الرئيسية أوراق قانونية المرأة المسيحية والقانون السوري.. كيف تحوّل قوانين تمييزية المرأة إلى الحلقة الأضعف؟

المرأة المسيحية والقانون السوري.. كيف تحوّل قوانين تمييزية المرأة إلى الحلقة الأضعف؟

تشريعات سورية لا تنصف المسيحيين وتعزز الطائفية والاحتقان الديني

بواسطة bassamalahmed
3K مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع
مسيحيون سريان خلال قداس الأعياد في كنيسة السيدة العذراء للسريان الأثوذكس في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.

“استغرقت مدة انفصالي عن زوجي أربع سنوات، عانيتُ خلالها كثيراً بسبب طول أمد الإجراءات في المحكمة الروحية، وذلك رغم وجود أسباب مقنعة للطلاق. كانت حياتي متوقفة، وهناك مثلي كثيرات ينتظرن النظر بدعاويهنّ، تضيع سنوات من عمرنا هباءً في المحاكم”.

تصف أنجيلا (اسم مستعار)، المرأة الثلاثينية المقيمة في مدينة دمشق، والمنتمية إلى الطائفة الكاثوليكية، ما كابدته من معاناة خلال سنوات زواجها ولاحقاً محاولتها الانفصال قبل صدور حكم المحكمة الروحية لها بالطلاق.

تشرح أنجيلا جوانب من معاناتها: “تزوجتُ من رجل أرمل ولديه ولدان، كنتُ أتلقى ضرباً وتعنيفاً وإهانات على يد زوجي وابنه الصغير الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره”، وتضيف: “بعد فترة من زواجي مرضت والدة زوجي وانتقلت للعيش في منزلنا، وكانت دائمة الشكوى بأني لا أقدم لها  الرعاية الكافية وأني مهملة لواجباتي المنزلية، فازداد تعنيفي ومنعتُ من الذهاب إلى عملي أو حتى الخروج من باب المنزل”.

تتابع أنجيلا: “علاوة على ذلك كان زوجي يرفض الإنجاب مني ولم يراعِ رغبتي بتحقيق حلم الأمومة، ولم أكن أتلقَ أي نوع من الاهتمام أو الرعاية حتى في أثناء مرضي، وفي إحدى المرات التي كنتُ فيها وحيدة ومريضة أخذت قراراً لا رجعة فيه بالانفصال”.

عادة ما تأخذ إجراءات الطلاق في المحاكم الروحية العديد من السنوات، إذ يتم تبليغ الطرفين وعقد جلسات استجواب دورية بحضور شهود على الحوادث، يعقبها محاولات لإقامة الصلح، ويقرر القاضي في النهاية الهجر أو فسخ الزواج والطلاق تبعاً للأسباب التي قد يعتبرها مقنعة وكافية، وذلك في حالات محددة مُختلَف عليها بين الطوائف المسيحية.

لدى الطوائف المسيحية في سوريا أحكام متعددة ومعقدة في قضية الطلاق تختلف من طائفة إلى أخرى، ولا يوجد لديها طلاق منفرد من الزوج، بل يتم إنهاء الزواج بصدور قرار من المحاكم الروحية.

وفي بعض الحالات قد تُستغل قضايا الطلاق من قبل الكهنة الذين يحاولون ابتزاز أصحاب الدعاوى مادياً، أو قد يحكمون مع الظالم ضد المظلوم لأسباب مادية أو عائلية أو شخصية.

تعزو أنجيلا طول أمد الإجراءات في قضيتها لرفض الزوج الطلاق، إذ كانت تنعقد جلسة كل شهرين، وقد تخلل هذه الإجراءات حدوث استئناف ونقض، لكنها تمكنت أخيراً من  الحصول على الطلاق لأنها امتلكت سبباً اعتبرته الكنيسة كافياً وهو تعنت الزوج بموضوع الإنجاب.

تتذكر السيدة الثلاثينية بحسرة، “لم يأخذ القاضي بالاعتبار كل ما تعرضتُ له في منزل الزوجية من تعنيف وإهانات، كما أنني لم أتمكن من استرداد الذهب والجهاز وكل ما كنت قد أحضرته للمنزل أو أحضره أهلي”.

