بناء على الدعوة الموجهة من قبل مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، شاركت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في الحدث الجانبي الذي عقد على هامش اجتماعات مجلس حقوق الانسان في دورته رقم 58، في “قصر الأمم” في جنيف/سويسرا، تحت عنوان “دور المجتمع المدني السوري في تمكين سوريا من الوصول للديمقراطية وسيادة القانون” بالتعاون مع المركز السوري للإعلام وحرية والتعبير، ورابطة دار لضحايا التهجير القسري، ومنظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء).
شارك في الحدث الجانبي الذي عُقد بتاريخ 17 آذار/مارس 2025 ممثلون/ات لأكثر من أربعين دولة، وتم التركيز خلال الجلسة على الأوضاع الراهنة في سوريا، وضرورة وقف الانتهاكات المستمرة فيها من مختلف الأطراف، وكذلك ضرورة السير بمسار العدالة الانتقالية ومحاسبة المتورطين من جميع الأطراف وبدون تمييز ومثَّل منظمة “سوريون” في هذا الحدث مستشارها القانوني، القاضي أ. رياض علي.
وركز ممثل منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” خلال مداخلته على مجريات الأحداث في سوريا بعد 8 كانون الأول /ديسمبر 2024، ولا سيما “مؤتمر الحوار الوطني” الذي عقد في سوريا بتاريخ 25 شباط /فبراير 2025، والذي لم يكن على المستوى المأمول منه وكان فرصة ضائعة، إذ لم يتم تمثيل كافة شرائح ومكونات الشعب السوري فيه، وتم توجيه الدعوات قبل يوم واحد من انعقاد المؤتمر، وكان البيان الختامي معداً مسبقاً، خاصة وأن عدد الحضور كان يقارب الـ 600 شخصية سورية، وعدد ساعات العمل الفعلية لم تتجاوز الست ساعات، وكان من الواضح أن الغاية الحقيقية من هذا المؤتمر هو منح رئيس الجمهورية “المشروعية” السياسية وتثبيت رئاسته لا أكثر.
كما تحدث القاضي رياض علي عن عيوب ونواقص الإعلان الدستوري الذي تم التوقيع عليه بتاريخ 13آذار/ مارس، من قبل رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية، السيد أحمد الشرع، حيث تم تسليط الضوء على الصلاحيات الهائلة لرئيس الجمهورية في متن هذا الإعلان الدستوري، إذ تم اعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية، وكذلك بقي هو الشاغل لمنصب رئاسة مجلس القضاء الأعلى، وهو الذي سيعين ثلث أعضاء مجلس الشعب المؤقت، ويعين لجنة عليا لتتولى مهمة الثلثين الباقيين، وهو الذي يقوم بتسمية أعضاء المحكمة الدستورية، وكذلك يعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم، هذا بالإضافة إلى الصلاحيات الأخرى الممنوحة له بموجب هذا الإعلان، مع ملاحظة انه ليس مسؤولاً عن أعماله ولا يمكن محاسبته او مسائلته.
ومن النقاط الأخرى التي تم طرحها، هي مسالة اشتراط الإسلام في كل من سيترشح لرئاسة الجمهورية، مما يعني استبعاد أبناء وبنات الديانات الأخرى كالمسيحية واليزيدية من الحقّ في الترشح لهذا المنصب، وهذا الأمر يتنافى مع مبدأ المواطنة المتساوية المنصوص عليها في المادة 10 من الإعلان الدستوري، والتي تنص “المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب“، وكذلك تم طرح مسالة اعتبار الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع، وما قد يحمله ذلك من تهميش واقصاء للأديان الأخرى، هذا بالإضافة إلى عدم وجود معيار واضح لهذا الفقه، وذلك بسبب كثره الآراء الفقهية في الدين الإسلامي واختلافها عن بعضها البعض.
في الوقت نفسه، لم ترد في الإعلان الدستوري كلمة الديمقراطية إطلاقاً، الأمر الذي يثير الشكوك في نيات الحكومة الجديدة، ورغبتها في حكم البلاد بالطريقة التي كانت تدير بها إدلب في مرحلة سابقة من عمر النزاع السوري، وتم التأكيد من قبل ممثل “سوريون” على أن نص الإعلان الدستوري كان معد مسبقاً، فقد تمّ تسريب نصّ الإعلان بتاريخ تعيين لجنة الصياغة، وتبين وجود تشابه بين النصين، المسرب والمعلن، قد يصل إلى حد التطابق.
كما إن تسمية سوريا بـ”الجمهورية العربية السورية” واعتبار اللغة العربية هي “اللغة الرسمية” في البلاد وعدم إعطاء أي أهمية للغات الأخرى، يعتبر تهميشا واقصاء لباقي المكونات والأقليات واللغات الموجودة في البلاد، وتأكيداً للنهج الذي كان يتبعه حزب البعث العربي الاشتراكي في إقصاء كل المكونات غير العربية، بالإضافة إلى إثارة نقاط أخرى أفقدت الإعلان ثقة الكثير من السوريين فيه.
ورغم ذلك، أكّد ممثل منظمة “سوريون” على دعم المنظمة لتحقيق الاستقرار في سوريا، واستعدادها للوقوف إلى جانب الحكومة الحالية بهدف تحقيق الاستقرار وحماية حقوق الانسان السوري وحرياته الأساسية، وأكّد بالمقابل على عدم تخلي المنظمة عن واجباتها واخلاقياتها المهنية التي تفرضها عليها قيم العمل المدني وعلى رأسها الاستقلالية والحياد، وبالتالي الاستمرار في رصد وتوثيق الانتهاكات التي يمكن ان ترتكب في سوريا مستقبلاً من أي طرف كان، بما فيها حكومة المرحلة الانتقالية.