اضُطرّ “حسن حجي أمين” إلى ترك مقاعد الدراسة في مرحلة مبكرّة، وانخرط في “الأعمال الحرّة” من أجل كسب قوت عائلته، فقط لأنه واحد من الكرد السوريين المحرومين من الجنسية، وتحديداً من فئة “مكتومي القيد”، حيث لم يتغير وضعه القانوني حتى يومنا هذا، رغم كل المحاولات الحثيثة للحصول على الجنسية السورية.
“حسن حجي أمين” من مواليد ريف مدينة رأس العين/سري كانيه عام 1979، وهو والد لثلاثة أطفال، روى لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة[1] عناء حرمانه من الجنسية قائلاً:
“بعد صدور المرسوم التشريعي رقم /49/ في عام 2011، تردّدتُ إلى دائرة النفوس الحكومية مراراً بغية تعديل وضع عائلتي القانوني، وللوهلة الأولى بدى صدور هذا المرسوم مفاجأة مُفرحة لنا، ولكن سرعان ما تبدّدت فرحتي، فبعد أشهر من التأجيل ومطالبة موظفي دائرة النفوس بأن أراجعهم لاحقاً للنظر في وضعي. أخبروني مطلع عام 2012، أنّ القرار يشمل فئة الأجانب فقط، ولا يشمل مكتومي القيد.[2]“
يصف “أمين” حرمان الكرد السوريين من فئة “مكتومي القيد”، الاستفادة من المرسوم التشريعي رقم /49/ بأنه خيبة أمل كبيرة له ولعائلته، لكن ورغم ذلك مازال يحاول جاهداً للحصول على حقّ المواطنة، وذلك من أجل أولاده، حيث تابع في هذا الصدد قائلاً:
“لم أفقد الأمل بشكل كلي بعد، فقد حاولت تغيير وضعي القانوني عن طريق محامين وسماسرة، وعلى الرغم من أنّ وضعي المادي ليس بالجيد، دفعت في السنوات القليلة الماضية مبالغ طائلة بالنسبة لي، وصلت لأكثر من ثلاثة ملايين ليرة سورية، بغية الحصول على الجنسية السورية، ولكن دون جدوى حتى الآن، لذلك سأستمرّ في المحاولة بشتّى الوسائل، أملاً في أن يحصل أولادي على حق المواطنة، الذي حرمت منه وكي يتمكنوا على الأقل من إكمال تعليمهم.”
جُرّدت عائلة “حسن أمين” من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 في محافظة الحسكة، إذ كان والده مواطناً سورياً، لكنه حُرم من الجنسية، ما حرم عائلته منذ ذلك الحين من كافة حقوقهم السياسية والمدينة، حيث تحدّث عن ذلك قائلاً:
“ليس لدينا الحقّ في الترّشح أو التصويت في الانتخابات، لأننا لا نملك أي وثائق تثبت هويتنا، والأسوأ من ذلك، أنه وبالرغم من عدم اعتبارنا مواطنين سوريين، لا يمكننا السفر إلى خارج سوريا بشكل قانوني أيضاً، أي أنّ الداخل السوري هو المساحة الوحيدة التي نستطيع التحرك ضمنها.”
وأضاف “أمين” بأنّ السفر داخل البلاد لم يكن بالأمر السهل عليهم، إذ كان يقتصر على الحالات الطارئة فقط، وخاصةّ المرضية، حيث سرد معاناته في هذا الصدد قائلاً:
“اضطررت في كثير من المرات إلى الحصول على موافقة أمنية من أجهزة الحكومة السورية للسفر إلى محافظات أخرى، كما لم يكن بإمكاني الحجز أو النوم في الفنادق، التي كانت ترفض استضافة من لا يحمل بطاقة شخصية أو جواز سفر، لذا كنت أضطر إلى المبيت عند أصدقائي أثناء زيارتي لحلب أو دمشق، بالإضافة إلى ذلك لا يحقّ لنا العلاج في المشافي العامة والتي لا تستقبلنا، لذا نضطرّ للحصول على العلاج في المشافي والعيادات الخاصة، التي تثقل كاهلنا بتكاليفها.”
يجد “حسن أمين” صعوبةً بالغةً في القراءة والكتابة باللغة العربية، حيث أنه ترك مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية، وتابع قائلاً في هذا الخصوص:
“كان الصف السادس الابتدائي محطتي الأخيرة في رحلة الدراسة، إذ تركتها لأنه لا يحق لمكتومي القيد الحصول على شهادة تخرّج من الجامعات السورية، العامة منها والخاصة، وحتى التسجيل في المدرسة الابتدائية يتم بموجب ورقة سند إقامة من مختار الحي، لذلك انتقلت للعمل مع أخواني في حراثة وسقاية الأراضي الزراعية بقريتنا “رجعان” في ريف رأس العين/ سري كانيه. لا أريد لأولادي أن يتركوا الدراسة مثلي، وأحاول جاهداً الحصول على الجنسية السورية، كي لا يعانون مثلي، ولكنني لم أنجح في ذلك حتى الآن.”
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة تظهر الشاهد “حسن أمين” مع أحد أبنائه خلال عمله في بيع الخضروات والفواكه في مدينة رأس العين/سري كانيه في محافظة الحسكة بتاريخ 10 أيلول/سبتمبر 2019.
يدير “حسن أمين” محلاً متواضعاً لبيع الخضروات والفواكه في رأس العين/سري كانيه، ويشقى لكسب قوت عائلته، المؤلفة من زوجته وأطفاله الثلاثة، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:
“انتقلنا للعيش في المدينة منذ نحو عقدين، إذ عملت فيها لعدّة سنين كعامل عادي في القطاع الخاص، وبأجور زهيدة، لأنني لا أملك أي أوراق ثبوتية، ولكنّ زوجتي مواطنة سورية، لذا فإنّ منزلي ومنزل أخي مسجّل باسمها في السجل العقاري الحكومي، لأنه لا يحق لمكتومي القيد التملّك، ما ألحق بنا ضرراً بالغاً اقتصادياً، حيث أننا نملك أرضاً زراعية تبلغ مساحتها 75 دونماً، لكننا لا نستطيع التصرف بها قانونياً لأنها كانت مسجّلة باسم والدي المتوفي، والذي لا تربطنا به قانونياً أي صلة في السجلات المدنية للحكومة السورية.”
اعتبر “أمين” أنّ الحل الوحيد لتعويض مكتومي القيد هو بمنحهم الجنسية والاعتذار لهم، حيث قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد:
“واجهت الكثير من المواقف المحرجة طوال حياتي لأنني لم أكن مواطناً، ففي مرات كثيرة كان يتم الاستهزاء بنا من قبل المواطنين الذين يحملون الجنسية السورية، وكنا نُعامل كغرباء في مجتمعنا، لذلك برأيي فإنّ السبيل الوحيد لتعويض مكتومي القيد هو بمنح الجنسية السورية لجميعهم، والاعتذار منهم، وأتمنى أن يحصل ذلك قريباً، كما يجب إعفاء الذكور ممن تجاوزوا التاسعة عشر من الخدمة العسكرية.”
[1] تمّت مقابلة الشاهد بشكل مباشر من قبل الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في 10 أيلول/سبتمبر 2019.
[2] بعد اندلاع الاحتجاجات السلمية في سوريا، والمطالبة بإجراء إصلاحات شاملة في البلاد صدر المرسوم التشريعي رقم (49) بتاريخ 7 نيسان/أبريل 2011، إذ نشر موقع مجلس الشعب السوري مرسوماً تشريعياً معنوناً بـ (منح الجنسية العربية السورية للمسجلين في سجلات أجانب الحسكة) جاء في مواده ما يلي:
المادة 1: يُمنح المُسجلون في سجلات أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية.
المادة 2: يُصدر وزير الداخلية القرارات المتضمنة للتعليمات التنفيذية لهذا المرسوم.
المادة 3: يُعتبر هذا المرسوم نافذاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
وبعد عدّة أشهر من صدور المرسوم رقم (49) من العام 2011، نُشرت أخبار بخصوص قرار وزاري يقضي بمعاملة فئة مكتومي القيد نفس معاملة الأجانب (فيما يخصّ الحصول على الجنسية)، إلّا أنّه وعند مراجعة العديد من الأشخاص المكتومين لدوائر السجل المدني/النفوس، كان الرد يأتيهم بعدم إنكار القرار والتأكيد على صدوره، ولكن عدم معرفة الجهة التي سوف تتولى تنفيذه.
للمزيد اقرأ: “المواطنة السورية المفقودة. منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 15 أيلول/سبتمبر 2018. (آخر زيارة للرابط 1 تشرين الأول/أكتوبر 2019). https://stj-sy.org/ar/746/.