  • قوانين الطوائف تعقّد المسألة:

تظهر أوجه التمييز ضد النساء المسيحيات بشكل جليّ في قوانين الأحوال الشخصية، إلى جانب العقبات الإجرائية أمام المحاكم الروحية متمثلة بطول أمد القضايا.

ووفقاً لبحث أصدرته “رابطة النساء السوريات”، فإن “التمييز ضد المرأة قائم في جميع قوانين الأحوال الشخصية، للطوائف كافة، ويترك آثاراً سلبية على تمكين النساء بجميع مجالات حيواتهنّ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية”.

ويشير معدو البحث إلى أن التمييز في قوانين الأحوال الشخصية يبدو شديد التعقيد بسبب وجود عدد من قوانين الطوائف التي تتحكم بحياة النساء، وجميعها تعزو أحكامها إلى الشرائع المقدسة، مما يجعل كل عمل أو نشاط من أجل المساواة في الحقوق بين النساء والرجال بمواجهة مباشرة مع الدين.

ويبيّن البحث أنّ التمييز يتجلّى بقوة في جميع قوانين الأحوال الشخصية، لاسيما في مسائل الزواج والطلاق والنفقة والحضانة والعدّة والولاية والوصاية والإرث، إذ تستند جميع القوانين دون استثناء في أحكامها إلى مفهوم القوامة التي تبرز في مسائل الولاية والوصاية، وتُمنح لذكور العائلة على إناثها.

في مسألة الطلاق، تتضمن قوانين الأحوال الشخصية تمييزاً واضحاً بين حقوق الرجل والمرأة، ولا تقل آثار الطلاق أو الأشكال الأخرى من التفريق شدة على النساء المسيحيات عن غيرهنّ من المسلمات أو الدرزيات، نظراً للوضع الاقتصادي والاجتماعي والقانوني المتشابه بين جميع النساء، وتشترك جميع القوانين بحرمان المرأة من مساهماتها المالية في ممتلكات المنزل كافة ما لم تحتفظ بوثائق تثبت هذه المساهمات.
  • قوانين تعزز قوامة الرجال:

من جانبها تعتبر الباحثة والناشطة النسوية السورية، سوسن زكزك، أنه ورغم كون قوانين الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية قد نحت صوب المساواة بين الرجال والنساء، خاصة في قضية الإرث، إلا أنها تبقى قوانين تمييزية ترتكز على قوامة الرجال على النساء عبر تكليف الرجال بمعظم أعباء الأسرة المادية مقابل تبعية النساء، الزوجات والبنات والأخوات، لرجال الأسرة.

كما أن المادة (48) من قانون الأحوال الشخصية لطائفة الأرمن الأرثوذكس تقيّد حق الزوجة بالعمل لأنها تنص على أنه، “لا يمكن للمرأة أن تهتم بعمل أو أن تمارس مهنة إلا بموافقة زوجها المباشرة أو غير المباشرة. إذا رفض الزوج إعطاء الموافقة وأثبتت الزوجة أن مصلحة الاتحاد والعائلة تقضي أن تهتم بعمل أو أن تمارس مهنة يمكن لمحكمة البداية أن تعطي الإذن المطلوب”.

يتطلب ضمان حقوق المرأة في التشريعات السورية، وفقاً لزكزك، إقرار قانون أسرة مدني، وإلغاء جميع قوانين الأحوال الشخصية الطائفية، وتعديل قانون العقوبات، وإلغاء جميع المواد التمييزية فيه، وإقرار قانون لحماية النساء والفتيات من العنف، وتعديل قوانين العمل والعلاقات الزراعية والتأمين.

يتوزع المسيحيون السوريون على 11 طائفة مختلفة، يعود أصل بعضها إلى القرن الأول (الروم الأرثوذكس)، بينما يعود أصل الآخر إلى القرن التاسع عشر (الأرمن البروتستانت)، أكبرها من حيث الحجم الروم الأرثوذكس وأصغرها الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، ولكل واحدة من هذه الطوائف محاكمها الروحية الخاصة، والتي ينعقد لها الاختصاص في البائنة إذا كان الزوجان مسيحيين أو أجانب يتبعون في أحوالهم الشخصية للقوانين الكنسية.
  • اختلاف الأديان يحرم الميراث:

بدوره يلفت الأكاديمي والباحث في مجال حقوق الإنسان، نائل جرجس، إلى وجود العديد من القوانين التمييزية بحق المسيحيين في التشريعات السورية، لا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة، مستعرضاً أبرزها.

