الرئيسية تعليقات ورأي التصور المحتمل لشكل عملية حفظ السلام في سوريا

التصور المحتمل لشكل عملية حفظ السلام في سوريا

في ضوء العنف المستمر الذي يتعرض له المدنيون في شمال شرق سوريا، نقدم نظرة عامة على الشكل المحتمل لعملية حفظ السلام هناك

بواسطة bassamalahmed
1K مشاهدة هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

منذ أن أعلنت تركيا إطلاقها لعملية “نبع السلام” على أراضي شمال شرق سوريا في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، نزح أكثر من 175.000 شخص وقُتل ما لا يقل عن 120 مدنياً، ذلك في الوقت الذي اتهمت فيه منظمة العفو الدولية تركيا والقوات المتحالفة معها بارتكاب جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي.[1]

وقد أعقب ذلك التدخل إبرام العديد من الاتفاقيات بين مختلف الدول الأطراف وغير الأطراف في النزاع. ففي 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أعلن البيت الأبيض عن “اتفاق يضع حدّاً لأسبوع من القتال المتواصل في المنطقة الحدودية من الجانب السوري”.[2]

 

وكانت آخر التطورات التي حدثت في هذا الصدد هي لقاء الرئيس التركي أردوغان والرئيس الروسي بوتين في مدينة سوتشي الروسية، في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019، والذي تمخّض عن مذكرة تفاهم تسمح بالحفاظ على الوجود التركي في المناطق الحالية لعملية “نبع السلام”، ونشر الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري على الجانب السوري من الحدود التركية السورية ، وذلك لإزالة أي تواجد لوحدات حماية الشعب YPG على عمق 30 كم من الحدود، كما تمّ الاتفاق على بدء تسيير دوريات تركية روسية مشتركة في المنطقة الحدودية.

لكن ورغم إبرام هذا الاتفاق، تستمر الأعمال القتالية بشكل يومي، مما يعرّض حياة المدنيين للخطر. كما أن الاستخدام غير القانوني للقوة يخلق ظروفاً لنشوب نزاعات مسلحة بين الدول بما فيها تركيا، وذلك في منطقة كانت قد نجحت رغم كل الصعاب في توفير شعور بالديمقراطية والأمن لسكانها.

إنّ مهمة حفظ السلام التي نفّذتها روسيا وتركيا في إدلب أثبتت عدم نجاعتها. حيث أنه وبعكس ما ورد في الاتفاقية عن مغادرة “هيئة تحرير الشام” للمنطقة، قامت الأخيرة بتوسيع نطاق سيطرتها فيها، مانعة بذلك وصول الدوريات الروسية التركية المشتركة التي نصت الاتفاقية على تسييرها إليها. وذلك إلى جانب استئناف الحكومة السورية لهجومها على المنطقة في نيسان/أبريل 2019.[3]

بحسب ولاية مجلس الأمن الدولي، المنصوص عليها في المادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة ، فإنّ الحفاظ على السلام والأمن الدوليين يستوجب اتخاذ إجراء سريع، وذلك تماشياً مع دعوة لجنة التحقيق إلى وقف العنف في سوريا.[4]

كيف يمكن أن تبدو ظروف نشر عملية حفظ السلام في شمال شرق سوريا وفقاً للفصول؛ السادس والسابع والثامن من ميثاق الأمم المتحدة؟

هناك تجارب سابقة لعمليات حفظ سلام نفّذت في سياقات ومناطق مختلفة، وهي توفر أفكاراً هامة للغاية بشأن الجوانب الجوهرية لمثل هذه العمليات والتي من الممكن لدعاة وصيّاغ العملية المحتمل نشرها في سوريا دراستها والنظر فيها مليّاً وذلك لزيادة إمكانية نجاح العملية مع إيلاء اعتبار خاص للمبادئ التي تم على أساسها صياغة الولاية وللولاية نفسها وللموارد المخصصة للعملية ، والمنطقة الجغرافية التي ستنشر فيها.

  • المبادئ:

على الرغم من أنّها قد تبدو تقييدية ومشددة في أوقات النزاع، إلا أنّ المبادئ الثلاثة لعمليات حفظ السلام والمتمثلة بـ: موافقة الدولة، والاستخدام المحدود للقوة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المضيفة، أثبتت أهميتها في ضمان شرعية واستمرارية ونجاح العملية.

  • الولاية:

تماشياً مع التوصيات الواردة في تقرير الإبراهيمي فإنه من الأهمية بمكان تحديد ولاية واضحة، ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع تركز على حماية المدنيين في ضوء الخطر الذي يثقل كاهلهم.

حيث أنّ أكثر من 175.000 منهم قد شردوا نتيجة الاحتلال التركي لشمال شرق سوريا. وإنّ عودتهم لديارهم وحمايتهم من أي تهديد جسدي هو أمر ضروري لتحقيق أهداف السلام طويلة الأمد.

وإن عملية حماية المدنيين كما عرفها تقرير الفريق المستقل الرفيع المستوى المعني بعمليات السلام الصادر عام 2015 هي واحدة من الالتزامات الأساسية للأمم المتحدة وذكر أنها ترتكز على ثلاث مستويات من التدابير:

  • الحماية من خلال العملية السياسية
  • الحماية من العنف الجسدي
  • خلق بيئة توفر الحماية

 

  • الموارد:

إنّ حجم الموارد التي يتم تخصيصها لعمليات حفظ السلام تكون شرطاً لنجاحها. فعلى سبيل المثال عانت بعثة الامم المتحدة في جنوب السودان من سوء شديد لتوزيع الموارد المخصصة لها حيث تم نشر جندي واحد فقط في كل 100 كيلومتر من الأراضي وهذا التوزيع هو أقل بثلاث مرات من التوزيع المعتاد في بعثات أخرى. إنَّ الالتزام الكامل من جانب مجلس الأمن بالنّشر الفعّال للقوّات وتقديم العتاد اللازم للعملية وتخصيص ميزانية لها بناءً على ذلك من شأنه أن يسهم في نجاحها.

من الممكن للمهمة التي تنفًّذ في شمال شرق سوريا أيضاً أن تعتمد على التوصيات الصادرة من قبل الفريق المستقل الرفيع المستوى المعني بعمليات السلام وذلك بإجراء عملية من خطوتين تتمثل في إعادة النظر في الولاية بعد ستة أشهر من بدء المهمة وذلك لتكييف وتعديل إجراءات التنفيذ الأولية حسب ما تقتضي احتياجاتها في الواقع.

  • المنطقة الجغرافية:

 هناك عمليات نفّذت مؤخراً تمّ فيها نشر قوّات لحفظ السلام على مساحات واسعة كما حدث في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي وجنوب السودان وجميعها فشلت بتحقيق أهدافها بدون استثناء. في حين أنّ هناك عمليات أخرى نشر فيها عدد كبير من القوات على أراضٍ ذات مساحة صغيرة أدّت إلى نتائج أكثر إيجابية. وفي حالة مناطق شمال شرق سوريا فالتعيين الواضح للحدود الطبيعية يمكن أن يقصد به الأراضي المحتلة من قبل تركيا والتي من المرجح أن ترضخ الحكومة السورية لفكرة وجود قوات حفظ سلام دولية على أراضيها.

  • الحيادية:

إنّ بعض عمليات حفظ السلام مؤخراً كانت قد انحازت إلى الحكومات المتنازعة وذلك على حساب المبدأ الأساسي الذي من المفترض أن تقوم عليه ألا وهو الحيادية. وقد أعاق ذلك في حالات عدّة نجاح تلك العمليات. لذلك ينبغي على صيّاغ عمليات حفظ السلام في شمال شرق سوريا والدّاعين إليها إيلاء اهتمام خاص لهذا الجانب.

لا يمكن ضمان نجاح عمليات حفظ السلام، لكن المبادئ الموجهة لها والموارد المخصصة لتنفيذها و ولايتها ومكانها الجغرافي وأيضاً وجود ضامن لنزاهتها، جميعها عناصر جوهرية تزيد فرص نجاح وتحقيق أهم اهداف هكذا عمليات والذي هو حماية المدنيين.

 


[1] “سوريا: أدلة دامغة على جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات التي ارتكبتها القوات التركية والجماعات المسلحة المتحالفة معها”، منظمة العفو الدولية، 18 تشرين الأول/أكتوبر 2019،(آخر زيارة للرابط: 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2019)،
https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2019/10/syria-damning-evidence-of-war-crimes-and-other-violations-by-turkish-forces-and-their-allies/.

[2] “اتفاق أمريكي تركي على وقف إطلاق النار في شمال شرق سوريا”، البيت الأبيض، 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.

[3] “الأمم المتحدة تحذر من وقوع أسوأ كارثة إنسانية في القرن في إدلب السورية”، فرانس 24، 31 تموز/يوليو 2019 (آخر زيارة للرابط: 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2019)،
https://www.france24.com/en/20190731-un-lowcock-warns-worst-humanitarian-disaster-century-syria-idlib.

[4] “لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا: آخر ما يحتاجه السوريون هو موجة جديدة من العنف”، الأمم المتحدة، 10 تشرين الأول/أكتوبر 2019،(آخر زيارة للرابط: 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2019)،
https://www.ohchr.org/AR/HRBodies/HRC/Pages/NewsDetail.aspx?NewsID=25123&LangID=A

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد