية من جانب السلطات الحاكمة وبالتالي إحجامها عن التصريح بمعلومات عن وضع قطاعاتها الصحية، كأن تتحدث عن وضعها المثير للقلق أصلاً أو عن عدد المستشفيات التي تستطيع توفيرها. في الحقيقة لاتوجد لدينا إحاطة كاملة بوضع القطاعات الصحية في مناطق النظام أو الإدارة الذاتية حيث أنَّ المعلومات المتوفرة لدينا بهذا الخصوص مستقاة جميعها تقريباً من الأبحاث التي تقوم بها كلية لندن للاقتصاد.[6]

هناك عدد كبير جداً من المنشآت الصحية في مناطق سيطرة المعارضة كانت قد تعرضت للدمار جراء القصف العنيف من قبل قوات النظام وروسيا، الأمر الذي يثير قلقاً بالغاً وخاصة في ظل فاشية كوفيد-19. حيث أبلغت مديرية الصحة في إدلب في 22 آذار/مارس 2020 عن خمس حالات يشتبه في إصابتها بفيروس كورونا المستجد. وعلى إثر ذلك تم إرسال 900 وحدة اختبار (كيتات) للفيروس من قبل منظمة الصحة العالمية إلى شريكها في المنطقة على أن يتم إرسال 500 وحدة اختبار إضافية خلال الأسبوع المقبل.[7] وكانت السلطات قد بدأت بتطبيق إجراءات العزل الاجتماعي كإغلاق المساجد والمدارس والأسواق وأصدرت تعليمات إلى السكان لتطبيق الحجر الصحي المنزلي والعزلة الذاتية. ولكن ومع غياب الدعم المالي من الدولة، فإنه من غير المرجح أن يتمكن السكان من الإمتثال لهذه التدابير لفترة طويلة من الزمن. وفي حال تفشى الوباء، فسرعان ما ستنهار المنظومة الصحية في المنطقة تحت وطأة الضغط الذي ستشهده إذ تشير التقارير إلى وجود 166 طبيب و 64 منشأة صحية فقط في كامل مناطق شمال غرب سوريا في الوقت الحالي يعمل معظمها ضمن الحد الأدنى من القدرات.

وفي مناطق شمال شرق سوريا، التي مزقتها عملية “نبع السلام” التركية، أعلنت الإدارة الذاتية في 19 آذار/مارس 2020، إغلاق جميع المطاعم والمقاهي ومراكز التسوق والأماكن العامة والعيادات الخاصة الصغيرة، وفرضت حظر تجول إلزامي لجميع المواطنين باستثناء العاملين في المجال الطبي وعمال مراكز بيع المواد الغذائية والتموينية وسائقي سيارات توصيل الطعام. (تضم المنطقة أكثر من 4 ملايين نسمة، ويتواجد فيها 11 مستشفى فقط.)

أما في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة فقد اتخذت الأخيرة إجراءات تضمنت إغلاق جزئي للحدود وتعليق لغالبية الأنشطة الاقتصادية غير الضرورية، وذلك إلى جانب تخفيض ساعات العمل في مؤسسات القطاع العام الإداري إلى حوالي 40% مع تقليص لأعداد العاملين المداومين في الجهات التي يكون من الضروري استمرار العمل فيها إلى أدنى حد ممكن وذلك باتباع نظام النوبتين، بالإضافة إلى تعليق دوام المدارس والجامعات وإغلاق المطاعم والأماكن العامة الأخرى غير الضرورية. ليس من المستغرب اتخاذ الحكومة السورية إجراءات وقائية شديدة كهذه، لأنه في حال تفشي الجائحة في مناطق سيطرتها، سوف لن يتمكن نظامها الصحي من تقديم العلاج للمصابين بكفاءة وذلك نظراً لعدة أسباب أهمها تفشي الفساد في القطاع الصحي والوضع الاقتصادي المزري للبلاد بالإضافة إلى العقوبات الشديدة المفروضة على سوريا من قبل المجتمع الدولي.