فالمادة الثالثة من الدستور السوري النافذ لعام 2012، تشترط أن يكون دين رئيس الدولة الإسلام، وهو ما يحرم أبناء الديانات الأخرى، من الترشح لهذا المنصب.

ورغم أن هذه المادة تنصّ أيضاً على أن، “الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية”، وهو ما يرى فيه رجال دين مسيحيين أمراً إيجابياً، يعتبر جرجس أن هذه المادة تعزز فعلياً من طائفية الأحوال الشخصية بدل أن تقوضها تجاه مدنية الدولة ومدنية هذه القوانين.

ويدافع جرجس في حديثه عن الزواج المختلط، الذي يجمع شخصين منتميين إلى ديانتين أو طائفتين مختلفتين، معتبراً أن حظره يثير مشاكل طائفية واحتقاناً دينياً كما يترتب عليه آثار اجتماعية وقانونية سيئة، كإنجاب أطفال خارج إطار العلاقة الزوجية، والتحايل على القانون بإقدام الراغبين بالزواج على تغيير الدين لغاية الزواج فقط، أو من أجل الميراث.

ويمنع قانون الأحوال الشخصية السوري التوارث مع اختلاف الدين، وفق المادة (264) منه، وهو يعني أنه إذا كان الزوج مسلماً والزوجة مسيحية فإنها لا ترث من زوجها، وهو أيضاً لا يرثها، كذلك لا يتمكن الأبناء من إرث والدتهم، ونصت المادة (178) من قانون الطوائف الكاثوليكية رقم 31 لعام 2006 على حكم مماثل.

وقد أثارت هذه المادة انتقادات عديدة كونها تحرم الزوجين والأولاد من حقوقهم الطبيعية في الإرث لمجرد اختلاف الديانة.

ويعمد البعض إلى التحايل على القانون باتخاذ إجراءات لضمان حفظ حقوق الميراث، وهو ما حدثتنا عنه جوزفين (اسم مستعار)، 56 عاماً، من مدينة اللاذقية.

وتقول جوزفين بهذا الصدد، “عندما علم زوجي أنه لن يتمكن من توريثي حين وفاته بسبب اختلاف الدين، اشترى لي ذهباً ومنزلاً سجله باسمي، وبعد سنوات قمتُ بإعطاء المصاغ الذهبي إلى ابنتي ونقل ملكية المنزل لاسمها لأني لن أتمكن من توريثها”.

وتضيف، “لقد رأينا في ذلك الطريق الأسهل، فلن تنصفنا القوانين الحالية التي لا تراعِ الرابطة القوية بين المرأة وزوجها والأم وابنتها).

يشير جرجس إلى أن وجود ثغرات قانونية كهذه دفعت البعض إلى الدخول في الإسلام لتحقيق مكاسب معينة، كالحصول على الميراث، أو على حضانة الطفل، أو للتخلص من دفع النفقة الزوجية، أو للتمكن من الزواج من امرأة ثانية بالنسبة للمسيحي، أو للحصول على قرار الطلاق الذي غالباً ما تصعّبه أو تحرّمه الطوائف المسيحية.

ويرى أن انتهاك مبدأ عدم التمييز بين المواطنين في سوريا يظهر من خلال إتاحة اعتناق الإسلام وتسهيل إجراءاته في بعض الأحيان، بينما لا يجوز للمسلم اعتناق المسيحية أو أي دين آخر أو حتى العدول عن دينه.

بهدف تنظيم مسائل الأحوال الشخصية للسوريين/ات بمختلف دياناتهم وطوائفهم، صدرت عدّة قوانين للأحوال الشخصية:

  • قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 لعام 1953 وتعديلاته، وهو القانون الناظم لقضايا الأحوال الشخصية للمسلمين بمختلف طوائفهم.
  • قانون الأحوال الشخصية الخاص بأبناء الطائفة الدرزية عام 1948.
  • قانون الأحوال الشخصية للروم الأرثوذوكس برقم 23 لعام 2004.
  • قانون خاص بالسريان الأرثوذوكس برقم 10 لعام 2004.
  • قانون الأحوال الشخصية للطائفة الأرمنية الأرثوذوكسية.
  • قانون الأحوال الشخصية رقم 31 لعام 2006 للطوائف الكاثوليكية.
  • القانون رقم 2 للعام 2017، الناظم للإرث والوصية لأبناء الطائفة الإنجيلية في سوريا.
  • القانون رقم 4 لعام 2012، الناظم للوصية والإرث لطائفة الأرمن الأرثذوكس.
  • قانون الأحوال الشخصية للموسويين (اليهود).
  • قوانين تحرم المسيحية من حضانة أطفالها:

تُدرج عبارة “أشرف أو أفضل الوالدين دِيناً” في بعض قرارات المحاكم السورية التي تُعطي حضانة الطفل أو تُتبع دينه إلى أحد والديه المسلم أو المعتنق للدين الإسلامي لغايات متعددة، منها الحصول على حضانة الطفل، وإسقاطها عن الوالدة غير المسلمة.

وقد درجت المحاكم الشرعية في سوريا على الاستناد بهذا الخصوص على ما ورد في كتاب قدري باشا والمتضمن القول الراجح للمذهب الحنفي في قضايا الأحوال الشخصية، تبعاً للمادة (305) من قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 لعام 1953.

وتنص المادة (381) منه على أن ” الحاضنة الذمية أماً كانت أو غيرها أحق بحضانة الولد كالمسلمة حتى يعقل ديناً أو يخشى عليه أن يألف غير دين الإسلام”.

أي أن الأولوية للحضانة تكون لمن لا يخشى لديه على ديانة المحضون (الإسلام) وبالتالي تكون الأولوية في الحضانة عملياً لمن يدين/تدين بالإسلام، كما تشترط المادة (355) اتحاد الدين بين الولي على النفس والقاصر وهو ما يعني سقوط الولاية فيما إذا كانت الوالدة من غير دين طفلها.

يبيّن جرجس أن هذا الأمر يؤدي إلى سقوط الحضانة عن الأم المسيحية في حال إذا كان زوجها مسلماً، أو اعتنق الإسلام لغاية التطليق وإسقاط الحضانة عن امرأته.

ويشير إلى أن ذلك يشكل خطراً لعدم الاكتراث بمصلحة الطفل التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار عند إعطاء الحضانة سواء للمرأة أو للرجل بصرف النظر عن الدين.

ويلفت الباحث السوري إلى أنه سبق وأعملت الاجتهادات القضائية السابقة هذا الحكم بإسقاط الحضانة عن الأم غير المسلمة في عدة قضايا، منها قرار محكمة النقض رقم (301) في 6 نيسان لعام 1981، الغرفة الشرعية، أساس 244.

وضع القانوني المصري تركي الأصل، محمد قدري باشا (1821-1886)، كتابه “الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية” أواخر القرن التاسع عشر، واعتُبِر حينها نقلة نوعية في مجال تقنين أحكام الشريعة الإسلامية وصوغها في مواد مُحكمة الوضع على أسلوب القوانين الأوروبية، وذلك بناءً على رغبة الخديوي إسماعيل، وبالتزامن مع حركة إصلاح الوضع المتدهور في الدولة العثمانية، ومساعي تحديث الدولة وتقنين أحكام الفقه الإسلامي المتناثرة في الكتب الفقهية.

ورد في مقدمة الكتاب أنه يشتمل على: “الأحكام المختصة بذات الإنسان من حين نشأته إلى حين منيّته وتقسيم ميراثه بين ورثته”.

كان قدري باشا أول من استعمل مفهوم الأحوال الشخصية في الشرق، إذ كان أول من ابتدعه الفقهاء الإيطاليون في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي لحل مشكلة تنازع القوانين، وانتشر بعدها هذا المصطلح في أوروبا، وطوّرته المدرسة الفرنسية.

  • نصوص قانونية تخالف حماية الدستور للتنوع:

من جهته يعتبر القاضي السوري، رياض علي، أنه ليست هناك قوانين أو تشريعات تستهدف أبناء الديانة المسيحية بشكل خاص، لكن توجد بعض النصوص التي تحابي المسلمين على حساب الأديان الأخرى بمختلف مسمياتها في سوريا، ومنها بطبيعة الحال الديانة المسيحية بمختلف طوائفها.

ويذكر مثالاً على أوجه التمييز هذه أنه في حين أجاز قانون الأحوال الشخصية السوري المستمد من الشريعة الإسلامية زواج المسلم بغير المسلمة من أهل الكتاب، كالمسيحية واليهودية، إلا أنه قد نصّ على منع التوارث بين الزوجين في حال اختلاف الدين، وفقاً للمادة (364) من قانون الأحوال الشخصية.

ومن المواد التمييزية التي تضمنها كتاب قدري باشا، وتذهب إلى تفضيل الدين الإسلامي على غيره من الأديان ومنها المسيحية، أن زواج المسلمة بغير المسلم باطل، وفي حال كان هذا الزواج قد أثمر عن مولود أو أكثر فإنه “يتم إلحاق المولود/ة بدين والدته كونه “أشرف الأديان”، وهذا ما تسير عليه المحاكم الشرعية في سوريا.

وتنص المادة (358) من هذا الكتاب على أن، “الملتقط أحق بإمساك اللقيط من غيره فليس لأحد أخذه منه قهراً ولو كان حاكماً إلا بسبب يوجب ذلك كان غير أهل لحفظه وإن وجده اثنان مسلم وغير مسلم وتنازعاه يرجح المسلم ويقضي له به فإن استويا في الدين وفي الترجيح فالرأي مفوض إلى القاضي”.

كما أن المادة (29) من قانون الأحوال المدنية رقم (13) لعام 2021، اعتبرت مجهول النسب عربياً مسلماً ما لم يثبت العكس، إذ نصت على أنه، “يعتبر مجهول النسب عربياً سورياً مسلماً، ومولوداً فـي سورية وفـي المكان الـذي عثر عليه فيه، ما لم يثبت خلاف ذلك”.

ويوضح علي أن النصوص القانونية المذكورة، إضافة لنص المادة الثالثة من الدستور آنف الذكر تتناقض مع ما ورد في المادة التاسعة من الدستور السوري نفسه، والتي نصت على أنه، “يكفل الدستور حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته وتعدد روافده، باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية في إطار وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية”.

  • هل القوانين المدنية هي الحل؟

يرى القاضي رياض علي أن تعدد قوانين الأحوال الشخصية هو أمر طبيعي بسبب تعدد الأديان والطوائف في سوريا، وقد جاء في الغالب بناء على طلب رجال الدين، نظراً لاختلاف تفاصيل قضايا الأحوال الشخصية (الزواج والطلاق والوصية والإرث) من دين لآخر وأحياناً من طائفة لأخرى.

ويعتبر أنه ليس من السهل في الوقت الحالي إحلال قوانين مدنية بدلاً من قوانين الأحوال الشخصية، “لأن المجتمع السوري بمختلف أديانه وطوائفه متمترس خلف معتقداته، ولا أعتقد أنه يتقبل قوانين أخرى لم يألفها لأجل تنظيم قضايا أحواله الشخصية”.

ويقترح القاضي أن يبحث رجال الدين من مختلف الأديان والطوائف عن النقاط المشتركة أو المتقاربة في قضايا الأحوال الشخصية، التي قد تقارب الحلول في مسائل الأحوال الشخصية لجميع السوريين، مع احترام الخصوصية الدينية لهم أيضاً.

في المقابل ترى الناشطة النسوية، سوسن زكزك، أن تعدد قوانين الأحوال الشخصية للطوائف في سوريا أمر يتناقض مع مبدأ وحدة القانون للحالة الواحدة.

وتوضح بهذا الصدد، “حكمتنا في عائلتي ثلاثة قوانين أحوال شخصية، الأول يحكم إخوتي الذكور، والثاني يحكمني استناداً لطائفة زوجي، والثالث يحكم أختي استناداً لطائفة زوجها، أي أن ثلاثة قوانين تحكم عائلة واحدة!”.

وتعتبر زكزك أن البديل لذلك يجب أن يكون قانون أسرة مدني واحد لجميع السوريين والسوريات بغض النظر عن الدين أو الطائفة، “فمن شأن القانون المدني الموحد أن يقوم على المساواة بين الرجال والنساء، ويضمن حقوق الأطفال، وينظم العلاقة على أساس متكافئ بين جميع أفراد الأسرة التي يراها الدستور الخلية الأساس في المجتمع، إضافة إلى أنه سيوحد المسطرة القانونية”.

يتفق الباحث نائل جرجس جزئياً مع زكزك، إذ يقترح أن يتم إعمال قوانين مدنية بموازاة القوانين الدينية، وهكذا يكون لدى أي شخصين راغبين في الزواج الحق في الاختيار بين القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية الديني، مشيراً في الوقت نفسه إلى ضرورة إعادة صياغة القوانين الدينية المطبقة بشكل يتم فيها احترام حقوق المرأة والطفل وغير المسلم.

“فمن الصعب حاليا ً إلغاء الأحوال الشخصية الدينية المطبقة على المسيحيين بشكل كلي لأنها تشكل خيار الكثيرين الذين يرتضونها بمحض إرادتهم ولكن من غير المقبول أن يستمر إعمال بعض نصوصها التي تتعارض مع حقوق الإنسان، لذا لا بد أن تجري صياغة قوانين أحوال شخصية خالية من أشكال التمييز كافة، وإصدار قانون للزواج المدني مع إمكانية المحافظة على قوانين الأحوال الشخصية لكل طائفة”.

  • ردم الفجوة بين الأديان في التشريعات السورية:

يلقي جرجس باللائمة على انتشار الطائفية بشكل أساس، والتي تقف حائلاً أمام تحقيق أي تقدم في إدارة التنوع الديني، فقد عمدت الحكومة السورية إلى تطبيقها عبر سياسات تشريعية أدت إلى زيادة الاحتقان، وهو ما تعزز خلال سنوات الحرب السورية، ففي بداية الثورة التي اندلعت عام 2011، تم دفعها نحو الاقتتال الطائفي والإثني نتيجة سياسات كانت مطبقة سابقاً وجرى تعزيزها خلالها.

“وأسهم استمرار تدخل الدين وتوظيفه في السياسة والتشريع، فضلاً عن غياب الحريات العامة والتعددية السياسية، إلى غياب مبدأ حيادية الدولة وبالتالي المواطنة الحاضنة للتنوع الديني والإثني والقائمة على المساواة، وهو ما أدى لاحقاً إلى تفجر الوضع على الساحة السورية منذ عام 2011”.

ويعتبر جرجس أن لمنظومة الأحوال الشخصية الحالية أكبر الأثر في الانقسام الديني والطائفي المتكرّس بشكل أساس نتيجة التمييز بين المواطنين أمام القانون وفي قرارات القضاء، وبالتالي لا يمكن في ظل وجودها استئصال الطائفية والاحتقان الديني، وأيضاً التأصيل لدولة المواطنة والقانون.

  • إدارة التنوع الديني:

يركز جرجس على ضرورة إحلال دولة القانون التي تعامل جميع المواطنين على قدم المساواة بصرف النظر عن دينهم وإثنيتهم، والتي يشعر فيها المواطن أنه محمي من قبل القوانين الدولية وليس من طائفته أو عشيرته أو قبيلته، هنا يتم تعزيز الانتماء للوطن، والتخفيف من حدة الاحتقان والطائفية والانتماءات الضيقة جداً.

إضافة لذلك لا بد في الوضع السوري من تطبيق العدالة الانتقالية، وبرامج المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، إذ سيكون لكل ذلك أثر على شكل سوريا المستقبل وإحلال السلام الدائم والمستدام وتحقيق المساواة وإرساء دعائم دولة القانون.

بدوره يؤكد القاضي رياض علي على ضرورة ترسيخ ثقافة حرية الدين والمعتقد، واحترام مختلف الأديان على سوية واحدة لدى جميع السوريين، وإلغاء النصوص التمييزية بحق أبناء الديانات الأخرى غير الإسلامية، كتلك التي تنص على أن دين رئيس الدولة الإسلام، مشدداً على أهمية أن يتم النص على ذلك في الدستور السوري، على اعتبار أن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها سوريا هي جزء لا يتجزأ من القوانين الداخلية السورية.

إذ تؤكد المعاهدات الدولية على المساواة بين الجميع بغض النظر عن الدين أو المعتقد أو العرق أو الجنس أو أي أساس آخر، والنص على اعتبارها جزءاً لا يتجزأ من القوانين الداخلية يعني تخويل المحاكم السورية بتطبيق الاتفاقيات الدولية على القضايا المعروضة أمامها، وتكون الأولوية لتلك المعاهدات في حال تعارضها مع القوانين الداخلية.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد