استناداً إلى شهادات ومعلومات وردت إلى “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” من مصادر محلية مختلفة، يُعتقد أنّ الشابة (عبير. م / 19 عاماً) المنحدرة من قرية “أبو مذارة” في ريف القنيطرة، وقعت ضحيّة لجريمة مروّعة جديدة تحت “ذريعة الشرف”. حيث تفيد الأنباء الواردة عن قيام عدد من أشقائها بقتلها ودفن جثّتها في مكان غير معلوم، وذلك خلال النصف الأول من شهر تموز/يوليو 2021.
بدأت قصة “عبير. م”، في العام 2017، عندما أجبرتها عائلتها على الزواج من أحد اقربائها في مدينة داعل بريف درعا، رغم أنّه كان يكبرها سنّاً. وأجبرت لاحقاً للذهاب إليه والعيش معه، بينما كانت هي في عمر السادسة عشر. وقد أنجبت خلال فترة زواجها هذا طفلين.
الجريمة التي وقت تحت ذريعة “حماية الشرف” بحق “عبير”، أحيطت بالكثير من الكتمان، سواء من قبل أهل الضحية وأقاربها، أو من قبل عائلة زوجها نفسه. بينما لم تقم السلطات المحلّية التابعة للحكومة السورية بأي خطوات فعلية باتجاه كشف الحقيقة ومحاسبة الجناة وإظهار حقيقة ما حدث.
الشهادات التي حصلت عليها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، تفيد بأن الحادثة قد وقعت من قبل أشقاء الضحية في يوم 9 أو 10 تموز/يوليو 2021، بعد أنّ هربت “عبير” من منزل زوجها الكائن في بلدة داعل إلى بلدة طفس في ريف درعا. وسط انتشار إشاعات عن علاقة مزعومة تربطها برجل آخر.
زواج قسري مبكّر وخلافات دائمة
إحدى قريبات “عبير”، (مصدر أول/ 30 عاماً) قالت للباحث الميداني لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول الحادثة ما يلي:
“تزوجت عبير وهي في سن السادسة عشرة. كانت صغيرة جداً حين وقعت ضحية زوج قريب لها ويكبرها بأكثر من عشرين عاماً، إذ لا يكفي أنه يكبرها بالعمر وإنما تم اجبارها على الزواج من شخص لا تحبه أيضاً.”
وأوضحت قريبة “عبير” كيف أن الأخيرة أصرّت على رفض الزواج في البداية. مضيفة:
“لقد حاولت عبير أن تقنع والدتها بعدم الارتباط من قريبها الذي يسكن في مدينة داعل (شرق درعا) ويعمل في تربية المواشي، لكن والدتها وقفت ضدها. الجميع كان يعتقد أنه يعرف مصلحتها أكثر منها.. فتزوجته مرغمة على ذلك وأنجبت منه طفلين يبلغ عمر الكبير ثلاث سنوات والأصغر شهرين فقط.”
بدوره أكّد أحد جيران زوج “عبير”، والمقيم في مدينة داعل (مصدر ثاني/ 44 عاماً) أن عبير وزوجها كانا على خلاف دائم وأن الزوجة كانت كثيراً ما تغادر منزل زوجها غاضبة وتبقى عدة أيام في منزل أهلها. وأضاف الشاهد:
“من المعيب أن يتزوج الرجل امرأة لا تريده، فكيف إن كانت أصغر منه سناً، فهذه الفوارق الاجتماعية تُحدث خللاً في العلاقة الزوجية، وهذا ما وقع فعلاً بين عبير وزوجها. أنا أعرف زوجها إنه رجل طيب، لكنه لم يستطع أن يجد حلاً لخلافاته مع زوجته رغم انجابهما أولاداً… كثيراً ما كانت زوجته تعود لمنزل إخوتها في حالة خلاف بينهما، وكثيراً ما كان ينتهي الخلاف بوقوف الجميع ضدها وتعود لمنزل زوجها… هذه هي الحقيقة.”
كيف وقعت الجريمة المزعومة؟
في بدايات شهر تموز/يوليو 2021، انتشرت في مدينة “داعل” إشاعات حول علاقة مزعومة للزوجة “عبير” مع أحد أقارب زوجها، وهو الشخص الذي قام بإيصال الضحية إلى منزل ابن عمّها الذي يقيم في بلدة “طفس”. حيث كانت “عبير” قد غادرت منزل زوجها يوم 9 تموز/يوليو 2021، ولجئت إلى منزل ابن عمها طالبة مساعدته. أما الشاب الذي تم اتهامه بأنه على علاقة بها، فقد غادر المنطقة وهرب بعد انتشار الإشاعات حول العلاقة المزعومة.
لم يحدد الشهود/المصادر تاريخ وقوع الحادثة بشكل دقيق حيث قالوا أنها على الأرجح وقعت خلال يومي 9 و 10 تموز/يوليو2021.
أحد سكان بلدة طفس (شاب/مصدر ثالث/ 37 عاماً) قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول الحادثة ما يليما يلي:
“غادرت عبير مع طفلها الصغير البالغ من العمر قرابة الشهرين برفقة أحد أقرباء زوجها إلى بلدة طفس، في ذاك الوقت انتشر الخبر في بلدة داعل وطفس وحتى في القنيطرة بأنها هربت معه لوجود علاقة بينهما، ولكن لا أحد يعلم مدى صحة ذلك، ربما ساعدها فقط على مغادرة المنزل بعد وقوع شجار مع زوجها.. لا أحد يعلم.. لكن الأمر المؤكد هو أن الشب قد أوصلها إلى منزل ابن عمها الذي وعدها أنه سيحميها من إخوتها وسيجد لها حلاً مع زوجها، أما الشاب الذي كان برفقتها فقد ترك البلدة وغادر بعد انتشار تلك الإشاعات”.
