تستمر العمليات العسكرية البرية والجوية التي تشنها القوات النظامية السورية بدعم من القوات الروسية على محافظة إدلب والجزء الشمالي من محافظة حماه منذ التصعيد الأخير الذي بدأ في أواخر نيسان المنصرم، حيث قتل جراء القصف الجوي والبري ما لا يقل عن 119 مدنياً بينهم 26 طفلاً و 14 إمرأة، وذلك خلال الفترة الواقعة بين 1 حزيران/يونيو 2019 وحتى الـ23 منه، كما أسفرت الهجمات عن خروج ثلاثة مراكز صحية ومشفيين وثمان مدارس[1] عن الخدمة بالإضافة إلى تضرر 16 دار عبادة (مسجد) بشكل كامل و/أو جزئي. بالتزامن مع ذلك، تستمر المعارك البرية بين القوات النظامية وروسيا من جهة وبين فصائل من المعارضة السوريّة المسلّحة/الجيش السوري الحر وهيئة تحرير الشام من جهة أخرى في ريف حماه الشمالي وأجزاء من ريف إدلب الجنوبي، ما سبب إلى جانب القصف موجات نزوح هائلة وصلت إلى حوالي 90 ألف عائلة.
الهجمات التي بدأت بالتزامن مع انعقاد ما بات يُعرف باسم “محادثات سوتشي” في 24 نيسان/أبريل 2019، ماتزال مستمرة فعليلاً رغم محاولات الوصول إلى هدنة. وسجلت خلال شهر أيار/مايو مقتل 235 مدنياً بينهم 56 طفلاً و59 امرأة، وما لا يقل عن 670 جريحاً مدنياً، علاوة على خروج ما لا يقل عن 21 مركزاً صحياً و ثمان مشافٍ و23 مدرسة[2] عن الخدمة بسبب تضررها بشكل جزئي و/أو كامل.
أولاً: استهداف المرافق الحيوية:
كثفت القوات النظامية والقوات الروسية قصفها على محافظة إدلب مستهدفة بشكل رئيسي الأحياء الشعبية والأسواق المكتظة والمرافق الحيوية من مشافٍ ومراكز صحية ومدارس، وتحدثت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة مع “عبد الرزاق الخليل” المسؤول الإعلامي في “مديرية صحة إدلب الحرة” (مؤسسة مستقلة) الذي قال إنهم سجلو تعرّض 8 مراكز صحية ومشافي لقصف وخرجوا عن الخدمة كما تسببت بعض الهجمات بسقوط ضحايا.
وأشار “الخليل” أن كل واحدة من هذه المنشآت التي تم استهدافها كانت تقدم خدمات طبية لأكثر من 150 ألف شخص ضمن المنطقة التي توجد بها، وتستقبل نحو 6000 حالة مرضية شهرياً. حيث وقعت الاستهدافات كالتالي:
- في يوم 28 نيسان/أبريل 2019 تعرض مشفى اللطامنة الجراحي ومشفى 111 للنساء والأطفال في قلعة المضيق لغارات جوية أسفرت عن خروجهما عن الخدمة.
- بتاريخ 30 نيسان/أبريل 2019 قصفت طائرات حربية روسية النقطة الطبية الوحيدة في بلدة الهبيط بغارتين متتاليتين أسفرتا عن دمارها بشكل كامل، وأيضاً عند قرابة الساعة العاشرة من اليوم ذاته تعرّض مركز الرعاية الأولية في الهبيط لقصف جوي أسفر عن دماره بالكامل دون إصابات في صفوف الكادر الطبي لأنهم كانوا قد أخلوه بعد تعرضه للاستهداف في الليلة السابقة.
- بتاريخ 5 أيار/مايو 2019 وفي الساعة الخامسة عصراً، استهدفت طائرة حربية روسية أقعلت من قاعدة حميميم العسكرية مشفى كفرنبل الجراحي المعروف باسم “أورينت” في مدينة كفرنبل بأكثر من 12 صاروخاً بعضها فراغي والآخر ارتجاجي، وأسفر القصف عن مقتل مدنيين اثنين وعن تدمير جزء كبير من المبنى وعدة محال تجارية جواره.
وفي اليوم ذاته، استهدفت طائرة حربية للقوات النظامية “نقطة شام” الإسعافية، وأدت إلى دمار في المبنى ومقتل ممرض فيها ومدني، وتدمير سيارة إسعاف.
كذلك وفي الساعة 3:30 عصراً من اليوم ذاته، تعرض مشفى “نبض الحياة” في بلدة حاس لغارتين متتاليتين من طائرات حربية روسية استخدم فيها صواريخ فراغية وارتجاجية، وأسفرت الهجمة عن دمار شامل في المشفى.
- في يوم 5 حزيران/يونيو 2019 عند الساعة التاسعة صباحاً تعرض المركز الصحي في بلدة الزربة لقصف أسفر عن أضرار مادية فقط، وفي اليوم ذاته عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، تعرض مشفى “الأمل للعظمية” في بلدة كنصفرة لفارة جوية أسفرت عن دمار جزئي.
إضافة إلى ذلك، قال الباحث الميداني لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة إن مشفى “الحكمة” في مدينة كفرنبل تعرض لقصف بصواريخ شديدة الإنفجار قرابة الساعة العاشرة من يوم 28 أيار/مايو 2019، مصدره معسكر بريديج في سهل الغاب بحماه، كما تعرض مشفى “الخطيب” في مدينة كفرنبل أيضاً لقصف بالصواريخ يوم 3 حزيران/يونيو 2019.
بدوره، قال الناشط المحلي “أحمد خطيب” لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة إن تجمع المدارس في قرية كنصفرة تعرض لقصف بالبراميل المتفجرة يوم 7 أيار/مايو 2019، حيث كان الإستهداف ببرميلين متتاليين، وتسبب بدمار مدرسة التعليم الأساسي للبنات ومدرسة “المحدثة” و”الريفية” بشكل جزئي، وفي يوم 8 أيار/مايو 2019 تعرض مدرسة “الزراعة” في التجمع ذاته للقصف جوي أيضاً وكانت الأضرار جزئية.
ثانياً: الضحايا والأوضاع الميدانية:
الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تحدث إلى “محمد حمروش” الناطق باسم المكتب الإعلامي للدفاع المدني/الخوذ البيضاء والذي قال إن الضحايا الذين سقطوا خلال منذ أيار/مايو وحزيران/يونيو 2019، بينهم سبعة من الكوادر الطبية و ثلاث متطوعين في الدفاع المدني وإعلاميان، وأوضح الباحث الميداني أن الإعلاميان هما: “أمجد باكير” إعلامي حربي ضمن “جيش إدلب الحر” والآخر “حسان اليونس” إعلامي في جهاز الشرطة الحرة التابعة لحكومة الإنقاذ/الواجهة الخدمية والسياسية لهيئة تحرير الشام.
وكانت منظمة “بنفسج” الإنسانية أعلنت مقتل ثلاثة من مسعفيها وإصابة ثلاثة آخرين بجراح خطيرة يوم 20 حزيران/يونيو 2019، جراء استهداف سيارة إسعاف تابعة لها بشكل مباشر بغارة جوية من الطيران الحربي في محيط مدينة معرة النعمان أثناء قيامهم بإسعاف مدنيين تعرضوا للقصف، والضحايا هم؛ سائر بهلول ومحمود المصطفى وعبد القادر نهتان.
وقال الباحث الميداني في محافظة إدلب إن موجات النزوح الكبيرة التي شهدها الريف الجنوبي للمحافظة قدرت بنزوح مالايقل عن 90 ألف عائلة، وفق ما أعلن “فريق منسقو الاستجابة شمالي سوريا”، وأضاف الباحث أن 27 مدينة وبلدة في ريف حماه الشمالي وريف إدلب الجنوبي باتت خالية من السكان بشكل كامل في حين أن مدن وبلدات كفرنبل وكنصفرة وجرجناز بقي فيها نحو 10 بالمئة من سكانها فقط.
وحول تغيّر خارطة السيطرة على الأرض، قال الباحث الميداني إن القوات النظامية السورية تمكنت من السيطرة على مدينة قلعة المضيق وقرى الحويز والشريعة والكركات وباب الطاقة والقصابية وقيراطة وتل هواش، في حين تمكنت الفصائل العسكرية (جيش العزة وجيش النصر والجبهة الوطنية للتحرير) المشاركة في المعارك إلى جانب هيئة تحرير الشام من استعادة السيطرة على قرية تل ملح والجبين وجزء من قرية جلمة، وذلك منذ بدأ العمليات العسكرية في 27 نيسان/أبريل 2019 وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
ورصد الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة ثلاث هجمات جوية كانت الأعنف خلال الشهر الجاري على محافظة إدلب، وتوجه إلى هذه المناطق بعد وقوع الضربات بوقت قليل جداً.
بتاريخ 10 حزيران/يونيو 2019، تعرضت قرية جبالا لغارة جوية وتوجه الباحث الميداني إلى المكان المستهدف في القرية وهو تجمع سكني، وشاهد ثلاثة شبان قتلوا نتيجة سقوط السقف فوقهم جراء القصف، وفي منزل قريب شاهد أربع جثث لأطفال يقوم ذويهم بانتشالهم من تحت الأنقاض على الرغم من أن الطيران الحربي ما يزال في الأجواء.
الناشط “محمد بلعاس” الذي توجه إلى المكان المستهدف أيضاً وقال إنه شاهد منازل مدمرة فوق ساكنيها وسط عجز الأهالي عن انتشال الضحايا من تحت الأنقاض، وأضاف أنه شاهد 3 شبان قد فارقوا الحياة بعد أن سقط السقف فوقهم وعجز الأهالي عن اسعافهم، كما أنه رافق أحد الأهالي إلى منزل آخر تم قصفه وكان هناك جثث لأربع أو خمس أطفال وهم أشلاء جمعهم الأهالي فوق قماش، وكانت والدة الأطفال قربهم بحالة سيئة جداً، ووصلت الآليات والمعدات لانتشال الضحايا بعد نحو 45 دقيقة من الضربة.
وبحسب “عبادة ذكرى” قائد قطاع الدفاع المدني في معرة النعمان، فإن حصيلة ضحايا هذا الاستهداف بلغت 13 قتيلاً بينهم أطفال ونساء ونحو 15 جريحاً، وأكد الباحث الميداني خلو القرية من المظاهر العسكرية وأن المكان المستهدف هو منطقة مدنية بالكامل، حيث أن أقرب مقر عسكري لفصائل المعارضة يقع على بعد نحو 8 كم عن القرية، وهو حاجر للجبهة الوطنية للتحرير، ولهذا السبب تعد القرية المستهدفة مكاناً آمناً نسبياً وقليل الاستهداف.
ونقل الباحث الميداني عن أحد المراصد المحلية “مرصد نادر” أن الطائرة الحربية من القوات النظامية من نوع سيخوي 24 أقلعت من مطار التيفور العسكري بحمص، وشنت الغارة بتوقيت 6:13 مساءاً يوم 10 حزيران/يونيو 2019، ونفذت الغارة بصاروخين فراغيين، ولكن قبل التنفيذ عملت الطائرة على تغير مسارها مرات عدة وحلقت بشكل دائري فوق الريف الجنوبي من كفرنيل إلى الهبيط ونفذت أخيراً في القرية، إضافة إلى تنفيذ آخر في قرية الهبيط الخالية من السكان.
أيضاً وفي اليوم ذاته وبتاريخ 10 حزيران/يونيو 2019، تعرّضت بلدة معرشورين لغارة جوية استهدفت وسط البلدة عند المنازل السكنية والواقعة قرب الساحة الرئيسية، وقال الباحث الميداني إن الغارة وقعت قرابة الساعة الواحدة ظهراً ونقل عن المرصد المحلي “حكمت” أن الطائرة الحربية التي نفذت الغارة من نوع سيخوي 22، ونفذت الغارة بأربع صواريخ فراغية، وأسفرت الهجمة عن مقتل 3 مدنيين وجرح 45 آخرين علاوة على تدمير أربعة منازل وسبعة محال تجارية.
وأكد الباحث الميداني أن البلدة خالية من المقرات العسكرية وكانت سابقاً تحت سيطرة “فيلق الشام”، وأن أقرب نقطة عسكرية متواجدة في المحيط تبعد نحو 7 كم، ولكنها خالية منذ مطلع العام الجاري، حيث كان سابقاً هناك حاجز لـ”حركة أحرار الشام الإسلامية”.
وفي تاريخ 19 حزيران/يونيو 2019 استهدفت طائرة حربية من نوع سيخوي 24 قرية بينين في جبل الزاوية/الزاويا بصاروخ فراغي، واستهدف محلاً لبيع المثلجات وآخر بجانبه لبيع الحلويات ومستودع أعلاف صغير قربهما، وأسفرت الغارة عن مقتل 12 مدنياً وإصابة 3 آخرين.
ونقل الباحث الميداني عن المرصد المحلي “حكمت” أن الطائرة التابعة للقوات النظامية أقلعت من مطار السين بحمص ونفذت الغارة قرابة الساعة الخامسة عصراً.
—
[1] تنّوه سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى أنّ المدارس كانت قدّ علقت الدوام الرسمي مع بداية التصعيد العسكري، علماً أن عدداً من المدارس المتضررة كانت تأوي نازحين، بينما كانت المدارس التي تعمل بشكل فعلي تستقبل حوالي 100 ألف طالب (على دوامين) بحسب الباحث الميداني لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
[2] تنّوه سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى أنّ المدارس كانت قدّ علقت الدوام الرسمي مع بداية التصعيد العسكري، علماً أن عدداً من المدارس المتضررة كانت تأوي نازحين، بينما كانت المدارس التي تعمل بشكل فعلي تستقبل حوالي 100 ألف طالب (على دوامين) بحسب الباحث الميداني لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة.