ملّخص تنفيذي:
نفذّ “الحزب الإسلامي التركستاني”[1]، عمليات سلب ونهب طالت ممتلكات عامة في منطقة سهل الغاب بريف حماه منذ مطلع العام 2020، فعقب تفرّغه من تفكيك وبيع غالبية تجهيزات محطة كهرباء “زيزون” بالإضافة إلى أنابيب خط الغاز المغذّي لها في أواخر العام 2019[2]، باشر هذا “التنظيم” بعمليات حفر واستخراج لأنابيب معدنية (تمتد على مسافة أكثر من 10 كم)، والمسؤولة عن ضخ مياه الري من نهر العاصي باتجاه السدود التخزينية في منطقة سهل الغاب، حيث تعتبر هذه الأنابيب بمثابة عصب مشروع الري في منطقة سهل الغاب المعروفة بغناها الزراعي، إذ تتولى حالياً ري وسقاية أكثر من 2000 دونم (بما يعادل 200 هكتار)[3] مزروعة بمحاصيل الخضروات.
عمليات السلب تلك دفعت العديد من المزارعين للاعتماد على الآبار الارتوازية[4] التي تحتاج إلى 7 لتر مازوت في الساعة الواحدة، ما سينعكس بدوره على المحصول العام وارتفاع التكاليف.
لكنّ العاقبة الأخطر والأهم والتي تنطوي على اقتلاع “الحزب الإسلامي التركستاني” لأنابيب الضخ، هو التهديد بتصحر منطقة سهل الغاب على المدى البعيد، بعد تدمير عصب مشروع الري الوحيد بالمنطقة، مما يعني أننا قد نكون مقبلين على جفاف وتصحّر حول 100 ألف دونم (ما يعادل 10000 هكتار) بأقل تقدير، فيما ستعود الأراضي الأخرى إلى زراعة القمح والشعير التي تفقد جودتها عاماً بعد آخر، مما ينذر بكارثة تهدد سكان المنطقة الذين كانوا يأملون بوصول المياه إلى حقولهم للعودة إليها ويعتمدون على الزراعة كمصدر رزق أساسي لهم.
رجّح الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة استفادة عدّة جهات من عملية نزع أنابيب الريّ من قبل “التركستاني”، وعلى رأسها “تركيا”، حيث أنّ قطع المياه باتجاه سهل الغاب سوف يضمن توفير مياه نهر العاصي لتركيا ربما لعشر سنوات قادمة بأقل تقدير لتركيا، سيّما أنّ غزارة النهر أصبحت تذهب كاملةً باتجاه الأراضي التركية.
وبحسب ما قدّر خبراء (من ضمنهم خبير مائي/جيوسياسي) لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ تركيا كانت تحصل على 36% من المنتوج المائي لنهر العاصي (حيث كانت تستفيد من نهر العاصي بمقدار (1.2 -1.3) كيلو متر مكعب نظراً لأنها مصب للنهر، وذلك من إجمالي (3.3) مليار أو(2.5)مليار متر مكعب حسب التدفق السنوي للنهر)، على عكس الاستفادة المثلى اليوم من مياه النهر والتي تصل إلى أكثر من 65 %، والتي من الممكن الاستفادة منها بعدّة مجالات أبرزها الزراعة والكهرباء، وخاصةً بعد توقف الاستفادة منه في أهم منطقة زراعية وتخزينية للسدود في منطقة سهل الغاب. ويُرجع الخبراء سبب هذه النسبة[5]، إلى قاعدة توزيع مياه النهر، والتي تستند على المسافة التي يمر فيها النهر ببلد ما، (حيث يحتل نهر العاصي نسبة 36 % من الأراضي التركية)، فإذا لم تستفد دولة من النهر، فإنّ فائض النهر تستفيد منه الدولة التي يصبّ فيها النهر وهو تماماً ما حصل مع تركيا.
بالتزامن مع اقتلاع “الحزب الإسلامي التركستاني” لأنابيب ضخ مياه الري، شرع الأخير منذ منتصف شهر أيار/مايو 2020، إلى انتزاع الألواح المعدنية المثبتة على هيكل برج تبريد محطة كهرباء “زيزون” بهدف تجميعها وبيعها تباعاً، كما عمد إلى إسقاط برج تبريد محطة كهرباء “زيزون” على الأرض، بغية إكمال عملية تفكيكه، حيث أدت عملية الإسقاط العشوائية إلى تخريب البرج بالكامل إثر ارتطامه القوي على الأرض، مما أدى لتدمير قسم كبير بجسم البرج وإحداث خلل بالهيكل والألواح.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، لا زال الحزب الإسلامي التركستاني مستمراً حتى لحظة إعداد هذا التقرير في نهاية شهر آب/أغسطس 2020، في عمليات سلب ونهب أنابيب ضخ مياه الري بالإضافة إلى نهب وسلب برج تبريد محطة كهرباء “زيزون”.
منهجية التقرير:
اعتمد هذا التقرير في منهجيته على 19 شهادة ومقابلة بالمجمل، حيث التقى الباحث الميداني لدى المنظمة، فيما يتعلق بتوثيق حادثة استخراج وبيع أنابيب ضخ مياه الري، 2 من أهالي وسكان منطقة ناحية الزيارة في منطقة سهل الغاب، و4 مزارعين و3 موظفين سابقين في مشروع الري، بالإضافة إلى 3 ناشطين إعلاميين من المنطقة، ممن كانوا شاهدين على عمليات السلب والنهب تلك، فضلاً عن شهادة عضو مجلس محلي في ناحية الزيارة وأحد الصيادين، بالإضافة إلى أحد المصادر المطلّعة على القضية وشهادة خبير بيولوجي للحديث عن عواقب تدمير عصب مشروع الري.
وفيما يتعلق بحادثة سلب وتفكيك برج تبريد محطة كهرباء “زيزون”، تمّ الاستماع إلى شهادة اثنين من الناشطين الإعلاميين بالإضافة إلى أحد أهالي ناحية الزيارة في منطقة سهل الغاب، فضلاً عن شهادة أحد العاملين السابقين في محطة كهرباء زيزون.
تمّت معظم هذه المقابلات خلال الفترة الزمنية الممتدة من بدايات شهر آذار/مارس 2020، وحتى أواخر شهر تموز/يوليو 2020، حيث تمّ لقاء بعض الشهود بشكل مباشر فيما تمّ لقاء بعضهم الآخر عبر الانترنت.
لقراءة وتحميل التقرير كاملاً (26) صفحة وبصيغة ملف PDF يُرجى الضغط هنا.
[1] تشير معظم المصادر التي كُتبت عن الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا (الإيغور)، أنّ الظهور الفعلي لمقاتلي الحزب بدأ في سوريا في العام 2012، حيث تجمّعوا بداية في تركيا، ودخلوا إلى سوريا عابرين الحدود التركية السورية.
تركّز الانتشار العسكري لمقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني في مدينة جسر الشغور الاستراتيجية، وإدلب المدينة، وجبل السمّاق وسهل الغاب وجبلي الأكراد والتركمان (جبال اللاذقية) في ريف اللاذقية المحاذي للحدود التركية السورية، كما أنّ انتشارهم على مقربة من الحدود التركية-السورية يشي بحصولهم على المساعدة اللوجستية من الجانب التركي، أقلّه على مستوى المجنّدين الجدد، الذين يحتاج إليهم الحزب.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد صنّفت الحزب (والذي كان يُعرف سابقاً باسم الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية) وقائده “عبد الحق التركستاني” على لوائح الإرهاب في العام 2009، كما أنه أدُرج من قبل الأمم المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية في العام 2002 بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية.
[2] ” سوريا: الحزب الإسلامي التركستاني يمارس عمليات نهب وسلب لأملاك عامة في ريف حماه” سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. آخر زيارة بتاريخ 7 آب/أغسطس 2020. https://stj-sy.org/ar/%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b2%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%8a%d9%85%d8%a7%d8%b1/
[3] ويعادل الهكتار الواحد 10 دونم.
[4]هو عبارة عن البئر الناجم عن حفر طبقات الأرض، مما يخفف الضغط الموجود، ويسمحُ للماء الموجود في باطن الأرض بالوصول الى الهواء، وكلّما كان الضغط مرتفعاً، كان وصول الماء إلى سطح الأرض مُندفع.
[5] لم يكن هنالك أي اتفاق بين سوريا وتركيا فيما يتعلق بحصة كل بلد من نهر العاصي، وخاصةً أنّ سوريا رفضت مناقشة أمر نهر العاصي مع تركيا. فقد اعتبرت محافظة هاتاي التركية، التي يتدفق خلالها نهر العاصي قبل أن يصب في البحر الأبيض المتوسط، أراضٍ سورية، وبالتالي اعتبرت نهر العاصي نهراً وطنياً وليس نهراً عابراً للحدود. وهكذا، فقد اعتبرت أي مفاوضاتٍ سترتقي للاعتراف بسيادة تركيا على منطقة هاتاي. لكن في العام 2010 تحسنت العلاقات بين البلدين وكان هنالك اتفاقاً مبدئياً على انشاء سد الصداقة بين البلدين على نهر العاصي، لكن المشروع توقف بعد اندلاع النزاع السوري عام 2011.