وتابع المصدر قائلاً:
“قام ابن عمها بالاتصال بإخوتها في القنيطرة وأبلغهم بما حدث، وقام باحتجازها لديه لحين وصولهم، وبالفعل لم تمضِ ساعات قليلة حتى وصل إخوتها إليها ومن ثمّ انتشرت أخبار عن مقتلها بعد ذلك”.
الباحث لدى “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تواصل مع عدد من الأشخاص في قرية عائلة “عبير” وروى له عدد من الأهالي هناك أن شقيق الضحية أخبر بعضهم أنه قام “بكسر عنق شقيقته وتقطيع جسدها ومن ثم دفنها”، وقد تداول العديد من أهالي القرية هذه الرواية نقلاً عن شقيق الضحية (رغم أنّ “سوريون” لا تسطيع تأكيد أو نفي الرواية/في ظل عدم وجود أي تحقيق محايد ومستقل ونزيه من قبل السلطات المحلية السورية).
وحول المكان المفترض لدفن جثة الضحية وإخفائها، روى بعض أهالي القرية روايتين مختلفتين، الرواية الأولى: تقول أن إخوة الضحية وابن عمها قاموا بدفنها في إحدى المزارع القريبة في مدينة طفس، مستغلين بذلك حالة الفلتان الأمني التي تشهدها المدينة. أما الرواية الثانية: تقول أنهم نقلوا الضحية إلى منطقة مهجورة في قرية “عشترة” في ريف درعا الغربي الواقعة شرقي بلدة “عدوان” عند نبع قديم يدعى “عين النيلة”، وهناك تم قتلها ودفنها، وهي منطقة مهجورة أيضاً.
السلطات المحلية تتجاهل أخبار مقتل “عبير”
تحدث الباحث الميداني لدى سوريون مع أحد الأشخاص (مصدر رابع) في قرية “أبو مذارة”، وهي القرية التي تنحدر منها “عبير”. حيث أكّد ذلك الشخص أنّه قام بإبلاغ السلطات المحلية المتواجدة في المنطقة بالجريمة وبضرورة تحقيق العدالة في قضية “عبير”، حيث أضاف المصدر:
“إنهم يسعون لطي صفحة القضية، [يقصد رئيس مخفر البلدة التابع للحكومة السورية في القنيطرة]. حين قمتُ بإبلاغ الشرطة بالحادثة أصيبوا بالهلع واعتبروا ذلك جريمة.. لكنهم ورغم مرور قرابة الشهر على الجريمة لم يتحركوا ولم يفعلوا أي شيء..”
وقال مضيفاً:
“بعد عدّة أيام من إبلاغي للسلطات عن الجريمة، التقيت صدفة برئيس المخفر في عزاء أحد الأشخاص الذين تم اغتيالهم من قبل مسلحين مجهولين في البلدة، وقمت بسؤاله حول قضية “عبير” مرة أخرى. قال لي بصراحة تامة: (ألا ترى أن البلد بحالة فوضى، وتدخلنا في الأمر سيزيد الطين بلة، اترك الأمر للعشائر لتحله، الدولة تمر بأيام صعبة). هذا كان رده!”
قوانين محليّة تعاقب المجرم ولكن …
لم يستخدم قانون العقوبات السوري العام مصطلح “جرائم الشرف” بشكل صريح، بل أشار إلى تلك الجرائم في الباب السابع تحت اسم “الجرائم المخلّة بالأخلاق والآداب العامّة”، الذي يحتوي على مجموعة أخرى من الجرائم إلى جانب الجريمة التي يسمّيها الفقهاء باسم “القتل بدافع الشرف”.
ونصّ قانون العقوبات السوري في المادّة 548 (حتى عام 2009) على إعفاء الرجل الذي يقتل زوجته أو أخته أو إحدى أصوله أو فروعه التي يفاجئها في جرم الزنا، أو صلات جنسية مع شخص آخر، من العقوبة بشكل كامل، وهو ما كان يسمّيه قانون العقوبات “بالعذر المحلّ”. ثم قام القانون نفسه بوضع حدّ أدنى للعقوبة بالسجن سنتين، ثمّ رفع الحدّ الأدنى لعقوبة جريمة القتل بدافع الشرف إلى خمس سنوات.
وبتاريخ 17 آذار/مارس 2020، أصدر الرئيس السوري “بشار الأسد” المرسوم التشريعي رقم (2) والذي قضى بإلغاء المادة (548). أي أن قانون العقوبات السوري الحالي بدأ بالتعاطي مع ما يسمّى بـ”جرائم الشرف” مثل تعاطيها مع أي جريمة أخرى.
المرسوم الرئاسي رقم (2) صادق على مشروع قانون أقرّه مجلس الشعب السوري بتاريخ 12 آذار/مارس 2020، والذي قم بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته والنصوص القانونية التي حلت محلها والمتعلقة بمنح العذر المخفف بـ “جرائم الشرف”.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد وثقّت (خلال الفترة الممتدة ما بين شهر كانون الثاني/يناير 2020 حتى شهر شباط/فبراير 2021) ما لا يقل عن 24 حادثة، قتلت فيها 16 امرأة على يد أقرباء لهم بحجة الشرف، بينما قُتلت 6 نساء أخريات لأسباب لم يتم الكشف عنها، حيث يُعتقد أنّ الدوافع الأساسية لها متعلقة بذات الذريعة.