 

ج. الحاجة الماسة للتمويل ولإتاحة سُبُل الوصول إليه:

في ظل هذه الظروف يتوجب على المنظمات غير الحكومية الناشطة في المجال الطبي تجهيز مراكز طبية توفّر للمواطنين اختبارات للفيروس وأماكن عزل للحالات المصابة مع تقديم العلاج اللازم لهم، ويتطلَّب إقامة مثل هذه المراكز وجود تمويل وتوفّر إمكانية الوصول إليه، الأمر الذي يتعذّر تحقيقه حالياً لأسباب سياسية وعملية، كالعقوبات العديدة المفروضة على سوريا في الوقت الحالي، حيث وفي كانون الأول الفائت، استخدمت كل من الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) ضد تجديد قرار الأمم المتحدة رقم (2165) الصادر عام 2014 والذي سمح للأمم المتحدة وشركائها المنفذين بتسليم المساعدات الواردة من الدول المجاورة لسوريا إلى مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، ولكن تم تمديد القرار لاحقاً بعد إجبار مجلس الأمن على تخفيض عدد المعابر إلى النصف حيث أصبحت تتم عملية إيصال المساعدات الإنسانية عبر معبرين فقط بدل أربعة. ويذكر أنه منذ عام 2011 ، فرضت العديد من الحكومات، بما فيها حكومتي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ، عقوبات على سوريا ، مما أثر على جميع القطاعات، بما فيها قطاع الصحة.

2. الالتزامات المفروضة على الدول والجهات الفاعلة من غير الدول:

كانت المنظمات غير الحكومية قد ذكرت مراراً وتكراراً على مدى السنوات التسع الماضية، أنَّه يجب على الدول والجهات الفاعلة من غير الدول احترام حقوق الإنسان.

 

أ. الالتزامات المفروضة على الحكومة السورية:

الحق في الصحة هو الحق الاقتصادي والاجتماعي في الحصول على الحد الأدنى من معايير الصحة العامة التي يحق لجميع الأفراد التمتع بها، وهذا الحق تمَّ الاعتراف به من قبل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي كانت سوريا قد صادقت عليها في وقت سابق. إذ تلزم هذه المعاهدة الدول الموقّعة بعدة أمور أهمها ضمان توفير المنشآت الصحية والبضائع والخدمات بما فيها المقومات الأساسية للصحة، كتوفير مياه الشرب المأمونة وجعلها متاحة للجميع.

وعليه، ومن الناحية العملية، فإنَّ الحق في الصحة يفرض على الحكومة السورية أن تعطي تعليمات للشعب حول طرق تجنُّب التلوث، والتدابير الصحية التي يمكنهم اتخاذها لحماية أنفسهم وذلك إلى جانب تزويدهم بمعلومات دقيقة عن عدد الحالات المصابة بالفيروس والعلاج المتاح. وأيضاً يجب على الحكومة التقيد بالالتزام الجوهري القاضي بعدم التمييز وضمان حصول جميع المرضى على العلاج بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية وعن مستوياتهم الاجتماعية، وهذا يستدعي الكشف الدقيق عن مواطن الفساد في القطاع الصحي ومحاربته بحزم وجدية.

 

ب. الالتزامات المفروضة على تركيا:

تنص المادة 56 من اتفاقية جنيف الرابعة على ما يلي:

“من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، وبمعاونة السلطات الوطنية والمحلية، على صيانة المنشآت والخدمات الطبية والمستشفيات وكذلك الصحة العامة والشروط الصحية في الأراضي المحتلة، وذلك بوجه خاص عن طريق اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة.”

كما تنص المادة 14 (1) من البروتوكول الأول للاتفاقية بأنه “يجب على دولة الاحتلال أن تضمن استمرار تأمين الحاجات الطبية للسكان المدنيين في الأقاليم المحتلة على نحو كاف.” وعليه فإنه يجب على تركيا ضمان اتخاذ جميع إجراءات الحماية للسكان في المناطق التي احتلتها إثر عمليتي درع الفرات ونبع السلام. وللوفاء بهذا الالتزام يجب على تركيا تقييم الحالة وتنسيق الاستجابة لها محلياً أولاً ثم في الأراضي السورية التي تحتلها. ويجب على تركيا أيضاً الالتزام ببنود المعاهدة الدولية الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وضمان توفير المنشآت الصحية والبضائع والخدمات بما فيها المقومات الأساسية للصحة، كتوفير مياه الشرب المأمونة وجعلها متاحة للجميع. وأيضاً يجب على الحكومة التركية التقيد بالالتزام القاضي بعدم التمييز وضمان حصول جميع المرضى على العلاج بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية وعن مستوياتهم الاجتماعية في المناطق السورية التي تخضع تحت سيطرتها. وعلى الجانب الآخر، فإن الممارسات التي تتبعها تركيا والتي تحول دون حماية السكان، مثل انقطاع إمدادات المياه، يجب أن تتوقف على الفور.[8]

ت. الالتزامات المفروضة على الجهات الفاعلة من غير الدول:

إنَّ الجهات الفاعلة من غير الدول كالمنظمات غير الحكومية وسلطات الأمر الواقع المحلية هي الأخرى ملزمة بالمثل بتطبيق قوانين حقوق الإنسان، بما فيها الحق في الصحة، الذي يوجب عليهم بذل قصارى جهدهم لضمان توفيره للمدنيين التابعين لإدارتهم. وهذا يتطلب من سلطات الأمر الواقع في مناطق المعارضة كمديرية الصحة في إدلب و دائرة الصحة التابعة للإدارة الذاتية، أن تتوخى الشفافية فيما يتعلق بقدراتها الحقيقية وتزويد السكان والصحفيين بتحديثات دورية حول حالة نظامها الصحي والإمكانيات المتوفرة لديها لعلاج المرضى. وعلى هذه السلطات أيضاً ضمان معاملة المرضى على قدم المساواة بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية وعن نوع جنسهم ومستواهم الاجتماعي.

3. مخاطر التدابير الاستثنائية المتخذة على الديمقراطية:

اعتمدت الحكومات في معظم البلدان المتأثرة بالجائحة تدابير استثنائية صارمة لمحاربة تفشي هذا الوباء بين سكانها. ولكن وعلى الرغم من دقة المرحلة من المهم جداً على تلك الحكومات أن تضمن عدم تقييد هذه التدابير لحريات وحقوق المواطنين بقدر يتجاوز ما تقتضيه هذه الغاية. إذ عندما يتم اتخاذ تدابير استثنائية ، مثل الحجز أو الحجر الصحي أو حظر التجول، من قبل السلطات الشرعية أو سلطات الأمر الواقع في سوريا من أجل كبح تفشي الأوبئة، فمن الأهمية بمكان ضمان أن تملى فقط من باب الاهتمام بصحة السكان وأن لا يتجاوز تطبيقها القدر الذي يتناسب مع الهدف. وعليه يجب على السلطات قصر إجراءاتها على هذه التدابير وتطبيقها لفترة زمنية محدودة.

4. استنتاجات:

لقد تسببت الدول التي ضربها الوباء بقوة، بوفاة الآلاف من مواطنيها في الوقت الذي كان باستطاعتها اعتماد نظام صحي وقائي صارم تجبر مواطنيها من خلاله على تطبيق الحجر المنزلي والالتزام به. وفي ظروف مثل ظروف سوريا، يمكن أن يتسبب انتشار هذه الجائحة في البلاد بخسائر فادحة في الأرواح. لقد تبين من التجربة الأمريكية في التعامل مع كورونا أنَّ تفشي الجائحة لايعرف حدوداً ولا ميولاً سياسية إذ ورغم إغلاقها الفوري للحدود بعد تسجيلها عدد من الحالات، لا تزال تشهد ارتفاعاً هائلاً بأعداد المصابين. وفي سوريا ورغم الحرب الدائرة في البلاد لا يزال السكان يسافرون ويتنقلون بين المناطق التي تقع تحت سيطرة السلطات الشرعية وسلطات الأمر الواقع. لذلك، ينبغي أن تتم مكافحة الوباء بطريقة منظمة على الصعيد الوطني مع وجود تعاون بين السلطات في جميع المناطق. ومن الضروري جداً أن يقوم الأطباء في جميع أنحاء الجمهورية بالتعاون والتنسيق فيما بينهم لتنفيذ خطة عمل موحدة لمكافحة الوباء بغض النظر عن السلطات التي تسيطر على أماكن تواجدهم.

توصيات:

إلى السلطات السورية وسلطات الأمر الواقع:
    • ضمان إعداد المنشآت الصحية، وتوفير البضائع والخدمات بما فيها المقومات الأساسية للصحة كتوفير مياه الشرب وإتاحتها للجميع دون أي تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو المستوى الاجتماعي.
    • التأكد من أن العاملين في مجال الرعاية الصحية من جميع المناطق يقومون بتنسيق جهودهم لمكافحة انتشار الوباء بغض النظر عن الانتماءات السياسية.
إلى المانحين:
    • ضمان تدريب المنظمات غير الحكومية والعاملين في المجال الطبي على إدارة وعلاج كوفيد-19.
    • التنسيق مع سلطات الأمر الواقع وليس فقط مع الحكومة من أجل تسريع نشر المعلومات والمواد والطواقم الطبية.
إلى منظمة الصحة العالمية:
    • التواصل مع المنظمات غير الحكومية وسلطات الأمر الواقع وليس فقط مع الحكومة من أجل تسريع نشر المعلومات والمواد والطواقم الطبية.
إلى الحكومات:
    • تنفيذ رفع استثنائي للعقوبات التي تؤثر بشكل مباشر أوغير مباشر على قدرة الحكومة والأطراف الأخرى على تقديم الدعم الصحي في سوريا، وذلك من أجل الحفاظ على الأداء الأساسي للنظام الصحي، على أن يكون ذلك مصحوباً برقابة صارمة من أجل ضمان أن يتم إنفاق التمويل على القطاع الصحي وبطريقة تتوافق مع مبادئ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
    • إعادة تقييم شرعية العقوبات التي تؤثر على قطاع الصحة وحياة المدنيين بعد نهاية الوباء.
    • تنفيذ استجابة واقعية للوباء والبدء في العمل مع الجهات الفاعلة من غير الدول، بما في ذلك سلطات الأمر الواقع في شمال شرق وشمال غرب سوريا المسؤولة عن تقديم الخدمات الصحية هناك.
إلى المنظمات السورية والدولية غير الحكومية:
    • تقديم معلومات وقائعية عن كل مناطق سوريا من أجل تقييم احتياجات وتطور الأزمة الصحية.
    • ضمان وصول الدعم الذي يقدمه المانحون لمعالجة الأزمة إلى جميع مناطق سوريا.
إلى وسائل الإعلام السورية المحلّية:
    • ضمان عدم التحيز في تغطية الأخبار الخاصة بالوباء وأن تشمل جميع المناطق مع التركيز على عدد وأوضاع الأشخاص المصابين به.

 


[1] توجيهات مؤقتة: توسيع نطاق عمليات التأهب والاستجابة لفاشية كوفيد-19 في الحالات الإنسانية، بما في ذلك المخيمات والبيئات الشبيهة بالمخيمات، اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات، 17 آذار/مارس 2020، (آخر زيارة للرابط: 1 نيسان/أبريل 2020).   https://interagencystandingcommittee.org/system/files/2020-03/IASC%20Interim%20Guidance%20on%20COVID-19%20for%20Outbreak%20Readiness%20and%20Response%20Operations%20-%20Camps%20and%20Camp-like%20Settings.pdf.

 [2] نصائح للجمهور بشأن مرض فيروس كورونا (كوفيد-19)‏، منظمة الصحة العالمية، 18 آذار/مارس 2020، (آخر زيارة للرابط: 1 نيسان/أبريل 2020).  https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public

[3] “حرائق واسعة لمحاصيل القمح تهدد غذاء السوريين”، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، 22 حزيران/يونيو 2019، (آخر زيارة للرابط: 1 نيسان/أبريل 2020). https://stj-sy.org/ar/حرائق-واسعة-لمحاصيل-القمح-تهدد-غذاء-ال/.
جهاد يازجي: “مصائب سوريا الاقتصادية المتزايدة: الأزمة اللبنانية وقانون قيصر، ثم فيروس كورونا”، مبادرة الإصلاح العربي، 26 آذار/مارس 2020، (آخر زيارة للرابط: 1 نيسان/أبريل 2020). https://www.arab-reform.net/ar/publication/مصائب-سوريا-الاقتصادية-المتزايدة-الأ/.

[4] آخر المستجدات الإنسانية في الجمهورية العربية السورية ، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ، 28 كانون الثاني/يناير 2020،(آخر زيارة للرابط: 1 نيسان/أبريل 2020). https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/FINAL%20VERSION%20HUMANITARIAN%20UPDATE%20NO.%208.pdf.

[5] ” سوريا: المحتجزون أكثر عرضة لمخاطر فيروس كورونا”، هيومان رايتس واتش، 16 آذار/مارس 2020، (آخر زيارة للرابط: 1 نيسان/أبريل 2020). https://www.hrw.org/ar/news/2020/03/16/339572.

[6] غريبة، مازن. ومحشي، زكي، “جائحة كوفيد-19: استجابة سوريا وقدرتها على الرعاية الصحية”. مذكرة السياسة. برنامج بحوث النزاعات، كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، لندن، المملكة المتحدة 2020، (آخر زيارة للرابط: 1 نيسان/أبريل 2020)  http://eprints.lse.ac.uk/103841/1/CRP_covid_19_in_Syria_policy_memo_published.pdf

[7] ” البيان الأسبوعي للدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط عن جائحة “كوفيد-19″، منظمة الصحة العالمية، 27 آذار/مارس 2020، (آخر زيارة للرابط: 1 نيسان/أبريل 2020)  http://www.emro.who.int/ar/media/news/regional-director-covid-19-statement.html

[8] ” انقطاع محطة المياه الرئيسية في شمال شرق سوريا يعرض 460 ألف شخص للخطر مع تكثيف الجهود لمنع انتشار مرض فيروس كورونا”، يونيسف، 23 آذار/مارس 2020، (آخر زيارة للرابط: 1 نيسان/أبريل 2020)  https://www.unicef.org/press-releases/interruption-key-water-station-northeast-syria-puts-460000-people-risk-efforts-ramp

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد