استطاعت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة الوصول إلى معلومات موثوقة مبنية على شهادات من أهالي وذوي معتقلين تفيد باستخدم “الجيش الوطني” التابع للحكومة السورية المؤقتة/المعارضة، الضرب والتعذيب كأداة لانتزاع اعترافات خلال عمليات الاحتجاز الجارية، ومنها ممارسات بحق ثلاثة أشخاص بينهم إمرأة كان قد تمّ اعتقالهم مع أربعة آخرين (جميعهم من المكون العربي) في منطقة تل أبيض السّورية التي تمّت السيطرة عليها بعد انطلاقة عملية “نبع السلام” التي بدأتها تركيا بمشاركة من فصائل سوريّة معارضة بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
إضافة إلى ذلك، رصدت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” قيام “الجيش الوطني” باحتجاز ما لا يقل عن 80 شخصاً من أبناء المنطقة نفسها (جميعهم من المكون العربي) وذلك على خلفية أدائهم واجب الدفاع الذاتي[1] (التجنيد الإلزامي) خلال فترة سيطرة الإدارة الذاتية. (وهو بمثابة عمليات التجنيد الإلزامي في مناطق سيطرة الحكومة السورية).
الشهادات المفصّلة، سردت عمليات تعذيب وسوء معاملة مارسها عناصر من “الجيش الوطني” داخل أماكن احتجاز تمّ إنشاؤها حديثاً، ولغرض هذا التقرير تحدّثت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى 8 أشخاص، بينهم ذوي معتقلين وأشخاص شهدوا بعض عمليات “التحقيق”. وطلبت المصادر عدم الكشف عن هويتهم وهوية المعتقلين في الوقت الحالي خوفاً على حياتهم حيث أنهم مازالوا معتقلين حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.[2]
تؤكد الشهادات أيضاً، أن فصيل “الجبهة الشامية” على وجه التحديد، قد استخدم أسلوب الإيهام بالغرق[3] و الشبح العكسي[4] وطريقة الدولاب[5] لانتزاع اعترافات، ورافق كل ذلك استخدام أداوات صلبة وحادة لضرب جسد المحتجزين، وبحسب الشهادات فقد استمرت عمليات التعذيب لساعات متواصلة بعضها تجاوز ست ساعات.
وأشارت مصادر لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة أن “الجيش الوطني” يتخذ من بعض الأبنية الحكومية السابقة التي استولى عليها في مدينة تل أبيض مقرات وأماكن احتجاز وتحقيق مؤقتة، قبل أن يتم إيداع المعتقلين في سجن تل أبيض (36°40’58.2″N 38°56’24.6″E).
وتشابه أساليب التعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة التي يستخدمها الجيش الوطني تلك الأساليب التي تستخدمها باقي أطراف النزاع ومنها الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية، والتي تعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وجرائم حرب محتملة.
وكان “الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة” قد نشر على موقعه الرسمي بتاريخ 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أن “الهيئة العامة لشؤون المعتقلين والمفقودين” قد زارت أحد مراكز الاحتجاز التابعة لـ”الجيش الوطني” وأكدت على أن حصول المعقلين على خدمات جيدة.[6] مما يؤكدّ على إنشاء وحقيقة وجود مراكز احتجاز من قبل فصائل “الجيش الوطني”.
سبق أن أعدت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تقريراً مفصلاً حول انتهاكات أخرى ارتكبها “الجيش الوطني” في مدينة تل أبيض السّورية، منها الاستيلاء على ممتلكات خاصة وعمليات سرقة إضافة إلى احتجاز مدنيين عند خطوط الاشتباك.[7]
1. عمليات اعتقال وتعذيب بحق ثلاثة أشخاص بينهم امرأة:
التقى الباحث الميداني لدى “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مع أربع أشخاص كانوا متواجدين أثناء حدوث عمليات تعذيب وانتزاع اعترافات من قبل فصائل معارضة، إضافة إلى لقاءه عدد من أقارب المعتقلين الذين أكدّوا تعرّض أبنائهم للتعذيب وسوء المعاملة، وتتحفظ سوريون من أجل الحقيقة والعدالة عن كشف أسماء المعتقلين المعنين بالحادثة -في الوقت الحالي- وأيضاً عن كشف سبب الاعتقال وذلك حرصاً على حياة المعتقلين والشهود.
قامت “الجبهة الشامية” باعتقال 7 أشخاص بينهم امرأة ومريض بالصرع على خلفية قضية واحدة، وتم اعتقالهم من منازلهم عبر مداهمات نفذها عناصر الجبهة الشامية، وتم احتجازهم وتعذيبهم في أحد المقرات التابعة للفصيل في مدينة تل أبيض، ومازالوا معتقلين حتى تاريخ إعداد هذا الخبر.
الشاهد الأول على عمليات التعذيب وانتزاع الاعترافات قال ما يلي:
“كنت جالساً في غرفة المحقق ويدعى (الشيخ جمعة) وهو قيادي في الجبهة الشامية، وكان المعتقل جالساً معنا في الغرفة ذاتها ولكنه كان معصوب العينين، وآثار الضرب والتعذيب واضحة على وجهه وجسده، لقد سرد له المحقق الاعترافات التي أدلى بها المعتقل وقال له: أنت اعترفت بذلك، فقال المعتقل: أنا اعترفت بذلك من شدة التعذيب وقلت لهم أني سأفعل كل ما يريدونه مقابل التوقف عن ضربي. لكن أنا بريء ولم أقم بأي عمل، فقال له المحقق وأنا أعرف أنك بريء ولكن لم نعد نستطيع إخراجك حتى نجد مخرجاً من القصة، وانتهى الحديث هنا وقاموا بإخراج المعتقل من الغرفة.”
الشاهد الثاني تحدث عن ما رآه قائلاً:
“لقد كنت موجوداً في مبنى البريد القديم، والذي اتخذه فصيل الجبهة الشامية مقراً لها حالياً، ولكنهم لم يسمحوا لي بالدخول إلى غرفة التحقيق وكان يوجد في المقر شخص اسمه (أبو عمر مارع) عرفت أنّه قائد في الأمنية، وقام بالصراخ على العناصر لأنهم سمحوا لي بدخول المقر، ووقفت بجانب غرفة المحقق وسمعت الحديث الذي يدور، لقد كان المعتقل في الغرفة مع المحقق وطلبوا منه الحديث، فقال المعتقل أنا بريء لم أفعل شيئاً فسأله المحقق لماذا اعترفت إذاً ؟ فقال المعتقل إذا كنت تحت التعذيب من الساعة الثانية ليلاً حتى العاشرة صباحاً فسوف تعترف بأي شيئ مقابل إنهاء التعذيب، قال له المحقق وكيف عرفت أنها الساعة العاشرة؟ فقال المعتقل بعد أن انتهى التعذيب جلبوا لي طعام الفطور وعادة يأتي الفطور عند الساعة العاشرة والنصف.”
وتابع الشاهد:
“المحقق أخبر المعتقل أنه تم تصويره وتصوير اعترافاته كلها، لكن المعتقل قال للمحقق أنه تم تصويره مرتين، وأن الاعترافات في كلا المقطعين متناقضة، حيث أن العناصر طلبوا من المعتقل سرد قصة مختلفة في كل مرة”.
ويتابع الشاهد أنه أصيب بالدهشة عندما سمع بقية الحوار بين المحقق والمعتقل، حيث تم اتهام المعتقل بإرتكاب أعمال خطيرة مقابل مبلغ مالي زهيد جداً، وبحسب الشاهد فإن المعتقل من العائلات الميسورة ويستحيل أن يقوم بمثل هذه الأعمال لقاء مبلغ لا يعادل 10% من دخله الشهري.
الشاهد الثالث تحدث عن اعتقال الجبهة الشامية للمرأة ووالدها، حيث قال:
“عندما قاموا باعتقال المرأة لم يسمح لهم والدها باعتقالها فأخذوه معهم أيضاً، وتم اعتقال المرأة ووالدها في نفس الزنزانة، كانوا يسمحون للوالد بالخروج إلى المنزل والعودة إلى المقر، وكانت تتم عملية التعذيب عندما يذهب والدها، في إحدى المرات عندما عاد الوالد لم يسمحوا له بالدخول للمقر وقالوا له إن التحقيق مع ابنته ما زال مستمراً وبعد انتهاء التحقيق سمحوا له بالدخول، ورأى أن ابنته تعرضت للتعذيب وأخبرته ابنته أنهم قاموا بإغراق رأسها بالماء مرات عدة حتى اعترفت لهم بما يريدون.”
وفي شهادات أخرى منفصلة، تحدث عدد من أقارب المعتقلين وأكدوا تعرض المعتقلين للتعذيب عبر الشبح العكسي والضرب المبرح والدولاب والإيهام بالغرق، وأكد الشهود أنهم رأوا آثار التعذيب والقيود على أيدي وأجساد المعتقلين الذين سمح لهم فصيل الجبهة الشامية بزيارتهم.
2. عمليات اعتقال جماعية بحق 80 شاباً:
منذ أن سيطر الجيش الوطني على منطقتي تل أبيض وسلوك بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر 2019 نفذت الفصائل التابعة له وهي “الجبهة الشامية” و”تجمع أحرار الشرقية” عمليات دهم واعتقال بحثاً عن أشخاص كانوا قد انضموا سابقاً أو عملوا مع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.
وتمكّن الفصيلان من اعتقال ما لا يقل عن 80 شاباً (جميعهم من المكون العربي) كانوا قد انضموا إلى قوات سوريا الديمقراطية في إطار أداء “واجب الدفاع الذاتي” (التجنيد الإلزامي) والذي كان مفروضاً عليهم آنذاك، وتم احتجاز الشبان في مراكز احتجاز غير رسمية -مقرات الفصائل وأبنية حكومية استولى عليها- ومن ثم تم نقلهم إلى “سجن تل أبيض” ليتم عرضهم على ما يمسى بـ”القضاء العسكري” الذي ينظر في قضية المعتقل ويحكم بها.
صورة مأخوذة من الأقمار الصناعية تظهر موقع سجن تل أبيض في محافظة الرقة (36°40’58.2″N 38°56’24.6″E).
وبحسب أحد الشهود -رفض كشف هويته- فإن “القضاء العسكري” قد اتخذ من مبنى في سجن تل أبيض مقراً له، وقد تم إطلاق سراح عدد من الشبان المعتقلين بعد أن قاموا بتسليم أسلحة خفيفة/بندقية، عن كل شخص منهم، ومن لم يملك منهم السلاح قام ذووه بشراء بندقية تسليمها للقضاء العسكري مقابل الإفراج عنه، وما يزال عدد كبير من المعتقلين قيد الاحتجاز.
وتجد الإشارة إلى أن عمليات الاعتقال التي ينفذها “الجيش الوطني” في منطقة تل أبيض تشابه تلك التي ينفذها في منطقة عفرين، حيث يجبر المعتقلون على دفع مبالغ مالية ككفالة أو فدية لقاء إطلاق سراحهم، وسبق أن أعدت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تقارير مفصلة عن تلك الحوادث.[8]
[1] للمزيد اقرأ على سبيل المثال ” عمليات تجنيد تحت بند “الحماية الذاتية” تتزايد في محافظة الحسكة”. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 5 آذار/مارس 2018. (آخر زيارة للرابط 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019). https://stj-sy.org/ar/448/.
[2] تتحفظ سوريون من أجل الحقيقة والعدالة على نشر المعلومات الكاملة للشهود وأسماء المحتجرين وباقي التفاصيل، على أنّ تشاركها مع هيئات أممية ذات ولاية واختصاص.
[3] يقوم “المحقق” في هذه الطريقة بوضع رأس المعتقل/ة في وعاء ماء كبير، لفترة معينة، حيث يتم إخراج رأس المعتقل قبل لحظات من حدوث الاختناق الذي يؤدي إلى الموت.
[4] تقوم هذه الطريقة على ربط يد المعتقل/ة إلى خلف ومن ثمّ يتم تعليقه إلى سقف الغرفة أو عن طريق آلة تسمّى “البلنكو”، وهي تختلف عن طريقة “الشبح العادي” والتي يتم فيها ربط أيدي المعتقل/ة إلى الأمام وتعليقه إلى السقف.
[5] تقوم هذه الطريقة على وضع المعتقل/ة ضمن “إطار للسيارات” بحيث يصبح مشلولاً عن الحركة، وبعدها يتمّ ضربة بواسطة السياط. للمزيد انظر على سبيل المثال وليس الحصر: ” في “اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب” ناجون سوريون يتحدثون عن تجارب اعتقالهم وآثارها النفسية والجسدية”. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 23 حزيران/يونيو 2017. (آخر زيارة للرابط 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019). https://stj-sy.org/ar/156/.
[6] الهيئة الوطنية لشؤون المعتقلين والمفقودين تجري زيارة ميدانية داخل سجن لواء 123 “أحرار الشرقية” من الجيش الوطني، الموقع الرسمي للإئتلاف الوطني المعرض بتاريخ 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، آخر زيارة بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، http://www.etilaf.org/%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/news/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%8A%D8%A6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%AA%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D9%82%D9%88%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D9%8A-%D8%AC%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%AA%D9%81%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84-%D8%B3%D8%AC%D9%86-%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%A1-123-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A.html.
[7] للمزيد انظر، تسجيل عدة انتهاكات ارتكبها الجيش الوطني في تل أبيض، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بتاريخ 18 نوفمبر 2019، آخر زيارة بتاريخ 27 نوفمبر 2019، https://stj-sy.org/ar/%d8%aa%d8%b3%d8%ac%d9%8a%d9%84-%d8%b9%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%86%d8%aa%d9%87%d8%a7%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d8%b1%d8%aa%d9%83%d8%a8%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7/.
[8] للمزيد انظر، توثيق 54 حالة اعتقال بينهم امرأتان في عفرين، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بتاريخ 5 نوفمبر 2019، آخر زيارة بتاريخ 27 نوفمبر 2019 https://stj-sy.org/ar/%d8%aa%d9%88%d8%ab%d9%8a%d9%82-54-%d8%ad%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84-%d8%a8%d9%8a%d9%86%d9%87%d9%85-%d8%a7%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d9%81/.